مصدق (محمد)
Musadaq (Mohammad-) - Musadaq (Mohammad-)
مصدق (محمد ـ)
(1879ـ 1967)
محمد مصدق بن ميرزا هدايت، سياسي ورجل دولة إيراني سليل أسرة قاجارية عريقة، والدته الأميرة «ملك تاج خاتم نجم السلطنة» وهي حفيدة عباس ميرزا وليّ العهد القاجاري، نشأ وترعرع في رحاب البلاط القاجاري، فكان ذلك مدعاة لدخول المعترك السياسي في وقت مبكر من حياته، فقد أسندت إليه مهمة إدارة شؤون مالية خراسان على مدى عشر سنوات وهو في السابعة عشرة من عمره، انتسب إلى حزب «جامع آدميت» الذي أسسه ميرزا آدميت وانسحب منه بعد فترة ليلتحق بحزب «مجمع اشانيت» الذي أسسه ميرزا حسن مشرف المماليك وانتخب وأصبح فيما بعد نائباً لرئيس الحزب.
بعد انقلاب محمد علي شاه القاجاري ضد الدستور 1908، سافر مصدق إلى أوربا لمتابعة تحصيله العلمي، حيث درس العلوم السياسية والمالية في فرنسا، ثم انتقل إلى سويسرا فحصل على شهادة الدكتوراه في القانون والعلوم السياسية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
عاد إلى إيران ليمارس مهنة التدريس في مدرسة العلوم السياسية في طهران. وقد انتخب في عام 1915م، عضواً في لجنة «تطبيق الحوالات» التي شكلّت لتنظيم عمل وزارة المالية، ثمّ أُسند إليه منصب معاون وزير المالية عام 1918، ولكنه استقال من منصبه وسافر إلى أوربا ليعمل في مجال التجارة، ولكن عمله لم يبعده عن اهتماماته السياسية؛ فكان من الرافضين للمعاهدة التي أبرمتها إيران مع بريطانيا عام 1919م، وعارض منح التاج الإيراني لرضا خان، مما دفع الأخير إلى القبض على مصدق وإيداعه في السجن، ثم فرض الإقامة الجبرية عليه في قرية أحمد آباد حيث أملاكه فيها، وكذلك قُبض عليه مرة ثانية عام 1940، وأُودع السجن ثم أُفرج عنه عام 1941عندما رحل رضا خان إلى المنفى.
عاد مصدق إلى العمل السياسي وانتخب عام 1944 عضواً في مجلس الشورى عن طهران. وأدرك في أثناء وجوده بمجلس الشورى أهمية الجماهير ودورها في التأثير في القرار السياسي، فحاول التقرب منها، وقد نجح في ذلك بما يملك من شخصية موهوبة أوصلته إلى زعامة الجبهة الوطنية في إيران، وقاد في عام 1949 حملة واسعة لتأميم صناعة النفط وإجراء انتخابات حرة في البلاد وقاد مظاهرة احتجاجية ضد التدخل الملكي في الانتخابات البرلمانية. وفي عام واحد أصبح مصدق يحظى بالتأييد الجماهيري والسياسي المناهض للبلاط واستطاع بمواقفه الوطنية الصلبة ومن خلال الجبهة الوطنية أن يجبر البرلمان المتردد والبلاط المتشدد على القبول به رئيساً للوزراء، كما تّم إقرار قانون تأميم النفط وذلك عام 1951م.
كان قبول الشاه بمحمد مصدق رئيساً للحكومة محاولة منه لكسب ودّ الجماهير التي رأت فيه أنه ملاذها الوحيد في وجه المعارضة المؤيده للبلاط، وهو ما أثار حفيظة رئيس مجلس النواب الموالي للشاه فوصفه بأنه «قائد رعاع»، ونتيجة للخلافات الحادة مابين الرجلين أُقيلت وزارة مصدق وجرت في الشارع الإيراني مصادمات دامية أجبرت الشاه على دعوته إلى السلطة مجدداً، وأسند إليه وزارة الحربية إضافة إلى منصبه، بعد أن ضمن مصدق ولاء الجيش له، أعاد جميع الأراضي المصادرة إلى أصحابها واستقطع نسبة من ميزانية البلاط أضافها إلى ميزانية وزارة الصحة، كما استقطع نسبة 15٪ من ميزانية الجيش لمصلحة خزانة الدولة. قام بتطهير القوات المسلحة، وشكّل لجاناً للتحقيق في الفساد المنتشر في المؤسسة العسكرية التي تضم كثيراً من أبناء رجال البرلمان. وانتهى به المطاف إلى إجبار الشاه والأسرة الحاكمة على مغادرة إيران إلى إيطاليا عام 1953.
ولكن الأمور لم تستقر في إيران فقد بدأ الضباط الذين فصلوا من الخدمة بالاتصال ببعض الزعامات الدينية وبالمخابرات الأمريكية والبريطانية لدعمهم في إسقاط حكم مصدق، وقد تلاقت هذه الدعوة مع مصالح الأمريكيين والبريطانيين لحماية مصالحهم النفطية والأمنية في الخليج وإيران. ومن جانب آخر دبّ الخلاف ضمن تحالف الجبهة الوطنية، وتم على إثرها انسحاب أهم شخصية دينية من الجبهة وهو آية الله كاشاني مع مؤيديه، مما وفّر الفرصة الملائمة لعودة الشاه إلى السلطة في آب/أغسطس 1953.
حُكم على مصدق بالسجن مدة ثلاث سنوات، ثم وُضع تحت المراقبة والإقامة الجبرية إلى أن أدركته الوفاة بأحمد أباد في آذار/مارس 1967.
عبد الكريم العلي
Musadaq (Mohammad-) - Musadaq (Mohammad-)
مصدق (محمد ـ)
(1879ـ 1967)
محمد مصدق بن ميرزا هدايت، سياسي ورجل دولة إيراني سليل أسرة قاجارية عريقة، والدته الأميرة «ملك تاج خاتم نجم السلطنة» وهي حفيدة عباس ميرزا وليّ العهد القاجاري، نشأ وترعرع في رحاب البلاط القاجاري، فكان ذلك مدعاة لدخول المعترك السياسي في وقت مبكر من حياته، فقد أسندت إليه مهمة إدارة شؤون مالية خراسان على مدى عشر سنوات وهو في السابعة عشرة من عمره، انتسب إلى حزب «جامع آدميت» الذي أسسه ميرزا آدميت وانسحب منه بعد فترة ليلتحق بحزب «مجمع اشانيت» الذي أسسه ميرزا حسن مشرف المماليك وانتخب وأصبح فيما بعد نائباً لرئيس الحزب.
بعد انقلاب محمد علي شاه القاجاري ضد الدستور 1908، سافر مصدق إلى أوربا لمتابعة تحصيله العلمي، حيث درس العلوم السياسية والمالية في فرنسا، ثم انتقل إلى سويسرا فحصل على شهادة الدكتوراه في القانون والعلوم السياسية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
عاد إلى إيران ليمارس مهنة التدريس في مدرسة العلوم السياسية في طهران. وقد انتخب في عام 1915م، عضواً في لجنة «تطبيق الحوالات» التي شكلّت لتنظيم عمل وزارة المالية، ثمّ أُسند إليه منصب معاون وزير المالية عام 1918، ولكنه استقال من منصبه وسافر إلى أوربا ليعمل في مجال التجارة، ولكن عمله لم يبعده عن اهتماماته السياسية؛ فكان من الرافضين للمعاهدة التي أبرمتها إيران مع بريطانيا عام 1919م، وعارض منح التاج الإيراني لرضا خان، مما دفع الأخير إلى القبض على مصدق وإيداعه في السجن، ثم فرض الإقامة الجبرية عليه في قرية أحمد آباد حيث أملاكه فيها، وكذلك قُبض عليه مرة ثانية عام 1940، وأُودع السجن ثم أُفرج عنه عام 1941عندما رحل رضا خان إلى المنفى.
عاد مصدق إلى العمل السياسي وانتخب عام 1944 عضواً في مجلس الشورى عن طهران. وأدرك في أثناء وجوده بمجلس الشورى أهمية الجماهير ودورها في التأثير في القرار السياسي، فحاول التقرب منها، وقد نجح في ذلك بما يملك من شخصية موهوبة أوصلته إلى زعامة الجبهة الوطنية في إيران، وقاد في عام 1949 حملة واسعة لتأميم صناعة النفط وإجراء انتخابات حرة في البلاد وقاد مظاهرة احتجاجية ضد التدخل الملكي في الانتخابات البرلمانية. وفي عام واحد أصبح مصدق يحظى بالتأييد الجماهيري والسياسي المناهض للبلاط واستطاع بمواقفه الوطنية الصلبة ومن خلال الجبهة الوطنية أن يجبر البرلمان المتردد والبلاط المتشدد على القبول به رئيساً للوزراء، كما تّم إقرار قانون تأميم النفط وذلك عام 1951م.
كان قبول الشاه بمحمد مصدق رئيساً للحكومة محاولة منه لكسب ودّ الجماهير التي رأت فيه أنه ملاذها الوحيد في وجه المعارضة المؤيده للبلاط، وهو ما أثار حفيظة رئيس مجلس النواب الموالي للشاه فوصفه بأنه «قائد رعاع»، ونتيجة للخلافات الحادة مابين الرجلين أُقيلت وزارة مصدق وجرت في الشارع الإيراني مصادمات دامية أجبرت الشاه على دعوته إلى السلطة مجدداً، وأسند إليه وزارة الحربية إضافة إلى منصبه، بعد أن ضمن مصدق ولاء الجيش له، أعاد جميع الأراضي المصادرة إلى أصحابها واستقطع نسبة من ميزانية البلاط أضافها إلى ميزانية وزارة الصحة، كما استقطع نسبة 15٪ من ميزانية الجيش لمصلحة خزانة الدولة. قام بتطهير القوات المسلحة، وشكّل لجاناً للتحقيق في الفساد المنتشر في المؤسسة العسكرية التي تضم كثيراً من أبناء رجال البرلمان. وانتهى به المطاف إلى إجبار الشاه والأسرة الحاكمة على مغادرة إيران إلى إيطاليا عام 1953.
ولكن الأمور لم تستقر في إيران فقد بدأ الضباط الذين فصلوا من الخدمة بالاتصال ببعض الزعامات الدينية وبالمخابرات الأمريكية والبريطانية لدعمهم في إسقاط حكم مصدق، وقد تلاقت هذه الدعوة مع مصالح الأمريكيين والبريطانيين لحماية مصالحهم النفطية والأمنية في الخليج وإيران. ومن جانب آخر دبّ الخلاف ضمن تحالف الجبهة الوطنية، وتم على إثرها انسحاب أهم شخصية دينية من الجبهة وهو آية الله كاشاني مع مؤيديه، مما وفّر الفرصة الملائمة لعودة الشاه إلى السلطة في آب/أغسطس 1953.
حُكم على مصدق بالسجن مدة ثلاث سنوات، ثم وُضع تحت المراقبة والإقامة الجبرية إلى أن أدركته الوفاة بأحمد أباد في آذار/مارس 1967.
عبد الكريم العلي