مساحه (علم)
Geodesy - Géodésie
المساحة (علم ـ)
تظهر المصادر التاريخية أن بعض العمليات المساحية جرت أيام الفراعنة وعند شعوب بلاد الرافدين. غير أن البداية الفعلية كانت في بدايات القرن السابع عشر نتيجة الثورة الصناعية وحركة الاكتشافات الجغرافية. وتهتم العملية المساحية بتحديد العلاقات الأفقية والشاقولية بين النقاط المختلفة على سطح الأرض؛ وذلك عن طريق قياس السُّموت والزوايا الأفقية والشاقولية والمسافات الأفقية وفروق الارتفاعات بين هذه النقاط، والمظاهر الطبوغرافية، وقياس إحداثياتها. والهدف من هذه العمليات هو توقيع الملكيات وتشييد الأبنية والجسور والسدود وقنوات الري والطرقات وتحديدها وقياسها، وتوقيع أنابيب نقل النفط وخطوط الطاقة وبناء المطارات وترسيم الحدود بين الدول، والعديد غيرها من المنشآت الخدمية والاقتصادية، ولتحديد أشكال المظاهر الطبوغرافية وأبعادها بهدف تمثيلها على الخرائط.
ولأن العملية المساحية ترتبط بسطح الأرض وتهدف إلى تمثيله على الخرائط؛ فلابد في البداية من تحديد شكل الأرض وأبعادها وإمكانية التعبير عنه بعلاقة رياضية ثابتة وغير قابلة للتحريف، وقد تم ذلك عن طريق تقريب الشكل الأصلي للأرض - وهو ما يعرف بالجيوئيد geoid - إلى ما يُعرف بمجسم القطع الناقص ellipsoid أو الكرة المفلطحة، والناتج من تخيّل تمديد سطح البحار والمحيطات تحت اليابسة. والتقريب الثاني هو تخيّل الأرض كرة نظامية بأبعاد ثابتة. وتهدف هذه التقريبات إلى تسهيل العمليات المساحية وتوحيدها بين الدول، لعمل الخرائط ونقل مظاهر سطح الأرض بوساطة المرتسمات أو المساقط projections واعتماد نظام إحداثيات، يعبر عن موقع أي ظاهرة أو نقطة على سطح الأرض لا يختلف من مكان إلى آخر أو دولة إلى أخرى، ويستخدم لهذا الغرض شبكة الإحداثيات الجغرافية المكونة من خطوط الطول والعرض.
ثمة مبدأ مهم يجب وضعه في الحسبان عند إجراء أي عملية مساحية,، وهو أن هذه العملية تبدأ من الكل إلى الجزء، أي من العمليات المساحية الكبيرة التي تغطي القطر كاملاً إلى العمليات الصغيرة.
ففي عملية التثليث على سبيل المثال، يُبدأ بتثليث الدرجة الأولى ثم يُنتقل إلى تثليث الدرجة الثانية ثم إلى الثالثة ثم الرابعة أحياناً، وأخيراً عمليات المسح التفصيلي. والهدف من ذلك هو تقليل الأخطاء إلى الحد الأدنى.
عمليات وأجهزة القياس:
تشتمل عمليات القياس المساحية على قياس الزوايا الأفقية والشاقولية والسُّموت والمسافات وفروق الارتفاعات، وقد تم اختراع أجهزة عديدة لعمل ذلك، كما أن هذه الأجهزة تطورت كثيرا مع الزمن، وهي كما يأتي:
ـ قياس الزوايا الأفقية والشاقولية:
يمكن قياس الزاوية الأفقية إما بالنسبة إلى اتجاه آخر معروف، أو بقياس انفراجها بالنسبة إلى الشمال المغنطيسي. وتقاس هذه الزاوية إما بقراءتها على القرص الأفقي «للتيودوليت» theodolite، أو برسم أضلاعها عند استخدام اللوحة المستوية ثم قياسها بالمنقلة. والتيودوليت (أو المزواة) نظارة مساحية تتحرك في الاتجاهين الأفقي والشاقولي، وترتبط حركتها بقرصين مدرّجين، الأفقي لقياس الزوايا الأفقية والشاقولي لقياس الزوايا الشاقولية. ويتم تحضير التيودوليت للعمل بوضعه فوق النقطة المعنية، أي جعل المحور الشاقولي له منطبقاً على شاقول النقطة، وتحقيق أفقية الجهاز بجعل الفقاعة الزئبقية للقرص المدرج بين حديها، وتصحيح وضع النظارة بتحقيق المطابقة الصحيحة للخيال حسب العين. ويجري قياس الزوايا الأفقية بعدة أساليب، وذلك حسب مستويات الدقة المطلوبة وخصائص الجهاز والوقت المتاح.
أما قياس الزوايا الشاقولية فيكون بقراءتها فوق الأفق أو تحته على القرص المدرج الشاقولي، وله عدة أساليب أيضاً. ويمكن لقياس الزوايا في أجهزة التيودوليت الحديثة أن تكون دقيقة جداً بحيث لا تتجاوز نسبة الخطأ بضعة أجزاء من الثانية.
ـ قياس المسافات:
تُقاس المسافات في الأعمال المساحية إما مباشرة؛ وذلك عند التحرك بأداة القياس على طول المسافة، أو بطريقة غير مباشرة، عندما يُمكن قياس المسافة من دون الحاجة إلى نقل الجهاز، بل اعتماداً على تضمين المسافة في شكل هندسي. ومن أدوات القياس المباشر: الخطوة أو الجنزير أو الشريط الكتاني أو شريط الأنڤار Invar wire ويجب الحصول في النتيجة على المسافة الأفقية بين النقطتين.
أما القياس غير المباشر فيتطلب استخدام أجهزة للإبصار وقائمة مدرجة تجعل المسافة المطلوبة ارتفاعاً في مثلث متساوي الساقين أو ضلعاً في مثلث قائم الزاوية، تكون بعض عناصره معروفة ويجري قياس العناصر الأخرى، ومن ثم تُحسب المسافة. وقد جرى تطوير جهاز التيودوليت بحيث يقيس المسافات المائلة ويحولها إلى أفقية مباشرة. وتبلغ نسبة الخطأ في قياس المسافات بأجهزة الإبصار المساحية متراً واحداً في كل 1000م، وهي كافية لأعمال المسح الطبوغرافي عادة.
ويمكن حالياً قياس المسافات إلكترونياً باستخدام أجهزة ترسل إشارات ضوئية أو لاسلكية إلى عاكس يعيد هذه الإشارات، وعن طريق قياس الزمن الذي استغرقته الإشارة المرسلة ومعرفة سرعتها؛ يعطي الجهاز المسافة الفاصلة بين الجهاز والعاكس. وميزة هذا الأسلوب أنه يمكن أن يقيس مسافات تصل إلى 50كم خلال لحظات وبدقة تراوح بين 1/005 و 1/500000.
ـ قياس الارتفاعات:
تُعرف هذه العملية باسم التسوية leveling، إذ يتم بوساطتها قياس فروق الارتفاعات بين النقاط سلباً أو إيجاباً، ويؤخذ وسطي سطح البحر مبدأً للقياس. ويمكن لعملية قياس الارتفاعات أن تتم بعدة وسائط منها مقياس الضغط الجوي؛ إذ يتم تحويل تناقص الضغط إلى زيادة في الارتفاع، أو بوساطة التيودوليت بعد قياس الزاوية الشاقولية والمسافة الفاصلة بين الجهاز والنقطة المطلوب قياس ارتفاعها. وهناك أخيراً التسوية الهندسية التي يجري تنفيذها باستخدام جهاز خاص يسمى النيڤو niveau وقائمة مدرجة. ويشتمل الجهاز على نظارة مساحية يكون خط التسديد فيها أفقياً دائماً عندما يوضع الجهاز بشكل أفقي، وتكون النظارة قابلة للحركة في المستوى الأفقي فقط. تتم التسوية الهندسية بعدة أساليب، منها استخدام جهاز وقائمة مدرجة أو استخدام الجهاز مع قائمتين يكون بينهما أو خارجهما. ويكون تنفيذ التسوية إما بشكل خطي إذا كانت الظاهرة الطبوغرافية طولية الامتداد, أو بشكل مساحي عند الحاجة إلى قياس الارتفاعات ضمن منطقة معينة، حيث يُتمكن من قياس فروق الارتفاعات بين نقطة توقيع الجهاز وعدة نقاط محيطة به في عملية واحدة.
مراحل العملية المساحية:
- المسح الاستكشافي:
كما هي الحال بالنسبة إلى أي عمل, لابد قبل البدء بالعملية المساحية من القيام باستكشاف المنطقة المطلوب مسحها، بهدف معرفتها ومعرفة خصائصها وطبيعتها وظروفها المناخية من قبل أشخاص خبيرين، فيتم اختيار النقاط والمظاهر الطبوغرافية الثابتة والمميزة والمناسبة للقيام بعملية التثليث والعمليات المساحية التالية، كما يتم تحديد مستوى الدقة المطلوبة والتجهيزات اللازمة، ويمكن أن يتجاوز ذلك إلى الوقت اللازم للعملية في مراحلها المختلفة والكلفة المادية لها.
- عملية التثليث:
هي العملية التي يتم بوساطتها تقسيم أي منطقة إلى أشكال هندسية، تكون مثلثات غالباً، تشكل رؤوسها نقاط ضبط محددة بدقة من الناحيتين الأفقية والشاقولية. وتُعرف هذه النقاط باسم النقاط الجيوديزية[ر] geodetic. ويجري تعيينها أفقياً بقياس إحداثياتها الجغرافية، في حين يجري تعيينها شاقولياً بقياس ارتفاعها فوق مستوى مبدئي هو وسطي سطح البحر. ولما كانت النقاط الجيوديزية رؤوساً لمثلثات كبيرة أو صغيرة فقد سميت بالشبكة المثلثاتية وسميت عملية تعيينها بعملية التثليث. وتقوم هذه العملية أساساً على القانون الرياضي الذي يقول إنه إذا عُرف في المثلث طول ضلع والزاويتان اللتان تجاورانه أمكن حساب طولي الضلعين الآخرين وتحديد إحداثيات الرأس الثالث.
تشتمل عملية التثليث على مثلثات من الدرجة الأولى أطوال أضلاعها بين 45 - 110كم؛ ومثلثات من الدرجة الثانية أطوال أضلاعها بين 15- 50كم؛ ومثلثات من الدرجة الثالثة أطوال أضلاعها بين 5 - 15كم، وقد يكون هناك مثلثات من الدرجة الرابعة أطوال أضلاعها أصغر من ذلك. وتنطلق عملية التثليث من خط أساس على الطبيعة طوله نحو 10كم، يُختار بعناية، ثم يُقاس سمته وطوله بدقة متناهية، كما تقاس الإحداثيات الجغرافية لبدايته ونهايته ويجري أخيراً تعديل طوله إلى مستوى سطح البحر إذا كان في منطقة أعلى. ويتم بعد ذلك تكبير هذا الخط إلى الطول المناسب (نحو 100كم) عن طريق شبكة تثليث خاصة، وبما أن العمل يكون من الكل إلى الجزء، فإنه بعد الانتهاء من تثليث الدرجة الأولى، يتم الانتقال إلى تثليث الدرجة الثانية ثم الثالثة، وقد يتم الوصول إلى الرابعة إذا كانت المظاهر الطبوغرافية كثيفة. وبعد انتهاء عملية التثليث يجب أن يكون قد توافر لدينا من 1- 3 نقاط ضبط جيوديزية في كل كم2 من المنطقة الممسوحة.
لقد أصبح من الممكن حالياً، وبعد استخدام القياس الإلكتروني للمسافات، تنفيذ عملية التثليث عن طريق قياس المسافات فقط من دون الحاجة إلى قياس الزوايا، ويتم حسابها باستخدام القوانين الرياضية. ويتم بعد ذلك قياس الإحداثيات الجغرافية أو الاصطلاحية لنقاط الضبط الجيوديزية. ولابد من الإشارة أخيراً إلى أن النقاط السابقة بدرجاتها المختلفة تكون معينة ومثبتة على الطبيعة، ومدونة في سجلات تمكن من إعادة تشييدها في حال تخربها أو ضياعها.
- المسح التفصيلي:
إن ما يراوح بين 1- 3 نقاط معلومة مساحياً في كل كم2 غير كاف لرسم خريطة أو مخطط للمنطقة؛ لذلك لابد من زيادة أعداد هذه النقاط بحيث تكون كثيفة ومتقاربة لتمكن من تحميل المظاهر والتفاصيل المختلفة والحصول على الخريطة الطبوغرافية أو تعديلها، ويمكن لعملية تعيين النقاط أو المسح التفصيلي أن تتم وفق ثلاثة طرق هي:
ـ تعيين النقاط عن طريق قياس المسافات فقط.
ـ تعيين النقاط عن طريق قياس الزوايا فقط.
ـ تعيين النقاط عن طريق قياس المسافات والزوايا.
وتُستخدم الطريقة الأخيرة بكثرة في العمليات المساحية، وتُعرف بالتضليع traversing، وهو إما أن يكون تضليعاً مغلقاً عند العودة إلى نقطة الانطلاق، أو تضليعاً مفتوحاً في حال الوصول إلى نقطة غير نقطة البداية.
وللتضليع درجات، هي المضلعات الرئيسة والتي تصل بين نقطتي تثليث، والمضلعات الثانوية وهي التي تصل بين نقطة تثليث ونقطة تضليع رئيسي، والمضلعات الحرة وهي التي تبدأ من نقطة معلومة وتنتهي في نقطة غير معلومة.
ـ المسح الجوي:
عرف المسّاحون فائدة الصور في عملية المسح منذ زمن بعيد، وبعد اختراع الطائرة في بدايات القرن العشرين، بدأ التقاط الصور منها لسطح الأرض، وتبين أن على الصور أن تكون متراكبة طولياً وعرضياً بنسب معينة وأن تكون وفق ترتيب معين من أجل عملية الرؤية النافرة أو المجسمة. وللصور الجوية نموذجان هما الصور المائلة والصور الشاقولية، كما لها أبعاد ومقاييس محددة. وتخضع الصور لتشوهات منها الناجم عن ميلان محور آلة التصوير ويعرف بالإزاحة الميلانية، والناجم عن تضاريس سطح الأرض ويعرف بالإزاحة التضاريسية.
تحتاج عملية تحضير الخريطة الطبوغرافية من الصور الجوية إلى نقاط محددة مسبقاً عن طريق المسح الأرضي. وتفيد هذه النقاط في عملية تصحيح الصور وإزالة التشويه الناجم عن الإزاحتين الميلانية والتضاريسية، ويتم هذا عن طريق وضع مزدوج الصور الموجب والشفاف في مواقعه على الجهاز وإجراء عملية التوجيه الداخلي والنسبي والمطلق، فيتم الحصول على النموذج المجسم لسطح الأرض من دون تشويه، الذي يسمح بالمباشرة بنقل التفاصيل إلى ورقة الرسم.
يتم هذا الأمر بوساطة جهاز الفوتوغرامتري photogrammetry عن طريق نقطتين مضيئتين متحركتين يمكن مطابقتهما لتصبحا نقطة واحدة. وهكذا عندما تصير هذه النقطة تبدو وكأنها ماسة لسطح الأرض في النموذج المجسم ويتم تحريكها على طول أي ظاهرة، فإن هذه الحركة تنتقل عبر الجهاز إلى ورقة الرسم وترسم الشكل الصحيح للظاهرة وفق المقياس المحدد. وبالأسلوب نفسه يتم رسم خطوط التسوية عندما توضع النقطة على ارتفاع معروف على سطح الأرض ومع المحافظة على تماسها مع سطح النموذج المجسم في أثناء تحريكها. ويمكن تعيير الجهاز وفق التباعد الشاقولي المطلوب بين خطوط التسوية. ومن البديهي أن تحتاج الخريطة الناتجة إلى إعادة رسم وفق المواصفات المحددة وإجراء عملية الترميز عليها، وإضافة المسميات والكتابات وشبكة الإحداثيات والمقياس للحصول على الخريطة النهائية والتي تنتقل بعدها إلى مرحلة الطباعة.
بسام حميدة
Geodesy - Géodésie
المساحة (علم ـ)
تظهر المصادر التاريخية أن بعض العمليات المساحية جرت أيام الفراعنة وعند شعوب بلاد الرافدين. غير أن البداية الفعلية كانت في بدايات القرن السابع عشر نتيجة الثورة الصناعية وحركة الاكتشافات الجغرافية. وتهتم العملية المساحية بتحديد العلاقات الأفقية والشاقولية بين النقاط المختلفة على سطح الأرض؛ وذلك عن طريق قياس السُّموت والزوايا الأفقية والشاقولية والمسافات الأفقية وفروق الارتفاعات بين هذه النقاط، والمظاهر الطبوغرافية، وقياس إحداثياتها. والهدف من هذه العمليات هو توقيع الملكيات وتشييد الأبنية والجسور والسدود وقنوات الري والطرقات وتحديدها وقياسها، وتوقيع أنابيب نقل النفط وخطوط الطاقة وبناء المطارات وترسيم الحدود بين الدول، والعديد غيرها من المنشآت الخدمية والاقتصادية، ولتحديد أشكال المظاهر الطبوغرافية وأبعادها بهدف تمثيلها على الخرائط.
ولأن العملية المساحية ترتبط بسطح الأرض وتهدف إلى تمثيله على الخرائط؛ فلابد في البداية من تحديد شكل الأرض وأبعادها وإمكانية التعبير عنه بعلاقة رياضية ثابتة وغير قابلة للتحريف، وقد تم ذلك عن طريق تقريب الشكل الأصلي للأرض - وهو ما يعرف بالجيوئيد geoid - إلى ما يُعرف بمجسم القطع الناقص ellipsoid أو الكرة المفلطحة، والناتج من تخيّل تمديد سطح البحار والمحيطات تحت اليابسة. والتقريب الثاني هو تخيّل الأرض كرة نظامية بأبعاد ثابتة. وتهدف هذه التقريبات إلى تسهيل العمليات المساحية وتوحيدها بين الدول، لعمل الخرائط ونقل مظاهر سطح الأرض بوساطة المرتسمات أو المساقط projections واعتماد نظام إحداثيات، يعبر عن موقع أي ظاهرة أو نقطة على سطح الأرض لا يختلف من مكان إلى آخر أو دولة إلى أخرى، ويستخدم لهذا الغرض شبكة الإحداثيات الجغرافية المكونة من خطوط الطول والعرض.
ثمة مبدأ مهم يجب وضعه في الحسبان عند إجراء أي عملية مساحية,، وهو أن هذه العملية تبدأ من الكل إلى الجزء، أي من العمليات المساحية الكبيرة التي تغطي القطر كاملاً إلى العمليات الصغيرة.
ففي عملية التثليث على سبيل المثال، يُبدأ بتثليث الدرجة الأولى ثم يُنتقل إلى تثليث الدرجة الثانية ثم إلى الثالثة ثم الرابعة أحياناً، وأخيراً عمليات المسح التفصيلي. والهدف من ذلك هو تقليل الأخطاء إلى الحد الأدنى.
عمليات وأجهزة القياس:
تشتمل عمليات القياس المساحية على قياس الزوايا الأفقية والشاقولية والسُّموت والمسافات وفروق الارتفاعات، وقد تم اختراع أجهزة عديدة لعمل ذلك، كما أن هذه الأجهزة تطورت كثيرا مع الزمن، وهي كما يأتي:
ـ قياس الزوايا الأفقية والشاقولية:
يمكن قياس الزاوية الأفقية إما بالنسبة إلى اتجاه آخر معروف، أو بقياس انفراجها بالنسبة إلى الشمال المغنطيسي. وتقاس هذه الزاوية إما بقراءتها على القرص الأفقي «للتيودوليت» theodolite، أو برسم أضلاعها عند استخدام اللوحة المستوية ثم قياسها بالمنقلة. والتيودوليت (أو المزواة) نظارة مساحية تتحرك في الاتجاهين الأفقي والشاقولي، وترتبط حركتها بقرصين مدرّجين، الأفقي لقياس الزوايا الأفقية والشاقولي لقياس الزوايا الشاقولية. ويتم تحضير التيودوليت للعمل بوضعه فوق النقطة المعنية، أي جعل المحور الشاقولي له منطبقاً على شاقول النقطة، وتحقيق أفقية الجهاز بجعل الفقاعة الزئبقية للقرص المدرج بين حديها، وتصحيح وضع النظارة بتحقيق المطابقة الصحيحة للخيال حسب العين. ويجري قياس الزوايا الأفقية بعدة أساليب، وذلك حسب مستويات الدقة المطلوبة وخصائص الجهاز والوقت المتاح.
أما قياس الزوايا الشاقولية فيكون بقراءتها فوق الأفق أو تحته على القرص المدرج الشاقولي، وله عدة أساليب أيضاً. ويمكن لقياس الزوايا في أجهزة التيودوليت الحديثة أن تكون دقيقة جداً بحيث لا تتجاوز نسبة الخطأ بضعة أجزاء من الثانية.
ـ قياس المسافات:
تُقاس المسافات في الأعمال المساحية إما مباشرة؛ وذلك عند التحرك بأداة القياس على طول المسافة، أو بطريقة غير مباشرة، عندما يُمكن قياس المسافة من دون الحاجة إلى نقل الجهاز، بل اعتماداً على تضمين المسافة في شكل هندسي. ومن أدوات القياس المباشر: الخطوة أو الجنزير أو الشريط الكتاني أو شريط الأنڤار Invar wire ويجب الحصول في النتيجة على المسافة الأفقية بين النقطتين.
أما القياس غير المباشر فيتطلب استخدام أجهزة للإبصار وقائمة مدرجة تجعل المسافة المطلوبة ارتفاعاً في مثلث متساوي الساقين أو ضلعاً في مثلث قائم الزاوية، تكون بعض عناصره معروفة ويجري قياس العناصر الأخرى، ومن ثم تُحسب المسافة. وقد جرى تطوير جهاز التيودوليت بحيث يقيس المسافات المائلة ويحولها إلى أفقية مباشرة. وتبلغ نسبة الخطأ في قياس المسافات بأجهزة الإبصار المساحية متراً واحداً في كل 1000م، وهي كافية لأعمال المسح الطبوغرافي عادة.
ويمكن حالياً قياس المسافات إلكترونياً باستخدام أجهزة ترسل إشارات ضوئية أو لاسلكية إلى عاكس يعيد هذه الإشارات، وعن طريق قياس الزمن الذي استغرقته الإشارة المرسلة ومعرفة سرعتها؛ يعطي الجهاز المسافة الفاصلة بين الجهاز والعاكس. وميزة هذا الأسلوب أنه يمكن أن يقيس مسافات تصل إلى 50كم خلال لحظات وبدقة تراوح بين 1/005 و 1/500000.
ـ قياس الارتفاعات:
تُعرف هذه العملية باسم التسوية leveling، إذ يتم بوساطتها قياس فروق الارتفاعات بين النقاط سلباً أو إيجاباً، ويؤخذ وسطي سطح البحر مبدأً للقياس. ويمكن لعملية قياس الارتفاعات أن تتم بعدة وسائط منها مقياس الضغط الجوي؛ إذ يتم تحويل تناقص الضغط إلى زيادة في الارتفاع، أو بوساطة التيودوليت بعد قياس الزاوية الشاقولية والمسافة الفاصلة بين الجهاز والنقطة المطلوب قياس ارتفاعها. وهناك أخيراً التسوية الهندسية التي يجري تنفيذها باستخدام جهاز خاص يسمى النيڤو niveau وقائمة مدرجة. ويشتمل الجهاز على نظارة مساحية يكون خط التسديد فيها أفقياً دائماً عندما يوضع الجهاز بشكل أفقي، وتكون النظارة قابلة للحركة في المستوى الأفقي فقط. تتم التسوية الهندسية بعدة أساليب، منها استخدام جهاز وقائمة مدرجة أو استخدام الجهاز مع قائمتين يكون بينهما أو خارجهما. ويكون تنفيذ التسوية إما بشكل خطي إذا كانت الظاهرة الطبوغرافية طولية الامتداد, أو بشكل مساحي عند الحاجة إلى قياس الارتفاعات ضمن منطقة معينة، حيث يُتمكن من قياس فروق الارتفاعات بين نقطة توقيع الجهاز وعدة نقاط محيطة به في عملية واحدة.
مراحل العملية المساحية:
- المسح الاستكشافي:
كما هي الحال بالنسبة إلى أي عمل, لابد قبل البدء بالعملية المساحية من القيام باستكشاف المنطقة المطلوب مسحها، بهدف معرفتها ومعرفة خصائصها وطبيعتها وظروفها المناخية من قبل أشخاص خبيرين، فيتم اختيار النقاط والمظاهر الطبوغرافية الثابتة والمميزة والمناسبة للقيام بعملية التثليث والعمليات المساحية التالية، كما يتم تحديد مستوى الدقة المطلوبة والتجهيزات اللازمة، ويمكن أن يتجاوز ذلك إلى الوقت اللازم للعملية في مراحلها المختلفة والكلفة المادية لها.
- عملية التثليث:
هي العملية التي يتم بوساطتها تقسيم أي منطقة إلى أشكال هندسية، تكون مثلثات غالباً، تشكل رؤوسها نقاط ضبط محددة بدقة من الناحيتين الأفقية والشاقولية. وتُعرف هذه النقاط باسم النقاط الجيوديزية[ر] geodetic. ويجري تعيينها أفقياً بقياس إحداثياتها الجغرافية، في حين يجري تعيينها شاقولياً بقياس ارتفاعها فوق مستوى مبدئي هو وسطي سطح البحر. ولما كانت النقاط الجيوديزية رؤوساً لمثلثات كبيرة أو صغيرة فقد سميت بالشبكة المثلثاتية وسميت عملية تعيينها بعملية التثليث. وتقوم هذه العملية أساساً على القانون الرياضي الذي يقول إنه إذا عُرف في المثلث طول ضلع والزاويتان اللتان تجاورانه أمكن حساب طولي الضلعين الآخرين وتحديد إحداثيات الرأس الثالث.
تشتمل عملية التثليث على مثلثات من الدرجة الأولى أطوال أضلاعها بين 45 - 110كم؛ ومثلثات من الدرجة الثانية أطوال أضلاعها بين 15- 50كم؛ ومثلثات من الدرجة الثالثة أطوال أضلاعها بين 5 - 15كم، وقد يكون هناك مثلثات من الدرجة الرابعة أطوال أضلاعها أصغر من ذلك. وتنطلق عملية التثليث من خط أساس على الطبيعة طوله نحو 10كم، يُختار بعناية، ثم يُقاس سمته وطوله بدقة متناهية، كما تقاس الإحداثيات الجغرافية لبدايته ونهايته ويجري أخيراً تعديل طوله إلى مستوى سطح البحر إذا كان في منطقة أعلى. ويتم بعد ذلك تكبير هذا الخط إلى الطول المناسب (نحو 100كم) عن طريق شبكة تثليث خاصة، وبما أن العمل يكون من الكل إلى الجزء، فإنه بعد الانتهاء من تثليث الدرجة الأولى، يتم الانتقال إلى تثليث الدرجة الثانية ثم الثالثة، وقد يتم الوصول إلى الرابعة إذا كانت المظاهر الطبوغرافية كثيفة. وبعد انتهاء عملية التثليث يجب أن يكون قد توافر لدينا من 1- 3 نقاط ضبط جيوديزية في كل كم2 من المنطقة الممسوحة.
لقد أصبح من الممكن حالياً، وبعد استخدام القياس الإلكتروني للمسافات، تنفيذ عملية التثليث عن طريق قياس المسافات فقط من دون الحاجة إلى قياس الزوايا، ويتم حسابها باستخدام القوانين الرياضية. ويتم بعد ذلك قياس الإحداثيات الجغرافية أو الاصطلاحية لنقاط الضبط الجيوديزية. ولابد من الإشارة أخيراً إلى أن النقاط السابقة بدرجاتها المختلفة تكون معينة ومثبتة على الطبيعة، ومدونة في سجلات تمكن من إعادة تشييدها في حال تخربها أو ضياعها.
- المسح التفصيلي:
إن ما يراوح بين 1- 3 نقاط معلومة مساحياً في كل كم2 غير كاف لرسم خريطة أو مخطط للمنطقة؛ لذلك لابد من زيادة أعداد هذه النقاط بحيث تكون كثيفة ومتقاربة لتمكن من تحميل المظاهر والتفاصيل المختلفة والحصول على الخريطة الطبوغرافية أو تعديلها، ويمكن لعملية تعيين النقاط أو المسح التفصيلي أن تتم وفق ثلاثة طرق هي:
ـ تعيين النقاط عن طريق قياس المسافات فقط.
ـ تعيين النقاط عن طريق قياس الزوايا فقط.
ـ تعيين النقاط عن طريق قياس المسافات والزوايا.
وتُستخدم الطريقة الأخيرة بكثرة في العمليات المساحية، وتُعرف بالتضليع traversing، وهو إما أن يكون تضليعاً مغلقاً عند العودة إلى نقطة الانطلاق، أو تضليعاً مفتوحاً في حال الوصول إلى نقطة غير نقطة البداية.
وللتضليع درجات، هي المضلعات الرئيسة والتي تصل بين نقطتي تثليث، والمضلعات الثانوية وهي التي تصل بين نقطة تثليث ونقطة تضليع رئيسي، والمضلعات الحرة وهي التي تبدأ من نقطة معلومة وتنتهي في نقطة غير معلومة.
ـ المسح الجوي:
عرف المسّاحون فائدة الصور في عملية المسح منذ زمن بعيد، وبعد اختراع الطائرة في بدايات القرن العشرين، بدأ التقاط الصور منها لسطح الأرض، وتبين أن على الصور أن تكون متراكبة طولياً وعرضياً بنسب معينة وأن تكون وفق ترتيب معين من أجل عملية الرؤية النافرة أو المجسمة. وللصور الجوية نموذجان هما الصور المائلة والصور الشاقولية، كما لها أبعاد ومقاييس محددة. وتخضع الصور لتشوهات منها الناجم عن ميلان محور آلة التصوير ويعرف بالإزاحة الميلانية، والناجم عن تضاريس سطح الأرض ويعرف بالإزاحة التضاريسية.
تحتاج عملية تحضير الخريطة الطبوغرافية من الصور الجوية إلى نقاط محددة مسبقاً عن طريق المسح الأرضي. وتفيد هذه النقاط في عملية تصحيح الصور وإزالة التشويه الناجم عن الإزاحتين الميلانية والتضاريسية، ويتم هذا عن طريق وضع مزدوج الصور الموجب والشفاف في مواقعه على الجهاز وإجراء عملية التوجيه الداخلي والنسبي والمطلق، فيتم الحصول على النموذج المجسم لسطح الأرض من دون تشويه، الذي يسمح بالمباشرة بنقل التفاصيل إلى ورقة الرسم.
يتم هذا الأمر بوساطة جهاز الفوتوغرامتري photogrammetry عن طريق نقطتين مضيئتين متحركتين يمكن مطابقتهما لتصبحا نقطة واحدة. وهكذا عندما تصير هذه النقطة تبدو وكأنها ماسة لسطح الأرض في النموذج المجسم ويتم تحريكها على طول أي ظاهرة، فإن هذه الحركة تنتقل عبر الجهاز إلى ورقة الرسم وترسم الشكل الصحيح للظاهرة وفق المقياس المحدد. وبالأسلوب نفسه يتم رسم خطوط التسوية عندما توضع النقطة على ارتفاع معروف على سطح الأرض ومع المحافظة على تماسها مع سطح النموذج المجسم في أثناء تحريكها. ويمكن تعيير الجهاز وفق التباعد الشاقولي المطلوب بين خطوط التسوية. ومن البديهي أن تحتاج الخريطة الناتجة إلى إعادة رسم وفق المواصفات المحددة وإجراء عملية الترميز عليها، وإضافة المسميات والكتابات وشبكة الإحداثيات والمقياس للحصول على الخريطة النهائية والتي تنتقل بعدها إلى مرحلة الطباعة.
بسام حميدة