كلس Lime - Chaux
الكلس
الكلس الحي quicklime، هو أكسيد الكالسيوم CaO الناتج من شيّ الحجارة الكلسية limestone عند الدرجة 900 ْم- 1300 ْم. وتتوقف مواصفاته على طرائق الشيّ وطبيعة الحجر الكلسي ومواصفاته وخواصه وتركيبه. والكلس الناتج إما أن يباع كما هو، أو يكسر إلى أحجام صغيرة أو يطحن مسحوقاً ناعماً بحسب متطلبات الاستعمال فيما بعد.
لمحة تاريخية
تعود صناعة الكلس واستخداماته إلى عهود الحضارات القديمة في بلاد الشام ومصر وحضارات الإغريق والرومان، استخدمه المصريون القدماء في بناء الأهرامات، ومزج الإغريق والرومان التوف tuff (البوزولان pozzolan) البركاني بالكلس، واستخدموا المزيج ملاطاً يدعى بإسمنت البوزولان، يصنع بطحن 2-4 جزءاً من البوزولان مع جزء واحد من الكلس المطفأ. والبوزولان مادة غير إسمنتية في حد ذاتها، لكنها لاصقة عند مزجها بالكلس، ويمتاز هذا الإسمنت بمقاومته للحت الذي تمارسه المحاليل الملحية ومياه البحر، ومازال كثير من الأبنية القديمة التي استعمل فيها هذا الإسمنت قائماً حتى اليوم.
ولكن أول المعلومات المكتوبة فيما يتعلق بالكلس تعود إلى العهد الروماني. فقد عالج المهندس المعماري ماركوس بوليو Marcus Pollio، الذي عاش في عهد الامبراطور أغسطس (27ق.م-14م) في كتابه «الهندسة» استخدام الكلس في الملاط، وفي بناء الموانئ والأرصفة البحرية والمباني.
وفي العصر الحديث، استخدم المهاجرون الأوائل في المستعمرات الأمريكية الفرن «الحفيرة» الذي يبنى من الآجر العادي، أو يشيد في سفح تل، ووقوده نار الفحم أو الخشب عند القاع، ومدة شيّه تصل إلى 72 ساعة لشيّ الحجارة الكلسية. ومازال بالإمكان رؤية كثير من هذه الأفران في المناطق الريفية الأمريكية.
كان استخدام الكلس قبل عام 1900 مرتفع الكلفة مقارنة بما هو عليه اليوم، وذلك للطرائق البدائية التي كانت تتبع في تصنيعه أو استخراج خاماته. ولم تتطور صناعة الكلس إلى صناعة ضخمة إلا في القرن العشرين بفضل بحوث الهندسة الكيميائية والتحكم التقني الدقيق، وبفضل اختراع الآلة التي توفر الجهد، سواء في استخراج الحجارة الكلسية من المقالع أو تكسيرها أو نقلها أو شيّها، الأمر الذي أدى إلى إنتاج الكلس بتكلفة أقل، يستخدم في كل مكان، في البناء والطرق والمنشآت الصناعية والصناعات الكيميائية والغذائية والبترولية وفي معالجة المياه، وغيرها.
وجوده في الطبيعة
لا يوجد الكالسيوم أو أكسيده حراً في الطبيعة، ويعدّ الكالسيوم من أوسع العناصر القلوية الترابية انتشاراً، فهو يشكل 3.4% من القشرة الأرضية، ويوجد في الطبيعة على شكل أملاح الكربونات CaCO3 والبيكربونات Ca(HCO3)2 والكبريتات CaSO4 والفوسفات Ca3(PO4)2 والفلوريد CaF2.
ومن أهم مركبات الكالسيوم الكربوناتية المستعملة لتحضير الكلس الحي:
الدولوميت: وهو كربونات مضاعفة للكالسيوم والمغنيزيوم CaCO3 MgCO3، المستعمل في عمليات البناء ورصف الطرق، كما يدخل مادةَ حشوٍ مضافة إلى سماد نترات الأمونيوم؛ لتعديل حموضة السماد بتشكيل نترات الكالسيوم والمغنيزيوم، ومخفف لتمييع السماد ومنع انفجاره.
كربونات الكالسيوم المتبلورة واللامتبلورة كالآرغونيت والكالسيت والرخام والطباشير والأصداف البحرية والحوار التي لها جميعاً الصيغة CaCO3.
استحصاله
الكلس الحي سلعة رخيصة يمكن الحصول عليه من الحجارة الكلسية المنتشرة في كثير من بقاع العالم. ويجري إنتاجه إما قرب المقالع أو قرب مراكز الاستهلاك حيث تكون أجور الشحن منخفضة. ويُختار لإنتاج الكلس مقالع الحجارة التي تنتج صخراً يحتوي على نسب قليلة من شوائب السيلكا أو الطين أو الحديد، لأن الكتل التي توجد أحياناً في الكلس المطفأ هي نتيجة للتبدلات في أكسيد الكالسيوم الذي يشكل مادة نصف متزججة خاملة نسبياً بتفاعله في أثناء الشيّ مع بعض شوائب السيليكات، وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تكليس غير كاف فتبقى كتل من كربونات الكلسيوم في الكلس، وعندها يُطلق عليه تسمية الكلس «الناقص الحرق».
والخطوات التي تُجرى لإنتاج الكلس الحي هي:
ـ استخراج الحجر الكلسي من سطح المقلع أو أحياناً من عروق تحت الأرض.
ـ تفتيت وتكسير الحجارة في كسّارات ومطاحن وآلات خاصة إلى أحجام أصغر.
ـ تصنيف الحجارة حسب حجومها في غرابيل خاصة.
ـ نقل فتات الحجر الكلسي لطحنها إلى مسحوق ناعم من أجل الزراعة وأغراض أخرى.
ـ حرق الحجر الكلسي حسب الحجم (10-20سم) في أفران عمودية؛ لإنتاج كتل الكلس الحي، أو (دون الـ 10سم) في أفران أفقية دوارة لإنتاج الكلس الحي الناعم.
ـ تبريد الكلس النهائي وطرحه للبيع والاستهلاك أو نقله إلى جهاز الإماهة (الإطفاء)، لتحويله إلى كلس مطفئ. ويتم شيّ الحجارة الكلسية بدرجة حرارة لا تقل عن 900 ْم فيحدث التفاعل الآتي:
وتتم هذه العملية بطريقتين:
1ـ الطريقة القديمة المتقطعة: والتي توضع فيها الحجارة الكلسية في أكوام مغطاة بالطين، يحرق فيها فحم الكوك أو الحطب أو أي مصدر آخر للحرارة مدة عدة أيام حتى تتفكك كامل كمية كربونات الكالسيوم، ثم يطفأ اللهب وتترك كتلة الكلس الحيّ الناتجة لتتبرد.
2 ـ الطريقة الحديثة المستمرة حيث يتم فيها إنتاج الكلس إما بالأفران الأفقية الدوارة أو العمودية الثابتة، حيث توضع قطع الحجارة الكلسية من الفتحة العليا للفرن تباعاً وتخرج تباعاً كلساً حياً من الفتحة الأخرى.
يصنع جسم الفرن الأفقي الدوار من الفولاذ الثقيل، ويبطن من الداخل بآجر مقاوم للحرارة. وهو مائل بمقدار 4 درجات، ويدور بعكس عقارب الساعة بسرعة 1- 2 دورة/د. يبلغ طول الفرن 45-60م بقطر 5 م تقريباً. وتبلغ نسبة القطر إلى الطول من 1: 10 إلى 1: 12.
يُسخن الحجر الكلسي مسبقاً لتخفيف استهلاك الوقود بالهواء والغازات الحارة الخارجة من الفرن. تعمل هذه الأفران بالفتاتات أو بالكتل الصغيرة للحجر الكلسي. وتتميز الأفران الدوارة بطاقة عالية تبلغ 1600طن/يوم، وتنتج كلساً جيداً متجانساً لكنه يحتاج إلى توظيفات مالية كبيرة، ويستهلك كمية كبيرة من الطاقة، كما يحتاج إلى أجهزة مكلفة جداً لجمع الغبار الناتج.
للأفران العمودية الثابتة عشرات التصاميم، وتصنع أيضاً من الفولاذ الثقيل وتبطن من الداخل بآجر مقاوم للحرارة. هناك فرن محسّن هو فرن مايرز - أوفنباو Maerz-Ofenbau ذو الجذع المزدوج، الذي يزيد من الإنتاج ويقلل استهلاك الطاقة، ويسخن بالغاز الطبيعي. يتألف الفرن من جذعين يرتبطان بالثلث الأسفل من الفرن. يلقم الوقود بالتناوب إلى الجذعين على فترات فاصلة مدتها 10-12دقيقة. ويَحول التكليس المتناوب دون الإفراط في حرق الكلس وينتج كلساً مماثلاً في نوعيته للكلس الذي تنتجه الأفران الأفقية الدوارة مع استهلاك نصف ما تستهلكه من وقود.
تبلغ النسب العادية للوقود من أجل التكليس، باستخدام الفحم القاري، 3.23كغ من الكلس لكل 1كغ من الفحم في الأفران العمودية الثابتة، و3.37كغ في الأفران الأفقية الدوارة.
يمكن تقسيم الحرارة اللازمة لتكليس الطن الواحد من الكلس المنتج إلى جزأين: حرارة محسوسة لرفع حرارة الصخر إلى درجة حرارة التحلل، والحرارة الكامنة للتفكك. تبلغ كمية الحرارة النظرية اللازمة لإنتاج طن واحد من الكلس (إذا سُخِّن الصخر فقط إلى900 ْم)، نحو 1.4غيغا جول للحرارة المحسوسة و2.7غيغا جول للحرارة الكامنة.
خواصه الفيزيائية
الكلس الحي كتل بيضاء اللون أو بيضاء رمادية، يمتص الرطوبة من الهواء، وزنه النوعي 3.4 وينصهر في الدرجة2570 ْم.
خواصه الكيميائية
يتفاعل مع الماء مشكلاً ماءات (هدروكسيد) الكالسيوم أو ما يسمى الكلس المطفأ، مع انطلاق كمية من الحرارة حسب التفاعل الكيميائي الآتي:
ويذوب في الأحماض اللاعضوية والعضوية ويشكل أملاحها الكالسيومية:
مركبات الكلس وأهميتها
يعدّ الكلس من المركبات القلوية الفعالة والنشطة كيميائياً، ويعدّ المادة الأولية للعديد من المركبات الكيميائية والتي من أهمها:
آ- هدروكسيد (ماءات) الكالسيوم Ca(OH)2: ويحضر بمعالجة الكلس بالماء، وتسمى العملية إطفاء، ويستعمل الكلس المطفأ بدلاً من الكلس الحيّ في العديد من الصناعات الكيميائية، وفي عمليات البناء، وهو ضعيف الذوبان في الماء. ولهدروكسيد الكالسيوم صفات قلوية ويمتص غاز الفحم CO2 بسهولة، لذلك يستعمل كاشفاً لثاني أكسيد الفحم:
ويمكن تصنيع هدروكسيد الكالسيوم إما بطريقة متقطعة أو مستمرة، والطريقة المستمرة لها ميزة الإنتاج الضخم والتحكم، في حين تعد الطريقة المتقطعة أكثر اقتصادية للإنتاج غير الضخم.
يطفأ الكلس الحي بالطريقة الرطبة الآلية المستمرة في جهاز يسمى «المُصّول». يحوي المصول على أسطوانة دوارة مثقبة، وفي داخل الأسطوانة وعلى طول محورها أنبوب مثقب يرسل الماء على شكل رذاذ، يرسل الكلس الحي إلى داخل الأسطوانة فيتفاعل مع الماء وتنتشر من جراء ذلك حرارة كبيرة، يمر لبن الكلس المتشكل من خلال ثقوب الأسطوانة ليتجمع في مستودع، أما الكتل التي لم تنحل في الماء كالأنوية التي لم يتم حرقها (والتي ما زالت على شكل كربونات إضافة إلى المركبات السيليكونية) فتتقلب داخل الأسطوانة وهكذا حتى تخرج إلى خارج المُصّول. يحافظ على درجة الحرارة في أثناء عملية الإطفاء على نحو لا تزيد على90 ْم. ويجفف لبن الكلس الناتج أو يمدد بالماء لتحضير لبن كلس بكثافات مختلفة.
ب - كربيد الكالسيوم:
يحضر بكميات كبيرة جداً بتسخين الكلس الحي مع فحم الكوك في الدرجة 2000 ْم في أفران الأقواس الكهربائية:
ينصهر الكربيد المتكّون عند هذه الدرجة من الحرارة ويخرج من الفرن حيث يبرد، على شكل قطع بيضاء إذا كان نقياً أو بلون رمادي أو أسود إذا كان مشوباً، ووزنه النوعي نحو 2.22، والتجاري منه يحوي شوائب 2% من الكربون، ونحو10% من الكلس. وللكربيد أهمية كبرى في الصناعة، فإذا ما عولج بالماء تحوّل إلى ماءات الكالسيوم ويطلق غاز الأستيلين اللازم لاصطناع المواد العضوية المهمة كالكحول الإيتيلي وحمض الخل والألدهيد الإيتيلي واللدائن، كما يستخدم في لحام المعادن بالحملاج الأكسي أستيليني:
ج - كلور الكلس القاصر CaOCl2:
يحضر من إشباع الكلس المطفأ بغاز الكلور، في أجهزة وآلات معدنية مبطنة من الداخل بالرصاص:
وتعدّ هذه المادة من المواد الحاملة للكلور، وتستعمل في تعقيم المياه وإزالة ألوان القطن والكتان والألياف النباتية، ولتحضير ماء جافيل (تحت كلوريت الصوديوم) بتفاعلها مع كربونات الصوديوم:
د - نترات الكالسيوم:
تحضر من تفاعل أكسيد الكالسيوم أو كربوناته أو هدروكسيده مع حمض الآزوت، وتعدّ من الأسمدة النتراتية المهمة:
هـ - ليمونات (سترات) الكالسيوم C12H10Ca3O14 .4H2O
يعدّ هذا الملح تقريباً عديم الانحلال في الماء، وينتج كمرحلة وسطى في إنتاج حمض الليمون من تخمّر السكريات.
الاستعمالات:
يباع الكلس عادة كلساً حيّاً عالي الكالسيوم، ويحتوي على مالا يقل عن 90% من أكسيد الكالسيوم CaO و0- 5% من المغنيسيا MgO وعلى نسبة قليلة من شوائب كربونات الكالسيوم، والسيليكا، والألومينا، وأكسيد الحديد.
تعتمد مناسبة الكلس لأي استخدام خاص على تركيبه وخواصه الفيزيائية، ويمكن التحكم بتلك الخواص عن طريق اختيار الحجر الكلسي وعملية التصنيع. واعتماداً على التركيب هناك عدة نماذج مميزة من الكلس، فيُحصل على الكلس الهدروليكي hydraulic lime من حرق الحجر الكلسي الذي يحتوي على الطين.
ويلزم لبعض الأعمال الكيميائية محتوى عال من الكالسيوم، باستثناء معالجة الورق بالسلفيت، حيث يكون الكلس المغنيسي magnesian lime أكثر فائدة. وهناك أيضاً أوساط كثيرة في صناعة البناء تفضل الكلس عالي الكالسيوم لتصنيع جص الملاط الكلسي.
يستعمل أكسيد الكالسيوم في البناء، ويدخل في صناعة الورق، وكربيد الكالسيوم، ومعالجة المياه، والتعدين، والزجاج، والإسمنت، والمبيدات الحشرية والفطرية، وإزالة الشعر من الجلود قبل عمليات الدباغة، وتكرير السكر، وتكرير النفط، وإصلاح التربة الحمضية، وامتصاص الغازات الحمضيّة، وتحضير مركبات الكلسيوم الأخرى، وتصنيع شحوم التزليق الكالسيومية، وفي صناعة المطاط، والصناعات الكيميائية والغذائية والبترولية المتعددة الأخرى، وكعامل صهر مساعد في صناعة الفولاذ.
طارق إسماعيل كاخيا
الكلس
الكلس الحي quicklime، هو أكسيد الكالسيوم CaO الناتج من شيّ الحجارة الكلسية limestone عند الدرجة 900 ْم- 1300 ْم. وتتوقف مواصفاته على طرائق الشيّ وطبيعة الحجر الكلسي ومواصفاته وخواصه وتركيبه. والكلس الناتج إما أن يباع كما هو، أو يكسر إلى أحجام صغيرة أو يطحن مسحوقاً ناعماً بحسب متطلبات الاستعمال فيما بعد.
لمحة تاريخية
تعود صناعة الكلس واستخداماته إلى عهود الحضارات القديمة في بلاد الشام ومصر وحضارات الإغريق والرومان، استخدمه المصريون القدماء في بناء الأهرامات، ومزج الإغريق والرومان التوف tuff (البوزولان pozzolan) البركاني بالكلس، واستخدموا المزيج ملاطاً يدعى بإسمنت البوزولان، يصنع بطحن 2-4 جزءاً من البوزولان مع جزء واحد من الكلس المطفأ. والبوزولان مادة غير إسمنتية في حد ذاتها، لكنها لاصقة عند مزجها بالكلس، ويمتاز هذا الإسمنت بمقاومته للحت الذي تمارسه المحاليل الملحية ومياه البحر، ومازال كثير من الأبنية القديمة التي استعمل فيها هذا الإسمنت قائماً حتى اليوم.
ولكن أول المعلومات المكتوبة فيما يتعلق بالكلس تعود إلى العهد الروماني. فقد عالج المهندس المعماري ماركوس بوليو Marcus Pollio، الذي عاش في عهد الامبراطور أغسطس (27ق.م-14م) في كتابه «الهندسة» استخدام الكلس في الملاط، وفي بناء الموانئ والأرصفة البحرية والمباني.
وفي العصر الحديث، استخدم المهاجرون الأوائل في المستعمرات الأمريكية الفرن «الحفيرة» الذي يبنى من الآجر العادي، أو يشيد في سفح تل، ووقوده نار الفحم أو الخشب عند القاع، ومدة شيّه تصل إلى 72 ساعة لشيّ الحجارة الكلسية. ومازال بالإمكان رؤية كثير من هذه الأفران في المناطق الريفية الأمريكية.
كان استخدام الكلس قبل عام 1900 مرتفع الكلفة مقارنة بما هو عليه اليوم، وذلك للطرائق البدائية التي كانت تتبع في تصنيعه أو استخراج خاماته. ولم تتطور صناعة الكلس إلى صناعة ضخمة إلا في القرن العشرين بفضل بحوث الهندسة الكيميائية والتحكم التقني الدقيق، وبفضل اختراع الآلة التي توفر الجهد، سواء في استخراج الحجارة الكلسية من المقالع أو تكسيرها أو نقلها أو شيّها، الأمر الذي أدى إلى إنتاج الكلس بتكلفة أقل، يستخدم في كل مكان، في البناء والطرق والمنشآت الصناعية والصناعات الكيميائية والغذائية والبترولية وفي معالجة المياه، وغيرها.
وجوده في الطبيعة
لا يوجد الكالسيوم أو أكسيده حراً في الطبيعة، ويعدّ الكالسيوم من أوسع العناصر القلوية الترابية انتشاراً، فهو يشكل 3.4% من القشرة الأرضية، ويوجد في الطبيعة على شكل أملاح الكربونات CaCO3 والبيكربونات Ca(HCO3)2 والكبريتات CaSO4 والفوسفات Ca3(PO4)2 والفلوريد CaF2.
ومن أهم مركبات الكالسيوم الكربوناتية المستعملة لتحضير الكلس الحي:
الدولوميت: وهو كربونات مضاعفة للكالسيوم والمغنيزيوم CaCO3 MgCO3، المستعمل في عمليات البناء ورصف الطرق، كما يدخل مادةَ حشوٍ مضافة إلى سماد نترات الأمونيوم؛ لتعديل حموضة السماد بتشكيل نترات الكالسيوم والمغنيزيوم، ومخفف لتمييع السماد ومنع انفجاره.
كربونات الكالسيوم المتبلورة واللامتبلورة كالآرغونيت والكالسيت والرخام والطباشير والأصداف البحرية والحوار التي لها جميعاً الصيغة CaCO3.
استحصاله
الكلس الحي سلعة رخيصة يمكن الحصول عليه من الحجارة الكلسية المنتشرة في كثير من بقاع العالم. ويجري إنتاجه إما قرب المقالع أو قرب مراكز الاستهلاك حيث تكون أجور الشحن منخفضة. ويُختار لإنتاج الكلس مقالع الحجارة التي تنتج صخراً يحتوي على نسب قليلة من شوائب السيلكا أو الطين أو الحديد، لأن الكتل التي توجد أحياناً في الكلس المطفأ هي نتيجة للتبدلات في أكسيد الكالسيوم الذي يشكل مادة نصف متزججة خاملة نسبياً بتفاعله في أثناء الشيّ مع بعض شوائب السيليكات، وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تكليس غير كاف فتبقى كتل من كربونات الكلسيوم في الكلس، وعندها يُطلق عليه تسمية الكلس «الناقص الحرق».
والخطوات التي تُجرى لإنتاج الكلس الحي هي:
ـ استخراج الحجر الكلسي من سطح المقلع أو أحياناً من عروق تحت الأرض.
ـ تفتيت وتكسير الحجارة في كسّارات ومطاحن وآلات خاصة إلى أحجام أصغر.
ـ تصنيف الحجارة حسب حجومها في غرابيل خاصة.
ـ نقل فتات الحجر الكلسي لطحنها إلى مسحوق ناعم من أجل الزراعة وأغراض أخرى.
ـ حرق الحجر الكلسي حسب الحجم (10-20سم) في أفران عمودية؛ لإنتاج كتل الكلس الحي، أو (دون الـ 10سم) في أفران أفقية دوارة لإنتاج الكلس الحي الناعم.
ـ تبريد الكلس النهائي وطرحه للبيع والاستهلاك أو نقله إلى جهاز الإماهة (الإطفاء)، لتحويله إلى كلس مطفئ. ويتم شيّ الحجارة الكلسية بدرجة حرارة لا تقل عن 900 ْم فيحدث التفاعل الآتي:
وتتم هذه العملية بطريقتين:
1ـ الطريقة القديمة المتقطعة: والتي توضع فيها الحجارة الكلسية في أكوام مغطاة بالطين، يحرق فيها فحم الكوك أو الحطب أو أي مصدر آخر للحرارة مدة عدة أيام حتى تتفكك كامل كمية كربونات الكالسيوم، ثم يطفأ اللهب وتترك كتلة الكلس الحيّ الناتجة لتتبرد.
2 ـ الطريقة الحديثة المستمرة حيث يتم فيها إنتاج الكلس إما بالأفران الأفقية الدوارة أو العمودية الثابتة، حيث توضع قطع الحجارة الكلسية من الفتحة العليا للفرن تباعاً وتخرج تباعاً كلساً حياً من الفتحة الأخرى.
يصنع جسم الفرن الأفقي الدوار من الفولاذ الثقيل، ويبطن من الداخل بآجر مقاوم للحرارة. وهو مائل بمقدار 4 درجات، ويدور بعكس عقارب الساعة بسرعة 1- 2 دورة/د. يبلغ طول الفرن 45-60م بقطر 5 م تقريباً. وتبلغ نسبة القطر إلى الطول من 1: 10 إلى 1: 12.
يُسخن الحجر الكلسي مسبقاً لتخفيف استهلاك الوقود بالهواء والغازات الحارة الخارجة من الفرن. تعمل هذه الأفران بالفتاتات أو بالكتل الصغيرة للحجر الكلسي. وتتميز الأفران الدوارة بطاقة عالية تبلغ 1600طن/يوم، وتنتج كلساً جيداً متجانساً لكنه يحتاج إلى توظيفات مالية كبيرة، ويستهلك كمية كبيرة من الطاقة، كما يحتاج إلى أجهزة مكلفة جداً لجمع الغبار الناتج.
للأفران العمودية الثابتة عشرات التصاميم، وتصنع أيضاً من الفولاذ الثقيل وتبطن من الداخل بآجر مقاوم للحرارة. هناك فرن محسّن هو فرن مايرز - أوفنباو Maerz-Ofenbau ذو الجذع المزدوج، الذي يزيد من الإنتاج ويقلل استهلاك الطاقة، ويسخن بالغاز الطبيعي. يتألف الفرن من جذعين يرتبطان بالثلث الأسفل من الفرن. يلقم الوقود بالتناوب إلى الجذعين على فترات فاصلة مدتها 10-12دقيقة. ويَحول التكليس المتناوب دون الإفراط في حرق الكلس وينتج كلساً مماثلاً في نوعيته للكلس الذي تنتجه الأفران الأفقية الدوارة مع استهلاك نصف ما تستهلكه من وقود.
تبلغ النسب العادية للوقود من أجل التكليس، باستخدام الفحم القاري، 3.23كغ من الكلس لكل 1كغ من الفحم في الأفران العمودية الثابتة، و3.37كغ في الأفران الأفقية الدوارة.
يمكن تقسيم الحرارة اللازمة لتكليس الطن الواحد من الكلس المنتج إلى جزأين: حرارة محسوسة لرفع حرارة الصخر إلى درجة حرارة التحلل، والحرارة الكامنة للتفكك. تبلغ كمية الحرارة النظرية اللازمة لإنتاج طن واحد من الكلس (إذا سُخِّن الصخر فقط إلى900 ْم)، نحو 1.4غيغا جول للحرارة المحسوسة و2.7غيغا جول للحرارة الكامنة.
خواصه الفيزيائية
الكلس الحي كتل بيضاء اللون أو بيضاء رمادية، يمتص الرطوبة من الهواء، وزنه النوعي 3.4 وينصهر في الدرجة2570 ْم.
خواصه الكيميائية
يتفاعل مع الماء مشكلاً ماءات (هدروكسيد) الكالسيوم أو ما يسمى الكلس المطفأ، مع انطلاق كمية من الحرارة حسب التفاعل الكيميائي الآتي:
ويذوب في الأحماض اللاعضوية والعضوية ويشكل أملاحها الكالسيومية:
مركبات الكلس وأهميتها
يعدّ الكلس من المركبات القلوية الفعالة والنشطة كيميائياً، ويعدّ المادة الأولية للعديد من المركبات الكيميائية والتي من أهمها:
آ- هدروكسيد (ماءات) الكالسيوم Ca(OH)2: ويحضر بمعالجة الكلس بالماء، وتسمى العملية إطفاء، ويستعمل الكلس المطفأ بدلاً من الكلس الحيّ في العديد من الصناعات الكيميائية، وفي عمليات البناء، وهو ضعيف الذوبان في الماء. ولهدروكسيد الكالسيوم صفات قلوية ويمتص غاز الفحم CO2 بسهولة، لذلك يستعمل كاشفاً لثاني أكسيد الفحم:
ويمكن تصنيع هدروكسيد الكالسيوم إما بطريقة متقطعة أو مستمرة، والطريقة المستمرة لها ميزة الإنتاج الضخم والتحكم، في حين تعد الطريقة المتقطعة أكثر اقتصادية للإنتاج غير الضخم.
يطفأ الكلس الحي بالطريقة الرطبة الآلية المستمرة في جهاز يسمى «المُصّول». يحوي المصول على أسطوانة دوارة مثقبة، وفي داخل الأسطوانة وعلى طول محورها أنبوب مثقب يرسل الماء على شكل رذاذ، يرسل الكلس الحي إلى داخل الأسطوانة فيتفاعل مع الماء وتنتشر من جراء ذلك حرارة كبيرة، يمر لبن الكلس المتشكل من خلال ثقوب الأسطوانة ليتجمع في مستودع، أما الكتل التي لم تنحل في الماء كالأنوية التي لم يتم حرقها (والتي ما زالت على شكل كربونات إضافة إلى المركبات السيليكونية) فتتقلب داخل الأسطوانة وهكذا حتى تخرج إلى خارج المُصّول. يحافظ على درجة الحرارة في أثناء عملية الإطفاء على نحو لا تزيد على90 ْم. ويجفف لبن الكلس الناتج أو يمدد بالماء لتحضير لبن كلس بكثافات مختلفة.
ب - كربيد الكالسيوم:
يحضر بكميات كبيرة جداً بتسخين الكلس الحي مع فحم الكوك في الدرجة 2000 ْم في أفران الأقواس الكهربائية:
ينصهر الكربيد المتكّون عند هذه الدرجة من الحرارة ويخرج من الفرن حيث يبرد، على شكل قطع بيضاء إذا كان نقياً أو بلون رمادي أو أسود إذا كان مشوباً، ووزنه النوعي نحو 2.22، والتجاري منه يحوي شوائب 2% من الكربون، ونحو10% من الكلس. وللكربيد أهمية كبرى في الصناعة، فإذا ما عولج بالماء تحوّل إلى ماءات الكالسيوم ويطلق غاز الأستيلين اللازم لاصطناع المواد العضوية المهمة كالكحول الإيتيلي وحمض الخل والألدهيد الإيتيلي واللدائن، كما يستخدم في لحام المعادن بالحملاج الأكسي أستيليني:
ج - كلور الكلس القاصر CaOCl2:
يحضر من إشباع الكلس المطفأ بغاز الكلور، في أجهزة وآلات معدنية مبطنة من الداخل بالرصاص:
وتعدّ هذه المادة من المواد الحاملة للكلور، وتستعمل في تعقيم المياه وإزالة ألوان القطن والكتان والألياف النباتية، ولتحضير ماء جافيل (تحت كلوريت الصوديوم) بتفاعلها مع كربونات الصوديوم:
د - نترات الكالسيوم:
تحضر من تفاعل أكسيد الكالسيوم أو كربوناته أو هدروكسيده مع حمض الآزوت، وتعدّ من الأسمدة النتراتية المهمة:
هـ - ليمونات (سترات) الكالسيوم C12H10Ca3O14 .4H2O
يعدّ هذا الملح تقريباً عديم الانحلال في الماء، وينتج كمرحلة وسطى في إنتاج حمض الليمون من تخمّر السكريات.
الاستعمالات:
يباع الكلس عادة كلساً حيّاً عالي الكالسيوم، ويحتوي على مالا يقل عن 90% من أكسيد الكالسيوم CaO و0- 5% من المغنيسيا MgO وعلى نسبة قليلة من شوائب كربونات الكالسيوم، والسيليكا، والألومينا، وأكسيد الحديد.
تعتمد مناسبة الكلس لأي استخدام خاص على تركيبه وخواصه الفيزيائية، ويمكن التحكم بتلك الخواص عن طريق اختيار الحجر الكلسي وعملية التصنيع. واعتماداً على التركيب هناك عدة نماذج مميزة من الكلس، فيُحصل على الكلس الهدروليكي hydraulic lime من حرق الحجر الكلسي الذي يحتوي على الطين.
ويلزم لبعض الأعمال الكيميائية محتوى عال من الكالسيوم، باستثناء معالجة الورق بالسلفيت، حيث يكون الكلس المغنيسي magnesian lime أكثر فائدة. وهناك أيضاً أوساط كثيرة في صناعة البناء تفضل الكلس عالي الكالسيوم لتصنيع جص الملاط الكلسي.
يستعمل أكسيد الكالسيوم في البناء، ويدخل في صناعة الورق، وكربيد الكالسيوم، ومعالجة المياه، والتعدين، والزجاج، والإسمنت، والمبيدات الحشرية والفطرية، وإزالة الشعر من الجلود قبل عمليات الدباغة، وتكرير السكر، وتكرير النفط، وإصلاح التربة الحمضية، وامتصاص الغازات الحمضيّة، وتحضير مركبات الكلسيوم الأخرى، وتصنيع شحوم التزليق الكالسيومية، وفي صناعة المطاط، والصناعات الكيميائية والغذائية والبترولية المتعددة الأخرى، وكعامل صهر مساعد في صناعة الفولاذ.
طارق إسماعيل كاخيا