الحروفية التشكيلية وتصورات الخط رمزية العلامة وانتصار المعنى في التجربة التشكيلية للعراقي جاسم محمد
بشرى بن فاطمة
الحروفية التشكيلية وتصورات الخط رمزية العلامة وانتصار المعنى
في التجربة التشكيلية للعراقي جاسم محمد Jassim Mohamed
عرف الخط العربي دهشة العمق الروحي والتصور التشكيلي في العلامة والرمز وفي الحركة والتوافق البصري الذهني سواء في تعامله مع النص أو اللون والخطوط، فقد انتصر على الإثارات الجمالية الاعتيادية نحو التبصر الداخلي في الفضاء المشكّل بكل غموضه واحتوائه للذاكرة وإرث انتمائها للأمكنة والأزمنة في تداعياتها بين الحاضر والماضي وتجاذباتها الباحثة عن مستقبلها في أفق المنافذ الواضحة.
إنها اللوحة التي تستنطق الدهشة وهي تجذب صانعها لاحتراف جمالها، فيكونُه وتكونُه في اللوحة والحرف من عمق الانتماء المزدوج بين الشرق والغرب إنها التجربة الحروفية التشكيلية عميقة التفرّد التي يقدّمها العراقي المقيم في الولايات المتحدة الامريكية جاسم محمد.
فالفنان جاسم محمد يمارس الوجد في الحكمة والقصيدة والنص والتجلي مع توافقاتها الروحانيات وعبقريّته المكابرة والمشكّلة والمجسّدة في الحرف والخط وهي تتمادى في فضائها حرّة تتكاتب الحلم شكلا ولونا.
فهو يفكّ رمز الكلمة بحركة تجادل الشكل وتروّض اللون في المُتون والهوامش ليُعلن بالضوء والإشعاع والتوهّج عن فصاحتها الآسرة بصريا.
وهذه الممارسة تعكس شغف جاسم محمد بالخط العربي الذي أحبه منذ طفولته واستثاره للتجريب وصقل موهبته فقد تتلمذ على يد الخطاط عباس البغدادي وتعمق بدمج التكوين الحروفي مع المسار التشكيلي مُتبعا أثر الجمال المخزّن فيما يحمله الخط العربي من إرث جمع الجمال والفن والمجاز والمعنى والهندسة والرياضيات.
بدأ جاسم محمد مع الواقعية والاستشراق حيث أكسبته التجربة خبرة وعمقا مع دمج ومزج الألوان وخلق التناسق بينها وتوظيفها في المساحة إضافة إلى بساطة التصميم حيث يقول “كانت تجربة مهمة وعميقة مكنتني من اكتساب مهارات التشكيل ولكني لم أجد نفسي رغم ذلك مُجدّدا بل وجدتني أضع نفس الألوان لصور قد رُسمت من عشرات السنين لفنانين أوروبيين، وقد كنت أساسا بدأت تعلّم الخط عند أحد أهم الخطاطين عباس البغدادي تعلمت منه أُّسس وقواعد الحرف العربي كان ذلك مطلع التسعينات، حيث وضعت خطة وهدفا لأكون وأتجدّد فنيا وبصريا بتجربة خاصة ارتكزت على الإيهام البصري والتعتيق وقد عَبَرت هذه التجربة بنضج حملني نحو اللوحة الحروفية المعاصرة بدمج النص مع التشكيل ومرونة الالتفاف بالتجريب مع الخط الديواني وانسابيته ومرونته واستخدام أكثر من تكنيك في اللوحة لشدّ المتلقي وهو ما حفّزني للتركيز أكثر على النصوص والبحث في عمق معانيها لتتماهى مع التوافق التقني الجمالي للوحة التشكيلية .”
تبدو الحروف في اللوحة التي ينفّذها جاسم عميقة المعنى الرمزي الذي يتجاوز الكلاسيكية المُنفذة ليُجبر المتلقي على الاقتناع الجمالي بأنه لا يتعامل مع خطاط عادي بل مع فنان له قيمه التي يجبر بها اللوحة لترضخ لمقاييس الحرف الذي بدوره يتحرّر من مجازاته نحو تقمّص الصورة.
فهو لم يبتعد بالحروف عن بساطتها ولم يتماه مع حرفيّته المتعمّقة في ميكانيزمات اللوحة الغربية بل فهم العنصر الشرقي والحضاري للخط العربي وانتصر على قواعده دون أن يخلّ بها، بل وظّف الخامة واللوحة والعناصر التكوينية ليمنح النص دوره في تملّك الفراغ واختراق المساحة بالعمق والتبادل والحضور والكتل، ما أثار فكرة التجدّد وعُمق التعبير عنده، فهو يربط بين الحرف واللوحة جسور التبادل الفكري لثقافة إنسانية لا تنفصل عن ذاكرتها ولا تتنكر لكل حداثي له توازناته الجمالية.
إن الصيغ اللونية التي يختارها جاسم تسرد بصريا الحالة والمزاج والفضاء والمساحة في فراغها وعُمقها وامتدادها وهو ما يجسّد صورا ذهنية لها حركتها وإيقاعها.
رغم أن التصور التشكيلي وجماليات التوافق التجريدي في طبيعته الرمزية والذهنية، تتعامل مع الصور كقيم جمالية لونية يُركّز عليها جاسم، فقد استطاع أن يحافظ على التصور الواقعي لما يثيره الحرف عند التشكيل في القراءة ليخلق صلة بين المنجز الفني وذاكرة المتلقي وحنينه مع الإرث المقروء، وهو ما يتميز عند نثر الغموض التشكيلي مع القراءة الحروفية والتصورات اللونية والهندسة التفاعلية في حركاتها بنشر عنصر التشويق مع الرغبة في القراءة التي لا تنفصل عن روح القصيدة وجملها الشعرية والشاعرية وصورها الجمالية التي بدورها تثير الخيال وتحرّكه اعتمادا على حيويّة اللون وعناصر التشكيل وهي الميزة التي يشتغل عليها وهو يجذب تأمل المتلقي إلى هذه الصيغ البصرية الجديدة مدركا أنه لا يتعامل مع نصوص تقليدية في خطياتها بل مع منجز فني في توافقاته التفاعلية الحسية والذهنية.
تتشكل الصور في هندستها مع الحروف لتكوّن النص المنتقى حيث تتعامل مع مستوى الأشكال حسب فكرة العناصر الحروفية ومدى تماسكها فهو من يبتكر صداها وانعكاسها ويتحمّل انحناءاتها وإيماءاتها ودلالاتها بين الشكلي والمعنوي والبصري فيذهب باللون إلى أبعد مستوى في الظلال وأوسع مدى في النور لتتراكم الحروف في تناحتها ولتتكاثف مع سرد المعنى بصريا ليصعد بمجاز الصورة.
فتلك الظلال التي يشكّلها هندسيا مع اللون في عمق الفضاء المشغول بالحروف فتندمج متدرجة لتقف عند المفهوم وبناءات المحبة وإنسانية التعايش وثراء الحضارة، فموسيقى حرفه تنتعش بالايقاع الغارق في صوفيته وروحانياته ومرحه العابث بين صبابات وإيقاعات ومناجاة واندفاع راقص ينتفض في الغياب والحضور والشجون ليلامس جمالياته بتناغم.
إن الفنان جاسم محمد رغم مسيرته الفتية وحضوره المفعم بالحياة رسّخ اسمه بجدية تجريبه وتفاعله مع إيقاعات الحياة والفن بالتجريب وهو ما مكّنه من خوض مغامراته الإبداعية فهو حاليا يشتغل على تقديم عمل فني وجمالي له طابع انساني في مفهومه العام بالتعاون مع متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية Farhat Art Museum .
وتجدر الإشارة إلى أنه قدّم تجربته عربيا انطلاقا من وطنه العراق ليسجّل منذ سنة 2010 حضورا بارزا ومميّزا انطلق من سورية إلى الأردن والمغرب والإمارات والسعودية ليبدأ صدى حضوره الفني ورغبته المعرفية بتوجيهه نحو أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، اقتنت أعماله عدة مؤسسات من بينها المتحف الوطني السوري كما اقتنت أحد أعماله الممثلة الامريكية أنجلينا جولي.
بشرى بن فاطمة
الحروفية التشكيلية وتصورات الخط رمزية العلامة وانتصار المعنى
في التجربة التشكيلية للعراقي جاسم محمد Jassim Mohamed
عرف الخط العربي دهشة العمق الروحي والتصور التشكيلي في العلامة والرمز وفي الحركة والتوافق البصري الذهني سواء في تعامله مع النص أو اللون والخطوط، فقد انتصر على الإثارات الجمالية الاعتيادية نحو التبصر الداخلي في الفضاء المشكّل بكل غموضه واحتوائه للذاكرة وإرث انتمائها للأمكنة والأزمنة في تداعياتها بين الحاضر والماضي وتجاذباتها الباحثة عن مستقبلها في أفق المنافذ الواضحة.
إنها اللوحة التي تستنطق الدهشة وهي تجذب صانعها لاحتراف جمالها، فيكونُه وتكونُه في اللوحة والحرف من عمق الانتماء المزدوج بين الشرق والغرب إنها التجربة الحروفية التشكيلية عميقة التفرّد التي يقدّمها العراقي المقيم في الولايات المتحدة الامريكية جاسم محمد.
فالفنان جاسم محمد يمارس الوجد في الحكمة والقصيدة والنص والتجلي مع توافقاتها الروحانيات وعبقريّته المكابرة والمشكّلة والمجسّدة في الحرف والخط وهي تتمادى في فضائها حرّة تتكاتب الحلم شكلا ولونا.
فهو يفكّ رمز الكلمة بحركة تجادل الشكل وتروّض اللون في المُتون والهوامش ليُعلن بالضوء والإشعاع والتوهّج عن فصاحتها الآسرة بصريا.
وهذه الممارسة تعكس شغف جاسم محمد بالخط العربي الذي أحبه منذ طفولته واستثاره للتجريب وصقل موهبته فقد تتلمذ على يد الخطاط عباس البغدادي وتعمق بدمج التكوين الحروفي مع المسار التشكيلي مُتبعا أثر الجمال المخزّن فيما يحمله الخط العربي من إرث جمع الجمال والفن والمجاز والمعنى والهندسة والرياضيات.
بدأ جاسم محمد مع الواقعية والاستشراق حيث أكسبته التجربة خبرة وعمقا مع دمج ومزج الألوان وخلق التناسق بينها وتوظيفها في المساحة إضافة إلى بساطة التصميم حيث يقول “كانت تجربة مهمة وعميقة مكنتني من اكتساب مهارات التشكيل ولكني لم أجد نفسي رغم ذلك مُجدّدا بل وجدتني أضع نفس الألوان لصور قد رُسمت من عشرات السنين لفنانين أوروبيين، وقد كنت أساسا بدأت تعلّم الخط عند أحد أهم الخطاطين عباس البغدادي تعلمت منه أُّسس وقواعد الحرف العربي كان ذلك مطلع التسعينات، حيث وضعت خطة وهدفا لأكون وأتجدّد فنيا وبصريا بتجربة خاصة ارتكزت على الإيهام البصري والتعتيق وقد عَبَرت هذه التجربة بنضج حملني نحو اللوحة الحروفية المعاصرة بدمج النص مع التشكيل ومرونة الالتفاف بالتجريب مع الخط الديواني وانسابيته ومرونته واستخدام أكثر من تكنيك في اللوحة لشدّ المتلقي وهو ما حفّزني للتركيز أكثر على النصوص والبحث في عمق معانيها لتتماهى مع التوافق التقني الجمالي للوحة التشكيلية .”
تبدو الحروف في اللوحة التي ينفّذها جاسم عميقة المعنى الرمزي الذي يتجاوز الكلاسيكية المُنفذة ليُجبر المتلقي على الاقتناع الجمالي بأنه لا يتعامل مع خطاط عادي بل مع فنان له قيمه التي يجبر بها اللوحة لترضخ لمقاييس الحرف الذي بدوره يتحرّر من مجازاته نحو تقمّص الصورة.
فهو لم يبتعد بالحروف عن بساطتها ولم يتماه مع حرفيّته المتعمّقة في ميكانيزمات اللوحة الغربية بل فهم العنصر الشرقي والحضاري للخط العربي وانتصر على قواعده دون أن يخلّ بها، بل وظّف الخامة واللوحة والعناصر التكوينية ليمنح النص دوره في تملّك الفراغ واختراق المساحة بالعمق والتبادل والحضور والكتل، ما أثار فكرة التجدّد وعُمق التعبير عنده، فهو يربط بين الحرف واللوحة جسور التبادل الفكري لثقافة إنسانية لا تنفصل عن ذاكرتها ولا تتنكر لكل حداثي له توازناته الجمالية.
إن الصيغ اللونية التي يختارها جاسم تسرد بصريا الحالة والمزاج والفضاء والمساحة في فراغها وعُمقها وامتدادها وهو ما يجسّد صورا ذهنية لها حركتها وإيقاعها.
رغم أن التصور التشكيلي وجماليات التوافق التجريدي في طبيعته الرمزية والذهنية، تتعامل مع الصور كقيم جمالية لونية يُركّز عليها جاسم، فقد استطاع أن يحافظ على التصور الواقعي لما يثيره الحرف عند التشكيل في القراءة ليخلق صلة بين المنجز الفني وذاكرة المتلقي وحنينه مع الإرث المقروء، وهو ما يتميز عند نثر الغموض التشكيلي مع القراءة الحروفية والتصورات اللونية والهندسة التفاعلية في حركاتها بنشر عنصر التشويق مع الرغبة في القراءة التي لا تنفصل عن روح القصيدة وجملها الشعرية والشاعرية وصورها الجمالية التي بدورها تثير الخيال وتحرّكه اعتمادا على حيويّة اللون وعناصر التشكيل وهي الميزة التي يشتغل عليها وهو يجذب تأمل المتلقي إلى هذه الصيغ البصرية الجديدة مدركا أنه لا يتعامل مع نصوص تقليدية في خطياتها بل مع منجز فني في توافقاته التفاعلية الحسية والذهنية.
تتشكل الصور في هندستها مع الحروف لتكوّن النص المنتقى حيث تتعامل مع مستوى الأشكال حسب فكرة العناصر الحروفية ومدى تماسكها فهو من يبتكر صداها وانعكاسها ويتحمّل انحناءاتها وإيماءاتها ودلالاتها بين الشكلي والمعنوي والبصري فيذهب باللون إلى أبعد مستوى في الظلال وأوسع مدى في النور لتتراكم الحروف في تناحتها ولتتكاثف مع سرد المعنى بصريا ليصعد بمجاز الصورة.
فتلك الظلال التي يشكّلها هندسيا مع اللون في عمق الفضاء المشغول بالحروف فتندمج متدرجة لتقف عند المفهوم وبناءات المحبة وإنسانية التعايش وثراء الحضارة، فموسيقى حرفه تنتعش بالايقاع الغارق في صوفيته وروحانياته ومرحه العابث بين صبابات وإيقاعات ومناجاة واندفاع راقص ينتفض في الغياب والحضور والشجون ليلامس جمالياته بتناغم.
إن الفنان جاسم محمد رغم مسيرته الفتية وحضوره المفعم بالحياة رسّخ اسمه بجدية تجريبه وتفاعله مع إيقاعات الحياة والفن بالتجريب وهو ما مكّنه من خوض مغامراته الإبداعية فهو حاليا يشتغل على تقديم عمل فني وجمالي له طابع انساني في مفهومه العام بالتعاون مع متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية Farhat Art Museum .
وتجدر الإشارة إلى أنه قدّم تجربته عربيا انطلاقا من وطنه العراق ليسجّل منذ سنة 2010 حضورا بارزا ومميّزا انطلق من سورية إلى الأردن والمغرب والإمارات والسعودية ليبدأ صدى حضوره الفني ورغبته المعرفية بتوجيهه نحو أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، اقتنت أعماله عدة مؤسسات من بينها المتحف الوطني السوري كما اقتنت أحد أعماله الممثلة الامريكية أنجلينا جولي.