غرابه (كريستيان ديتريش)
Grabbe (Christian Dietrich-) - Grabbe (Christian Dietrich-)
غْرابِّه (كريستيان ديتريش ـ)
(1801ـ 1836)
كريستيان ديتْـريش غْرابِّه Christian Dietrich Grabbe كاتب مسرحي ألماني. ولد في بلدة دِتـْمولد Detmold في منطقة ڤِسْتـْفاليا Westfalen شمال غربي ألمانيا وتوفي فيها بحُمى في النخاع الشوكي. كان والده مدير سجن البلدة ثم رئيس حرس البنك فيها. بعد حصوله على الشهادة الثانوية درس غْرابِّه الحقوق في لايبريغ وبرلين وتخرج عام 1824، وتدرج في الوظائف القضائية إلى أن صار عام 1828 قاضياً عسكرياً برتبة ملازم ثان في مسقط رأسه، وفي عام 1833 تزوج ابنة مدير الأرشيف، ولسخطه على طبيعة عمله، وضيق أفق سكان بلدته، وتعاسته الزوجية؛ تخلى عن عمله الرسمي، وتفرغ للتأليف المسرحي، على الرغم من حاله المالية البائسة. غادر عام 1834 بلدته متنقلاً بين مدن ألمانيا ذات المسارح المزدهرة باحثاً عن عمل في التمثيل أو الإخراج المسرحي، وتعرف في هذه المدة عدداً من الشخصيات الأدبية والفكرية المهمة، مثل هاينْريش هاينِه H. Heine ولودڤيغ تيك L. Tieck، وعمل لفترة قصيرة ناقداً مسرحياً. لكن الإخفاق الذي واجهه طوال الوقت على مستوى تحقيق طموحاته دفعه إلى إدمان الشراب، ومن ثمَّ إلى تدهور صحته بسرعة لافتة.
يُعد غْرابِّه مع غيورغ بوشنر G. Büchner أبرز كاتبين مسرحيين في «حركة ما قبل آذار» Vormärz ت(1815ـ 1848) الفكرية ـ الأدبية التي قادتها البرجوازية الألمانية المتنورة ضد الأرستقراطية الإقطاعية المتسلطة وإجراءات رئيس الوزراء مترنيخ المتعسفة. وتتركز أهمية مسرح غْرابِّه في اختراقه القواعد الكلاسيكية السائدة، على صعيد الشكل الفني والمضمون الفكري، وفي معارضته تقديس الكتَّاب الأجانب وتقليدهم الأعمى، من دون تمثل إبداعي نابع من ظروف واقع الوطن، وكذلك في ترسيخه استعادة أحداث الماضي التاريخية، بمنظور واقعي موضوعي، بعيداً عن الحماسة القومية والمبالغات العاطفية، وقد ظهرت هذه السمات بجلاء في مسرحياته التاريخية السياسية.
كان غْرابِّه في الحادية والعشرين من عمره عندما كتب أولى مسرحياته، وبالعنوان غير المألوف «مزاح، سخرية، تهكم ومغزى عميق» Scherz, Satire, Ironie und tiefere Bedeutung ت(1822) التي لم تنشر إلاّ بعد خمس سنوات ولم تعرض إلا عام 1876 عرضاً خاصاً، ثم عام 1907 عرضاً عاماً، والمسرحية من نوع الكوميديا الأدبية الرومنسية، يهجو فيها الكاتب بعض الظواهر السلبية، في المجتمع المعاصر ويسخر من الأجواء العلمية والأدبية بأسلوب لاذع يعتمد أدوات الكوميديا المرتجلة Commedia dell,arte ومسرح الدمى Marionetten Theater، مبدعاً نوعاً كوميدياً جديداً، يمزج نبض اللحظة بالتجاور السردي للأحداث ومع كسر الإيهام.
كتب غْرابِّه عام 1827 مقالة بعنوان «حول الهوس بشكسبير» Uber die Shakespearo- Manie صاغ فيها برنامجه الجمالي حول معالجة القضايا التاريخية القومية معارضاً تأليه الرومنسيين الألمان لشكسبير، وشكك فيها بآراء لسينغ Lessing في مدى الإفادة من شكسبير وهجر المسرحيين الفرنسيين، مؤكداً في مقابل ذلك قيمةَ شيلر[ر] Schiller في مسرحياته التاريخية مثل «ثلاثية ڤالنشتاين» Die Wallenstain-Trilogie، ثم تتالت مسرحياته ذات الموضوعات التاريخية الألمانية التي تُظهر فلسفته في طريقة عرض التاريخ القومي، مثل «القيصر فريدريش بَرباروسا» Kaiser Friedrich Barbaross ت(1829)، و«القيصر هاينريش السادس» Kaiser Heinrich der Sechste ت(1830) التي لاقت استحسان الباحث والناقد فرانتس ميرينغ F. Mehring وغيره. أما هاينِه فقد وجد في إبداع غْرابِّه عبقرية مسرحية. في عام 1829 كتب غرابة مسرحية «دون خوان وفاوست» Don Juan und Faust التي عارض فيها التفاؤل التاريخي في مسرحية غوته Goethe «فاوست»، مقدماً رمزين للوجود والطموح البشري معاً، فيسقطان معاً نتيجة أحاديتهما. وفي عام 1830 أنهى الكاتب مسرحية «نابليون أو الأيام المئة» Napoleon oder die hundert Tage التي ابتكر فيها نمطاً جديداً للمسرحية التاريخية الثورية، حلل فيها بواقعيةٍ نفسية واجتماعيةٍ شخصية البطل التاريخي ودور الجماهير الشعبية في صياغة الأحداث. وعلى الرغم من تبني غْرابِّه مبادئ ثورة تموز 1789 الفرنسية، لم ير في نابليون ما يستحق التمجيد في ممارساته داخل أوربا. ولم تعرض هذه المسرحية إلاّ عام 1895.
في العامين الأخيرين من حياته القصيرة كتب غْرابِّه مأساتين تاريخيتين تجريبيتين تعكسان خبرته الذاتية على صعيد غربة العبقري في وسط لا يستوعب رؤاه المستقبلية، أولاهما بعنوان «حنّا بعل» أو «هانيبال» Hannibal ت(1835) التي لم تعرض إلاّ عام 1918، والثانية بعنوان «معركة هِرْمَن» Herrmannsschlacht ت(1936).
نبيل الحفار
Grabbe (Christian Dietrich-) - Grabbe (Christian Dietrich-)
غْرابِّه (كريستيان ديتريش ـ)
(1801ـ 1836)
كريستيان ديتْـريش غْرابِّه Christian Dietrich Grabbe كاتب مسرحي ألماني. ولد في بلدة دِتـْمولد Detmold في منطقة ڤِسْتـْفاليا Westfalen شمال غربي ألمانيا وتوفي فيها بحُمى في النخاع الشوكي. كان والده مدير سجن البلدة ثم رئيس حرس البنك فيها. بعد حصوله على الشهادة الثانوية درس غْرابِّه الحقوق في لايبريغ وبرلين وتخرج عام 1824، وتدرج في الوظائف القضائية إلى أن صار عام 1828 قاضياً عسكرياً برتبة ملازم ثان في مسقط رأسه، وفي عام 1833 تزوج ابنة مدير الأرشيف، ولسخطه على طبيعة عمله، وضيق أفق سكان بلدته، وتعاسته الزوجية؛ تخلى عن عمله الرسمي، وتفرغ للتأليف المسرحي، على الرغم من حاله المالية البائسة. غادر عام 1834 بلدته متنقلاً بين مدن ألمانيا ذات المسارح المزدهرة باحثاً عن عمل في التمثيل أو الإخراج المسرحي، وتعرف في هذه المدة عدداً من الشخصيات الأدبية والفكرية المهمة، مثل هاينْريش هاينِه H. Heine ولودڤيغ تيك L. Tieck، وعمل لفترة قصيرة ناقداً مسرحياً. لكن الإخفاق الذي واجهه طوال الوقت على مستوى تحقيق طموحاته دفعه إلى إدمان الشراب، ومن ثمَّ إلى تدهور صحته بسرعة لافتة.
يُعد غْرابِّه مع غيورغ بوشنر G. Büchner أبرز كاتبين مسرحيين في «حركة ما قبل آذار» Vormärz ت(1815ـ 1848) الفكرية ـ الأدبية التي قادتها البرجوازية الألمانية المتنورة ضد الأرستقراطية الإقطاعية المتسلطة وإجراءات رئيس الوزراء مترنيخ المتعسفة. وتتركز أهمية مسرح غْرابِّه في اختراقه القواعد الكلاسيكية السائدة، على صعيد الشكل الفني والمضمون الفكري، وفي معارضته تقديس الكتَّاب الأجانب وتقليدهم الأعمى، من دون تمثل إبداعي نابع من ظروف واقع الوطن، وكذلك في ترسيخه استعادة أحداث الماضي التاريخية، بمنظور واقعي موضوعي، بعيداً عن الحماسة القومية والمبالغات العاطفية، وقد ظهرت هذه السمات بجلاء في مسرحياته التاريخية السياسية.
كان غْرابِّه في الحادية والعشرين من عمره عندما كتب أولى مسرحياته، وبالعنوان غير المألوف «مزاح، سخرية، تهكم ومغزى عميق» Scherz, Satire, Ironie und tiefere Bedeutung ت(1822) التي لم تنشر إلاّ بعد خمس سنوات ولم تعرض إلا عام 1876 عرضاً خاصاً، ثم عام 1907 عرضاً عاماً، والمسرحية من نوع الكوميديا الأدبية الرومنسية، يهجو فيها الكاتب بعض الظواهر السلبية، في المجتمع المعاصر ويسخر من الأجواء العلمية والأدبية بأسلوب لاذع يعتمد أدوات الكوميديا المرتجلة Commedia dell,arte ومسرح الدمى Marionetten Theater، مبدعاً نوعاً كوميدياً جديداً، يمزج نبض اللحظة بالتجاور السردي للأحداث ومع كسر الإيهام.
كتب غْرابِّه عام 1827 مقالة بعنوان «حول الهوس بشكسبير» Uber die Shakespearo- Manie صاغ فيها برنامجه الجمالي حول معالجة القضايا التاريخية القومية معارضاً تأليه الرومنسيين الألمان لشكسبير، وشكك فيها بآراء لسينغ Lessing في مدى الإفادة من شكسبير وهجر المسرحيين الفرنسيين، مؤكداً في مقابل ذلك قيمةَ شيلر[ر] Schiller في مسرحياته التاريخية مثل «ثلاثية ڤالنشتاين» Die Wallenstain-Trilogie، ثم تتالت مسرحياته ذات الموضوعات التاريخية الألمانية التي تُظهر فلسفته في طريقة عرض التاريخ القومي، مثل «القيصر فريدريش بَرباروسا» Kaiser Friedrich Barbaross ت(1829)، و«القيصر هاينريش السادس» Kaiser Heinrich der Sechste ت(1830) التي لاقت استحسان الباحث والناقد فرانتس ميرينغ F. Mehring وغيره. أما هاينِه فقد وجد في إبداع غْرابِّه عبقرية مسرحية. في عام 1829 كتب غرابة مسرحية «دون خوان وفاوست» Don Juan und Faust التي عارض فيها التفاؤل التاريخي في مسرحية غوته Goethe «فاوست»، مقدماً رمزين للوجود والطموح البشري معاً، فيسقطان معاً نتيجة أحاديتهما. وفي عام 1830 أنهى الكاتب مسرحية «نابليون أو الأيام المئة» Napoleon oder die hundert Tage التي ابتكر فيها نمطاً جديداً للمسرحية التاريخية الثورية، حلل فيها بواقعيةٍ نفسية واجتماعيةٍ شخصية البطل التاريخي ودور الجماهير الشعبية في صياغة الأحداث. وعلى الرغم من تبني غْرابِّه مبادئ ثورة تموز 1789 الفرنسية، لم ير في نابليون ما يستحق التمجيد في ممارساته داخل أوربا. ولم تعرض هذه المسرحية إلاّ عام 1895.
في العامين الأخيرين من حياته القصيرة كتب غْرابِّه مأساتين تاريخيتين تجريبيتين تعكسان خبرته الذاتية على صعيد غربة العبقري في وسط لا يستوعب رؤاه المستقبلية، أولاهما بعنوان «حنّا بعل» أو «هانيبال» Hannibal ت(1835) التي لم تعرض إلاّ عام 1918، والثانية بعنوان «معركة هِرْمَن» Herrmannsschlacht ت(1936).
نبيل الحفار