تعرفوا على الدولة الفاطمية العبيدية (5)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تعرفوا على الدولة الفاطمية العبيدية (5)


    التاريخ


    ‏١٦ مارس‏، الساعة ‏٦:١٢ م‏ ·
    الدولة الفاطمية العبيدية (5)
    ------------------------------------------
    مازلنا مع دولة بلكين ابن زيري الصنهاجي والي الفاطميين على إفريقية .. وهذه قائمة حكام بني زيري في القيروان والمهدية منذ نشأتها إلى سقوطها :
    ▪︎1- بلكين بن زيري بن مناد بن منقوش الصنهاجي 362- 374هـ ، 973- 984م.
    ▪︎2- المنصور بن بلكين بن زيري 374- 386هـ، 984- 996م.
    ▪︎3- باديس بن المنصور بن بلكين 386- 406هـ، 996- 1015م.
    ▪︎4- المعز بن باديس بن منصور 406- 453هـ ، 1015- 1062م.
    ▪︎ 5- تميم بن المعز بن باديس 453- 501هـ ، 1062- 1107م.
    ▪︎6- يحيى بن تميم بن المعز بن باديس 501- 509هـ ، 1107- 1116م.
    ▪︎7- علي بن يحيى بن تميم 509- 515هـ , 1116- 1121م.
    ▪︎8- الحسن بن علي بن يحيى 515- 543هـ ، 1121- 1148م.
    -------------------------
    ملخص ما سبق :
    في العام (362هـ/ 972) ومن القاهرة ولى العبيديون يوسف بلكين بن زيري أميرًا لكل بلاد إفريقية, وكان متفانيًا في خدمة العبيديين وتوسيع أملاكهم, وولاؤه للمذهب الإسماعيلي الباطني, إلا انه لم يتشدد على أهل السنة .. واستمر حكمه حتى العام 373هـ/ 983م
    وظل الحال على ذلك في عهد خلفائه:
    إبنه أبو الفتح منصور بن بلكين بن زيري (373هـ - 386هـ) ثم حفيده باديس بن منصور بن بلكين (386هـ - 406هـ).
    وفي العام (406- 449هـ) نودي بالمعز بن باديس أميرا لإفريقية فكان أول أمير زيري يعادي الفاطميين و ينصر أهل السنة ..
    و استمر المعز بن باديس في التقرب إلى العامة وعلمائهم وفقهائهم من أهل السنة وواصل السير في تخطيطه للانفصال الكلي عن العبيديين في مصر,
    فجعل المذهب المالكي هو المذهب الرسمي لدولته, وأعلن انضمامه للخلافة العباسية, وغير الأعلام إلى العباسيين وشعاراتهم, وأحرق أعلام العبيديين وشعاراتهم, وأمر بسبك الدراهم والدنانير التي كانت عليها أسماء العبيديين والتي استمر الناس يتعاملون بها 145 سنة وأمر بضرب سكة أخرى كتب على أحد وجهيها: «لا إله إلا الله محمد رسول الله», وكتب على الآخر:
    ○ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ○ [آل عمران :85].
    وقضى المعز بن باديس على كل المذاهب المخالفة لأهل السنة من الصفرية والنكارية والمعتزلة والإباضية.
    وفي سنة 443هـ انضمت برقة كلها إلى المعز بن باديس بعد أن أعلن أميرها جبارة بن مختار الطاعة له.
    تفجرت براكين الغضب في نفوس الففاطميين العبيديين وقرروا الانتقام من قائد أهل السنة في الشمال الإفريقي ومن أهله الذين فرحوا بعودة بلادهم لحظيرة أهل السنة,
    فانعقد في القاهرة مجلس رافضي باطني إسماعيلي بقيادة الخليفة العبيدي وخرجوا برأي شيطاني مفادة رمي السنية الصنهاجية الزيرية بقبائل بني سليم وبني هلال, فإن انتصرت الدولة الصنهاجية تكون الدولة العبيدية قد تخلصت من هذه القبائل المتعبة, وإن انتصر بنو سليم وبنو هلال يكونوا بذلك انتقموا من عدوهم اللدود المعز بن باديس,
    وكان الذي تبنى هذه الفكرة الوزير العبيدي أبو محمد بن علي اليازوري الذي شرع في إغراء القبائل المقيمة على ضفاف النيل وأمدهم بالمال والسلاح والكراع, وأباح لهم برقة والقيروان, وكل ما يكون تحت أيديهم, واتصل العبيديون بالمعارضين للمعز وأمدوهم بما يملكون من مال وسلاح وعتاد.
    وبدأت حلقة الصراع العنيف بين المعز بن باديس والقبائل العربية المدعومة من الروافض العبيديين.
    ------‐‐-----‐----------------------------------------------------
    زحف بني هلال وبني سليم وغيرهما من القبائل على الشمال الإفريقي
    كانت قبائل بني هلال وبني سليم تسكن الجزيرة العربية, وكانت مضاربها متوزعة حول المدينة المنورة ومكة والطائف ونجد, واستطاع القرامطة أن يستغلوهم في حروبهم ضد الخلافة العباسية والدولة العبيدية,
    وقد تأثر بعض زعماء هذه القبائل بأفكار وعقائد القرامطة, ولم يكن تأثيرهم عميقًا وإنما كانت له أسباب اقتصادية ونزعة تمردية على الانقياد للدولة العباسية, وفي قتال القرامطة مع العبيديين لعبت هذه القبائل دورًا بارزًا في الشام وكانت لها شوكة ومنعة وعدة وعتاد.
    فاستطاع الأمير العبيدي في مصر أن يجلبهم ويقربهم له بالعطايا والهدايا والأموال, واستجابت لطرح الخليفة العبيدي الذي كان حريصًا على وجود العنصر العربي في دولته, وأعطتهم الدولة العبيدية أراضي خصبة على ضفاف النيل,
    و قد أعطت القبائل ولاءها للدولة العبيدية, وتبنت شعارات الدولة الباطنية لجهلها وبعدها عن فهم حقيقة دينها, وأخلصت للخليفة العبيدي الذي قرر الانتقام من المعز بن باديس بهذه القبائل ذات الشوكة والشكيمة والمنعة والدراية بالحروب,..
    وخصوصًا أن الدولة العبيدية كانت لا تستطيع إرسال جيوشها بسبب انشغالها بالقرامطة, ومشروعاتها بالشام والمشرق عمومًا؛ ولأن طوائف من جيشها من نفس جنس المغاربة؛ بل من قادتهم من هو من نفس قبيلة المعز بن باديس, ولاسيما أن الدولة أهملت هؤلاء القادة والجنود منذ أيام العزيز والخليفة العبيدي.
    وكانت القبائل العربية التي في صعيد مصر بعضها يرجع للفتح الإسلامي قد ازدادت بعد تركهم للجزيرة العربية ومجيئهم إلى مصر في زمن العزيز العبيدي.
    واشتهرت تلك القبائل في صعيد مصر بإثارة القلاقل وإشاعة الاضطراب والفوضى في البلاد, فكانت هذه المرة فرصة ذهبية للتخلص منها والانتقام من عدو الدولة ابن باديس وقهره والتشفي منه.
    وينسب للمستنصر قوله: «والله لأرمينه بجيوش لا أتحمل فيها مشقة» فدعا العرب وأباح لهم مجاز النيل إلى المغرب, وكانت ممنوعة عنها من قبل ذلك, فعبر منهم خلق عظيم (1).
    واجتمع الأمير المستنصر العبيدي مع زعماء القبائل العربية ومناهم بالمساعدة المالية والمعنوية, وأعطاهم خيولاً وسلاحًا وعتادًا ومالاً وكل ما يساعدهم في تحقيق أهدافه الشريرة وأباح لهم إفريقية يفعلون فيها ما يشاءون, وقال لهم: «لقد أعطيناكم إفريقية وملك ابن باديس فلا تفتقرن بعدها» (2).
    وعندما تحركت جموع العرب في 442هـ- 1050م أرسل الوزير العبيدي الحاقد إلى المعز بن باديس رسالة قائلاً له: «أما بعد, فقد أرسلنا إليكم خيولاً فحولاً, وحملنا عليهم رجالاً كهولاً, ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً»(3).
    فسيطرت هذه القبائل على برقة بدون مقاومة تذكر, وكانت برقة قد تمردت على العبيديين أيام الحاكم, وأعلنت الطاعة للمعز أيام المستنصر, وأحرقت المنابر التي كان يخطب فيها للعبيديين, وأحرقت راياتهم, وأعلنت دعوة القائم العباسي(4).
    وواصلت القبائل العربية زحفها إلى طرابلس وضواحي تونس, وكان تعداد هذه القبائل المهاجمة على الشمال الإفريقي أربعمائة ألف, ولحقتها أفواج تترى.
    ويذكر بعض المؤرخين أن العدد الكلي وصل إلى مليون نسمة على مراحل متعددة,
    وعندما استقرت هذه القبائل في برقة أرسلت أحد شيوخها وهو مؤنس ابن يحيى بن مرداس من رياح أحد بطون بني هلال لينزل ضيفًا على المعز, فعجب مؤنس من النعيم والأبهة التي كانت للمعز بن باديس,
    و قد أكرمه المعز وأحسن في ضيافته, وعرض عليه المعز أن يتخذ من بني عمه رياح جندًا له, فأشار عليه مؤنس بألا يفعل معللاً ذلك بعدم انقيادهم واختلاف كلمتهم فلم يقتنع المعز بما قاله مؤنس.
    وقال مؤنس للمعز : إنهم قوم لا طاقة لك بهم.
    فقال له المعز: هم دون ذلك, فاعتبرها مؤنس إهانة للعرب, وظن المعز مؤنسًًا لا يريد أن يكون لغيره سلطان على قومه, وصارحه بذلك.
    فلما رجع مؤنس إلى قومه رغبهم ووصف لهم من خيرات إفريقية وأبهة المعز ما رغبهم في الإسراع بالرحيل, فانسابوا في أرض إفريقية في جموع لا يدرك أولها ولا ينتهي آخرها(5).
    ومن أشهر القبائل العربية التي زحفت على ملك المعز بن باديس :
    ▪︎بنو سليم بن منصور,
    ▪︎وبنو هلال بن عامر وهم من مضر,
    ▪︎وقبيلة كهلان وهي قحطانية,
    ▪︎ وقبائل أخرى كثيرة غير مشهورة.
    وكانت زغبة والأثيح, وعدي, ورياح من الهلاليين من بني عامر بن صعصعة وبني هاشم بن معاوية بن بكر, وهذه القبائل مضرية عدنانية.
    وعندما رحلت بنو رياح والأثيح وبنو عدي إلى إفريقية يريدون اللحاق بالقيروان, قال لهم مؤنس: ليس هذا برأي يحتاج إلى تدبير, فقالوا له : وماذا نصنع؟
    فقال: ائتوني ببساط فأتوا به, فبسطه وقال لهم : من يدخل إلى وسط البساط من غير أن يمشي عليه؟ فقالوا: ومن يقدر على ذلك؟ فقال: أنا,
    فطوى البساط وأتى طرفه وفتح منه مقدار ذراع ووقف عليه, ثم فتح شيئًا آخر ودخل إليه ..
    وقال: هكذا فاصنعوا ببلاد المغرب, املكوها شيئًا فشيئًا حتى لا يبقى عليكم إلا القيروان فأتوها فإنكم تملكونها,
    فقال له رافع بن حماد -وهو أحد رؤساء العرب- : «صدقت يا مؤنس, والله إنك لشيخ العرب وأميرها, فقد قدمناك على أنفسنا, فلسنا نقطع أمرًا دونك».
    وقد اقترعوا على البلاد فخرج لبني سليم شرقيها: برقة وما حولها, وخرج لبني هلال غربيها: طرابلس وقابس, وانضم بنو جشم إلى بني هلال.
    وكان في العرب كثير من غير بني هلال وبني سليم من فزارة وأشجع من بطون غطفان, وجشم بن معاوية بن بكر بن هوازن, وسلول بن مرة بن صعصعة بن معاوية, والمعقل من بطون اليمنية, وكلهم مندرجون في بني هلال وفي الأثيح على الخصوص؛ لأن الرياسة كانت عندهم للأثيح وهلال فأدخلوا فيهم.
    وكانت الأثيح من الهلاليين أوفر عددًا, وأكثر بطونًا, وكان التقدم لهم في حملتهم, وكان منهم الضحاك, وعياض, ومقدم, والعاصم, ولطيف, ودريد, وكرفة, وغيرهم حسبما يظهر في نسبهم.
    وكان لهم القوة, وكانوا أحياء غزيرة من جملة الهلاليين الداخلين لإفريقية(6), ومن أشراف رجالات العرب: حسن بن سرحان, وأخوه بدر, وفضل بن ناهض, وهؤلاء من دريد بن الأثيح.
    ومنهم ماضي ين مقرب, وسلامة بن رزق في بني كبير, في بطون كرفة, من الأثيح, وذياب بن غانم, وينسبونه في بني ثور, وموسى بن يحيى, وينسبونه في مرداس رياح, لا مرداس سليم, وهو من بني صقر, بطن من مرداس رياح. ومنهم زيد بن زيدان, وينسبونه في الضحاك, وفارس بن أبي الغيث, وأخوه عامر, والفضل بن أبي علي, ونسبهم في مرداس وكل هؤلاء يذكرون في أشعارهم (7).
    ------------------------------------------------------------------
    الصدام المسلح بين المعز بن باديس والقبائل العربية
    ذكر ابن الأثير دخول العرب إلى إفريقية في حوادث عام 442هـ إلى أن قال:
    " ثم قدم أمراء العرب إلى المعز بن باديس فأمرهم وبذل لهم شيئًا كثيرًا, فلما خرجوا من عنده لم يجازوه بما فعل من الإحسان, بل شنوا الغارات, وقطعوا الطريق, وأفسدوا الزروع, وقطعوا الثمار, وحاصروا المدن, فضاق بالناس الأمر, وساءت أحوالهم, وانقطعت أسفارهم, ..
    ونزل بإفريقية بلاء لم ينزل بها مثله قط, فحينئذ احتفل المعز, وجمع عساكره, فكانوا ثلاثين ألف فارس ومثلها رجَّالة, وسار حتى حيل بينه وبين القيروان ثلاثة أيام, وكانت عدة العرب ثلاثة آلاف فارس «والصحيح أنهم كانوا على قدر جيش المعز على قول صاحب موسوعة المغرب العربي»
    فلما رأت العرب عساكر صنهاجة والعبيد مع المعز هالهم ذلك, وعظم عليهم, فقال لهم مؤنس بن يحيى: ما هذا يوم فرار؟ فقالوا: أين نطعن هؤلاء وقد لبسوا الكزاغندات والمغافر؟ قال: في أعينهم, فسمى ذلك اليوم يوم العين,..
    والتحم القتال, واشتدت الحرب, فاتفقت صنهاجة على الهزيمة, وترك المعز مع العبيد حتى يرى فعلهم, ويقتل أكثرهم, فعند ذلك يرجعون على العرب, فانهزمت صنهاجة وثبت العبيد مع المعز, فكثر القتل فيهم, فقتل منهم خلق كثير, وأرادت صنهاجة الرجوع على العرب, فلم يمكنهم ذلك, واستمرت الهزيمة, وقتل من صنهاجة أمة عظيمة, ودخل المعز القيروان مهزومًا, على كثرة من معه وأخذ العرب الخيل والخيام وما فيها من مال وغيره "(.
    وقد وصفت كتب التاريخ هذه الواقعة بأبشع ما توصف به الحروب من فظاعة القتل وكثرة القتلى, نتيجة لصمود كل من الجيشين للآخر في سبيل دحر خصمه والقضاء عليه, وقال الشاعر العربي علي بن رزق الرياحي أبياتًا في هذه المعركة يصف فيها ما دار بينهم وبين المعز:
    وإن ابن باديس لأحزم مالك
    ولكن لعمري ما لديه رجال
    ثلاثة آلاف لنا غلبت له
    ثلاثين ألفًا إن ذا لنكال (9)
    ولما كان يوم النحر من هذه السنة 442هـ جمع المعز سبعة وعشرين ألف فارس, وهجم على العرب على حين غرة وهم في صلاة العيد, فركبت العرب خيولهم وهجمت على جيوش المعز فهزمتهم وأثخنتهم قتلى,
    ثم جمع المعز وخرج بنفسه في صنهاجة وزناتة في جمع كثير, وهاجم العرب في منازلهم, واحتدم القتال وتبارز الشجعان فانكسرت شوكة صنهاجة وولت زناتة الأدبار, وثبت المعز فيمن معه من عبيده ثباتًا عظيمًا لم يسمع بمثله وتناقلته الركبان, ثم انهزم وعاد إلى المنصورية,
    وأحصى من قتل من رجال المعز فكانوا ثلاثة آلاف وثلاثمائة, ثم أقبلت العرب حتى استقرت بمصلى القيروان ووقعت حروب طاحنة مع المعز قُتل من المنصورية ورقادة خلق كثير,
    فلما رأى ذلك المعز سمح لهم بدخول القيروان لما يحتاجون إليه من بيع وشراء, فلما دخلوا استطالت عليهم العامة, ووقعت بينهم حرب كان سببها فتنة بين إنسان عربي وآخر عامي, وكانت الغلبة للعرب,
    وفي سنة 446هـ أشار المعز على الرعية بالانتقال إلى المهدية لعجزه عن حمايتهم من العرب (10).
    وبعد أن رتب المعز أمور العاصمة الزيرية الجديدة ونقل لها كل وظائف الدولة انتقل المعز إلى المهدية 449هـ فتلقاه ابنه تميم ومشى بين يديه واستولى العرب على القيروان وهدموا حصونها وقصورها وقطعوا الثمار, وخربوا الأنهار,...
    وكانت الوقائع والمعارك والحروب التي خاضها المعز مع العرب درسًا قاسيًا له, أقنعته بألا طاقة له بالعرب, أيقن أن العبيديين مكروا به مكرًا عظيمًا, وكان من أسباب الهزائم المتلاحقة التي لحقت بالمعز قوة العرب وشجاعتهم, وخذلان جنوده من البرابرة الذين لا زالوا يعظمون الخلافة العبيدية حيث خذلوه في أكثر من موقع, وتقريب المعز لعبيده مما أوغر نفوس صنهاجة وزناتة عليه.
    وعندما استقر المعز في المهدية فوض أمر الدولة وشئون الحكم لابنه تميم الذي آنس فيه والده حسن التصرف وأصالة الرأي.
    وبقى هذا المجاهد العظيم في ضيافة ابنه إلى أن توفاه الله سنة 453هـ.
    ☆ ويشهد التاريخ الإسلامي البربري أن له الفضل بعد الله في القضاء على عقائد الباطنية الإسماعيلية في الشمال الإفريقي, وكان درعًا حصينًا لمنهج أهل السنة وقدمهم في دولته وكلفه ذلك ثمنًا باهظًا من قبل أعدائه.
    ☆ كما يشهد التاريخ للمعز بن باديس وأتباعه من البرابرة أنهم تبنوا منهج أهل السنة والجماعة, وربطوا شمالهم الإفريقي بالخلافة الشرعية العباسية في بغداد,
    ☆ ويشهد التاريخ أن المعز أصبح علمًا من أعلام المسلمين ورمزًا من رموزهم, ودخل تاريخهم من أوسع أبوابه مسجلاً أعمالاً عظيمة, ونرجو من الله أن تكون في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
    ------‐---------------------------
    وفاة المعز بن باديس
    ▪︎ذكر ابن الأثير في أحداث سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وفاة المعز بن باديس وولاية ابنه من بعده فقال:
    «في هذه السنة توفى المعز بن باديس, صاحب إفريقية, من مرض أصابه, وهو ضعف الكبد, وكانت مدة ملكه سبعًا وأربعين سنة, وكان عمره لما ملك إحدى عشرة سنة, وقيل: ثماني سنوات وستة أشهر.
    وكان رقيق القلب, خاشعًا, متجنبًا لسفك الدماء إلا في حدٍّ حليمًا يتجاوز عن الذنوب العظام, حسن الصحبة مع عبيده وأصحابه, مكرمًا لأهل العلم, كثير العطاء لهم, كريمًا, وهب مرة ألف دينار للمستنصر الزناتي وكان عنده وقد جاء هذا المال, فاستكثره, فأمر به فأفرغ بين يديه, ثم وهبه له, فقيل له: لم أمرت بإخراجه من أوعيته؟ قال: لئلا يقال: لو رآه ما سمحت نفسه به, وكان له شعر حسن.
    ولما مات رثاه الشعراء, فمنهم أبو الحسن بن رشيق فقال:
    لكل حي وإن طال المدى هُلُكُ
    لا عز مملكة يبقى, ولا ملك
    ما كان إلا حسامًا سله قدر
    على الذين بغوا في الأرض وانهمكوا (11)
    ---‐------
    رحم الله المعز بن باديس
    ------‐‐-----‐------------------------------------------------------
    (1) ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها, د. عبد المنعم ماجد, ص (223).
    (2) انظر: تاريخ الفتح العربي, ص (294).
    (3) ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها, ص (243).
    (4) المصدر السابق, ص (224).
    (5) انظر: تاريخ الفتح العربي, ص(295).
    (6) تاريخ الفتح العربي في ليبيا, ص (297).
    (7) الكامل في التاريخ (ج6/153).
    (8 ؛9) تاريخ الفتح العربي, ص (299).
    (10) الكامل في التاريخ (ج6/154).
    (11) تاريخ الفتح العربي, ص(214).
    ☆ الدولة الفاطمية د. على الصلابي
    ----‐‐-----‐-------------------------------------------------------
    #الدولة_الفاطمية_جواهر [5]
يعمل...
X