المسرحية (الأنواع والأشكال)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسرحية (الأنواع والأشكال)

    مسرحيه (انواع اشكال)

    Play - Pièce de théâtre

    المسرحية (الأنواع والأشكال)

    يتفرع الأدب عامة إلى ثلاثة أجناس رئيسية هي: الملحمي epic والمسرحي dramatic والشعري poetic، كما يتفرع كل جنس إلى أنواع genres حسب تطوره عبر التاريخ. ومن ثم يُستخدم مصطلح الأنواع المسرحية dramatic genres للإشارة إلى ما طرأ على الأدب المسرحي من تفرعات عبر تاريخ المسرح العالمي. وأقدم تعريف للأنواع المسرحية يعود إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو[ر] في كتابه «فن الشعر» Peri Poietikes الذي كان لشروحاته في نظرية الأدب منزلة القانون لقرون طويلة في الغرب وفي المناطق التي تأثرت بتراثه المسرحي.

    المدرج والمسرح في إبيداوروس Epidauros اليونانية
    ونتيجة ضياع قسم كبير من الجزء الثاني من «فن الشعر»، لم يتبق ـ عدا بضع جمل عن الكوميديا (الملهاة) ـ سوى القسم الذي ركّز فيه أرسطو على التراجيديا (المأساة). لكنَّ منظِّري الأدب منذ صعود الحضارة اللاتينية (روما) استكملوا ما ضاع من «فن الشعر» بوضع شروحات للملهاة تمثل النقيض التام للمأساة. وكان العنصر الرئيسي في استنتاجهم يتركز حول الانتماء الاجتماعي للشخصيات في كلا النوعين، فإذا كانت شخصيات المأساة حصراً من النبلاء، فشخصيات الملهاة حتماً من عامة الناس. واستتبع هذا التحديد المركزي نتائج أخرى على صعيد الموضوعات، بحيث يكون موضوع المأساة جليلاً وأفعالها بطولية، وموضوع الملهاة مأخوذاً من الحياة الخاصة اليومية. أما الأسلوب في المأساة فيكون سامياً رفيع اللغة، وفي الملهاة عادياً مضحكاً وساخراً. وفيما يخص الخاتمة ثمة تحول جذري يطرأ على الفعل في المأساة، يتحول به مصير البطل من الهناء إلى الشقاء، ويكون الحال على نقيض ذلك في الملهاة.
    استند المنظرون في استنتاجاتهم لهذه المعايير
    إلى نماذج الأعمال المسرحية في كلا النوعين، والمتوافرة منذ مشاركات أسخيلوس[ر] وسوفوكليس[ر] وأوربيديس[ر] وأريستوفانس[ر] وغيرهم من الكتاب في المسابقات التي كانت تنظمها وتمولها ممالك المدن polis الإغريقية مرتين سنوياً، ويحضر الجمهور عروضها مجاناً. وكانت إدارة المسابقات تحتفظ في أرشيفها بنسخ من المسرحيات التي قُبلت للمشاركة، وكذلك من تلك التي لم تُقبل. وبعد انهيار نظام ممالك المدن وأحلافها بدخول المقدونيين إلى اليونان تراجعت تقاليد المسابقات المسرحية، وصغرت حجوم المسارح الجديدة، كما تراجعت كتابة المأساة، وهيمنت الملهاة الجديدة بموضوعاتها الفردية البعيدة عن الاهتمام بالشأن العام والقضايا الكبرى، وصارت المسرحيات تُعرض في مناسبات مختلفة ولجمهور يدفع ثمن بطاقة الدخول حسب مكان جلوسه في المدرَّج theatron.

    "كما تهواه" As You Like It لشكسبير
    إن هذه المعايير التنظيرية تجنح لاشك نحو التعميم، مبتعدة عما يميز أعمال كل كاتب على حدة، كاختلاف أسخيلوس عن أوربيديس في المأساة واختلاف أريستوفانس عن ميناندروس[ر] في الملهاة، من حيث البنية واللغة واستخدام التقانات وطبيعة الخاتمة. ومع ذلك بقيت هذه سارية المفعول، مع بعض الاستثناءات النادرة حتى بداية القرن الثامن عشر. فكان على الأنواع المسرحية كافة حتئذ أن تُقاس بحسب معايير أرسطو وأتباعه، وأن تبرر أي اختلاف عن الأصل أو خروج عليه. وحتى في عصر النهضة الإيطالية Renaissance ـ تحت تأثير علم البلاغة Rhetorica القروسطي وكتاب «فن الشعر» Ars poetica لهوراتيوس[ر] ـ أُوليت نظرية الأسلوب genus اهتماماً فائقاً مع تأكيد أن لكل جنس أو نوع أدبي جمالياته الأسلوبية اللائقة به decorum, aptum دون سواه. وبعد عام 1550 عاد كتاب أرسطو «فن الشعر» إلى ميدان السجال النظري، ولكن بترجماته وشروحاته في اللغة اللاتينية وبجهود كل من لودوڤيكو كاستلڤترو L.Castelvetro ويوليوس سيزار سكاليجِيرو[ر] J. C. Scaligero وغيرهما؛ مما أدى إلى وضع قواعد صارمة تحكم بناء الدراما، ومنها قاعدة الوحدات الثلاث (الفعل، الزمان، المكان) التي كان لها دور وتأثير كبيران في تطور المسرح الفرنسي في أثناء القرن السابع عشر، والجدير بالذكر هنا هو أن صياغة هذه القواعد الجديدة الصارمة تمثل تطرفاً معيقاً للتطور المسرحي، لا أصل له عند أرسطو ولا في النماذج المسرحية التي بنى عليها استنتاجاته، مما أدى في المرحلة اللاحقة إلى صراعات وخلافات، ذات طابع جمالي من جهة وسياسي أيديولوجي من جهة أخرى، للخلاص من طغيان هذه القواعد في فرنسا نفسها، وفي إسبانيا وألمانيا والنمسا. أما إنكلترا فإنها لم تأبه لهذه الصراعات بسبب انفصالها المبكر عن الكنيسة الكاثوليكية وتطورها صناعياً واقتصادياً وسياسياً على نحو مختلف عن بقية مناطق أوربا الغربية، ولهذا يمثل المسرح الإليزابيثي في عصر مارلو[ر] وشكسبير[ر] استثناءً لافتاً وتطوراً ريادياً على صعيد موضوعاته وبنيته ولغته، وفي عدم انصياعه لأي قواعد مفروضة مسبقاً على الإبداع المسرحي شكلاً ومضموناً.

    أوبرا "القروش الثلاثة" لبريشت من عام 1974
    وعندما رفع مذهب الاتباعية (الكلاسيكية) الفرنسية doctrine classique شعار الالتزام بقواعد أرسطو المزعومة حول المأساة والملهاة والذي روَّج له في فرنسا كل من الأديب والمنظِّر بوالو[ر] والكاردينال رئيس الوزراء ريشليو[ر]، اضطر بعض كبار مسرحيي المرحلة إلى تبرير سماتهم الفردية على صعيد الإبداع على أنها تفرع بسيط من الأصل وليس نبتاً جديداً، كما فعل كورني[ر] في «معركة مسرحية السيْذ»، ولم يكن هذا النبت غير الجديد في الواقع سوى أنه كتب تراجيكوميديا Tragicomedy تخالف القواعد في ظرف سياسي غير ملائم، علماً أن بلاوتوس[ر] كان قد كتب أول تراجيكوميديا في تاريخ المسرح في القرن الثاني قبل الميلاد وشرح أسبابه في مقدمة مسرحية «أمفيتروو» (أمفيتريون) Amphitruo التي جعل فيها بعض الآلهة والأبطال تُقدم على أفعال دنيئة في حين يحافظ البشر العاديون على شرفهم ومواقفهم بصلابة نادرة. ومازالت هذه المسرحية تلاقي نجاحاً ملحوظاً في بعض المسارح العالمية حتى اليوم. ويمكن القول إن المسرحيات الرعوية pastoral في عصر النهضة هي امتداد لنوع التراجيكوميديا باسم مغاير وفي بيئة مختلفة هي الريف بدلاً من المدينة. وما الملهاة الدامعة comédie larmoyante في فرنسا نحو منتصف القرن الثامن عشر سوى استمرار لهذا النوع أيضاً، ولكن في أجواء البرجوازية الصاعدة في المدينة، وتعبير عن آلام أفرادها في صراعهم الاجتماعي والاقتصادي لتثبيت موطئ أقدامهم في التراتبية المجتمعية مع محاولات خجولة للتطلع إلى مواقع أعلى، تستدعي ضحك الأرستقراطية وسخريتها غالباً وتستدر بعض دموعها على البطل البرجوازي أحياناً. لقد حددت تلك القواعد الصارمة في المسرح مجال الحركة الذي سمحت به مأساة عصر الباروك[ر] Baroque للموضوعات البرجوازية، إذ بقيت هذه المأساة ممثلة لمسألة الانتماء الاجتماعي لأبطالها، وما يرتبط بذلك من معايير الموضوع والأسلوب والخاتمة التي تبرز المقولة وتؤكدها. وعندما يكون بطلها من البرجوازية الصاعدة التي صارت مكانتها في البيئة المجتمعية ملموسة، فإن أفعاله يجب أن تقارب أعمال الشهداء، وفي حيز الأخلاق الرفيعة وحسب.

    "من يخاف فرجينيا وولف" لإدوارد آلبي من عام 1964
    لقد ساعدت جدلية عملية التأثير والتأثر المتبادلين بين الأدب والفن والمجتمع على تطور مأساة عصر الباروك إلى مأساة برجوازية، مما أدى بالضرورة إلى تراجع مسألة الانتماء الاجتماعي، إذ صار الإنسان البرجوازي في حياته الخاصة، بوعيه بقيمه وأسلوب تفكيره وسلوكه، بطلاً تراجيدياً نداً للبطل الأرستقراطي، كما عند الفرنسي ديدرو[ر] والألماني لسينغ[ر].
    وفي القرن التاسع عشر اتُخذت قواعد ومعايير «فن الشعر» مساراً محض شكلياً، لتصب في نهاية المطاف في كتب تعليم الدراما، مثل كتاب «تقانات الدراما» Die Technik des Dramas ت(1863) لغوستاف فرايتاغ[ر] Gustav Freytag. أما على الصعيد المسرحي العملي ـ وتحت تأثير مسرحيات عصر شكسبيرـ فقد تطورت أشكال forms مسرحية جديدة كل الجدة، بحيث لم تعد تستوعبها نظرية «فن الشعر» وتطوراتها حتى القرن الثامن عشر. فقد أحلّت الحركة الإبداعية[ر] (الرومنسية) عبقرية المؤلف على نحو قطعي محلّ سلطة القواعد النظرية. فانطلاقاً من إلهامه المبدع والضرورة التي تمليها المادة الدرامية التي اختارها لموضوعه، على المؤلف المسرحي أن يبتكر فعلاً درامياً dramatic action واسع الأفق، حقيقياً، ومتعدد الأشكال، يمزج السامي بالوضيع كما في الواقع المعيش، حسبما ورد في مقدمة مسرحية «كرومويل» Cromwell التاريخية للكاتب الفرنسي الرومنسي فكتور هوغو[ر] V. Hugo. وعُدّت هذه المقدمة أحد البيانات[ر] الأدبية الرئيسية للحركة الرومنسية. أما الحركة الطبيعية[ر] التي امتدت بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فقد جعلت من واقع البيئة الاجتماعية المعالجة في العمل المسرحي دليل الكاتب ومرشده الوحيد لتشكيل مادته الدرامية. ومنذ بداية تلك المرحلة يُلاحظ في الدراسات النقدية والنظرية المسرحية انزياح في استخدام مصطلحات محددة، ترتبط بتاريخ نظرية »فن الشعر«، إذ تراجع في هذه الدراسات استخدام مصطلح النوع ليحل محله مصطلح الشكل، ولاسيما أن أدوات التعبير والتشكيل ووسائله التي كانت حتى ذلك الوقت حكراً على الملحمة[ر] قد تسربت بتسارع كبير إلى الأشكال الدرامية الجديدة لتصب ـ على نحو خاص في القرن العشرين ـ في تيار المسرح الملحمي[ر] epic theatre، الذي عُدَّ النقيض المطلق للمسرح الدرامي[ر] التقليدي، وذلك حتى ظهور تيار «مسرح العبث»[ر] Theatre of the Absurd ـ بحسب تعبير الناقد والمنظّر المسرحي الإنكليزي مارتين إسلين Martin Esslin ـ في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين مع بيكيت[ر] ويونِسكو[ر] وغيرهما، هذا التيار الذي قوَّض كل ما تبقى من نظرية «فن الشعر»، ليُعتمد بدلاً منها في العرض المسرحي المحاكاة التهكمية الساخرة[ر] polemic parody لغةً ومضموناً وأسلوب عرض.

    مشهد مسرحي من نوع الكابوكي، اليابان
    وإذا كان ممكناً حتى سبعينيات القرن العشرين تمييز بعض الاتجاهات أو التيارات أو المدارس المسرحية في الكتابة النصية المعاصرة، كما في حال المسرح الوثائقي Dokumentarisches Theater مثلاً، الذي قاده بضعة كتّاب في مختلف بلدان أوربا الغربية والشرقية، مثل بيتر فايس[ر] في السويد، وأرمان غاتي Armand Gatti من فرنسا ورولف هوخهوت Rolf Hochhuth في ألمانيا، ولاسيما بجهود المخرج المسرحي إرڤين بيسكاتور Erwin Piscator في برلين الذي تبنى أعمال هذا التيار وأوصله إلى التأثير السياسي الفعّال عالمياً، فإنه لم يعد بالإمكان منذئذ، على صعيد تطورات الكتابات النصية الحديثة، تصنيفها وفقاً لمراحل أو معايير محددة. فقد تلاشى التقارب الأسلوبي أو المنهجي أو الفكري الفلسفي بين الكتاب ليسود محله تنوع لا يحصى من البصمات الفردية المتباينة. فالكاتب البولوني الأصل سيلاڤومير مروجيك Silawomir Mroszek، مثلاً، يستعصي على أي تصنيف معروف في النقد المسرحي، ومثله كثير في جميع أنحاء العالم، وليس في الغرب وحسب.
    لايمكن تطبيق نظرية «فن الشعر» الغربية على النتاج المسرحي في بقية أنحاء العالم ذات التقاليد المسرحية العريقة، كما في الهند والصين واليابان وإندونيسيا مثلاً، وذلك للاختلاف الجذري في المفاهيم الدينية والفلسفية والحياتية، على الرغم من التقارب النسبي في أساليب التعبير الفني من حيث استخدام الموسيقى والرقص والغناء والتمثيل في العرض المسرحي. فالفن المسرحي في الهند والشرق الأقصى كان دائماً شأناً خاصاً، لم يرتبط بالمعبد أو الدولة أو الأمير، مثلما كان حال المسرح الغربي قروناً طويلة. فكتاب «ناتيا شاسترا»[ر. بهاراتا] الهندي الذي ينظِّر لفن العرض المسرحي يخاطب الفرق المسرحية الثابتة والجوالة المستقلة، ويخاطب المؤلف المسرحي بوصفه أحد عناصر الفرقة وليس مبدعاً أدبياً منفصلاً عن الممارسة الفنية المسرحية المباشرة، وكذلك كان الأمر في اليابان[ر. اليابان (المسرح في-)] فيما يتعلق بكتّاب نصوص مسرح النو والكابوكي Kabuki والبونراكو Bunraku والكيوغين Kejugin. وهذا يسري أيضاً على أوبرا بكين الصينية بحسب التسمية الغربية، وكذلك على المسرح الدرامي الراقص في جزيرة بالي Bali الإندونيسية.
    إلا أن القارئ العربي لم يعرف هذه الفنون المسرحية الشرقية إلا من الدراسات الغربية الموضوعة عنها، والمترجمة إلى العربية، وكذلك من ترجمة بضعة نصوص من تراث حافل بالروائع في مجالات الفنون الأدبية كافة. ولولا بعض المشاهدات العيانية لعروض مسرحية شرقية زائرة أو لتسجيلات سينمائية أو تلفزيونية لبعض العروض المسرحية الشرقية لما تعرّف المشاهد العربي الفوارق الجذرية التي تميز خصوصيات هذه المسارح وانتماءاتها الحضارية. أما على صعيد التنظير للمسرح الشرقي فما زالت المصطلحات والمفاهيم الغربية هي السائدة في التداول، فمسرح النو يعادل المأساوي، والكابوكي يعادل الملهاوي، والكيوغين يعادل المحاكاة الساخرة، والمسرح الصيني بكل غناه وتنوعه هو أوبرا بكين وحسب، ويؤدي هذا الواقع إلى ضرورة إعادة النظر بالمادة المدروسة على نحو جذري، ومن وجهة نظر غير غربية، تنطلق من الأصول الحضارية ووسائل تعبيرها الفني في كل منطقة على حدة، ارتباطاً بفكرها الديني الفلسفي، بغية الوصول إلى مقوماتها الأساسية وأنواعها، بهدف فهمها وتحليلها في سياقها الاجتماعي.
    نبيـل الحفـار
يعمل...
X