مصر (موسيقي في)
Egypt - Egypte
مصر (الموسيقى في ـ)
ارتبطت الموسيقى بالدين عند قدماء المصريين ارتباطاً وثيقاً، وكانت دراستها والتبحر فيها وقفاً على الكهنة، فاستخدمت في الطقوس الدينية، وكانت جل الأغاني الدينية في مديح الآلهة والحياة الاجتماعية. وأقدم أغاني المديح قيلت في «سيزوستريس» الثالث وفي «أوزيريس» إله الشمس وإله الموسيقى والرقص الذي كانت له فرقة موسيقية تضم سبع فتيات موسيقيات. وكان المنشدون يُنشدون الأغاني الدينية في الجنائز والأعياد وحين فيضان النيل لمباركة الحقول، وأنشودة الترحيب بالآلهة عند الصباح (استيقظ في سلام).
كان يرأس الفرقة الموسيقية في فرق القصر الملكي موسيقي محترف، وترأس المغنيِّات مغنية متفوقة تشرف على نساء القصر. والمغنِّي هو الذي يضبط الإيقاع تصفيقاً، في حين تضبطه المغنيِّة بتحريك اليدين أو بالتصفيق أحياناً، بحيث يرتبط الغناء بالإيقاع، وهذا التقليد الذي كان متبعاً في الدولة القديمة مارسته أيضاً الدولتان الوسطى والحديثة. وكان المصريون يفضلون المغنين الكفيفين على المبصرين.
استعمل الموسيقيون في زمن الدولتين القديمة والوسطى من الآلات الموسيقية[ر]: الجنك[ر. الهارب] والمزمار[ر. الناي] وكان الجنك يتألف من ستة أو سبعة أوتار، يعزفون به جلوساً، أما المزمار فكان على نوعين متشابهين: الأول طويل يضعه العازف بشكل مائل إلى الخلف، والثاني قصير يمسكه العازف أفقياً عند العزف. وقد عثر على نماذج منهما تعود إلى زمن الدولتين القديمة والوسطى. وكانت المزامير تُصنع من القصب أو من الخشب، ومباسمها من البردي. وفي زمن الدولة الحديثة ظهر الجنك الكبير ذو العشرين وتراً الذي ألزم العازف بالوقوف عند العزف به، وآخر صغير يعزف به وهو معلق على الكتف. كذلك ظهر المزمار المزدوج واستعمل مع المزمارين الآخرين. واستعمل الموسيقيون أيضاً الطنبور[ر. العود] والجنك ذا الثلاثة والأربعة أوتار، والكنارة التي جاءتهم من بعض الدول الآسيوية. كذلك استعملت الطبول والأبواق والصنوج للراقصات. وقد عثر على لوحة مرسومة محفوظة بالمقبرة رقم 367 بمدينة طيبة ترجع إلى الأسرة الخامسة والعشرين ق.م تمجد وتخلد المغني وعازف الجنك «هارودشا» الذي كان قائداً ومديراً لمعبد آمون، وعلى لوحة أخرى تمثل بدوياً آسيوياً يعزف بالكنارة تعود إلى ما قبل الأسرة الثامنة عشرة.
ثم نشأت الموسيقى القبطية من الموسيقى البيزنطية التي اعتمدتها الكنيسة القبطية في ترانيمها الكنسية، ويُعد يوحنا الدمشقي[ر] سيد المرتلين الذين نهضوا بالموسيقى القبطية في القرن الثالث الميلادي، لتغدو بعد غزو اليونان ثم الرومان لمصر مزيجاً من الموسيقى الفرعونية والموسيقى البيزنطية، قبل أن يغلب عليها الطابع البيزنطي. والموسيقى القبطية اقتبست من هياكل العبادة المصرية ضروب الموسيقى، وهي لم تُدوَّن بل نُقلت في عشرين قرناً عن طرق السماع بمعرفة موسيقيين مكفوفين وهبوا أنفسهم لخدمة الكنيسة. كما أنها لم تعرف من الآلات الموسيقية سوى الدف والمثلث والناقوس. وتقوم الموسيقى القبطية على ستة وثلاثين لحناً ممدوداً، وعلى اثنتين وسبعين نغمة قصيرة يطلق عليها اسم الطريقة أو الأسلوب، وتشتمل على التراتيل الخاصة بعيد الميلاد والصوم الكبير وعيد الفصح ومساء السبت من كل أسبوع. وما تزال بعض الألحان الدينية القبطية منتشرة عند أبناء الوجه القبلي، ومنها اللحن الكيكهي الخاص بعيد الميلاد، وآخر عن إذلال النفس، وثالث ينشد في صلوات الموتى.
أما في العهد الفاطمي فقد رعى المعز لدين الله الفنون، وتولع ابنه تميم بالموسيقى، وكان الخليفة الظاهر موسيقياً هاوياً، والمنتصر محباً للموسيقى والغناء اللذين ازدهرا في زمانه، ورعى «الآمر» بدوره الموسيقى والغناء حتى إنه احتفى وكرَّم العالم الموسيقي أبا الصلت أمية عند قدومه لمصر. وفي زمن الأيوبيين ظهر العالمان الموسيقيان أبو زكريا إلياس، وأبو نصر بن مطران، وتراجعت في زمن المماليك حتى كادت تضمحل. وبعد احتلال فرنسا مصر في زمن العثمانيين ثم هزيمتهم وجلائهم عنها أنشأ محمد علي باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر أربع مدارس موسيقية هي: مدرسة الخانكة، ومدرسة العزف في النخيلة ومدرسة الطبول والأصوات ومدرسة الآلاتية في القاهرة، لتبدأ مع هذه المدارس رحلة الموسيقى الحديثة والمعاصرة في مصر. وبين عامي 1840- 1865 قامت مدرسة غنائية عُرفت باسم «الصهبجية»، وكانت تؤدي الموشحات والمدائح النبوية بأسلوب بدائي. ثم ظهرت طائفة من المشايخ والمقرئين احترفت الموسيقى والغناء؛ منهم الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب[ر] شيخ مشايخ الموسيقى المصرية، وأستاذ الرعيل الأول من المغنين.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر عبده الحامولي[ر] الذي كان نقطة البداية في الموسيقى المصرية، إذ اتسمت ألحانه بالقوة والجزالة. وعبد الحي حلمي[ر] وكان رخيم الصوت قلّد الحامولي ونافس المنيلاوي في بداية القرن العشرين، وإبراهيم القباني[ر] وهو عازف عود قدير وملحن، وصالح عبد الحي[ر] ابن أخت عبد الحي حلمي، تفوق في المواليا والأدوار، واشتغل بفرقة منيرة المهدية[ر] عام 1929، ثم في المعهد الموسيقي الشرقي. وكان أبو العلا محمد (1884- 1927) أشهر من لحن القصائد والتوشيحات الدينية، وأصر على الفصحى في الغناء، ونبذ الزجل، وهو أول من علم أم كلثوم أصول الغناء قبل أن يلحِّن لها روائعه من القصائد. ومن أقدم مغنيات القرن التاسع عشر «ساكنة» التي ظهرت في عهد عباس الأول. و«ألمظ» واسمها الحقيقي سكينة، تدربت في الغناء على يدي ساكنة التي استغلتها، ثم استقلت وألفت فرقة خاصة بها، هام بها عبده الحامولي فتزوجها ومنعها عن الغناء. ومنذ الربع الأخير من القرن ذاته قاد الحركة الموسيقية موسيقيون وضعوا بعفويتهم وطموحهم الأسس الصحيحة لموسيقى وغناء جديدين معتمدون في ذلك على تراث السابقين، والعلم الموسيقي الذي جاءت به مدارس محمد علي الموسيقية، ومن بعده الخديوي إسماعيل الذي أنشا عام 1867 مسرحاً للكوميديا، أعقبه عام 1868 ببناء دار الأوبرا التي افتتحت بأوبرا «ريغوليتو» Rigoletto لفيردي[ر] Verdi قبل أن تعرض أوبرا[ر] «عايدة» لڤيردي أيضاً عام 1871، فكان ذلك حدثاً كبيراً؛ فتّح عيون الملحنين والمطربين على المسرح الغنائي، وكان هذا حافزاً للشيخ سلامة حجازي[ر] الذي اشترك مع يوسف خياط في مسرحياته ليؤدي فاصلاً غنائياً بين فصول المسرحية، ثم مع سليمان قرداحي[ر]، ومع إسكندر فرح[ر] قبل أن يؤسس فرقته، ويسجل أغانيه على أسطوانات. ثم ظهر داود حسني[ر]، وكامل الخلعي[ر] الذي أخذ عنه درويش الحريري أحد مؤسسي المعهد الموسيقي الشرقي، ومن كبار حفظة الموشحات التي تعلمها على يديه زكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب.
ومع بداية القرن العشرين ظهر صفر علي أحد مؤسسي المعهد الموسيقي الشرقي، ويعد من علماء الموسيقى القلائل، وهو صاحب أول «حوارية غنائية» (ديالوغ) عام 1910، وأول أوبرا عربية بعنوان «المقامر» (1916). وحسن كامل موسيقي اهتم بالمسرح الغنائي. وأحمد صبري النجريدي طبيب أسنان، وملحن غزير الإنتاج، أسهم في نهضة المسرح الغنائي ووضع ألحان مسرحيات «الصياد» مع كامل الخلعي، و«قنصل الوز» و«مراتي في الجهادية» مع داود حسني وإبراهيم فوزي ومحمد عبد الوهاب، ووقف وراء أم كلثوم في بداياتها، وغنت من ألحانه أربع عشرة أغنية. وزكريا أحمد[ر] أحد عمالقة المسرح الغنائي، لحن للفرق المسرحية المختلفة بين عامي 1923- 1945 ثمانين وخمسمئة أغنية في ثلاث وخمسين مسرحية غنائية. وابتدع الشيخ سيد درويش[ر] الطقطوقة وجدد في الموسيقى وخلص الغناء مع أبي العلا محمد والقصبجي من اللكنات الفارسية والتركية والغجرية، والتزم بالأغنية الهادفة. ومحمد القصبجي[ر] المجدد الحقيقي للموسيقى العربية، تأثر بعلوم الموسيقى الغربية، وأدخل التعبير في الغناء وجعل اللوازم الموسيقية جزءاً أساسياً في بناء الأغنية الموسيقي. ومحمد عبد الوهاب[ر] مطرب وملحن كبير، لقب بموسيقار الأجيال أدخل الإيقاعات الموسيقية الغربية الراقصة، واعتمد في أغانيه على التعبير البالغ الجمال وعلى أناقة اللفظ، واقتبس شيئاً كثيراً من الموسيقى الغربية والتركية. ورياض السنباطي[ر] كان واحداً من أعظم ملحني القرن العشرين وعازف عود كلاسيكياً؛ طور قالب القصيدة، وابتدع القفل المثير، وارتقى بالتلحين، وفصل بين الأغنية في المسرح والأغنية السمعية، ونال من منظمة اليونسكو جائزة أفضل موسيقي في العالم. وعاش فريد الأطرش[ر] المطرب والملحن السوري، في مصر، وكان عازف عود بارعاً ومجدداً، شخصيته موسيقياً واضحة المعالم، لحن وغنى ومثّل أكثر من ثلاثين فيلماً سينمائياً، وهو سيد الأوبريت السينمائية. وكان محمود الشريف[ر] ملحناً جيداً، لحَّن في جميع الألوان الغنائية عدا الدور والموشحة، وهو صاحب نشيد «الله اكبر» الذي غدا النشيد الرسمي للجماهيرية الليبية، تزوج من أم كلثوم وأرغم على طلاقها. ورأس مدحة عاصم، القسم الموسيقي في الإذاعة المصرية، واكتشف كثيراً من المواهب، وكان عازف بيانو وملحناً. وفريد غصن[ر] موسيقي لبناني من آل شلالا، عاش في مصر ومات في بيروت، نبغ في العزف بالعود ولحن للأفلام السينمائية وخارجها لعدد من المطربات. ومحمد حسن الشجاعي مؤلف موسيقي، اكتشفه مدحة عاصم، ترأس فرقة الإذاعة المصرية، وأحيا وسجل بعض تراث سيد درويش. وعزيز صادق (ت 1952) عازف ناي وموزع موسيقي ممتاز، عمل موزعاً لموسيقى أغاني محمد عبد الوهاب والقصبجي والسنباطي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. واشتهر محمد فوزي[ر] مغنياً وملحناً ذو شخصية موسيقية متفردة، اهتم بتجديد الطقطوقة ولحَّن الأوبريت السينمائية والاسكتش والحوارية.
بعد قيام ثورة يوليو- تموز- 1952، ونتيجة لتغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ظهر عدد من الملحنين الذين حملوا مشعل الثورة والإنجازات التي حققتها، وكرسوا ألحانهم وأغانيهم لخدمتها من هؤلاء: محمد الموجي[ر] الذي شهر عبد الحليم حافظ[ر] بألحانه ولاسيما في أغانيه الوطنية. وكمال الطويل[ر] الذي ألّف مع عبد الحليم حافظ ثنائياً رائعاً ظهرت آثاره التجديدية تلحيناً وغناءً في جميع الأعمال التي أعطياها، وهو صاحب نشيد «والله زمان يا سلاحي» الذي غنَّته أم كلثوم. وبليغ حمدي[ر]، ملحن يميل إلى التطريب ويعتمد في ذلك على الإيقاع، جعل ألحانه لوردة التي تزوجها زمناً، ولحّن لأم كلثوم إحدى عشرة أغنية، ولعبد الحليم حافظ كماً كبيراً في السينما وخارجها. ومنير مراد[ر. مراد (أسرة ـ)] ذو ألحان جميلة للأغنية الخفيفة، ارتبط اسمه بالأغنية السينمائية وبألحانه المرحة الرشيقة لشادية وعبد الحليم حافظ ولشقيقته ليلى مراد.
أشهر المطربات والمطربين
أشهر المطربات اللواتي ظهرن في القرن العشرين توحيدة، وهي شامية الأصل، اسمها الحقيقي لطيفة إلياس فخر، أُغرم بها القصبجي ولحن لها أغنية «الحب له في الناس أحكام»، ودور «الظلم ياما أنصف مظلوم». ووسيلة وكانت ذات صوت جميل، تجيد العزف بالعود، وكانت المطربة الأثيرة والخاصة للسلطان حسين. والمطربة نادرة الشامية[ر] واسمها الحقيقي أناسي زخاريان اشتهرت في دمشق ثم في مسارح القاهرة لجمالها قبل صوتها، لحّن لها زكريا أحمد والقصبجي والسنباطي ومحمد عبد الوهاب، وأُغرم بها عباس محمود العقاد فنظم لها القصائد التي غنتها في أول فيلم غنائي بعنوان «أنشودة الفؤاد» عام 1931، وزاحمت أم كلثوم من دون أثر يذكر، وكان آخر ظهور لها في فيلم «أنشودة الراديو»، أجمل ما غنت موال «يقولون ليلى في العراق مريضة»، ولحَّنت لنفسها عدداً من الأغنيات. وسمحة المصرية التي غنت مع محمد عبد الوهاب في بداياته عدداً من المحاورات المسرحية. وحياة صبري ممثلة ومغنية، أحبها سيد درويش وغنت معه كثيراً من الحواريات المسجلة في أسطوانات. وفتحية أحمد (1898- 1975) مطربة قديرة، ذات صوت نحاسي، لُقبت بمطربة القطرين (مصر وسورية)، درست أصول الغناء على يد الشيخ أبي العلا محمد، ولحن لها خصيصاً قصيدة «كم بعثنا مع النسيم سلاماً»، التي سبق لصبري النجريدي أن لحنها لأم كلثوم. اشتغلت فتحية أحمد بالمسرح الغنائي ممثلة ومطربة في جميع الفرق المسرحية في زمانها، ولحَّن لها من الرعيل الأول الخلعي وداود حسني وسيد درويش. من أغانيها الشائعة «ياحلاوة الدنيا» لزكريا أحمد، وطقطوقة «ياشاغل بالي» للقصبجي، وقصائد «ظنون، والبلبل، والصفصافة» الوصفية للسنباطي التي رسم فيها الخطوط العريضة في تلحين القصيدة العمودية، كذلك لحن لها محمد عبد الوهاب ومرسي الحريري وفريد الأطرش، واشتركت مع أم كلثوم في غناء أوبرا عايدة في فيلم «عايدة» وزاحمتها زمناً طويلاً. ومنيرة المهدية[ر] مطربة كبيرة، لقبت بسلطانة الطرب قبل ظهور أم كلثوم، ألفت فرقة مسرحية خاصة بها، قدمت من خلالها مسرحيات غنائية، ساعدت على شهرة محمد عبد الوهاب. وأم كلثوم[ر] مطربة كبيرة ارتفعت وارتقت بالغناء إلى مشارف عالية، وشغلت الحياة الموسيقية نصف قرن من الزمن، مثلت وغنت في ستة أفلام ونافستها مطربات عصرها على مكانتها الفنية فلم يثبتن. وأسمهان[ر] مطربة سورية أسطورية أقامت في مصر، صوتها يشغل مساحة ديوانين، واستخدمت في غنائها صوت الرأس (الأوبرالي المرتفع) بمنتهى الحنان والدفء الإنساني والتعبير الفني من دون صياح. واحتلت نجاة علي مكانة مرموقة بين المطربات، اشتهرت على نطاق واسع منذ ظهورها مع محمد عبد الوهاب في فيلم «دموع الحب» عام 1935، لحَّن لها السنباطي والقصبجي وزكريا وأحمد صدقي وغيرهم. وليلى مراد ابنة المطرب زاكي مراد[ر. مراد (أسرة -)]، وهي من المطربات الأوائل اللواتي غنين في الأفلام، صوتها عذب وأليف. لحَّن لها أعلام التلحين، وتصدرت قائمة المطربات، ولقبت بملكة الأغنية السينمائية. وهدى سلطان شقيقة محمد فوزي، مطربة ذات صوت قوي وجميل، مثلت في عدد كبير من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية.
أما المطربون الذين احتلوا مكانة مرموقة منذ بدايات القرن العشرين فكثر، منهم: الشيخ أمين حسنين سالم عرف بقصائده، وبولعه بالغناء في الموالد. وحامد مرسي مطرب إسكندراني، عاصر سيد درويش وغنى من ألحانه، وهو أول من غنى «زوروني كل سنة مرة». وسيد الصفطي (1875- ؟) مطرب عريض الصوت احترف الغناء بعد موت عبده الحامولي، تزوج من «بمبه كشّر» رئيسة العوالم في القاهرة، وسجل على أسطوانات التراث الغنائي القديم. وزاكي مراد (والد ليلى ومنير مراد)، مطرب اشتهر كثيراً قبل محمد عبد الوهاب، حل محل سلامة حجازي تمثيلاً وغناءً. وعبده السروجي مطرب جميل الصوت اشتهر من وراء لحن السنباطي «على بلد المحبوب وديني» التي غنتها أم كلثوم فيما بعد. وعبد الغني السيد (1912-1962) مطرب جيد طبقة صوته عالية فيما يعرف بـ«الصادح» تينور - Tenor لحن له السنباطي ومحمود الشريف ومحمد عبد الوهاب. ومحمد عبد المطلب[ر] (1907- 1980) صوته قوي ذو بحة خاصة، تعلم على يدي داود حسني، ثم عمل «مذهبجياً» في فرقة محمد عبد الوهاب، له أسلوبه الخاص بالغناء الشعبي الذي اختص به، وقبس من زميله فريد الأطرش غناء المواليا في سياق الأغنية، وهو متمكن في العرض الصوتي. وجلال حرب من الأصوات القليلة النادرة التي ظهرت في سني الأربعينيات، أعجب به محمد عبد الوهاب إثر استماعه إليه من إذاعة الإسكندرية فاحتضنه وشجعه ثم اصطدم به عندما رفض أن يغني من ألحانه مُصراً على أن يلحِّن لنفسه، ومع ذلك فإن محمد عبد الوهاب أسند إليه دور البطولة أمام رجاء عبده في فيلم «الحب الأول» الذي أنتجه بعقلية التاجر الذكي، ونجح الفيلم وحقق جماهيرية كبيرة. وجلال حرب المحامي الذي خيرته نقابته بين المحاماة والعمل الفني، فآثر المحاماة. ومحمد الكحلاوي[ر] الذي برز ملحناً ومغنياً اختص بالأغاني الخفيفة والأهازيج والغناء البدوي، دخل ميدان السينما من المنطلق نفسه الذي دخل منه إلى الغناء، وتعدّ أفلامه التي مثلها مع «كوكا» أكثر الأفلام رواجاً وشعبية في سني الخمسينيات، أشهر أغانيه أغنية «تشكر يا سايق المطر». ومحرم فؤاد (1937- 2002) مطرب اجتمعت في صوته الخصائص التي أهلته لأن يحتل المرتبة اللائقة بين المطربين، صوته القوي جعله يبتعد عن «الميكروفون» زمناً، ثم استخدمه فلم يزده هذا سوى حسن وعمق، لحن له محمد محسن أغنيته الجميلة «أبحث عن سمراء» كما لحن له فريد الأطرش أغنيات جميلة غناها بصدق وعاطفة، أغرته السينما وكان يتوق من ورائها إلى مزاحمة عبد الحليم حافظ، فنجح في الغناء وأخفق في التمثيل. وعبد الحليم حافظ[ر] ملأ الدنيا وشغل الناس بصوته «الميكروفوني» محدود المساحة، يجيد العزف بالأوبوا[ر] oboe جعل ثقافته الموسيقية ودراسته المعهدية لخدمة صوته، فأغناه بالإلقاء الغنائي المتقن وبالعاطفة والإحساس والتعبير اللامتناهي في الكلمة والمضمون. أبدع في الوطنيات كما أبدع في الغزليات، وتفوق على نفسه، ووقف عاجزاً أمام البلهارسيا التي قضت عليه. ومحمد رشدي (1928- 2005) أسس مدرسة جديدة في الغناء الشعبي ذات مضامين اجتماعية عبرت عن مشاعر البسطاء والحرفيين وتعاون في ذلك مع بليغ حمدي وترك وراءه مئات الأغاني.
الفرق الموسيقية:
ظل التخت الشرقي[ر. الفرقة الموسيقية] يرافق المغني أو المغنية مذ غنى عبده الحامولي بمصاحبته، وكان السائد حتى مستهل الثلاثينيات، عندما تداعى أمام ضربات التجديد الذي جاء به جميل عويس[ر] السوري، وعزيز صادق وإبراهيم حجاج وغيرهم من الذين استعانوا بالآلات الموسيقية الغربية التي لا تتفق دساتينها مع ثلاثة أرباع البعد في الموسيقى الشرقية، واستفادوا في الحدود الممكنة التي تتفق وطبيعة بعض المقامات الموسيقية الشرقية، وقد شجع محمد عبد الوهاب هذه البادرة، فغدت الفرق الموسيقية نتيجة المزج بين الآلات الغربية والشرقية فرقاً لا هوية لها مما أدى إلى نشوء ما يعرف بالتخريب السمعي. وخوفاً على التراث الموسيقي والمعاصر من فوضى مزج الآلات الموسيقية قامت فرق موسيقية قوامها التخت الشرقي وآلات أسرة الكمان برمتها عدا آلة الفيولا[ر. الكمان] للحفاظ على الموسيقى العربية، منها: فرقة علي فراج وفرقة عبد العزيز محمد وفرقة حسين جنيد. كذلك قامت فرق أخرى اعتمدت المزج الآلي المدروس، ولاسيما النفخيات الخشبية والنحاسية كفرقة محمد حسن الشجاعي وفرقة عبد الحميد توفيق زكي التابعتين للإذاعة المصرية. وعندما تفاقمت عملية المزج الآلي بدخول الآلات الإلكترونية للفرق الموسيقية - على نحو ما فعل أحمد فؤاد حسن في فرقته الماسية - أنشأت الدولة عام 1967 «فرقة الموسيقى العربية» بقيادة عبد الحليم نويرة، وأسس المعهد العالي للموسيقى العربية فرقته الموسيقية بقيادة سامي نصير التي سُميت فيما بعد فرقة أم كلثوم. ثم ظهرت فرقة جمعية إحياء التراث العربي وفرقة التخت العربي، وأخيراً فرقة السماح، وانصرفت هذه الفرق إلى تقديم التراث الموسيقي والغنائي والمعاصر بدعم من الدولة. كذلك أسست دار الأوبرا فرقة الموسيقى العربية بقيادة اللبناني سليم سحاب، وفرقة أخرى بقيادة صلاح خفاجي بتوجيه من رتيبة الحفني مديرة مهرجان الموسيقى العربية السنوي. وفي موازاة هذه الفرق، ومنذ افتتاح دار الأوبرا عام 1868 أُنشئت الفرقة السمفونية لترافق الأعمال الأوبرالية والأخرى السمفونية، وتمكن المسؤولون في دار الأوبرا على مدار عقود من السنين من الاستغناء عن العازفين الأجانب، إلى أن أضحوا قلة. وتُعد فرقة القاهرة السمفونية من أشهر الفرق السمفونية في الوطن العربي. وقد استفاد المؤلفون العرب الذين درسوا الموسيقى الغربية في مصر وأوربا من تقديم مؤلفاتهم الأوركسترالية التي استوحوا أكثرها من التراث الشعبي إن في موسيقى الحجرة أو في قوالب الحوارية[ر] (الكونشرتو) والسمفوني وما إلى ذلك عن طريق هذه الفرقة والفرق الأخرى التي انبثقت منها. وأبرز المؤلفين في هذا المجال أبو بكر خيرت[ر] الذي استلهم الألحان التراثية الشعبية المصرية والسورية في سمفونياته الثلاث ومتتاليته الشعبية. وعزيز شوان (1916- 1993) الذي اعتمد في أعماله على المنحى القومي وعلى الألحان الشعبية كما في مقطوعته تنويعات موسيقية على لحن «عطشان ياصبايا» لسيد درويش الذي تناوله ببعض التطوير والتلوين الأوركسترالي. ورفعت جرانة (1924) ومؤلفاته قومية إسلامية، كما في حوارية القانون التي قدمها عام 1966، وبنى حركته الأولى على تكبيرات صلاة العيدين، والثانية على لحن «طلع البدر علينا» والثالثة على آذان الصلاة. وجمال عبد الرحيم[ر] الذي عد اللحن الشعبي في مؤلفاته حلية لحنية أساسية، كما في عمله «ملامح مصرية» للكورال والأوركسترا وفيه تتابع أربع أغنيات شعبية بصياغة بوليفونية (تعدد الأصوات) للكورال، وموشح «منيتي عزّ اصطباري» الذي صاغه بصياغة مونودية لأوركسترا وترية مع آلتي فلوت وكمان. وعطية شرارة القريب الصلة بالموسيقى الشرقية بوصفه عازف كمان شرقي، الذي بنى الحركة الأولى من حوارية العود على لحن أغنية «حسن يا خولي الجنينة» الشعبية. وتولى قيادةَ فرقة القاهرة السمفونية منذ نشأتها حتى الخمسينيات عدُد كبير من القادة الأجانب، ومن ثم تولى قيادتها قادة مصريون منهم أحمد عبيد يوسف السيسي وأحمد الصعيدي، وقادها من الزوار العرب صلحي الوادي فقط.
صميم الشريف
Egypt - Egypte
مصر (الموسيقى في ـ)
ارتبطت الموسيقى بالدين عند قدماء المصريين ارتباطاً وثيقاً، وكانت دراستها والتبحر فيها وقفاً على الكهنة، فاستخدمت في الطقوس الدينية، وكانت جل الأغاني الدينية في مديح الآلهة والحياة الاجتماعية. وأقدم أغاني المديح قيلت في «سيزوستريس» الثالث وفي «أوزيريس» إله الشمس وإله الموسيقى والرقص الذي كانت له فرقة موسيقية تضم سبع فتيات موسيقيات. وكان المنشدون يُنشدون الأغاني الدينية في الجنائز والأعياد وحين فيضان النيل لمباركة الحقول، وأنشودة الترحيب بالآلهة عند الصباح (استيقظ في سلام).
كان يرأس الفرقة الموسيقية في فرق القصر الملكي موسيقي محترف، وترأس المغنيِّات مغنية متفوقة تشرف على نساء القصر. والمغنِّي هو الذي يضبط الإيقاع تصفيقاً، في حين تضبطه المغنيِّة بتحريك اليدين أو بالتصفيق أحياناً، بحيث يرتبط الغناء بالإيقاع، وهذا التقليد الذي كان متبعاً في الدولة القديمة مارسته أيضاً الدولتان الوسطى والحديثة. وكان المصريون يفضلون المغنين الكفيفين على المبصرين.
استعمل الموسيقيون في زمن الدولتين القديمة والوسطى من الآلات الموسيقية[ر]: الجنك[ر. الهارب] والمزمار[ر. الناي] وكان الجنك يتألف من ستة أو سبعة أوتار، يعزفون به جلوساً، أما المزمار فكان على نوعين متشابهين: الأول طويل يضعه العازف بشكل مائل إلى الخلف، والثاني قصير يمسكه العازف أفقياً عند العزف. وقد عثر على نماذج منهما تعود إلى زمن الدولتين القديمة والوسطى. وكانت المزامير تُصنع من القصب أو من الخشب، ومباسمها من البردي. وفي زمن الدولة الحديثة ظهر الجنك الكبير ذو العشرين وتراً الذي ألزم العازف بالوقوف عند العزف به، وآخر صغير يعزف به وهو معلق على الكتف. كذلك ظهر المزمار المزدوج واستعمل مع المزمارين الآخرين. واستعمل الموسيقيون أيضاً الطنبور[ر. العود] والجنك ذا الثلاثة والأربعة أوتار، والكنارة التي جاءتهم من بعض الدول الآسيوية. كذلك استعملت الطبول والأبواق والصنوج للراقصات. وقد عثر على لوحة مرسومة محفوظة بالمقبرة رقم 367 بمدينة طيبة ترجع إلى الأسرة الخامسة والعشرين ق.م تمجد وتخلد المغني وعازف الجنك «هارودشا» الذي كان قائداً ومديراً لمعبد آمون، وعلى لوحة أخرى تمثل بدوياً آسيوياً يعزف بالكنارة تعود إلى ما قبل الأسرة الثامنة عشرة.
ثم نشأت الموسيقى القبطية من الموسيقى البيزنطية التي اعتمدتها الكنيسة القبطية في ترانيمها الكنسية، ويُعد يوحنا الدمشقي[ر] سيد المرتلين الذين نهضوا بالموسيقى القبطية في القرن الثالث الميلادي، لتغدو بعد غزو اليونان ثم الرومان لمصر مزيجاً من الموسيقى الفرعونية والموسيقى البيزنطية، قبل أن يغلب عليها الطابع البيزنطي. والموسيقى القبطية اقتبست من هياكل العبادة المصرية ضروب الموسيقى، وهي لم تُدوَّن بل نُقلت في عشرين قرناً عن طرق السماع بمعرفة موسيقيين مكفوفين وهبوا أنفسهم لخدمة الكنيسة. كما أنها لم تعرف من الآلات الموسيقية سوى الدف والمثلث والناقوس. وتقوم الموسيقى القبطية على ستة وثلاثين لحناً ممدوداً، وعلى اثنتين وسبعين نغمة قصيرة يطلق عليها اسم الطريقة أو الأسلوب، وتشتمل على التراتيل الخاصة بعيد الميلاد والصوم الكبير وعيد الفصح ومساء السبت من كل أسبوع. وما تزال بعض الألحان الدينية القبطية منتشرة عند أبناء الوجه القبلي، ومنها اللحن الكيكهي الخاص بعيد الميلاد، وآخر عن إذلال النفس، وثالث ينشد في صلوات الموتى.
أما في العهد الفاطمي فقد رعى المعز لدين الله الفنون، وتولع ابنه تميم بالموسيقى، وكان الخليفة الظاهر موسيقياً هاوياً، والمنتصر محباً للموسيقى والغناء اللذين ازدهرا في زمانه، ورعى «الآمر» بدوره الموسيقى والغناء حتى إنه احتفى وكرَّم العالم الموسيقي أبا الصلت أمية عند قدومه لمصر. وفي زمن الأيوبيين ظهر العالمان الموسيقيان أبو زكريا إلياس، وأبو نصر بن مطران، وتراجعت في زمن المماليك حتى كادت تضمحل. وبعد احتلال فرنسا مصر في زمن العثمانيين ثم هزيمتهم وجلائهم عنها أنشأ محمد علي باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر أربع مدارس موسيقية هي: مدرسة الخانكة، ومدرسة العزف في النخيلة ومدرسة الطبول والأصوات ومدرسة الآلاتية في القاهرة، لتبدأ مع هذه المدارس رحلة الموسيقى الحديثة والمعاصرة في مصر. وبين عامي 1840- 1865 قامت مدرسة غنائية عُرفت باسم «الصهبجية»، وكانت تؤدي الموشحات والمدائح النبوية بأسلوب بدائي. ثم ظهرت طائفة من المشايخ والمقرئين احترفت الموسيقى والغناء؛ منهم الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب[ر] شيخ مشايخ الموسيقى المصرية، وأستاذ الرعيل الأول من المغنين.
من موسيقى التراث المصري |
ومع بداية القرن العشرين ظهر صفر علي أحد مؤسسي المعهد الموسيقي الشرقي، ويعد من علماء الموسيقى القلائل، وهو صاحب أول «حوارية غنائية» (ديالوغ) عام 1910، وأول أوبرا عربية بعنوان «المقامر» (1916). وحسن كامل موسيقي اهتم بالمسرح الغنائي. وأحمد صبري النجريدي طبيب أسنان، وملحن غزير الإنتاج، أسهم في نهضة المسرح الغنائي ووضع ألحان مسرحيات «الصياد» مع كامل الخلعي، و«قنصل الوز» و«مراتي في الجهادية» مع داود حسني وإبراهيم فوزي ومحمد عبد الوهاب، ووقف وراء أم كلثوم في بداياتها، وغنت من ألحانه أربع عشرة أغنية. وزكريا أحمد[ر] أحد عمالقة المسرح الغنائي، لحن للفرق المسرحية المختلفة بين عامي 1923- 1945 ثمانين وخمسمئة أغنية في ثلاث وخمسين مسرحية غنائية. وابتدع الشيخ سيد درويش[ر] الطقطوقة وجدد في الموسيقى وخلص الغناء مع أبي العلا محمد والقصبجي من اللكنات الفارسية والتركية والغجرية، والتزم بالأغنية الهادفة. ومحمد القصبجي[ر] المجدد الحقيقي للموسيقى العربية، تأثر بعلوم الموسيقى الغربية، وأدخل التعبير في الغناء وجعل اللوازم الموسيقية جزءاً أساسياً في بناء الأغنية الموسيقي. ومحمد عبد الوهاب[ر] مطرب وملحن كبير، لقب بموسيقار الأجيال أدخل الإيقاعات الموسيقية الغربية الراقصة، واعتمد في أغانيه على التعبير البالغ الجمال وعلى أناقة اللفظ، واقتبس شيئاً كثيراً من الموسيقى الغربية والتركية. ورياض السنباطي[ر] كان واحداً من أعظم ملحني القرن العشرين وعازف عود كلاسيكياً؛ طور قالب القصيدة، وابتدع القفل المثير، وارتقى بالتلحين، وفصل بين الأغنية في المسرح والأغنية السمعية، ونال من منظمة اليونسكو جائزة أفضل موسيقي في العالم. وعاش فريد الأطرش[ر] المطرب والملحن السوري، في مصر، وكان عازف عود بارعاً ومجدداً، شخصيته موسيقياً واضحة المعالم، لحن وغنى ومثّل أكثر من ثلاثين فيلماً سينمائياً، وهو سيد الأوبريت السينمائية. وكان محمود الشريف[ر] ملحناً جيداً، لحَّن في جميع الألوان الغنائية عدا الدور والموشحة، وهو صاحب نشيد «الله اكبر» الذي غدا النشيد الرسمي للجماهيرية الليبية، تزوج من أم كلثوم وأرغم على طلاقها. ورأس مدحة عاصم، القسم الموسيقي في الإذاعة المصرية، واكتشف كثيراً من المواهب، وكان عازف بيانو وملحناً. وفريد غصن[ر] موسيقي لبناني من آل شلالا، عاش في مصر ومات في بيروت، نبغ في العزف بالعود ولحن للأفلام السينمائية وخارجها لعدد من المطربات. ومحمد حسن الشجاعي مؤلف موسيقي، اكتشفه مدحة عاصم، ترأس فرقة الإذاعة المصرية، وأحيا وسجل بعض تراث سيد درويش. وعزيز صادق (ت 1952) عازف ناي وموزع موسيقي ممتاز، عمل موزعاً لموسيقى أغاني محمد عبد الوهاب والقصبجي والسنباطي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. واشتهر محمد فوزي[ر] مغنياً وملحناً ذو شخصية موسيقية متفردة، اهتم بتجديد الطقطوقة ولحَّن الأوبريت السينمائية والاسكتش والحوارية.
بعد قيام ثورة يوليو- تموز- 1952، ونتيجة لتغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ظهر عدد من الملحنين الذين حملوا مشعل الثورة والإنجازات التي حققتها، وكرسوا ألحانهم وأغانيهم لخدمتها من هؤلاء: محمد الموجي[ر] الذي شهر عبد الحليم حافظ[ر] بألحانه ولاسيما في أغانيه الوطنية. وكمال الطويل[ر] الذي ألّف مع عبد الحليم حافظ ثنائياً رائعاً ظهرت آثاره التجديدية تلحيناً وغناءً في جميع الأعمال التي أعطياها، وهو صاحب نشيد «والله زمان يا سلاحي» الذي غنَّته أم كلثوم. وبليغ حمدي[ر]، ملحن يميل إلى التطريب ويعتمد في ذلك على الإيقاع، جعل ألحانه لوردة التي تزوجها زمناً، ولحّن لأم كلثوم إحدى عشرة أغنية، ولعبد الحليم حافظ كماً كبيراً في السينما وخارجها. ومنير مراد[ر. مراد (أسرة ـ)] ذو ألحان جميلة للأغنية الخفيفة، ارتبط اسمه بالأغنية السينمائية وبألحانه المرحة الرشيقة لشادية وعبد الحليم حافظ ولشقيقته ليلى مراد.
أشهر المطربات والمطربين
أشهر المطربات اللواتي ظهرن في القرن العشرين توحيدة، وهي شامية الأصل، اسمها الحقيقي لطيفة إلياس فخر، أُغرم بها القصبجي ولحن لها أغنية «الحب له في الناس أحكام»، ودور «الظلم ياما أنصف مظلوم». ووسيلة وكانت ذات صوت جميل، تجيد العزف بالعود، وكانت المطربة الأثيرة والخاصة للسلطان حسين. والمطربة نادرة الشامية[ر] واسمها الحقيقي أناسي زخاريان اشتهرت في دمشق ثم في مسارح القاهرة لجمالها قبل صوتها، لحّن لها زكريا أحمد والقصبجي والسنباطي ومحمد عبد الوهاب، وأُغرم بها عباس محمود العقاد فنظم لها القصائد التي غنتها في أول فيلم غنائي بعنوان «أنشودة الفؤاد» عام 1931، وزاحمت أم كلثوم من دون أثر يذكر، وكان آخر ظهور لها في فيلم «أنشودة الراديو»، أجمل ما غنت موال «يقولون ليلى في العراق مريضة»، ولحَّنت لنفسها عدداً من الأغنيات. وسمحة المصرية التي غنت مع محمد عبد الوهاب في بداياته عدداً من المحاورات المسرحية. وحياة صبري ممثلة ومغنية، أحبها سيد درويش وغنت معه كثيراً من الحواريات المسجلة في أسطوانات. وفتحية أحمد (1898- 1975) مطربة قديرة، ذات صوت نحاسي، لُقبت بمطربة القطرين (مصر وسورية)، درست أصول الغناء على يد الشيخ أبي العلا محمد، ولحن لها خصيصاً قصيدة «كم بعثنا مع النسيم سلاماً»، التي سبق لصبري النجريدي أن لحنها لأم كلثوم. اشتغلت فتحية أحمد بالمسرح الغنائي ممثلة ومطربة في جميع الفرق المسرحية في زمانها، ولحَّن لها من الرعيل الأول الخلعي وداود حسني وسيد درويش. من أغانيها الشائعة «ياحلاوة الدنيا» لزكريا أحمد، وطقطوقة «ياشاغل بالي» للقصبجي، وقصائد «ظنون، والبلبل، والصفصافة» الوصفية للسنباطي التي رسم فيها الخطوط العريضة في تلحين القصيدة العمودية، كذلك لحن لها محمد عبد الوهاب ومرسي الحريري وفريد الأطرش، واشتركت مع أم كلثوم في غناء أوبرا عايدة في فيلم «عايدة» وزاحمتها زمناً طويلاً. ومنيرة المهدية[ر] مطربة كبيرة، لقبت بسلطانة الطرب قبل ظهور أم كلثوم، ألفت فرقة مسرحية خاصة بها، قدمت من خلالها مسرحيات غنائية، ساعدت على شهرة محمد عبد الوهاب. وأم كلثوم[ر] مطربة كبيرة ارتفعت وارتقت بالغناء إلى مشارف عالية، وشغلت الحياة الموسيقية نصف قرن من الزمن، مثلت وغنت في ستة أفلام ونافستها مطربات عصرها على مكانتها الفنية فلم يثبتن. وأسمهان[ر] مطربة سورية أسطورية أقامت في مصر، صوتها يشغل مساحة ديوانين، واستخدمت في غنائها صوت الرأس (الأوبرالي المرتفع) بمنتهى الحنان والدفء الإنساني والتعبير الفني من دون صياح. واحتلت نجاة علي مكانة مرموقة بين المطربات، اشتهرت على نطاق واسع منذ ظهورها مع محمد عبد الوهاب في فيلم «دموع الحب» عام 1935، لحَّن لها السنباطي والقصبجي وزكريا وأحمد صدقي وغيرهم. وليلى مراد ابنة المطرب زاكي مراد[ر. مراد (أسرة -)]، وهي من المطربات الأوائل اللواتي غنين في الأفلام، صوتها عذب وأليف. لحَّن لها أعلام التلحين، وتصدرت قائمة المطربات، ولقبت بملكة الأغنية السينمائية. وهدى سلطان شقيقة محمد فوزي، مطربة ذات صوت قوي وجميل، مثلت في عدد كبير من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية.
أما المطربون الذين احتلوا مكانة مرموقة منذ بدايات القرن العشرين فكثر، منهم: الشيخ أمين حسنين سالم عرف بقصائده، وبولعه بالغناء في الموالد. وحامد مرسي مطرب إسكندراني، عاصر سيد درويش وغنى من ألحانه، وهو أول من غنى «زوروني كل سنة مرة». وسيد الصفطي (1875- ؟) مطرب عريض الصوت احترف الغناء بعد موت عبده الحامولي، تزوج من «بمبه كشّر» رئيسة العوالم في القاهرة، وسجل على أسطوانات التراث الغنائي القديم. وزاكي مراد (والد ليلى ومنير مراد)، مطرب اشتهر كثيراً قبل محمد عبد الوهاب، حل محل سلامة حجازي تمثيلاً وغناءً. وعبده السروجي مطرب جميل الصوت اشتهر من وراء لحن السنباطي «على بلد المحبوب وديني» التي غنتها أم كلثوم فيما بعد. وعبد الغني السيد (1912-1962) مطرب جيد طبقة صوته عالية فيما يعرف بـ«الصادح» تينور - Tenor لحن له السنباطي ومحمود الشريف ومحمد عبد الوهاب. ومحمد عبد المطلب[ر] (1907- 1980) صوته قوي ذو بحة خاصة، تعلم على يدي داود حسني، ثم عمل «مذهبجياً» في فرقة محمد عبد الوهاب، له أسلوبه الخاص بالغناء الشعبي الذي اختص به، وقبس من زميله فريد الأطرش غناء المواليا في سياق الأغنية، وهو متمكن في العرض الصوتي. وجلال حرب من الأصوات القليلة النادرة التي ظهرت في سني الأربعينيات، أعجب به محمد عبد الوهاب إثر استماعه إليه من إذاعة الإسكندرية فاحتضنه وشجعه ثم اصطدم به عندما رفض أن يغني من ألحانه مُصراً على أن يلحِّن لنفسه، ومع ذلك فإن محمد عبد الوهاب أسند إليه دور البطولة أمام رجاء عبده في فيلم «الحب الأول» الذي أنتجه بعقلية التاجر الذكي، ونجح الفيلم وحقق جماهيرية كبيرة. وجلال حرب المحامي الذي خيرته نقابته بين المحاماة والعمل الفني، فآثر المحاماة. ومحمد الكحلاوي[ر] الذي برز ملحناً ومغنياً اختص بالأغاني الخفيفة والأهازيج والغناء البدوي، دخل ميدان السينما من المنطلق نفسه الذي دخل منه إلى الغناء، وتعدّ أفلامه التي مثلها مع «كوكا» أكثر الأفلام رواجاً وشعبية في سني الخمسينيات، أشهر أغانيه أغنية «تشكر يا سايق المطر». ومحرم فؤاد (1937- 2002) مطرب اجتمعت في صوته الخصائص التي أهلته لأن يحتل المرتبة اللائقة بين المطربين، صوته القوي جعله يبتعد عن «الميكروفون» زمناً، ثم استخدمه فلم يزده هذا سوى حسن وعمق، لحن له محمد محسن أغنيته الجميلة «أبحث عن سمراء» كما لحن له فريد الأطرش أغنيات جميلة غناها بصدق وعاطفة، أغرته السينما وكان يتوق من ورائها إلى مزاحمة عبد الحليم حافظ، فنجح في الغناء وأخفق في التمثيل. وعبد الحليم حافظ[ر] ملأ الدنيا وشغل الناس بصوته «الميكروفوني» محدود المساحة، يجيد العزف بالأوبوا[ر] oboe جعل ثقافته الموسيقية ودراسته المعهدية لخدمة صوته، فأغناه بالإلقاء الغنائي المتقن وبالعاطفة والإحساس والتعبير اللامتناهي في الكلمة والمضمون. أبدع في الوطنيات كما أبدع في الغزليات، وتفوق على نفسه، ووقف عاجزاً أمام البلهارسيا التي قضت عليه. ومحمد رشدي (1928- 2005) أسس مدرسة جديدة في الغناء الشعبي ذات مضامين اجتماعية عبرت عن مشاعر البسطاء والحرفيين وتعاون في ذلك مع بليغ حمدي وترك وراءه مئات الأغاني.
الفرق الموسيقية:
ظل التخت الشرقي[ر. الفرقة الموسيقية] يرافق المغني أو المغنية مذ غنى عبده الحامولي بمصاحبته، وكان السائد حتى مستهل الثلاثينيات، عندما تداعى أمام ضربات التجديد الذي جاء به جميل عويس[ر] السوري، وعزيز صادق وإبراهيم حجاج وغيرهم من الذين استعانوا بالآلات الموسيقية الغربية التي لا تتفق دساتينها مع ثلاثة أرباع البعد في الموسيقى الشرقية، واستفادوا في الحدود الممكنة التي تتفق وطبيعة بعض المقامات الموسيقية الشرقية، وقد شجع محمد عبد الوهاب هذه البادرة، فغدت الفرق الموسيقية نتيجة المزج بين الآلات الغربية والشرقية فرقاً لا هوية لها مما أدى إلى نشوء ما يعرف بالتخريب السمعي. وخوفاً على التراث الموسيقي والمعاصر من فوضى مزج الآلات الموسيقية قامت فرق موسيقية قوامها التخت الشرقي وآلات أسرة الكمان برمتها عدا آلة الفيولا[ر. الكمان] للحفاظ على الموسيقى العربية، منها: فرقة علي فراج وفرقة عبد العزيز محمد وفرقة حسين جنيد. كذلك قامت فرق أخرى اعتمدت المزج الآلي المدروس، ولاسيما النفخيات الخشبية والنحاسية كفرقة محمد حسن الشجاعي وفرقة عبد الحميد توفيق زكي التابعتين للإذاعة المصرية. وعندما تفاقمت عملية المزج الآلي بدخول الآلات الإلكترونية للفرق الموسيقية - على نحو ما فعل أحمد فؤاد حسن في فرقته الماسية - أنشأت الدولة عام 1967 «فرقة الموسيقى العربية» بقيادة عبد الحليم نويرة، وأسس المعهد العالي للموسيقى العربية فرقته الموسيقية بقيادة سامي نصير التي سُميت فيما بعد فرقة أم كلثوم. ثم ظهرت فرقة جمعية إحياء التراث العربي وفرقة التخت العربي، وأخيراً فرقة السماح، وانصرفت هذه الفرق إلى تقديم التراث الموسيقي والغنائي والمعاصر بدعم من الدولة. كذلك أسست دار الأوبرا فرقة الموسيقى العربية بقيادة اللبناني سليم سحاب، وفرقة أخرى بقيادة صلاح خفاجي بتوجيه من رتيبة الحفني مديرة مهرجان الموسيقى العربية السنوي. وفي موازاة هذه الفرق، ومنذ افتتاح دار الأوبرا عام 1868 أُنشئت الفرقة السمفونية لترافق الأعمال الأوبرالية والأخرى السمفونية، وتمكن المسؤولون في دار الأوبرا على مدار عقود من السنين من الاستغناء عن العازفين الأجانب، إلى أن أضحوا قلة. وتُعد فرقة القاهرة السمفونية من أشهر الفرق السمفونية في الوطن العربي. وقد استفاد المؤلفون العرب الذين درسوا الموسيقى الغربية في مصر وأوربا من تقديم مؤلفاتهم الأوركسترالية التي استوحوا أكثرها من التراث الشعبي إن في موسيقى الحجرة أو في قوالب الحوارية[ر] (الكونشرتو) والسمفوني وما إلى ذلك عن طريق هذه الفرقة والفرق الأخرى التي انبثقت منها. وأبرز المؤلفين في هذا المجال أبو بكر خيرت[ر] الذي استلهم الألحان التراثية الشعبية المصرية والسورية في سمفونياته الثلاث ومتتاليته الشعبية. وعزيز شوان (1916- 1993) الذي اعتمد في أعماله على المنحى القومي وعلى الألحان الشعبية كما في مقطوعته تنويعات موسيقية على لحن «عطشان ياصبايا» لسيد درويش الذي تناوله ببعض التطوير والتلوين الأوركسترالي. ورفعت جرانة (1924) ومؤلفاته قومية إسلامية، كما في حوارية القانون التي قدمها عام 1966، وبنى حركته الأولى على تكبيرات صلاة العيدين، والثانية على لحن «طلع البدر علينا» والثالثة على آذان الصلاة. وجمال عبد الرحيم[ر] الذي عد اللحن الشعبي في مؤلفاته حلية لحنية أساسية، كما في عمله «ملامح مصرية» للكورال والأوركسترا وفيه تتابع أربع أغنيات شعبية بصياغة بوليفونية (تعدد الأصوات) للكورال، وموشح «منيتي عزّ اصطباري» الذي صاغه بصياغة مونودية لأوركسترا وترية مع آلتي فلوت وكمان. وعطية شرارة القريب الصلة بالموسيقى الشرقية بوصفه عازف كمان شرقي، الذي بنى الحركة الأولى من حوارية العود على لحن أغنية «حسن يا خولي الجنينة» الشعبية. وتولى قيادةَ فرقة القاهرة السمفونية منذ نشأتها حتى الخمسينيات عدُد كبير من القادة الأجانب، ومن ثم تولى قيادتها قادة مصريون منهم أحمد عبيد يوسف السيسي وأحمد الصعيدي، وقادها من الزوار العرب صلحي الوادي فقط.
صميم الشريف