عن أسلوب كارل ماركس الأدبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عن أسلوب كارل ماركس الأدبي

    عن أسلوب كارل ماركس الأدبي
    دانيال هارتلي
    ترجمات
    كارل ماركس (gettyimages)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    ترجمة: سارة حبيب



    لم يكن كارل ماركس مفكرًا عظيمًا يتمتع بأسلوب نثري مهيب وحسب. فألمعيته ككاتب كانت جزءًا لا يتجزأ من عظمته كمفكّر.

    عن كتاب لودوفيكو سيلفا "أسلوب ماركس الأدبي" الذي ترجمه باكو بريتو نونيز إلى الإنكليزية مؤخرًا، وصدر عن دار فيرسو (2023)

    كان كارل ماركس واحدًا من أعظم مثقفيّ القرن التاسع عشر. وكان أيضًا واحدًا من أعظم كتّابه. فمثل تشارلز ديكنز، أونوريه دو بلزاك، والأخوات برونتي، يلوح اسم ماركس بين قمم كتّاب النثر في القرن التاسع عشر.

    واليوم، كتاب لودوفيكو سيلفا "أسلوب ماركس الأدبي" المُترجم مؤخرًا إلى الإنكليزية، والذي نُشر في الأصل عام 1971 تحت عنوان "El estilo literario de Marx"، يُظهر على نحو لا يقبل الجدل أن الجانبين مرتبطان: كان ماركس واحدًا من أعظم المثقفين لأنه كان واحدًا من أعظم الكتّاب.

    موسوعيٌّ فنزويلي

    ترجم باكو بريتو نونيز كتاب "أسلوب ماركس الأدبي" باستمتاع متحمس، ولمبادرته هذه يدين القراء الأنغلوفونيون بالامتنان. إنه واحد من تلك الكتب الصغيرة القصيرة (104 صفحات فقط) التي لها من التأثير ما يتجاوز بكثير حجمها الصغير. وهو كتاب يجب أن يوضع في مصافِ كتاب رولان بارت "الكتابة في درجة الصفر"، وكتاب د. أ. ميلر "جين أوستن، أو سرّ الأسلوب"، وكتاب بابلو فيرنو "القواعد النحوية للحشد"، بوصفه واحدًا من كلاسيكيات هذا النوع الأدبي.

    تلقى لودوفيكو سيلفا (1937-1988) تعليمه في كلية يسوعية خاصة في كاراكاس، ثم في مدريد، وباريس، وفرايبورغ. وقد كان موسوعيًا فنزويليًا: شاعرًا، كاتب مقالات، محرّرًا، ومدرّس فلسفة. كما لعب دورًا فعالًا في الصدارة الثقافية الأميركية اللاتينية، إذ أسس وحرّر مجموعة من صحف الطليعة.

    حافظ سيلفا على مسافة بينه وبين مؤسسات اليسار الثوري الرسمية، رغم أنه كان، كما يخبرنا ألبيرتو توسكانو في تقديمه الرائع للكتاب، مؤيدًا لحزب "الحركة اليسارية الثورية". وفي السبعينيات، أشاد سيلفا بالتجارب اليوغسلافية ذات الإدارة الذاتية، وبتجربة "سلطة الشعب" في ماتانزاس، كوبا.

    توفي سيلفا في عمر الواحدة والخمسين، وكان سبب موته المبكر تشمّعَ الكبد الذي أدى إلى نوبة قلبية. "حياة معذبة؟ نعم!" يقول سيلفا متذكرًا أخاه الأكبر هكتور عام 2009، "سافرنا معًا إلى مملكة الكحول، مملكة الضوء والعتمة". ولقد حام بودلير مثل قديس شفيع سقيم فوق حياة سيلفا وعمله.

    الماركسية والأسلوب

    بالنسبة إلى النقاد الماركسيين، أثبت الأسلوب الأدبي أنه مفهوم خصب على نحو غريب. بالنسبة إلى فريدريك جيمسون، كان الأسلوب مرادفًا للحداثة: اختراعُ لغاتٍ خاصة كثيرة جدًا من العدم كانت بمثابة الحمض النووي الأدبي لمبتكريها؛ من مارسيل بروست وجيرترود شتاين إلى مارتن هايدغر وإرنست همنغواي.

    هذا هو تداخل الأسلوب مع الحداثة إلى درجة أنه أصبح بالنسبة إلى جيمسون فئة تُقسّم إلى فترات. يساوي جيمسون بين فترة رأسمالية السوق ودافع الواقعية السردي، ويزعم أنه عندما أصبحت الرأسمالية الاحتكارية مسيطرة، فإنها كبحت قوة السرد، مُطلقة العنان للتفاصيل المؤثرة التي يمكن التقاطها في التعابير المسهبة الخاصة بالأسلوب الحداثي. وهذا الأخير في دوره تراجع في نهاية المطاف أمام الرأسمالية المتأخرة مُفسحًا المجال لانعدام الأسلوب في فترة ما بعد الحداثة التي يُقال إنه لم يصمد فيها سوى الأثر الأجوف للمعارضات الأدبية القائمة على محاكاة ومزج أعمال سابقة.

    بالنسبة إلى تيري إيغلتون، من جهة أخرى، الأسلوب سياسيّ ولاهوتيّ في الآن ذاته. يرى إيغلتون أن الجدال شرط أساسيّ لكلَ ثوريَ، ناقلًا بهذا مكان التمرد الأولي بالنسبة إلى البروليتاريا إلى نطاق الخطاب. في الوقت ذاته، الأسلوب هو شكلٌ من المحسوسية اللغوية: على الأسلوب أن يصوّر العالم في الخارج من دون نسيان ماديته الخاصة قط، حريصًا على الموازنة بين الموضوعية التي تنكر الذات والشكلانية التي تحترم الذات.

    الأسلوب الجيد، بالنسبة إلى إيغلتون، هو دائمًا حلّ وسطي بين الآنية المادية والتجريد المفهوميّ. وفي أعماله الأولى (التي عاد إليها مؤخرًا)، رأى إيغلتون هذا بوصفه صورة سَبقية كاثوليكية مقدسة للتغلب على الاغتراب.
    يزعم جيمسون أنه عندما أصبحت الرأسمالية الاحتكارية مسيطرة، فإنها كبحت قوة السرد، مُطلقة العنان للتفاصيل المؤثرة التي يمكن التقاطها في التعابير المسهبة الخاصة بالأسلوب الحداثي
    أخيرًا، بالنسبة إلى ريموند ويليامز الذي كان أكثر تشكّكًا بالأسلوب كفئة من إيغلتون وجيمسون، الأسلوب هو صيغة لغوية للتعبير عن العلاقات الاجتماعية. رأى ويليامز أن صراعات الكتّاب الأسلوبية - مثل توماس هاردي الذي سعى إلى الجمع بين التعابير البسيطة لرجال ونساء الطبقة العاملة العاديين وطرق التعبير البرجوازية الأكثر تقدمًا- هي استدخالٌ أدبي لطبيعة اللغة المقسمة حسب الطبقة في المجتمع الرأسمالي بالعموم. بالتالي، رأى ويليامز أن المعركة لأجل النثر الجيد توازي الصراع لأجل علاقات اجتماعية عادلة، ولا يمكن الحكم على الأسلوب بمعزل عنها.

    كان ماركس ذاته مدركًا جيدًا لأهمية الأسلوب. وفي واحدة من أوائل مقالاته الصحافية، نُشرت عام 1842، احتج ماركس على مرسوم رقابة بروسي أصدره فريدريك فيلهيلم الرابع ويُفتَرض أنه "لا يمنع الاستقصاء الجدي والبسيط للحقيقة". لكن، بقوله هذا، يكون القانون قد حدّد الأسلوب الذي يُسمَح للصحافيين قانونًا أن يكتبوا به.

    شعر ماركس بالازدراء:

    "يسمح لي القانون بأن أكتب، لكن يجب أن أكتب بأسلوب ليس أسلوبي! ويسمح لي أن أُظهر ملامحي الروحية، لكني يجب أولًا أن أضعها ضمن الطيّات الموصوفة! أيّ رجل شريف لا يحمرّ خجلًا من هذه الوقاحة...؟"

    يساوي ماركس بين أسلوب الكاتب وسحنته الفريدة أو كينونته الروحية الداخلية. وقد طالب قانون رقابةِ الدولة عمليًا الكتّابَ أن يلووا وجوههم الأدبية إلى تكشيرة محددة بمرسومِ دولة، فارضًا عليهم هوية غريبة تخنق طرق التعبير الفريدة الخاصة بهم.

    إن رد فعل ماركس هنا ينبئ عن نقده المبكّر الأكثر عمومية للدولة الحديثة. رأى ماركس أن هذه الأخيرة تقوم على انقسام بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي: انقسام بين "الإنسان في وجوده الحسي الآني" (البرجوازي)، و"الإنسان بوصفه شخصًا أخلاقيًا مجازيًا" (المواطن). وهذا الانقسام، حسب رأيه، هو الشكل السياسي للاغتراب الرأسمالي.
    لودوفيكو سيلفا وكتابه "أسلوب ماركس الأدبي"
    من قصائد الحب إلى الأنظمة

    يُعتبر لودوفيكو سيلفا مساهمًا هامًا في هذا الاتجاه الغني الذي تمثله الأسلوبية المادية. من المستحيل قراءة كتاب "أسلوب ماركس الأدبي" من دون الخروج بفهم للأدبيّ مختلف للغاية عن الفهم الذي بدأنا به.

    تاريخيًا، كان يُنظر إلى الأسلوب على أنه "ثوبُ الفكر"؛ إضافة جمالية أو "لمسة أخيرة" سطحية تُضاف إلى المعنى الأساسي الذي يتم إيصاله. لكن، وهذا ما يسعى سيلفا جاهدًا لأن يُظهره، هذه النظرة للأسلوب القائمة على الفهم الشائع غير كافية للوصول إلى فهم صحيح لأعمال ماركس. إن أسلوب ماركس هو جانب مُكوِّن من جوانب مشروعه النقدي العام. وهو أيضًا الوسيلة التي يجعل ماركس بواسطتها المفهوميَّ المجردَ مُدرَكًا حسيًا، وبهذا المعنى يصبح للأسلوب وظيفة تعليمية.

    في الفصل الأول من كتاب "أسلوب ماركس الأدبي"، يُرجع سيلفا أصولَ أسلوبِ ماركس الأدبي الناضج إلى أربع مجالات: كتاباته الشعرية المبكرة (الفاشلة)؛ دراسته اللغوية والجمالية المكثفة للأعمال الكلاسيكية (اللاتينية والإغريقية)؛ ولعه الشاب بإضفاء المثالية المجازية؛ ونقده القاسي المبكر لمحاولاته المُشكِّلة في مجال الكتابة الأدبية. لقد تمكن ماركس سريعًا من رؤية قصورِ الوجدانية الرومانسية المجردة التي ميّزت قصائد الحب الأولى التي كتبها لجيني فون فيستفالين التي تزوجها لاحقًا. وعلى حدّ تعبيره في رسالة لافتة كتبها إلى أبيه عام 1937: "كل شيء حقيقيّ قد أصبح مبهمًا وما هو مبهم ليس له إطار محدّد".

    تشهد تلك الرسالة على التحوّل المتحمس الذي شهده ماركس من الشعر إلى الفلسفة الهيغلية، غير أن المسار الذي يتجاوز هيغل كان متنبأً به سلفًا: أدرك ماركس الحاجة إلى أسلوبٍ يلتزم بأمانة بالحقيقيَ والواقعيَ، أسلوبٍ مركّز ومرصوص، وتحييه الكثافة الموضوعية. وهذا هو الأسلوب الذي سيميز أعمال ماركس اللاحقة المنشورة، والذي تلخّصه عبارة سيلفا المنطوية على تناقض "روح ملموسة".

    الفصل الثاني هو الأطول في الكتاب، وهو يبيّن السمات الجوهرية لأسلوب ماركس. يرى سيلفا أن أعمال ماركس يجب أن تُفهَم على أنها "تنظيمُ معرفةٍ" واحد، وهو تعبير يستعيره من إيمانويل كانط الذي يعرّفه على أنه "فن الأنظمة" [die Kunst der Systeme]. تنظيم المعرفة شائع في كلّ من العلم والفن: يقوم العلم على المعرفة المنظمة، ولكي يصبح التعبيرُ فنًّا عليه، حسب قراءة سيلفا، أن يكون خاضعًا لفن الأنظمة.
    نشعر بازدراء سيلفا للتحريفات العقائدية لكتابة ماركس في كتيبات الحزب الشيوعي الرسمي في ذلك الوقت
    يصرّ سيلفا طوال الكتاب على ضرورة وجود تقسيم صارم في أعمال ماركس الكاملة بين الأعمال التي حضّرها بعناية للنشر، والمخطوطات ودفاتر الملاحظات اللانهائية العدد وغير المكتملة التي لم ينشرها ماركس قط. ففي حين أن هذه الكتابات كلّها تشكّل جزءًا من تنظيم المعرفة العلمية (مشروع مستقل من نقد الاقتصاد السياسي)، وحدها الأعمال التي نقّحها ماركس للنشر - الأكثر شهرة بينها هو المجلد الأول من "رأس المال"- تجسّد فن النظام من خلال إكساءِ البنية الهيكلية للعلم باللحم الحيوي للتعبير المجازي.

    إن استحضار سيلفا العرضي لتنظيم المعرفة الكانطي يثير هنا مسألة شائكة: إلى أي درجة يمكننا القول إن مادية ماركس التاريخية ترث عن المثالية الألمانية أفكارًا موجودة مسبقًا تخص العلم والمنهجيّة؟ يتجاهل سيلفا هذا الأمر في صمت.

    ديالكتيك التعبير والاستعارة

    السمة الثانية التي تميز أسلوب ماركس هي ما يدعوه سيلفا "تعبير الديالكتيك" أو "ديالكتيك التعبير". وهو يشير هنا إلى استخدام ماركس المستمر لما يُسمى "المقابلة العكسية" أو القلب التركيبيّ الذي تُعكَس فيه بعض مفردات النصف الأول من جملة في نصفها الثاني: "الحياة لا تتحدد بالوعي، بل الوعي بالحياة" (الأيديولوجية الألمانية)، أو "الرهن الذي يضعه الفلاح على الممتلكات السماوية يكفل الرهن الذي يضعه البرجوازيَ على ممتلكات الفلاح" (النضال الطبقي في فرنسا، 1850).

    إن "تعبير الديالكتيك" أو "ديالكتيك التعبير" هو صورة بيانية تمثّل الحركة الديالكتيكية للواقع ذاته: "السر الأدبي وراء كونِ الكثير من جمل ماركس "مدوّرة" ومدهشة، يكتب سيلفا، "هو أيضًا السر وراء التصور الديالكتيكي للتاريخ عنده على أنه صراع طبقي أو صراع أضداد". إن أسلوب ماركس هو إعادة إنتاج محاكاتية أو أداء محاكاتيّ لحركات التاريخ الواقعية: "لغة ماركس هي مسرح ديالكتيكه".

    السمة الثالثة والأكثر أهمية لأسلوب ماركس هي استخدامه للاستعارة. يركّز كتاب "أسلوب ماركس الأدبي" على ثلاث من أكثر الاستعارات تأثيرًا: استعارة البنية التحتية- الفوقية سيئة السمعة، فكرة "الانعكاس"، والدِّين بوصفه صورة للاغتراب. مثل أرسطو قبله، يؤكد سيلفا على الأهمية المعرفية لمثل تلك الاستعارات، لكنه مع ذلك يصرّ - على نحو حاسم- على وجوب التمييز بين الاستعارات والمعرفة العلمية النظرية.

    في مجموعة تحليلات بارعة، يكشف سيلفا عن القصور العام لاستعارة البنية التحتية- الفوقية واستعارة الانعكاس كأساس لنظرية علمية، لكنه رغم ذلك يقرّ بإمكانيتهما التعليمية. ونشعر هنا بازدراء سيلفا للتحريفات العقائدية لكتابة ماركس في كتيبات الحزب الشيوعي الرسمي في ذلك الوقت. كما أن المناقشة التي يطرحها سليفا هنا تأتي قريبة على نحو غريب من المناقشة التي يقترحها كتاب ويليامز "الماركسية والأدب" والتي نُشرت بعد ذلك بست سنوات فقط، وفنّدت أيضًا استعارتي البنية التحتية- الفوقية والانعكاس.

    يتفق ويليامز وسيلفا على أن هذه الاستعارات، إذا تتبعناها بدقة إلى خلاصتها المنطقية، تستحث تقسيمًا بين أساس اقتصادي للأفكار وحيّز سماوي لها، وهي تفعل ذلك تحديدًا حيث سعى ماركس إلى إظهار ترابطهما الكلي. لهذا، ليس من المفاجئ أن يكون سيلفا قد اختار كواحدة من عتبات التصدير عنده عبارة "اللغة وعي عملي" (من كتاب "الأيديولوجية الألمانية")، التي شكّلت أيضًا أساس النظرية المكتملة التي تخص اللغة، الأدب، والشكل عند ويليامز.

    مفارقات التاريخ



    تُظهر بقية كتاب "أسلوب ماركس الأدبي" الارتباطَ غير الملحوظ، والذي يتكرر عبر كتابات ماركس كلها، بين الجدل، التهكم، المفارقة الساخرة، والاغتراب. كتب فيلهيلم ليبكنيخت ذات مرة أن أسلوب ماركس ذكّره بالجذور الاشتقاقية للكلمة ذاتها: "الأسلوب- style- هنا هو ما كان stylus في الأصل في أيدي الرومان؛ مِرْقَم فولاذي حادّ الرأس يستخدم للكتابة وللطعن".

    عرف ماركس كيف يكتب بقذارة؛ كان سيد الطعن عن قرب. مع هذا، يصرّ سيلفا أيضًا، وهو محق، أن سخط ماركس الناريّ ترافق مع المفارقة الساخرة: "كم حاول الكثيرون محاكاة أسلوب ماركس، لكن كلّ ما فعلوه كان نسخ السخط ونسيان المفارقة!" وكما أن "ديالكتيك التعبير" كان يضفي أسلوبًا على الحركة الديالكتيكية للواقع، فإن المفارقة الساخرة هي الطريقة الأسلوبية التي تعبّر عن تصور ماركس العام للتاريخ. وفقًا لسيلفا:

    "إذا كان ماركس ماديًا، فذلك لأنه سعى دومًا، من خلال الذهاب إلى ما هو أبعد مِن، أو ما هو تحت، المظهر الأيديولوجي للأحداث التاريخية (الدولة، القانون، أخلاقيات الدين، الماورائيات)، إلى اكتشاف بناها المادية التحتية. لهذا، تلعب مفارقاته الأسلوبية الساخرة دورًا أساسيًا دائمًا: شجبَ الواقع، إلقاء الضوء عليه".

    هكذا، مرة أخرى، تقُرأ خاصية من خواص أسلوب ماركس باعتبارها صياغة أدبية لصيرورة تاريخية.

    ينتهي كتاب سيلفا بدفع هذا السطر من المناقشة إلى نتيجته المنطقية: الاغتراب استعارة عظيمة. مثلما تقتضي الاستعارة تحويلَ معنى إلى آخر، كذلك في المجتمع الرأسمالي "نجد تحويلًا غريبًا وشاملًا من المعنى الحقيقي للحياة البشرية نحو معنى مشوه". بالتالي، بدلًا عن كونه صورة بلاغية بسيطة يمكن استخلاصها من الواقع الذي تمثّله "وحسب"، يصرّ سيلفا على أن الاغتراب الرأسمالي ذاته له بنية استعارية.

    ربما يمكن قول الشيء ذاته عن الأفراد في المجلد الأول من "رأس المال" إذ أنهم، حسب كلمات ماركس الشهيرة، لا يتم التعامل معهم "إلا إذا كانوا تشخيصًا لفئات اقتصادية، حوامل[Träger] لعلاقات طبقية معينة ومصالح معينة". عندما أشار ماركس إلى الرأسماليين الأفراد على أنهم "رأسُ مالٍ مُشخَّص"، لم يكن يعني أن الرأسماليين يتصرفون كما لو أنهم تشخيص (مجازي)، بل أنهم تشخيص حيّ لرأس المال، مُقوِّضًا بذلك أي تمييز دقيق بين الصورة الأدبية والمحتوى التاريخي.

    في النتيجة، عندما يصبح الأسلوب مسألةَ حركة جوهرية للتاريخ ذاته، لا يعود من الممكن تحييده على أنه مجرد تكلّف أدبي. وسيلفا يوضح هذه النقطة بشكل جميل، بقوة ليست بالقليلة، وبإيجاز جدير بالإعجاب.



    دانيال هارتلي: أستاذ مساعد في قسم الآداب العالمية في جامعة دورهام، المملكة المتحدة. تركز دراساته على الأسلوب الأدبي، الأدب العالمي، وعلم الاجتماع التاريخي للحداثة. وهو مؤلف كتاب "سياسات الأسلوب: نحو شعرية ماركسية" (2017) والذي طوّر فيه نظرة منهجية للأسلوب الأدبي.



    رابط النص الأصلي:

    https://jacobin.com/2023/01/karl-mar...oXGxJFok8nwU8I
    • المترجم: سارة حبيب
يعمل...
X