سوفرون
(القرن الخامس ق.م)
سوفرون Sophron كاتب مسرحي إغريقي عاش في مدينة سرقسطة (سيراكوزة) Siracusa في جزيرة صقليةSicilia ومات فيها نحو 410 ق.م، وكانت هذه المدينة آنئذ إحدى حواضر الثقافة اليونانية الغربية المزدهرة. وقد عاصر سوفرون اثنين من حكام الشعب Tyrannos، هما غيلون Gelonوهيرون Hieron، كما عاصر الكاتب إبيخارموس Epicharmos (نحو 540ـ400ق.م) الذي ابتكر المشاهد المسرحية التهريجية الخشنة ذات الطابع الشعبي التي أسماها «دراماتا» Dramataوالتي كانت تعتمد إلى حد كبير على الارتجال من جانب الممثلين الذين كانوا يعالجون بسخرية محببة موضوعات تتعلق بالآلهة والأبطال المؤلهين، مؤنسنة مزاياهم ومثالبهم على حد سواء، أو تصور بأسلوب كاريكاتيري أنماطاًَ شائعة ـ كالطفيلي والفضولي والواشي والغبي والمؤذي والبخيل ـ امتدت خيوطها عبر العصور حتى اليوم، عن طريق تيرينس (ترنسيوس) وبلاوتوس والكوميديا ديلارتي Commedia dell’arteوموليير حتى داريو فو وكانت هذه المشاهد تؤدى تمثيلياً بحركات مبالغ فيها، وتقارب الابتذال أحياناً في اللغة والحركة، وتقدّم في الساحات العامة في أثناء الاحتفالات الموسمية والرسمية.
كان سوفرون أول من سجل مشاهد إبيخارموس كتابة، فحفظها بذلك للتاريخ، وذلك بلهجة فلاّحي سرقسطة الخشنة، أما عندما ابتكر الشكل المسرحي الجديد «ميموس» Mimos الذي يعني تقليد ما يحدث في الحياة الواقعية، فقد كان مجدداً لغوياً كبيراً، مما يدل على سعة ثقافته معرفياً ولغوياً، إلى الحد الذي جعل الفيلسوف أفلاطون يمتدحه بإسهاب ويمجّد إنجازاته التجديدية، حتى إنه لم يحمل معه من رحلة سرقسطة سوى نصوص سوفرون التي كان يحتفظ بها تحت وسادته. ولم يبق من هذه النصوص سوى أربعة هي «صياد سمك التُنّ»The Fisherman of Tunnies، و«الفلاح وصياد السمك» The Peasant and the Fisherman، و«النساء اللواتي أردن إنزال القمر» The Women Who Wanted to Pull Down the Moon، والمسرحية ذات الموضوع المحبوب دائماً «الحماة» The Mother in Law. قال أفلاطون ناقداً مسرحيات سوفرون: «لاشك في أنه كان قريباً من الناس ويحبهم على علاتهم، فكتاباته تكشف أخطاءهم من دون أن تؤذيهم».
إن الفارق بين «دراماتا» إبيخارموس و«ميموس» سوفرون هو أن الميموس مشهد مسرحي طويل نسبياً، يكتب نثراً، بما يوحي عند الأداء بأنه مرتجل، ويعتمد على وصف دقيق وحاد للوسط الاجتماعي وللشخصيات عبر الجدل Agon القائم بينها، والفاعلون في المشهد يكونون إما رجالاً فحسب وإما نساءً فقط. ويؤدي الممثلون والممثلات الأدوار بثيابهم العادية من دون حشوات للتضخيم، ولا قبقاب لإطالة القامة، ولا قناع. ووسيلة التعبير إلى جانب الكلمة هي حركات الوجهMimik وحركات الجسد Gestik المبالغ فيها. ولقد أسبغ سوفرون على نصوص مشاهده طابعاً أدبياً فكاهياً ساخراً في موضوعات تتناول حياة البشر، بعيداً عن الآلهة والأبطال والحيوانات، فمهد بذلك لتطوير الملهاة (الكوميديا) التي ازدهرت على يدي أريستوفانس [ر] في أثينا. واستمر الميموس في تطوره المستقل حتى بلغ ذروته في اللغة اللاتينية، في روما القرن الأول قبل الميلاد على يدي دِيسموس لابِريوس Decimus Laberius ومعاصره بوبليليوس سيروسPublilius Syrus.
نبيل الحفار
(القرن الخامس ق.م)
سوفرون Sophron كاتب مسرحي إغريقي عاش في مدينة سرقسطة (سيراكوزة) Siracusa في جزيرة صقليةSicilia ومات فيها نحو 410 ق.م، وكانت هذه المدينة آنئذ إحدى حواضر الثقافة اليونانية الغربية المزدهرة. وقد عاصر سوفرون اثنين من حكام الشعب Tyrannos، هما غيلون Gelonوهيرون Hieron، كما عاصر الكاتب إبيخارموس Epicharmos (نحو 540ـ400ق.م) الذي ابتكر المشاهد المسرحية التهريجية الخشنة ذات الطابع الشعبي التي أسماها «دراماتا» Dramataوالتي كانت تعتمد إلى حد كبير على الارتجال من جانب الممثلين الذين كانوا يعالجون بسخرية محببة موضوعات تتعلق بالآلهة والأبطال المؤلهين، مؤنسنة مزاياهم ومثالبهم على حد سواء، أو تصور بأسلوب كاريكاتيري أنماطاًَ شائعة ـ كالطفيلي والفضولي والواشي والغبي والمؤذي والبخيل ـ امتدت خيوطها عبر العصور حتى اليوم، عن طريق تيرينس (ترنسيوس) وبلاوتوس والكوميديا ديلارتي Commedia dell’arteوموليير حتى داريو فو وكانت هذه المشاهد تؤدى تمثيلياً بحركات مبالغ فيها، وتقارب الابتذال أحياناً في اللغة والحركة، وتقدّم في الساحات العامة في أثناء الاحتفالات الموسمية والرسمية.
كان سوفرون أول من سجل مشاهد إبيخارموس كتابة، فحفظها بذلك للتاريخ، وذلك بلهجة فلاّحي سرقسطة الخشنة، أما عندما ابتكر الشكل المسرحي الجديد «ميموس» Mimos الذي يعني تقليد ما يحدث في الحياة الواقعية، فقد كان مجدداً لغوياً كبيراً، مما يدل على سعة ثقافته معرفياً ولغوياً، إلى الحد الذي جعل الفيلسوف أفلاطون يمتدحه بإسهاب ويمجّد إنجازاته التجديدية، حتى إنه لم يحمل معه من رحلة سرقسطة سوى نصوص سوفرون التي كان يحتفظ بها تحت وسادته. ولم يبق من هذه النصوص سوى أربعة هي «صياد سمك التُنّ»The Fisherman of Tunnies، و«الفلاح وصياد السمك» The Peasant and the Fisherman، و«النساء اللواتي أردن إنزال القمر» The Women Who Wanted to Pull Down the Moon، والمسرحية ذات الموضوع المحبوب دائماً «الحماة» The Mother in Law. قال أفلاطون ناقداً مسرحيات سوفرون: «لاشك في أنه كان قريباً من الناس ويحبهم على علاتهم، فكتاباته تكشف أخطاءهم من دون أن تؤذيهم».
إن الفارق بين «دراماتا» إبيخارموس و«ميموس» سوفرون هو أن الميموس مشهد مسرحي طويل نسبياً، يكتب نثراً، بما يوحي عند الأداء بأنه مرتجل، ويعتمد على وصف دقيق وحاد للوسط الاجتماعي وللشخصيات عبر الجدل Agon القائم بينها، والفاعلون في المشهد يكونون إما رجالاً فحسب وإما نساءً فقط. ويؤدي الممثلون والممثلات الأدوار بثيابهم العادية من دون حشوات للتضخيم، ولا قبقاب لإطالة القامة، ولا قناع. ووسيلة التعبير إلى جانب الكلمة هي حركات الوجهMimik وحركات الجسد Gestik المبالغ فيها. ولقد أسبغ سوفرون على نصوص مشاهده طابعاً أدبياً فكاهياً ساخراً في موضوعات تتناول حياة البشر، بعيداً عن الآلهة والأبطال والحيوانات، فمهد بذلك لتطوير الملهاة (الكوميديا) التي ازدهرت على يدي أريستوفانس [ر] في أثينا. واستمر الميموس في تطوره المستقل حتى بلغ ذروته في اللغة اللاتينية، في روما القرن الأول قبل الميلاد على يدي دِيسموس لابِريوس Decimus Laberius ومعاصره بوبليليوس سيروسPublilius Syrus.
نبيل الحفار