السرد الاستراتيجي للمؤسس.. «استشراف المستقبل»
المصدر:
التاريخ: 08 يونيو 2023
ت +ت -الحجم الطبيعي
يُعد استشراف المستقبل أداة قيمة لاتخاذ القرارات والتخطيط الاستراتيجي، ويساعد في تحديد الاتجاهات الناشئة، وتحليل النتائج المحتملة لخيارات مختلفة. ومع ذلك يجب أن يفهم أنه ليس تنبؤاً دقيقاً بما سيحدث بالضبط، بل هو تقدير مستند للمعرفة والتحليل المتاحين في الوقت الحالي، لأنه قد تظهر عوامل غير متوقعة أو غير معروفة تغير المسارات المتوقعة.
ولقد كان لدى زايد المؤسس حس استشرافي بالمستقبل، يوقظه شعوره الفطري بالمسؤولية، التي تحملها بكل جدية وحيوية، فبالنسبة له: «إن الوطن ينتظر منا الكثير، والشعب يتطلع إلى أعمالنا، ونحن جميعاً شركاء في المسؤولية»، فعلى الرغم من وضوح المشهد المستقبلي أمامه، والمتمثل في رؤيته الصائبة، كان يعيش بشكل يومي عملية تخمين وتوقع للأحداث، والظروف المحتملة التي قد تنشأ في المستقبل، وتؤثر على مجالات الحياة، بما في ذلك الأعمال التجارية والتكنولوجيا والعلوم والسياسة والاجتماع. كان يسعى دائماً لفهم تطور الأمور المستقبلية، ومدى تأثيرها على الأفراد والمجتمع، لأنه كان مُتيقناً: «إن العالم يُسرع الخطى الآن نحو المدنية والتقدم، وهو يتطلع إلينا ليرى كيف سنواكب هذا التقدم ونلحق بركب الحضارة».
فقد اعتمد، رحمه الله، في عملية استشراف المستقبل على الأدلة المتاحة والمعلومات المتوفرة في الوقت الحالي، مثل تحليله للوضع المستقبلي لميناء أبوظبي: «واردتنا من الخارج تتضاعف كل سنة، والأرقام المتوقعة لحجم هذه الواردات في السنوات القادمة تشير إلى أنها سوف تشهد زيادة ضخمة قياساً، بما هي عليه الآن؛ ولذلك أمرت بزيادة غاطس الميناء وتعميقه، والسماح للسفن التي يزيد غاطسها على 30 قدماً بدخول الميناء والرسو فيه؛ لمواجهة هذا التطور ومواكبة حركة النمو في أبوظبي».
كما كان يطبق التحليل والتقييم لتقدير الاتجاهات المحتملة والتغيرات المستقبلية، مثل استشرافه لمرحلة ما بعد البترول: «إننا نوفر التعليم للشباب هنا وفي الخارج، ونحن نوفر لهم المصانع لاكتساب الخبرة والتدريب، وإعطاء فرص متساوية أمامه للعمل وكسب العيش، وما هذه المشروعات إلا الاحتياط الطبيعي بعد نفاد البترول؛ ففيها نقيم ما نواجه به المستقبل ويوفر الطعام للجميع»،
فقد كان، طيب الله ثراه، يستخدم أدوات وتقنيات متنوعة لاستشراف المستقبل، مثل النمذجة الرياضية، وتحليل البيانات، والمشاهدة الميدانية، واستطلاعات الرأي، وتقنيات السيناريو وغيرها، ولهذا نجده اهتم بأدق التفاصيل.
وكانت وصيته دائماً هي الاستعداد للمستقبل، وما قد يأتي به، ونهج أسلوب الأمة المُتعلمة، وينصح: «نعم، إن دوركم الآن هو تحصيل العلم، وسوف يأتي دوركم في الغد لمتابعة مسيرة الآباء والأجداد. إن وطننا غني بالإمكانات والموارد، وقد وهبنا الله الثروة، ولقد كانت الثروات دائماً مصدراً للمطامع، ومن هنا فإنني أناشدكم أن تتسلحوا بالعلم لمواجهة المستقبل، ومواجهة كل التحديات التي تواجه أمتنا».
علم الشيخ زايد أن العالم، الذي نعيشه مليء بالمتغيرات، وفي حالة تدفق مُستمر ومُتقلب. نحن محاصرون في دوامة إعصار التغيير اللامتناهي، ولهذا كان لا يخطو خطوة للمستقبل حتى يتبين معالمه، وفي ذلك ممارسة استشرافية للمستقبل حكيمة ورزينة، نستنير بها من قوله: «طموحنا في التقدم لا يتوقف عند حد، وأنا أشبه ذلك بالإنسان الذي يصعد إلى مكان مرتفع، كلما وصل إلى طوف ونظر خلفه رأى أشياء لم يكن يراها من قبل، وإذا صعد إلى طوف أعلى رأى أشياء أكثر، وهذا ما يحدث لنا؛ فكلما تحققت إنجازات، وكلما مرت أيام ازداد مدى الرؤية عندنا، وازدادت معرفتنا برغبات الجماهير وحاجاتها».