مصر (مسرح في)
Egypt - Egypte
مصر (المسرح في ـ)
لاشك في أن ظاهرتي خيال الظل والأراغوز تحملان كثيراً من السمات المسرحية بالمفهوم المتعارف عليه عالمياً، وأنهما قد مهدتا الأجواء والظروف لتقبل «الفصول المضحكة» التي انتشرت في المدن والأرياف المصرية، ثم لتقبّل بوادر المسرح العربي الذي يؤدي شخصياته ممثلون بشر أسوياء. وهذا المسرح العربي بدأ مع تجارب رواد ثلاثة، هم مارون النقاش[ر] في بيروت عام 1847، وأبو خليل القباني[ر] في دمشق عام 1865، ويعقوب صنوع في القاهرة عام 1870، الذي استلهم كما فعل النقاش مسرحيات موليير[ر] فاقتبس منها وألّف كثيراً على منوالها، ولكن في أجواء الواقع المصري موجِّهاً نقده اللاذع إلى مختلف مظاهر الفساد والتخلف في المجتمع، بدءاً من ابن البلد وانتهاء بالخديوي نفسه. وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر هجر المسرحيون الشاميون بلدانهم، هرباً من الظروف الخانقة التي فرضتها السلطات العثمانية على الفكر والفن، لاجئين إلى مصر في عصر الخديوي إسماعيل؛ لتوفر أجواء مختلفة هناك اجتماعياً وسياسياً. فحلُّوا في الإسكندرية والقاهرة وأسسوا مع من لحق بهم فيما بعد مع المسرحيين المصريين الحركة المسرحية العربية التي انعكس شعاعها على العالم العربي في جميع بلدانه من خلال الجولات الطويلة التي قامت بها الفرق المسرحية المحترفة، مثل «فرقة الشيخ سلامة حجازي»[ر] و«فرقة جورج أبيض» و«فرقة فاطمة رشدي» و«فرقة رمسيس» و«فرقة سليمان القرداحي»[ر]، معتمدة في عروضها على نصوص مؤلفة أو مقتبسة أو مترجمة. لكن التأليف كان يشغل الحيز الأكبر، كمسرحيات فرح أنطون وإبراهيم رمزي ومحمود تيمور وإسكندر فرح[ر] إلى جانب القباني وإسماعيل عاصم على صعيد المسرح الغنائي أو الأوبريت التي بلغت ذروة ألقها مع موسيقى سيد درويش[ر].
وعلى الرغم من هذا التوسع والانتشار في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين فإن المسرح المصري بقي ضيق الفعالية على صعيد التأثير في الجمهور، وهنا يكمن أحد أسباب الجولات الخارجية للفرق بحثاً عن جمهور آخر يسد ثغرة النقص المالي في الوطن. أما ضيق الفعالية فيعود إلى وجود تناقضات في صلب التوجهات المسرحية فكرياً وفنياً. فضمن التوجه النهضوي عاد بعض المؤلفين للبحث في التراث العربي القديم وشخصياته عن لحظات مضيئة وطنياً وأخلاقياً، تعويضاً عن بؤس الواقع وتدهوره وفساده. وفي أحايين كثيرة أسبغوا على الشخصيات التاريخية ما ليس فيها، بل بما يتفق وتطلعاتهم وينسجم مع أفكارهم لاستنهاض المشاهدين وتوعيتهم. لكن لغة هذه النصوص كانت مغرقة في فصاحتها وبعيدة من ثم عن إمكانية تقبل الجمهور العريض لها، فبقيت فعاليتها محصورة في فئة من المثقفين من أبناء الطبقة الثرية أو من ذوي التربية الدينية. أضف إلى ذلك ما أملته الفصحى- حسب مفاهيم تلك المرحلة فنياً - من تفخيم في الإلقاء والأداء؛ مما يؤدي إلى الابتعاد عن الواقع، مثلما كانت الحال مع الممثل والمخرج عزيز عيد[ر] مثلاً. وقد أدى هذا إلى انفضاض الجمهور عن هذا النوع من العروض. ومن ناحية أخرى توجه كتّاب آخرون نحو اقتباس وتمصير كثير من نصوص المسرح الفرنسي الجاد والتجاري؛ مما ولَّد غربة بين الموضوعات المطروحة البعيدة عن الواقع المصري وبين الجمهور، علماً أن أغلب هذه النصوص كان يُقدَم بالعامية القريبة إلى ذوق الشعب. ولابد هنا من ذكر قرار حلّ الفرقة القومية في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين والاستعاضة عن إدارتها بطاقم آخر يُحبذ تقديم العروض بالعامية، بعد إفلاس الفرقة بإدارتها السابقة التي كانت تصر على الفصحى حاملاً وحيداً للفكر والأدب العربي، وهي الإدارة التي تبنت المسرحيات الشعرية لأحمد شوقي[ر]، وعزيز أباظة[ر]. أما المؤلفون الذين توجهوا إلى تناول الواقع المصري الراهن، مثل محمد تيمور[ر] فقد نظروا إليه من علياء أرستقراطيتهم، انطلاقاً من مفهوم أن هدف المسرح هو تسلية النخبة. وفي هذه المرحلة اشتهر عدد من الممثلين والمخرجين مثل عزيز عيد وعلي الكسّار[ر] ويوسف وهبي[ر] وجورج أبيض[ر] ونجيب الريحاني[ر]، ممن وسموا المسرح المصري بطابعهم، كلٌ على طريقته، وبأسلوبه الخاص الذي تميز به. وفي أواخر هذه المرحلة بدأت تظهر كتابات توفيق الحكيم[ر] ذات الأثر البالغ في تطور التأليف المسرحي من حيث البنية والفكر واللغة، وكذلك كتابات محمود تيمور المتأثر بمدرسة التحليل النفسي في تفسيره سلوك الشخصيات التي انتقاها من التاريخ.
تأسس في القاهرة في عام 1930 أول معهد للتمثيل في الوطن العربي، من قبل وزارة المعارف المصرية. لكنه أُغلق بعد عام واحد بزعم خروجه على الدين وإباحته الاختلاط بين الجنسين. وأعيد افتتاحه عام 1944 معهداً مسائياً استمر حتى عام 1957، حين تحول إلى معهد عالٍ بنظام أكاديمي متكامل صار النواة لتأسيس أكاديمية الفنون.
جاءت مرحلة ازدهار المسرح المصري بعد مخاض طويل، وارتبطت بالانقلاب الجذري الذي تمثل بخروج المستعمر البريطاني وبثورة يوليو والقضاء على النظام الملكي بكل ما يمثله من فساد في السياسة والاقتصاد، أي بولادة مشروع مجتمع جديد، على أبنائه وقيادته وتطويره لتحقيق العدالة الاجتماعية المفتقدة منذ دهور. ومن هنا كان المسرح الجديد في جانب منه نوعاً من تصفية حسابٍ مع الماضي البغيض، وفي جانبه الآخر تناول المؤلفون من جيل الأربعينيات ومن تلاهم قضايا المجتمع الجديد ومشكلاته الناجمة عن علاقة السلطة بالشعب وعن أخطاء التطبيقات الاشتراكية وعن ظهور المحسوبية وتجاوزات أجهزة الأمن؛ مما جعل من أعمال نعمان عاشور وألفريد فرج ولطفي الخولي وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس[ر] وميخائيل رومان[ر] مرآة صقيلة تعكس صورة هذا المجتمع بأدق تفاصيله.
واكب جدلياً صعودَ حركة التأليف المسرحي توافرُ مخرجين مبدعين عادوا من المعاهد الأكاديمية الأوربية بشرقها وغربها، مثل نبيل الألفي وحمدي غيث وسعد أردش وكرم مطاوع وفاروق الدمرداش وغيرهم، إضافة إلى ممثلي وممثلات الفرقة القومية وفرقة المسرح الحر، ومن حديثي التخرج. وفي الوقت نفسه برزت الكتابات النقدية المسرحية للويس عوض[ر] وعلي الراعي[ر] ومحمود مندور[ر] ومحمود أمين العالم وغيرهم، إضافة إلى نمو حركة الترجمة والنشر عن مختلف لغات العالم تقريباً، وبناء دور مسرح جديدة، وتزويد مراكز الثقافة الجماهيرية بصالات تصلح لتقديم العروض المسرحية والسينمائية والمحاضرات.
إن تحولات السلطة في مصر ومن سار في ركابها من الوصوليين والمنتفعين سرعان ما حدَّت من هذا المدّ الثقافي الفني عن طريق إجراءات قمعية تعسفية هدفها الهيمنة على أجهزة الثقافة والإعلام وكتم الأصوات الناقدة. وكان من أشنع الضربات التي أصابت المسرح هو دمج مؤسسته بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وجعله بقرة حلوباً لمصلحة ساعات البث التلفزيوني؛ مما روَّج لما سمي آنذاك بالفن الجماهيري «التجاري» على حساب الفن الحقيقي الذي انكمش، فتراجع تأثيره. ومع ذلك ظهرت في الفترة اللاحقة كتابات جديدة لمحمود دياب وشوقي عبد الحكيم ونجيب سرور[ر] وعلي سالم وصلاح عبد الصبور، وكذلك لرشاد رشدي الذي حافظ على مواقفه المتعالية على الشعب وتطلعاته منذ بداية الثورة. كان صوت محمود دياب متفرداً بين الأسماء الجديدة، لكن تضييق الرقابة على عروضه دفعه إلى التوقف عن الكتابة نهائياً. وعلى الرغم من أهمية بعض الأعمال التي ظهرت بعد هزيمة حزيران/يونيو، وعقب حرب تشرين/أكتوبر فإنها في خضم ازدهار المسرح التجاري ورواجه ـ الذي جذب إليه عدداً من الأسماء البارزة على صعيد التأليف والإخراج والتمثيل ـ لم تترك ذلك الأثر الأدبي الذي كان ممكناً أن يعيد إلى المسرح الفني الملتزم أَلَقه، بل مرَّت كسحابة عابرة خلَّفت ظلها في بعض الكتابات النقدية.
والواضح هو أن هيمنة المسرح التجاري استمرت قائمة، فهو الوحيد القادر على منافسة الدراما التلفزيونية ذات الانتشار الواسع والسريع. لقد تراجع المسرح القومي حتى الإغماء، ولم تعد تنفع في إنعاشه أي حقن سحرية؛ لأن أسباب الإغماء لم تتغير، كما أن ظهور بعض الالتماعات اللافتة هنا وهناك مثل يسري الجندي ولينين الرملي ومحمد صبحي وغيرهم لم يغير شيئاً من قتامة الصورة. وإذا كان «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي» بأهدافه المعلنة قد أثار حوله كثيراً من الضجة واللغط سلباً وإيجاباً على مدى خمس عشرة دورة فإن تجارب «فرقة الورشة» بإدارة المسرحي حسن الجريتلي، أو «ترنيمات» انتصار عبد الفتاح ليست من ثمار المهرجان الذي بقي ذا طابع سياحي.
نبيل الحفار
Egypt - Egypte
مصر (المسرح في ـ)
لاشك في أن ظاهرتي خيال الظل والأراغوز تحملان كثيراً من السمات المسرحية بالمفهوم المتعارف عليه عالمياً، وأنهما قد مهدتا الأجواء والظروف لتقبل «الفصول المضحكة» التي انتشرت في المدن والأرياف المصرية، ثم لتقبّل بوادر المسرح العربي الذي يؤدي شخصياته ممثلون بشر أسوياء. وهذا المسرح العربي بدأ مع تجارب رواد ثلاثة، هم مارون النقاش[ر] في بيروت عام 1847، وأبو خليل القباني[ر] في دمشق عام 1865، ويعقوب صنوع في القاهرة عام 1870، الذي استلهم كما فعل النقاش مسرحيات موليير[ر] فاقتبس منها وألّف كثيراً على منوالها، ولكن في أجواء الواقع المصري موجِّهاً نقده اللاذع إلى مختلف مظاهر الفساد والتخلف في المجتمع، بدءاً من ابن البلد وانتهاء بالخديوي نفسه. وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر هجر المسرحيون الشاميون بلدانهم، هرباً من الظروف الخانقة التي فرضتها السلطات العثمانية على الفكر والفن، لاجئين إلى مصر في عصر الخديوي إسماعيل؛ لتوفر أجواء مختلفة هناك اجتماعياً وسياسياً. فحلُّوا في الإسكندرية والقاهرة وأسسوا مع من لحق بهم فيما بعد مع المسرحيين المصريين الحركة المسرحية العربية التي انعكس شعاعها على العالم العربي في جميع بلدانه من خلال الجولات الطويلة التي قامت بها الفرق المسرحية المحترفة، مثل «فرقة الشيخ سلامة حجازي»[ر] و«فرقة جورج أبيض» و«فرقة فاطمة رشدي» و«فرقة رمسيس» و«فرقة سليمان القرداحي»[ر]، معتمدة في عروضها على نصوص مؤلفة أو مقتبسة أو مترجمة. لكن التأليف كان يشغل الحيز الأكبر، كمسرحيات فرح أنطون وإبراهيم رمزي ومحمود تيمور وإسكندر فرح[ر] إلى جانب القباني وإسماعيل عاصم على صعيد المسرح الغنائي أو الأوبريت التي بلغت ذروة ألقها مع موسيقى سيد درويش[ر].
وعلى الرغم من هذا التوسع والانتشار في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين فإن المسرح المصري بقي ضيق الفعالية على صعيد التأثير في الجمهور، وهنا يكمن أحد أسباب الجولات الخارجية للفرق بحثاً عن جمهور آخر يسد ثغرة النقص المالي في الوطن. أما ضيق الفعالية فيعود إلى وجود تناقضات في صلب التوجهات المسرحية فكرياً وفنياً. فضمن التوجه النهضوي عاد بعض المؤلفين للبحث في التراث العربي القديم وشخصياته عن لحظات مضيئة وطنياً وأخلاقياً، تعويضاً عن بؤس الواقع وتدهوره وفساده. وفي أحايين كثيرة أسبغوا على الشخصيات التاريخية ما ليس فيها، بل بما يتفق وتطلعاتهم وينسجم مع أفكارهم لاستنهاض المشاهدين وتوعيتهم. لكن لغة هذه النصوص كانت مغرقة في فصاحتها وبعيدة من ثم عن إمكانية تقبل الجمهور العريض لها، فبقيت فعاليتها محصورة في فئة من المثقفين من أبناء الطبقة الثرية أو من ذوي التربية الدينية. أضف إلى ذلك ما أملته الفصحى- حسب مفاهيم تلك المرحلة فنياً - من تفخيم في الإلقاء والأداء؛ مما يؤدي إلى الابتعاد عن الواقع، مثلما كانت الحال مع الممثل والمخرج عزيز عيد[ر] مثلاً. وقد أدى هذا إلى انفضاض الجمهور عن هذا النوع من العروض. ومن ناحية أخرى توجه كتّاب آخرون نحو اقتباس وتمصير كثير من نصوص المسرح الفرنسي الجاد والتجاري؛ مما ولَّد غربة بين الموضوعات المطروحة البعيدة عن الواقع المصري وبين الجمهور، علماً أن أغلب هذه النصوص كان يُقدَم بالعامية القريبة إلى ذوق الشعب. ولابد هنا من ذكر قرار حلّ الفرقة القومية في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين والاستعاضة عن إدارتها بطاقم آخر يُحبذ تقديم العروض بالعامية، بعد إفلاس الفرقة بإدارتها السابقة التي كانت تصر على الفصحى حاملاً وحيداً للفكر والأدب العربي، وهي الإدارة التي تبنت المسرحيات الشعرية لأحمد شوقي[ر]، وعزيز أباظة[ر]. أما المؤلفون الذين توجهوا إلى تناول الواقع المصري الراهن، مثل محمد تيمور[ر] فقد نظروا إليه من علياء أرستقراطيتهم، انطلاقاً من مفهوم أن هدف المسرح هو تسلية النخبة. وفي هذه المرحلة اشتهر عدد من الممثلين والمخرجين مثل عزيز عيد وعلي الكسّار[ر] ويوسف وهبي[ر] وجورج أبيض[ر] ونجيب الريحاني[ر]، ممن وسموا المسرح المصري بطابعهم، كلٌ على طريقته، وبأسلوبه الخاص الذي تميز به. وفي أواخر هذه المرحلة بدأت تظهر كتابات توفيق الحكيم[ر] ذات الأثر البالغ في تطور التأليف المسرحي من حيث البنية والفكر واللغة، وكذلك كتابات محمود تيمور المتأثر بمدرسة التحليل النفسي في تفسيره سلوك الشخصيات التي انتقاها من التاريخ.
تأسس في القاهرة في عام 1930 أول معهد للتمثيل في الوطن العربي، من قبل وزارة المعارف المصرية. لكنه أُغلق بعد عام واحد بزعم خروجه على الدين وإباحته الاختلاط بين الجنسين. وأعيد افتتاحه عام 1944 معهداً مسائياً استمر حتى عام 1957، حين تحول إلى معهد عالٍ بنظام أكاديمي متكامل صار النواة لتأسيس أكاديمية الفنون.
جاءت مرحلة ازدهار المسرح المصري بعد مخاض طويل، وارتبطت بالانقلاب الجذري الذي تمثل بخروج المستعمر البريطاني وبثورة يوليو والقضاء على النظام الملكي بكل ما يمثله من فساد في السياسة والاقتصاد، أي بولادة مشروع مجتمع جديد، على أبنائه وقيادته وتطويره لتحقيق العدالة الاجتماعية المفتقدة منذ دهور. ومن هنا كان المسرح الجديد في جانب منه نوعاً من تصفية حسابٍ مع الماضي البغيض، وفي جانبه الآخر تناول المؤلفون من جيل الأربعينيات ومن تلاهم قضايا المجتمع الجديد ومشكلاته الناجمة عن علاقة السلطة بالشعب وعن أخطاء التطبيقات الاشتراكية وعن ظهور المحسوبية وتجاوزات أجهزة الأمن؛ مما جعل من أعمال نعمان عاشور وألفريد فرج ولطفي الخولي وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس[ر] وميخائيل رومان[ر] مرآة صقيلة تعكس صورة هذا المجتمع بأدق تفاصيله.
واكب جدلياً صعودَ حركة التأليف المسرحي توافرُ مخرجين مبدعين عادوا من المعاهد الأكاديمية الأوربية بشرقها وغربها، مثل نبيل الألفي وحمدي غيث وسعد أردش وكرم مطاوع وفاروق الدمرداش وغيرهم، إضافة إلى ممثلي وممثلات الفرقة القومية وفرقة المسرح الحر، ومن حديثي التخرج. وفي الوقت نفسه برزت الكتابات النقدية المسرحية للويس عوض[ر] وعلي الراعي[ر] ومحمود مندور[ر] ومحمود أمين العالم وغيرهم، إضافة إلى نمو حركة الترجمة والنشر عن مختلف لغات العالم تقريباً، وبناء دور مسرح جديدة، وتزويد مراكز الثقافة الجماهيرية بصالات تصلح لتقديم العروض المسرحية والسينمائية والمحاضرات.
إن تحولات السلطة في مصر ومن سار في ركابها من الوصوليين والمنتفعين سرعان ما حدَّت من هذا المدّ الثقافي الفني عن طريق إجراءات قمعية تعسفية هدفها الهيمنة على أجهزة الثقافة والإعلام وكتم الأصوات الناقدة. وكان من أشنع الضربات التي أصابت المسرح هو دمج مؤسسته بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وجعله بقرة حلوباً لمصلحة ساعات البث التلفزيوني؛ مما روَّج لما سمي آنذاك بالفن الجماهيري «التجاري» على حساب الفن الحقيقي الذي انكمش، فتراجع تأثيره. ومع ذلك ظهرت في الفترة اللاحقة كتابات جديدة لمحمود دياب وشوقي عبد الحكيم ونجيب سرور[ر] وعلي سالم وصلاح عبد الصبور، وكذلك لرشاد رشدي الذي حافظ على مواقفه المتعالية على الشعب وتطلعاته منذ بداية الثورة. كان صوت محمود دياب متفرداً بين الأسماء الجديدة، لكن تضييق الرقابة على عروضه دفعه إلى التوقف عن الكتابة نهائياً. وعلى الرغم من أهمية بعض الأعمال التي ظهرت بعد هزيمة حزيران/يونيو، وعقب حرب تشرين/أكتوبر فإنها في خضم ازدهار المسرح التجاري ورواجه ـ الذي جذب إليه عدداً من الأسماء البارزة على صعيد التأليف والإخراج والتمثيل ـ لم تترك ذلك الأثر الأدبي الذي كان ممكناً أن يعيد إلى المسرح الفني الملتزم أَلَقه، بل مرَّت كسحابة عابرة خلَّفت ظلها في بعض الكتابات النقدية.
والواضح هو أن هيمنة المسرح التجاري استمرت قائمة، فهو الوحيد القادر على منافسة الدراما التلفزيونية ذات الانتشار الواسع والسريع. لقد تراجع المسرح القومي حتى الإغماء، ولم تعد تنفع في إنعاشه أي حقن سحرية؛ لأن أسباب الإغماء لم تتغير، كما أن ظهور بعض الالتماعات اللافتة هنا وهناك مثل يسري الجندي ولينين الرملي ومحمد صبحي وغيرهم لم يغير شيئاً من قتامة الصورة. وإذا كان «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي» بأهدافه المعلنة قد أثار حوله كثيراً من الضجة واللغط سلباً وإيجاباً على مدى خمس عشرة دورة فإن تجارب «فرقة الورشة» بإدارة المسرحي حسن الجريتلي، أو «ترنيمات» انتصار عبد الفتاح ليست من ثمار المهرجان الذي بقي ذا طابع سياحي.
نبيل الحفار