مدرسه في حضاره عربيه اسلاميه
School - Ecole
المدرسة (في الحضارة العربية الإسلامية)
تعدّ المدرسة مؤسسة تربوية تعليمية، نتاجاً لتطور العملية التربوية في التاريخ الإنساني، وقد اختلفت أشكالها ونظمها مع اختلاف الفلسفات الدينية والاجتماعية التي عرفها الإنسان في تاريخه الطويل، غير أنها باتت في الوقت الراهن مؤسسة اجتماعية متميزة تهدف إلى ضمان التفاعل بين الأسرة والدولة بغية توفير الظروف المناسبة لإعداد الأبناء إعداداً سليماً يضمن تمكينهم من ممارسة أوجه نشاطاتهم الاجتماعية والثقافية في سياق الأدوار المنوطة بهم في إطار النظام الاجتماعي العام، وبما يضمن تحقيقهم لحاجتهم الأساسية في الوقت نفسه، ولذلك فهي تؤدي وظيفتين أساسيتين في وقت واحد، وظيفة تربوية تستطيع من خلالها تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية في شخصية الأبناء لضمان عضويتهم في المجتمع وولائهم له، ووظيفة تعليمية تستطيع المدرسة من خلالها تمكين الأبناء من المعارف والمهارات العلمية والأدبية التي يستطيعون من خلالها ممارسة الأوجه المختلفة لنشاطاتهم الاجتماعية والاقتصادية والإنتاجية المتنوعة، تبعاً لما يتصفون به من خصائص وسمات تميز بعضهم من بعضهم الآخر.
وعلى الرغم من أن ظهور المدرسة، بالمعنى المتداول في الوقت الراهن، تأخر نسبياً في المجتمع العربي، غير أن مجموعة كبيرة من القواعد الأخلاقية والأدبية الضابطة لعملية التعليم والحث عليه، مبثوثة في كتب التراث العربي الإسلامي على نطاق واسع، وهي تتضمن المعايير الأخلاقية الضابطة للعلاقة بين المعلم والطالب، كما تتضمن الصفات التي ينبغي أن يتصف بها كل منهما، وهي تنطوي على قدر كبير من التكامل والتضافر، ففي الوقت الذي يحث فيه الرسول الكريمr على طلب العلم، والسعي إليه، وبذل الجهد فيه، حتى جعل من يموت وهو طالب العلم شهيداً، وفي ذلك يقول الرسولr «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، و«من مات في طلب العلم مات شهيداً»، وأيضاً «من طلب العلم تكفل الله برزقه» وإلى جانب ذلك يدعو r إلى ضرورة بذله وتقديمه «ما أخذ الله الميثاق على الخلق أن يتعلّموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا»، و«من كتم علماً مما ينفع الله به في أمر الناس وأمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار».
وكان هذا التوجه، القائم على التكامل بين العالم وطلب العلم، الأساس الذي بنيت عليه عملية التعليم في التراث العربي الإسلامي، ويلاحظ فيه أن المهام المنوطة بالمدرسة، كما هي منتشرة اليوم، (بما في ذلك الوظيفتين الأساسيتين التربية والتعليم) بصورة عامة كانت من مهام المساجد وبيوت العلماء، وبيوت الخلفاء والأثرياء الراغبين بتعليم أبنائهم تعليماً خاصاً وغيرهم، واستمر الأمر كذلك لفترات طويلة إلى أن ظهرت المدرسة النظامية في بغداد التي أسسها الوزير نظام الملك سنة 459هـ، والتي اهتمت بالتعليم الديني بالدرجة الأولى، ثم توالى إنشاء المدارس النظامية في بغداد ودمشق وغيرهما من البلاد، وازداد انتشار المدارس التي اهتمت بالتعليم الديني في عهد الأيوبيين والمماليك في كل من بلاد الشام ومصر، كما كثرت المدارس أيضاً في عهد الدولة العثمانية، ومن أشهرها مدارس الآستانة الثمان.
وقد نتج من رعاية السلاطين للمدارس الدينية ودعمهم لها وتخصيصها بالأوقاف الإسلامية اللازمة لاستمرارها تدخلهم المباشر تارة وغير المباشر تارة أخرى في شؤون هذه المدارس وتوجيههم للتربية الدينية والتعليم الديني، الأمر الذي أفقد هذا التعليم استقلاليته المشهودة في مرحلة ما قبل المدارس، في الوقت الذي أصبحت إمكانات التعليم أكبر وتأثيره في المجتمع أوسع.
ومن المدارس المشهورة التي كان لها فضل كبير في بناء الثقافة العربية والإسلامية المدرسة النورية التي أسسها نور الدين الزنكي الذي قدم إلى دمشق عام 549هـ، وهي أول مدرسة أولت اهتمامها بتعليم الحديث النبوي، وتولى التدريس فيها لحين من الزمن الحافظ بن عساكر صاحب «تاريخ دمشق»، وفيها كان نور الدين الزنكي يتابع حلقات الدراسة، كما كان السلطان صلاح الدين يحضر بعض المجالس فيها، وقد تخرج منها وأخذ عن شيوخها عدد كبير من العلماء والمؤرخين في القرنين السادس والسابع الهجريين أمثال: ابن الأثير الجزري، والمقدسي، وابن كثير والنوري والذهبي والحسيني وابن تيمية وابن قيم الجوزية وغيرهم.
ومن المدارس الشهيرة أيضاً المدرسة الأمينية، التي تعدّ من المدارس الأولى التي بنيت في دمشق لتدريس الفقه الشافعي، أنشأها أتابك العساكر بدمشق، كمشتكين بن عبد الله، المتَوفّى سنة 541هـ، والمدرسة المستنصرية ببغداد التي أنشأها الخليفة المستنصر بالله المتَوفّى سنة 640هـ، وهي أول مدرسة أخذت بتدريس الفقه على المذاهب الأربعة، وبدأ بتشييدها سنة 625هـ وانتهى منها سنة 631هـ.
ومن الملاحظ أن المدرسة أخذت أشكالها العمرانية تبعاً لخصائص الثقافة العربية الإسلامية، فكانت تضم بيتاً للصلاة، وفناءً مكشوفاً يساعد على توفير قدر كبير من الإضاءة والتهوية، وتحيط به مجموعة من غرف التدريس والغرف الخاصة بالمدرسين، وعدد من الغرف المخصصة للسكن ومرافقه المختلفة، مع تباين أحجام هذه المرافق ومساحاتها بين مدرسة وأخرى، وغالباً ما كان النظام المعماري يأخذ بالحسبان أول ما يأخذ، التوجه نحو الكعبة المشرفة بوصفها قبلة المسلمين، ويمكن توصيف العناصر الأساسية لكل مدرسة بالمدخل والفناء الداخلي والأروقة، والإيوان، وقاعات التدريس والحجرات المخصصة للنوم، والمسجد والمكتبة، وغيرها من المكونات الملحقة بها.
أحمد الأصفر
School - Ecole
المدرسة (في الحضارة العربية الإسلامية)
تعدّ المدرسة مؤسسة تربوية تعليمية، نتاجاً لتطور العملية التربوية في التاريخ الإنساني، وقد اختلفت أشكالها ونظمها مع اختلاف الفلسفات الدينية والاجتماعية التي عرفها الإنسان في تاريخه الطويل، غير أنها باتت في الوقت الراهن مؤسسة اجتماعية متميزة تهدف إلى ضمان التفاعل بين الأسرة والدولة بغية توفير الظروف المناسبة لإعداد الأبناء إعداداً سليماً يضمن تمكينهم من ممارسة أوجه نشاطاتهم الاجتماعية والثقافية في سياق الأدوار المنوطة بهم في إطار النظام الاجتماعي العام، وبما يضمن تحقيقهم لحاجتهم الأساسية في الوقت نفسه، ولذلك فهي تؤدي وظيفتين أساسيتين في وقت واحد، وظيفة تربوية تستطيع من خلالها تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية في شخصية الأبناء لضمان عضويتهم في المجتمع وولائهم له، ووظيفة تعليمية تستطيع المدرسة من خلالها تمكين الأبناء من المعارف والمهارات العلمية والأدبية التي يستطيعون من خلالها ممارسة الأوجه المختلفة لنشاطاتهم الاجتماعية والاقتصادية والإنتاجية المتنوعة، تبعاً لما يتصفون به من خصائص وسمات تميز بعضهم من بعضهم الآخر.
وعلى الرغم من أن ظهور المدرسة، بالمعنى المتداول في الوقت الراهن، تأخر نسبياً في المجتمع العربي، غير أن مجموعة كبيرة من القواعد الأخلاقية والأدبية الضابطة لعملية التعليم والحث عليه، مبثوثة في كتب التراث العربي الإسلامي على نطاق واسع، وهي تتضمن المعايير الأخلاقية الضابطة للعلاقة بين المعلم والطالب، كما تتضمن الصفات التي ينبغي أن يتصف بها كل منهما، وهي تنطوي على قدر كبير من التكامل والتضافر، ففي الوقت الذي يحث فيه الرسول الكريمr على طلب العلم، والسعي إليه، وبذل الجهد فيه، حتى جعل من يموت وهو طالب العلم شهيداً، وفي ذلك يقول الرسولr «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، و«من مات في طلب العلم مات شهيداً»، وأيضاً «من طلب العلم تكفل الله برزقه» وإلى جانب ذلك يدعو r إلى ضرورة بذله وتقديمه «ما أخذ الله الميثاق على الخلق أن يتعلّموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا»، و«من كتم علماً مما ينفع الله به في أمر الناس وأمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار».
وكان هذا التوجه، القائم على التكامل بين العالم وطلب العلم، الأساس الذي بنيت عليه عملية التعليم في التراث العربي الإسلامي، ويلاحظ فيه أن المهام المنوطة بالمدرسة، كما هي منتشرة اليوم، (بما في ذلك الوظيفتين الأساسيتين التربية والتعليم) بصورة عامة كانت من مهام المساجد وبيوت العلماء، وبيوت الخلفاء والأثرياء الراغبين بتعليم أبنائهم تعليماً خاصاً وغيرهم، واستمر الأمر كذلك لفترات طويلة إلى أن ظهرت المدرسة النظامية في بغداد التي أسسها الوزير نظام الملك سنة 459هـ، والتي اهتمت بالتعليم الديني بالدرجة الأولى، ثم توالى إنشاء المدارس النظامية في بغداد ودمشق وغيرهما من البلاد، وازداد انتشار المدارس التي اهتمت بالتعليم الديني في عهد الأيوبيين والمماليك في كل من بلاد الشام ومصر، كما كثرت المدارس أيضاً في عهد الدولة العثمانية، ومن أشهرها مدارس الآستانة الثمان.
وقد نتج من رعاية السلاطين للمدارس الدينية ودعمهم لها وتخصيصها بالأوقاف الإسلامية اللازمة لاستمرارها تدخلهم المباشر تارة وغير المباشر تارة أخرى في شؤون هذه المدارس وتوجيههم للتربية الدينية والتعليم الديني، الأمر الذي أفقد هذا التعليم استقلاليته المشهودة في مرحلة ما قبل المدارس، في الوقت الذي أصبحت إمكانات التعليم أكبر وتأثيره في المجتمع أوسع.
ومن المدارس المشهورة التي كان لها فضل كبير في بناء الثقافة العربية والإسلامية المدرسة النورية التي أسسها نور الدين الزنكي الذي قدم إلى دمشق عام 549هـ، وهي أول مدرسة أولت اهتمامها بتعليم الحديث النبوي، وتولى التدريس فيها لحين من الزمن الحافظ بن عساكر صاحب «تاريخ دمشق»، وفيها كان نور الدين الزنكي يتابع حلقات الدراسة، كما كان السلطان صلاح الدين يحضر بعض المجالس فيها، وقد تخرج منها وأخذ عن شيوخها عدد كبير من العلماء والمؤرخين في القرنين السادس والسابع الهجريين أمثال: ابن الأثير الجزري، والمقدسي، وابن كثير والنوري والذهبي والحسيني وابن تيمية وابن قيم الجوزية وغيرهم.
ومن المدارس الشهيرة أيضاً المدرسة الأمينية، التي تعدّ من المدارس الأولى التي بنيت في دمشق لتدريس الفقه الشافعي، أنشأها أتابك العساكر بدمشق، كمشتكين بن عبد الله، المتَوفّى سنة 541هـ، والمدرسة المستنصرية ببغداد التي أنشأها الخليفة المستنصر بالله المتَوفّى سنة 640هـ، وهي أول مدرسة أخذت بتدريس الفقه على المذاهب الأربعة، وبدأ بتشييدها سنة 625هـ وانتهى منها سنة 631هـ.
ومن الملاحظ أن المدرسة أخذت أشكالها العمرانية تبعاً لخصائص الثقافة العربية الإسلامية، فكانت تضم بيتاً للصلاة، وفناءً مكشوفاً يساعد على توفير قدر كبير من الإضاءة والتهوية، وتحيط به مجموعة من غرف التدريس والغرف الخاصة بالمدرسين، وعدد من الغرف المخصصة للسكن ومرافقه المختلفة، مع تباين أحجام هذه المرافق ومساحاتها بين مدرسة وأخرى، وغالباً ما كان النظام المعماري يأخذ بالحسبان أول ما يأخذ، التوجه نحو الكعبة المشرفة بوصفها قبلة المسلمين، ويمكن توصيف العناصر الأساسية لكل مدرسة بالمدخل والفناء الداخلي والأروقة، والإيوان، وقاعات التدريس والحجرات المخصصة للنوم، والمسجد والمكتبة، وغيرها من المكونات الملحقة بها.
أحمد الأصفر