غش علمي
Scientific fraude - Fraude scientifique
الغش العلمـي
الغش العلمي scientific fraud (misconduct) هو أي عمل يُنفَّذ لتلفيق بحوث أو تزييفها أو انتحال نتائجها أو بياناتها العلمية، أو ادعاء القيام ببحوث لم تنفذ أصلاً، أو سرقة أفكار علمية أو مشروعات بحوث أو اكتشافات علمية أو مواد مبتكرة. ومن ثَمَّ فإن الغش العلمي يُعدّ مخالفة للقوانين والأنظمة المعتمدة من قبل الهيئات العلمية والقانونية. ولا تعد غشاً علمياً الأخطاء غير المتعمدة في تنفيذ البحوث أو التفسير الخاطئ غير المتعمد لنتائجها.
يُفترض أن يلتزم العلماء بالأخلاقيات العلمية. فالأخلاقيات البيولوجية biological ethics مثلاً تعني تطبيق المبادئ الأخلاقية في البحوث والأعمال المرتبطة بعلوم الحياة، والتمييز بين ما هو «صحيح» وما هو «خطأ»، ومن ثمَّ أن ينبع التزام تنفيذ الأعمال الصحيحة من الضمير. ولابد أن يُعرِّف العلماء والمجتمع تلك الأمور، وضرورة تمييز الصواب من الخطأ، وأن يُدرك العلماء أن عليهم واجبات أخلاقية تجاه مجتمعاتهم، لأن ما يتوصلون إليه من نتائج وتطبيقات، وما قد يبنى عليها من قرارات، سيؤثر في نوعية حياة البشر وفي التجارة والثقافة والصحة والزراعة والبيئة وغيرها من أمور الناس.
يمكن تشبيه العلم بسلَّم، يقف على كل درجةٍ من درجاته عالمٌ أو مجموعة من العلماء، ومعهم نتائج بحوثهم ومكتشفاتهم، وسيحتم ذلك وصول بعض العلماء إلى القمة في مجالات اختصاصاتهم. ومن البديهي ألاَّ ينسى هؤلاء أنهم يقفون على أكتاف علماء سبقوهم، واستفادوا من مكتشفاتهم وبياناتهم وخبراتهم، وألاَّ يسرقوا أفكاراً أو بيانات أو نتائج ليست لهم، وينبغي عليهم أن يلتزموا بأخلاقيات البحث العلمي، وأن يقدِّروا من سبقهم من العلماء بذكر ما استعملوه من نتائج في أبحاثهم. لكن المؤسف أن بعض العلماء فقدوا أخلاقيات العلم والبحث، فلجؤوا إلى أشكال متنوعة من الزيف العلمي الذي لابد أن يُفتضح في وقت من الأوقات.
أسباب الغش العلمي
لاشك أن بعض الأخطاء يحدث في أثناء تنفيذ البحوث العلمية، وأن نتائج غير دقيقة منها يتم نشرها، وقد يعود ذلك إلى أخطاء غير مقصودة، أو تسرّع في إعلان نتائج تنقصها الدقة، أو عدم توافر التحليل العلمي الصحيح أو التفسير السليم لبيانات التجربة. إلا أن حالات عدة من الغش العلمي المتعمَّد ترجع إلى أسباب مختلفة، منها ما يأتي:
ـ يُعيَّن كثير من الباحثين في البلدان الغربية والأمريكية لفترات قصيرة نسبياً، ومع تزايد صعوبة تمويل البحوث العلمية وتنافس الباحثين للحصول على المشروعات البحثية؛ فإن بعضهم يسعى إلى الحصول على نتائج عاجلة وجيدة تُشجع الممولين على استمرار تمويل البحوث، ومن ثمَّ قد يلجأ بعضهم إلى وسائل مختلفة من الزيف العلمي، أو تلفيق نتائج ومكتشفات، قد تبدو «مذهلة» وإن كانت غير صحيحة، لتحقيق ما يرمي إليه. ولحسن الحظ، فإن «أعمار» هذه المكتشفات الملفقة قصيرة، وسرعان ما يُكشف زيفها عند محاولة تكرارها في مختبرات ومراكز بحثية أخرى.
ـ يزداد الضغط على شركات الأدوية لصنع أدوية حديثة متطورة دوماً، ولاسيما أن المردود المادي من أدوية جديدة مفيدة هو عادة كبير جداً، وقد تنتج شركة ما عقاقير دوائية غير جيدة لم تجر عليها الاختبارات المناسبة فتكون نتائج استعمالها من قبل المرضى وخيمة. وبطبيعة الحال؛ فإن التحقق من صلاحية عقار جديد يستلزم تجربته في الحيوان، ثم في الإنسان، وتكون المشكلة كبيرة إذا أحدث لدى المرضى نتائج غير جيدة أو أعراض جانبية سيئة، فتغدو الشركة الصانعة معرضة للمساءلة أمام القضاء، وتُطالَب بتعويضات مادية باهظة، فتنطلق الأجهزة القانونية كافة وأبواق دوائر الدعاية والعلاقات العامة العائدة لها ساعية إلى نفي وجود أي آثار ضارة أو جانبية سيئة للعقار، فإذا لم تنجح بذلك فإنها تعمل على إطالة مدة الدعاوى القانونية لسنوات عدة بقصد إنقاص التعويضات المالية التي قد تُغرَّم بها لصالح المتضررين إلى أقل حد ممكن.
ـ ينشأ كثير من حالات الغش العلمي من الضعف العلمي أو الأخلاقي لبعض الباحثين، أو من تطبيق طرائق تجريبية رديئة، أو من عدم توافر الأدوات والتجهيزات المناسبة، ولأن النشر في المجلات والدوريات العلمية هو هدف كل باحث؛ فإن بعض الباحثين قد يلجؤون إلى تزوير النتائج، ويسعون إلى إصدار أوراق بحثية قابلة للنشر بأي طريقة ممكنة.
ـ إن عدم توافر الإمكانات المالية لتكرار البحوث بغية التحقق من نتائجها قد يدفع بعض الباحثين إلى الغش العلمي وتزوير النتائج.
نماذج من الغش العلمي
يهتم معظم الباحثين أساساً بتحقيق شهرة علمية جيدة، مبنية على أسس أخلاقية ومبادئ علمية سليمة، ويدركون أن اكتساب المال هو الأمر التالي لتحقيق الشهرة. وعلى خلاف ذلك؛ فإن قليلاً منهم يلجأ إلى طرائق غير مشروعة، كسرقة أو نقل المعلومات والمكتشفات أو تزويرها، بغية اكتساب المال في أسرع وقت ممكن.
هنالك أعداد كبيرة من حالات الغش العلمي لم يتم اكتشافها إطلاقاً أو تأخر ذلك كثيراً، وتتضمن المراجع العلمية كثيراً من الحالات المكتشََفة، وفيما يأتي عدد منها على سبيل المثال:
ـ في عام 1912 أعلن شارل دوسون Charles Dawson، (وكان محامياً ومهتماً بالتنقيب عن الآثار) أنه اكتشف، على مدى بضع سنوات، قطعاً من جمجمة غريبة الشكل في منطقة قريبة من بلدة پيلتداون Piltdown الإنكليزية، واكتشف فيما بعد قطعاً أخرى، إضافة إلى فك سفلي غريب الشكل، وذلك بالاشتراك مع عالم من قسم الجيولوجيا في المتحف البريطاني بلندن هو آرثر وودورد Arthur Woodward، ومن ثم أعادا تصميم القطع التي عثرا عليها في جمجمة، وادعيا أنها تعود إلى إنسان أسمياه رجل پيلتداون Piltdown man، يُحتمل أنه قد عاش قبل نحو نصف مليون سنة. وقد سبب ذلك نقاشاً علمياً وجدلاً كبيراً بين العلماء، ولاسيما بسبب الفك الذي كان يشبه فك نوع من القرود. وظل الشك يحوم حول هذا الاكتشاف حتى عام 1953، حين تمكن فريق من علماء المتحف البريطاني من إثبات الزيف العلمي لتلك الجمجمة، وتبين للفريق المذكور، باستخدام اختبارات علمية دقيقة، أن عمر عظامها هو نحو 50000 سنة، بينما يعود الفك السفلي والأسنان إلى سعلاةٍ orangutan حديث تم وضعه في الموقع الذي اكتشفت فيه عظام الجمجمة، وتمت معالجته بثنائي كرومات البوتاسيوم لإضفاء مظهر القِدم عليه.
ـ في 19 تموز/يوليو 2002 ألقي القبض على عالم صيني اسمه Jiangyu Zhu وزوجته اليابانية Kayoko Kimbara، وكانا يعملان في جامعة هارڤرد الأمريكية، وهما يسرقان تحت جنح الظلام نماذج من نتائج دراسات شاركا في تنفيذها، إضافة إلى سرقة مورثات genes جديدة أسهما في اكتشافها، تساعد المرضى الذين يتلقون أعضاء من متبرعين آخرين على التغلب على ظاهرة رفض الجسم لها، وقد وُجهت إليهما تهمتا سرقة أسرار تجارية ومحاولة بيع نماذج منها إلى شركة يابانية.
ـ في 28 تموز/يوليو 2002 ألقى رجال الأمن في مطار سيراكيوز الأمريكي القبض على باحث صيني اسمه Yin Qing- qiang وزوجته، وفي جعبته نحو مئة قارورة تحتوي على مواد مجهولة، وتبين أنه كان يعمل في جامعة كورنيل، وأنه ساعد على تطوير أنزيم الفيتاز phytase، الذي يُضاف إلى أعلاف الماشية فيساعد على تحسين قدرتها على الاستفادة من بعض العناصر المعدنية، وكانت جامعة كورنيل تقدمت بطلبات لتسجيل الأنزيم كبراءة اختراع تمهيداً لإنتاجه على نطاق تجاري. واتهمته السلطات الرسمية بأنه عرض على هيئات بحثية في الصين أن يجلب إليها نماذج من الخمائر والفطور والبكتريا الممكن استخدامها لإنتاج الأنزيم تجارياً، وأدين بسرقة مواد بيولوجية ومحاولة تهريبها إلى الصين.
ـ رفعت الحكومة الأمريكية دعوى مدنية على شركات صناعة السجائر، قيمتها 280 مليار دولار، متهمة إياها بالتآمر لخداع الشعب فيما يتعلق بأخطار التدخين والطبيعية الإدمانية للنيكوتين، إضافة إلى أن تلك الشركات قد وجهت اهتمامها نحو الشباب في دعاياتها لترويج منتجاتها. كما اتَّهم أحد الشهود العلميين المهمين تلك الشركات بأنها تقوم بخلط عدد من أنواع التبغ لتوفير معدَّل من النيكوتين في السجائر يؤدي إلى حدوث إدمان لدى المدخنين، وأنها أيضاً عمدت إلى إضافة الأمونيا لدعم تأثير النيكوتين.
ـ في إيلول/ سبتمبر 2002 تأكدت لجنة علمية في مخابر بِل Bell Laboratories الأمريكية من أن عدداً من الاكتشافات الجديدة المهمة قد بني على بيانات زائفة، وأن نتائج أكثر من 12 بحث، نُشر عدد منها في مجلات علمية بارزة مثل Nature وScience وApplied Physics Letters، كانت ملفَّقة. وأكدت اللجنة أن عالماً ألمانياً بارزاً في مجالات الإلكترونيات النانوية nanoelectronics اسمه Jan Henrik Schön (ويُقال إنه كان يحتمل أن يُرشح لجائزة نوبل للسلام)؛ قد زوَّر وحده البيانات التجريبية التي استخدمت في إعداد البحوث، من دون معرفة أي من العلماء المشاركين له في بحوث مهمة في الإلكترونيات كان يؤمل أن تحقق تطويرات كبيرة في مجالات الحاسوب والاتصالات، وأنه أجرى ذلك 16 مرة على الأقل بين عامي 1989 و2001، وقد نبع الشك في نتائج تلك التجارب عندما لم يتمكن بعض العلماء من تكرارها. وكانت هذه الحادثة الأولى من نوعها في تلك المخابر خلال 77 سنة من عمرها، وطُرد العالم المزوِّر من عمله.
ـ في عام 1995 أُدين مالكوم بيرس Malcolm Pearce، وهوأحد كبار الاستشاريين في أمراض النساء والتوليد في مستشفى سانت جورج في لندن، بتهمة الغش العلمي، بعد أن ادعى أنه أجرى عملية جراحية نادرة لسيدة، وأنه أجرى بحثاً علمياً استخدم فيه 191 امرأة معرَّضة للإجهاض لإثبات إمكان هرمون موجهة القند المشيمائية البشرية Human Chorionic Gonadotrophin (HCG) في تحسين فرص استمرار الحمل لدى نساء تعرَّضن لإجهاضات متكررة، أو مصابات بمتلازمة المبيض المتعدد الحويصلات polycystic ovary syndrome. وقد مارس أيضاً عمليات تزييف في السجلات الرسمية لحواسب المستشفى لإثبات أعماله الملفقة، وقد طُرد المذكور من عمله، واستقال أيضاً رئيسه المباشر، وكان يشغل أيضاً منصباً علمياً رفيعاً هو رئاسة الكلية الملكية للتوليد وأمراض النساء، على الرغم من أنه لم يكن له أي علاقة بأعمال الغش الذي مارسه الطبيب المذكور.
ـ في عام 1971 أعلن الوزير الفيليبيني مانويل إليزالد Manuel Elizalde أنه اكتشف قبيلة بدائية اسمها تسادي Tasaday في منطقة معزولة من جزيرة مندانو Mindanao، يتكلم أفرادها لغة غير مفهومة، ألبستهم من أوراق الشجر، يعيشون في الكهوف، يقتاتون بالصيد وبالأغذية البرية، ويستخدمون أدوات حجرية، وأصبحوا لوداعتهم مثالاً للبراءة الإنسانية! وقد تحدثت عنهم الإذاعة والتلفزة في العالم، وظهروا على غلاف مجلة National Geographic الشهيرة. وقد حاول كثير من علماء الأنثروبولوجيا زيارتهم فمُنِعوا من قبل الرئيس ماركوس الذي أعلن منطقتهم «محمية مغلقة» أمام أي زائر. وبعد وفاته عام 1986، تمكن صحفيان من زيارة تلك المحمية، فوجدا فيها أناساً يعيشون في منازل ويتاجرون باللحوم المدخَّنة، يلبسون الملابس الحديثة ويتحدثون لغة محلية مفهومة، وقد أوضح هؤلاء أنهم نُقلوا إلى الكهوف لفترة قصيرة، وأنهم قاموا بتمثيل ما كُلّفوا به أمام آلات التصوير، وأن ذلك كان بناء على ضغط من الوزير إليزالد الذي هرب من الفيليبين عام 1986 مصطحباً ملايين الدولارات التي سرقها من مؤسسة خيرية أسسها لجمع التبرعات لحماية تلك القبيلة «البدائية» المزعومة من الانقراض.
ـ اليورانيوم هو العنصر الأثقل في الطبيعة وعدده الذري 92، وتسعى مخابر علمية عدة إلى إنتاج عناصر أثقل منه وذات خواص ثابتة. في عام 1999 أعلن باحثون فيزيائيون في مختبر لورنس بيركلي في ولاية كاليفورنيا أنهم أجروا تجارب أدت إلى صنع العنصرين الأكثر ثقلاً على الإطلاق، وعدداهما الذريان 116 و118، وفيما بعد اضطر هذا المختبر إلى إعلان أنه لم يتمكن من تكرار ذلك، وتم طرد الفيزيائي Victor Ninov الذي كان مسؤولاً عن تزوير البيانات الأساسية التي بُني عليها ادعاء إنتاج العنصرين المذكورين.
أسامة عارف العوا
Scientific fraude - Fraude scientifique
الغش العلمـي
الغش العلمي scientific fraud (misconduct) هو أي عمل يُنفَّذ لتلفيق بحوث أو تزييفها أو انتحال نتائجها أو بياناتها العلمية، أو ادعاء القيام ببحوث لم تنفذ أصلاً، أو سرقة أفكار علمية أو مشروعات بحوث أو اكتشافات علمية أو مواد مبتكرة. ومن ثَمَّ فإن الغش العلمي يُعدّ مخالفة للقوانين والأنظمة المعتمدة من قبل الهيئات العلمية والقانونية. ولا تعد غشاً علمياً الأخطاء غير المتعمدة في تنفيذ البحوث أو التفسير الخاطئ غير المتعمد لنتائجها.
يُفترض أن يلتزم العلماء بالأخلاقيات العلمية. فالأخلاقيات البيولوجية biological ethics مثلاً تعني تطبيق المبادئ الأخلاقية في البحوث والأعمال المرتبطة بعلوم الحياة، والتمييز بين ما هو «صحيح» وما هو «خطأ»، ومن ثمَّ أن ينبع التزام تنفيذ الأعمال الصحيحة من الضمير. ولابد أن يُعرِّف العلماء والمجتمع تلك الأمور، وضرورة تمييز الصواب من الخطأ، وأن يُدرك العلماء أن عليهم واجبات أخلاقية تجاه مجتمعاتهم، لأن ما يتوصلون إليه من نتائج وتطبيقات، وما قد يبنى عليها من قرارات، سيؤثر في نوعية حياة البشر وفي التجارة والثقافة والصحة والزراعة والبيئة وغيرها من أمور الناس.
يمكن تشبيه العلم بسلَّم، يقف على كل درجةٍ من درجاته عالمٌ أو مجموعة من العلماء، ومعهم نتائج بحوثهم ومكتشفاتهم، وسيحتم ذلك وصول بعض العلماء إلى القمة في مجالات اختصاصاتهم. ومن البديهي ألاَّ ينسى هؤلاء أنهم يقفون على أكتاف علماء سبقوهم، واستفادوا من مكتشفاتهم وبياناتهم وخبراتهم، وألاَّ يسرقوا أفكاراً أو بيانات أو نتائج ليست لهم، وينبغي عليهم أن يلتزموا بأخلاقيات البحث العلمي، وأن يقدِّروا من سبقهم من العلماء بذكر ما استعملوه من نتائج في أبحاثهم. لكن المؤسف أن بعض العلماء فقدوا أخلاقيات العلم والبحث، فلجؤوا إلى أشكال متنوعة من الزيف العلمي الذي لابد أن يُفتضح في وقت من الأوقات.
أسباب الغش العلمي
لاشك أن بعض الأخطاء يحدث في أثناء تنفيذ البحوث العلمية، وأن نتائج غير دقيقة منها يتم نشرها، وقد يعود ذلك إلى أخطاء غير مقصودة، أو تسرّع في إعلان نتائج تنقصها الدقة، أو عدم توافر التحليل العلمي الصحيح أو التفسير السليم لبيانات التجربة. إلا أن حالات عدة من الغش العلمي المتعمَّد ترجع إلى أسباب مختلفة، منها ما يأتي:
ـ يُعيَّن كثير من الباحثين في البلدان الغربية والأمريكية لفترات قصيرة نسبياً، ومع تزايد صعوبة تمويل البحوث العلمية وتنافس الباحثين للحصول على المشروعات البحثية؛ فإن بعضهم يسعى إلى الحصول على نتائج عاجلة وجيدة تُشجع الممولين على استمرار تمويل البحوث، ومن ثمَّ قد يلجأ بعضهم إلى وسائل مختلفة من الزيف العلمي، أو تلفيق نتائج ومكتشفات، قد تبدو «مذهلة» وإن كانت غير صحيحة، لتحقيق ما يرمي إليه. ولحسن الحظ، فإن «أعمار» هذه المكتشفات الملفقة قصيرة، وسرعان ما يُكشف زيفها عند محاولة تكرارها في مختبرات ومراكز بحثية أخرى.
ـ يزداد الضغط على شركات الأدوية لصنع أدوية حديثة متطورة دوماً، ولاسيما أن المردود المادي من أدوية جديدة مفيدة هو عادة كبير جداً، وقد تنتج شركة ما عقاقير دوائية غير جيدة لم تجر عليها الاختبارات المناسبة فتكون نتائج استعمالها من قبل المرضى وخيمة. وبطبيعة الحال؛ فإن التحقق من صلاحية عقار جديد يستلزم تجربته في الحيوان، ثم في الإنسان، وتكون المشكلة كبيرة إذا أحدث لدى المرضى نتائج غير جيدة أو أعراض جانبية سيئة، فتغدو الشركة الصانعة معرضة للمساءلة أمام القضاء، وتُطالَب بتعويضات مادية باهظة، فتنطلق الأجهزة القانونية كافة وأبواق دوائر الدعاية والعلاقات العامة العائدة لها ساعية إلى نفي وجود أي آثار ضارة أو جانبية سيئة للعقار، فإذا لم تنجح بذلك فإنها تعمل على إطالة مدة الدعاوى القانونية لسنوات عدة بقصد إنقاص التعويضات المالية التي قد تُغرَّم بها لصالح المتضررين إلى أقل حد ممكن.
ـ ينشأ كثير من حالات الغش العلمي من الضعف العلمي أو الأخلاقي لبعض الباحثين، أو من تطبيق طرائق تجريبية رديئة، أو من عدم توافر الأدوات والتجهيزات المناسبة، ولأن النشر في المجلات والدوريات العلمية هو هدف كل باحث؛ فإن بعض الباحثين قد يلجؤون إلى تزوير النتائج، ويسعون إلى إصدار أوراق بحثية قابلة للنشر بأي طريقة ممكنة.
ـ إن عدم توافر الإمكانات المالية لتكرار البحوث بغية التحقق من نتائجها قد يدفع بعض الباحثين إلى الغش العلمي وتزوير النتائج.
نماذج من الغش العلمي
يهتم معظم الباحثين أساساً بتحقيق شهرة علمية جيدة، مبنية على أسس أخلاقية ومبادئ علمية سليمة، ويدركون أن اكتساب المال هو الأمر التالي لتحقيق الشهرة. وعلى خلاف ذلك؛ فإن قليلاً منهم يلجأ إلى طرائق غير مشروعة، كسرقة أو نقل المعلومات والمكتشفات أو تزويرها، بغية اكتساب المال في أسرع وقت ممكن.
هنالك أعداد كبيرة من حالات الغش العلمي لم يتم اكتشافها إطلاقاً أو تأخر ذلك كثيراً، وتتضمن المراجع العلمية كثيراً من الحالات المكتشََفة، وفيما يأتي عدد منها على سبيل المثال:
ـ في عام 1912 أعلن شارل دوسون Charles Dawson، (وكان محامياً ومهتماً بالتنقيب عن الآثار) أنه اكتشف، على مدى بضع سنوات، قطعاً من جمجمة غريبة الشكل في منطقة قريبة من بلدة پيلتداون Piltdown الإنكليزية، واكتشف فيما بعد قطعاً أخرى، إضافة إلى فك سفلي غريب الشكل، وذلك بالاشتراك مع عالم من قسم الجيولوجيا في المتحف البريطاني بلندن هو آرثر وودورد Arthur Woodward، ومن ثم أعادا تصميم القطع التي عثرا عليها في جمجمة، وادعيا أنها تعود إلى إنسان أسمياه رجل پيلتداون Piltdown man، يُحتمل أنه قد عاش قبل نحو نصف مليون سنة. وقد سبب ذلك نقاشاً علمياً وجدلاً كبيراً بين العلماء، ولاسيما بسبب الفك الذي كان يشبه فك نوع من القرود. وظل الشك يحوم حول هذا الاكتشاف حتى عام 1953، حين تمكن فريق من علماء المتحف البريطاني من إثبات الزيف العلمي لتلك الجمجمة، وتبين للفريق المذكور، باستخدام اختبارات علمية دقيقة، أن عمر عظامها هو نحو 50000 سنة، بينما يعود الفك السفلي والأسنان إلى سعلاةٍ orangutan حديث تم وضعه في الموقع الذي اكتشفت فيه عظام الجمجمة، وتمت معالجته بثنائي كرومات البوتاسيوم لإضفاء مظهر القِدم عليه.
ـ في 19 تموز/يوليو 2002 ألقي القبض على عالم صيني اسمه Jiangyu Zhu وزوجته اليابانية Kayoko Kimbara، وكانا يعملان في جامعة هارڤرد الأمريكية، وهما يسرقان تحت جنح الظلام نماذج من نتائج دراسات شاركا في تنفيذها، إضافة إلى سرقة مورثات genes جديدة أسهما في اكتشافها، تساعد المرضى الذين يتلقون أعضاء من متبرعين آخرين على التغلب على ظاهرة رفض الجسم لها، وقد وُجهت إليهما تهمتا سرقة أسرار تجارية ومحاولة بيع نماذج منها إلى شركة يابانية.
ـ في 28 تموز/يوليو 2002 ألقى رجال الأمن في مطار سيراكيوز الأمريكي القبض على باحث صيني اسمه Yin Qing- qiang وزوجته، وفي جعبته نحو مئة قارورة تحتوي على مواد مجهولة، وتبين أنه كان يعمل في جامعة كورنيل، وأنه ساعد على تطوير أنزيم الفيتاز phytase، الذي يُضاف إلى أعلاف الماشية فيساعد على تحسين قدرتها على الاستفادة من بعض العناصر المعدنية، وكانت جامعة كورنيل تقدمت بطلبات لتسجيل الأنزيم كبراءة اختراع تمهيداً لإنتاجه على نطاق تجاري. واتهمته السلطات الرسمية بأنه عرض على هيئات بحثية في الصين أن يجلب إليها نماذج من الخمائر والفطور والبكتريا الممكن استخدامها لإنتاج الأنزيم تجارياً، وأدين بسرقة مواد بيولوجية ومحاولة تهريبها إلى الصين.
ـ رفعت الحكومة الأمريكية دعوى مدنية على شركات صناعة السجائر، قيمتها 280 مليار دولار، متهمة إياها بالتآمر لخداع الشعب فيما يتعلق بأخطار التدخين والطبيعية الإدمانية للنيكوتين، إضافة إلى أن تلك الشركات قد وجهت اهتمامها نحو الشباب في دعاياتها لترويج منتجاتها. كما اتَّهم أحد الشهود العلميين المهمين تلك الشركات بأنها تقوم بخلط عدد من أنواع التبغ لتوفير معدَّل من النيكوتين في السجائر يؤدي إلى حدوث إدمان لدى المدخنين، وأنها أيضاً عمدت إلى إضافة الأمونيا لدعم تأثير النيكوتين.
ـ في إيلول/ سبتمبر 2002 تأكدت لجنة علمية في مخابر بِل Bell Laboratories الأمريكية من أن عدداً من الاكتشافات الجديدة المهمة قد بني على بيانات زائفة، وأن نتائج أكثر من 12 بحث، نُشر عدد منها في مجلات علمية بارزة مثل Nature وScience وApplied Physics Letters، كانت ملفَّقة. وأكدت اللجنة أن عالماً ألمانياً بارزاً في مجالات الإلكترونيات النانوية nanoelectronics اسمه Jan Henrik Schön (ويُقال إنه كان يحتمل أن يُرشح لجائزة نوبل للسلام)؛ قد زوَّر وحده البيانات التجريبية التي استخدمت في إعداد البحوث، من دون معرفة أي من العلماء المشاركين له في بحوث مهمة في الإلكترونيات كان يؤمل أن تحقق تطويرات كبيرة في مجالات الحاسوب والاتصالات، وأنه أجرى ذلك 16 مرة على الأقل بين عامي 1989 و2001، وقد نبع الشك في نتائج تلك التجارب عندما لم يتمكن بعض العلماء من تكرارها. وكانت هذه الحادثة الأولى من نوعها في تلك المخابر خلال 77 سنة من عمرها، وطُرد العالم المزوِّر من عمله.
ـ في عام 1995 أُدين مالكوم بيرس Malcolm Pearce، وهوأحد كبار الاستشاريين في أمراض النساء والتوليد في مستشفى سانت جورج في لندن، بتهمة الغش العلمي، بعد أن ادعى أنه أجرى عملية جراحية نادرة لسيدة، وأنه أجرى بحثاً علمياً استخدم فيه 191 امرأة معرَّضة للإجهاض لإثبات إمكان هرمون موجهة القند المشيمائية البشرية Human Chorionic Gonadotrophin (HCG) في تحسين فرص استمرار الحمل لدى نساء تعرَّضن لإجهاضات متكررة، أو مصابات بمتلازمة المبيض المتعدد الحويصلات polycystic ovary syndrome. وقد مارس أيضاً عمليات تزييف في السجلات الرسمية لحواسب المستشفى لإثبات أعماله الملفقة، وقد طُرد المذكور من عمله، واستقال أيضاً رئيسه المباشر، وكان يشغل أيضاً منصباً علمياً رفيعاً هو رئاسة الكلية الملكية للتوليد وأمراض النساء، على الرغم من أنه لم يكن له أي علاقة بأعمال الغش الذي مارسه الطبيب المذكور.
ـ في عام 1971 أعلن الوزير الفيليبيني مانويل إليزالد Manuel Elizalde أنه اكتشف قبيلة بدائية اسمها تسادي Tasaday في منطقة معزولة من جزيرة مندانو Mindanao، يتكلم أفرادها لغة غير مفهومة، ألبستهم من أوراق الشجر، يعيشون في الكهوف، يقتاتون بالصيد وبالأغذية البرية، ويستخدمون أدوات حجرية، وأصبحوا لوداعتهم مثالاً للبراءة الإنسانية! وقد تحدثت عنهم الإذاعة والتلفزة في العالم، وظهروا على غلاف مجلة National Geographic الشهيرة. وقد حاول كثير من علماء الأنثروبولوجيا زيارتهم فمُنِعوا من قبل الرئيس ماركوس الذي أعلن منطقتهم «محمية مغلقة» أمام أي زائر. وبعد وفاته عام 1986، تمكن صحفيان من زيارة تلك المحمية، فوجدا فيها أناساً يعيشون في منازل ويتاجرون باللحوم المدخَّنة، يلبسون الملابس الحديثة ويتحدثون لغة محلية مفهومة، وقد أوضح هؤلاء أنهم نُقلوا إلى الكهوف لفترة قصيرة، وأنهم قاموا بتمثيل ما كُلّفوا به أمام آلات التصوير، وأن ذلك كان بناء على ضغط من الوزير إليزالد الذي هرب من الفيليبين عام 1986 مصطحباً ملايين الدولارات التي سرقها من مؤسسة خيرية أسسها لجمع التبرعات لحماية تلك القبيلة «البدائية» المزعومة من الانقراض.
ـ اليورانيوم هو العنصر الأثقل في الطبيعة وعدده الذري 92، وتسعى مخابر علمية عدة إلى إنتاج عناصر أثقل منه وذات خواص ثابتة. في عام 1999 أعلن باحثون فيزيائيون في مختبر لورنس بيركلي في ولاية كاليفورنيا أنهم أجروا تجارب أدت إلى صنع العنصرين الأكثر ثقلاً على الإطلاق، وعدداهما الذريان 116 و118، وفيما بعد اضطر هذا المختبر إلى إعلان أنه لم يتمكن من تكرار ذلك، وتم طرد الفيزيائي Victor Ninov الذي كان مسؤولاً عن تزوير البيانات الأساسية التي بُني عليها ادعاء إنتاج العنصرين المذكورين.
أسامة عارف العوا