كيلاني (رشيد عالي) Al-Kilani (Rashid A’li-) - Al-Kilani (Rashid A’li-)
الكيلاني (رشيد عالي ـ)
(1892 ـ 1965م)
رجل دولة عراقي، زعيم ثورة، ولد في بغداد، وهو من سلالة الشيخ عبد القادر الكيلاني صاحب الطريقة الصوفية المعروفة بالقادرية الواسعة الانتشار، تعلم في مدراس بغداد الإعدادية الرشدية، ثم التحق بكلية الحقوق، وعقب نيل إجازتها، تقلد مناصب حكومية عدة، وكان يعمل سراً مع أحرار العرب في سبيل تنمية الفكرة العربية ونشرها، واشتغل بالتدريس في كلية الحقوق، وعمل مديراً عاماً لأوقاف الموصل، وقاضياً في محكمة الاستئناف. إلا أنه استقال وعاد إلى المحاماة. وسرعان ما بزغ نجمه في الأوساط الوطنية والسياسية. وفي عام 1924م عُْينَ وزيراً للعدل, ولما يزل في الواحدة والثلاثين من عمره، لكنه ما لبث أن قَدَّم استقالته إثر التصادم الذي وقع بين الإنكليز وبين الحكومة حول استثمار البترول العراقي، واشترك مع ياسين الهاشمي عام 1930م في تأسيس حزب الإخاء الوطني الذي كان له أثرٌ كبير في سياسة العراق.
وفي عام 1932م عُين رئيساً للديوان الملكي وسكرتيراً خاصاً للملك فيصل الأول، وفي عام 1933م، وإبّان عهد الملك غازي شَكَّل الوزارة الثانية، وفي عام 1940م شكل وزارة الائتلافية الثالثة التي اصطدمت مع الإنكليز لرفضها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا، وتولى الرئاسة آخر مرة عقب انقلاب نيسان 1941م المعروف بـ«حركة رشيد عالي الكيلاني» حيث انزلقت أزمة الثقة بين بريطانيا والعراق في تلك الفترة إلى أن أصبحت السياسة البريطانية تعمل على إطاحة حكم رشيد عالي.
والواقع أن رشيد عالي يستحق أن تُنسب الحركة إليه -وإن كان هذا لايعني إغفال دور الشعب العراقي والعسكريين في الحركة- لأن الكيلاني غدا الناطق بلسان الاتجاه المعادي لبريطانيا والتمسك بسياسة الحياد، ولأنه عمل على تجنيب العراق ويلات الحرب، إضافة إلى تزعمه حركة المد القومي في العراق، وعلى ذلك كانت حركة الكيلاني امتداداً لما سبقها من انتفاضات وثورات وطنية استهدفت تخليص العراق من الاستعمار البريطاني، ونبراساً على الرغم من إخفاقها، لما تبعها من ثورات في الوطن العربي.
وكانت بداية هذه الثورة إذاعة رئيس الحكومة رشيد عالي الكيلاني بنفسه بياناً من الإذاعة الحكومية على الشعب، أشار فيه إلى أنه (أخذ على عاتقه القيام بمهمة حكومة الدفاع الوطني، لصيانة البلاد من العبث، ولاستتباب الأمن والنظام فيها، إلى أن تعود الحياة إلى مجاريها، ويحصل الاطمئنان على تنفيذ أحكام الدستور)، ثم أعلن برنامج حكومة الدفاع الوطني، و(هو المنهاج ذاته الذي سارت عليه وزارته الأخيرة، وأعلنته في حينه «للرأي العام» وقد تضمن مبادئ تحررية عدة مثل: الوقوف على الحياد، وتحقيق الرسالة القومية التي أخذ العراق على عاتقه تحقيقها، مع المحافظة على التعهدات الدولية، ولاسيما المعاهدة العراقية البريطانية «1930م» والاستمرار في تنفيذ أحكامها بروح الود والصداقة، إضافةً إلى تقوية العلاقات الطيبة مع الدول العربية المجاورة). وناشد الكيلاني جميع أبناء الوطن أن يعينوه على القيام بواجباته الخطيرة، وتجاوب أبناء العراق مع هذه الثورة الوطنية، والتحق الثوار العراقيون والعرب بصفوفها، ولاسيما من الأقطار المجاورة للعراق، وكان الرد عليها أن التجأ الوصي عبد الإله إلى إحدى السفن الحربية البريطانية في ميناء البصرة، فعقد مجلس الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني اجتماعاً بوزارة الدفاع، واتُّخِذَت قرارات عدة مهمة، منها: تقديم مذكرة بمطالب الثوار إلى الحكومة البريطانية على الفور، واحترام القوانين الدولية، وإرسال قوة إضافية لتعزيز حامية البصرة، ولقمع أي حركة من حركات العصيان قد يثيرها عملاء الإنجليز هناك.
بدأت بريطانيا تخطط مباشرة بعد وقوع الثورة وهروب الوصي للتدخل المسلح والقضاء على حكومة الدفاع الوطني، وأخذت الطائرات البريطانية تضرب بغداد، وأنزلت قواتها في ميناء البصرة فاحتلتها، وابتدأت الحرب التي استمرت أكثر من شهرين، ثم انطفأت هذه الثورة وذهب الكيلاني إلى إيران في 30 أيار/مايو 1941م، ومنها إلى تركيا (أيلول/سبتمر 1941م)، ثم التجأ إلى برلين عاصمة ألمانيا النازية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1941م، وقد اعترفت به وزارة الخارجية الألمانية رئيساً للحكومة العراقية في المنفى (19 كانون الأول/ديسمبر 1941م) وقابل أدولف هتلر في تموز/يوليو 1942م.
أمضى رشيد عالي الكيلاني سنوات الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، فلما اندحرت ووضعت الحرب أوزارها استطاع الفرار والتجأ إلى المملكة العربية السعودية (تشرين الأول/أكتوبر 1945م) وأمضى فيها سنوات عدة، ثم انتقل إلى مصر سنة 1952م.
ولما قامت ثورة 14 تموز بالعراق عاد رشيد عالي الكيلاني إلى بغداد في أول أيلول 1958م، ثم اعتقل بعد أشهر بحجة التآمر على قلب نظام الحكم الجديد وبقي في السجن حتى عفي عنه وأطلق سراحه في 14 تموز 1961م، وقد توفي في بيروت بتاريخ 28 آب/أغسطس، ونقل جثمانه إلى بغداد ودفن فيها، فرثاه الشعراء، ومنهم عبد الله الجبوري الذي أبنه بقصيدة مطلعها:
دوّى نِعيُّك في مدى الأرجاء يا عالي العزمات والأنباء
لرشيد عالي الكيلاني مؤلفات منها، «مسالك قانون العقوبات»، بغداد 1923م، وطبع أكثر من مرة «نظريات أصول المرافق الجزائية»، بغداد 1932م، و«النظريات العامة في الحقوق الجزائية»، بغداد الطبعة الأولى 1922م، الطبعة الثانية 1933م، وله مذكرات وضعها في حياته لم تطبع.
أحمد سعيد هواش
الكيلاني (رشيد عالي ـ)
(1892 ـ 1965م)
رجل دولة عراقي، زعيم ثورة، ولد في بغداد، وهو من سلالة الشيخ عبد القادر الكيلاني صاحب الطريقة الصوفية المعروفة بالقادرية الواسعة الانتشار، تعلم في مدراس بغداد الإعدادية الرشدية، ثم التحق بكلية الحقوق، وعقب نيل إجازتها، تقلد مناصب حكومية عدة، وكان يعمل سراً مع أحرار العرب في سبيل تنمية الفكرة العربية ونشرها، واشتغل بالتدريس في كلية الحقوق، وعمل مديراً عاماً لأوقاف الموصل، وقاضياً في محكمة الاستئناف. إلا أنه استقال وعاد إلى المحاماة. وسرعان ما بزغ نجمه في الأوساط الوطنية والسياسية. وفي عام 1924م عُْينَ وزيراً للعدل, ولما يزل في الواحدة والثلاثين من عمره، لكنه ما لبث أن قَدَّم استقالته إثر التصادم الذي وقع بين الإنكليز وبين الحكومة حول استثمار البترول العراقي، واشترك مع ياسين الهاشمي عام 1930م في تأسيس حزب الإخاء الوطني الذي كان له أثرٌ كبير في سياسة العراق.
وفي عام 1932م عُين رئيساً للديوان الملكي وسكرتيراً خاصاً للملك فيصل الأول، وفي عام 1933م، وإبّان عهد الملك غازي شَكَّل الوزارة الثانية، وفي عام 1940م شكل وزارة الائتلافية الثالثة التي اصطدمت مع الإنكليز لرفضها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا، وتولى الرئاسة آخر مرة عقب انقلاب نيسان 1941م المعروف بـ«حركة رشيد عالي الكيلاني» حيث انزلقت أزمة الثقة بين بريطانيا والعراق في تلك الفترة إلى أن أصبحت السياسة البريطانية تعمل على إطاحة حكم رشيد عالي.
والواقع أن رشيد عالي يستحق أن تُنسب الحركة إليه -وإن كان هذا لايعني إغفال دور الشعب العراقي والعسكريين في الحركة- لأن الكيلاني غدا الناطق بلسان الاتجاه المعادي لبريطانيا والتمسك بسياسة الحياد، ولأنه عمل على تجنيب العراق ويلات الحرب، إضافة إلى تزعمه حركة المد القومي في العراق، وعلى ذلك كانت حركة الكيلاني امتداداً لما سبقها من انتفاضات وثورات وطنية استهدفت تخليص العراق من الاستعمار البريطاني، ونبراساً على الرغم من إخفاقها، لما تبعها من ثورات في الوطن العربي.
وكانت بداية هذه الثورة إذاعة رئيس الحكومة رشيد عالي الكيلاني بنفسه بياناً من الإذاعة الحكومية على الشعب، أشار فيه إلى أنه (أخذ على عاتقه القيام بمهمة حكومة الدفاع الوطني، لصيانة البلاد من العبث، ولاستتباب الأمن والنظام فيها، إلى أن تعود الحياة إلى مجاريها، ويحصل الاطمئنان على تنفيذ أحكام الدستور)، ثم أعلن برنامج حكومة الدفاع الوطني، و(هو المنهاج ذاته الذي سارت عليه وزارته الأخيرة، وأعلنته في حينه «للرأي العام» وقد تضمن مبادئ تحررية عدة مثل: الوقوف على الحياد، وتحقيق الرسالة القومية التي أخذ العراق على عاتقه تحقيقها، مع المحافظة على التعهدات الدولية، ولاسيما المعاهدة العراقية البريطانية «1930م» والاستمرار في تنفيذ أحكامها بروح الود والصداقة، إضافةً إلى تقوية العلاقات الطيبة مع الدول العربية المجاورة). وناشد الكيلاني جميع أبناء الوطن أن يعينوه على القيام بواجباته الخطيرة، وتجاوب أبناء العراق مع هذه الثورة الوطنية، والتحق الثوار العراقيون والعرب بصفوفها، ولاسيما من الأقطار المجاورة للعراق، وكان الرد عليها أن التجأ الوصي عبد الإله إلى إحدى السفن الحربية البريطانية في ميناء البصرة، فعقد مجلس الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني اجتماعاً بوزارة الدفاع، واتُّخِذَت قرارات عدة مهمة، منها: تقديم مذكرة بمطالب الثوار إلى الحكومة البريطانية على الفور، واحترام القوانين الدولية، وإرسال قوة إضافية لتعزيز حامية البصرة، ولقمع أي حركة من حركات العصيان قد يثيرها عملاء الإنجليز هناك.
بدأت بريطانيا تخطط مباشرة بعد وقوع الثورة وهروب الوصي للتدخل المسلح والقضاء على حكومة الدفاع الوطني، وأخذت الطائرات البريطانية تضرب بغداد، وأنزلت قواتها في ميناء البصرة فاحتلتها، وابتدأت الحرب التي استمرت أكثر من شهرين، ثم انطفأت هذه الثورة وذهب الكيلاني إلى إيران في 30 أيار/مايو 1941م، ومنها إلى تركيا (أيلول/سبتمر 1941م)، ثم التجأ إلى برلين عاصمة ألمانيا النازية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1941م، وقد اعترفت به وزارة الخارجية الألمانية رئيساً للحكومة العراقية في المنفى (19 كانون الأول/ديسمبر 1941م) وقابل أدولف هتلر في تموز/يوليو 1942م.
أمضى رشيد عالي الكيلاني سنوات الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، فلما اندحرت ووضعت الحرب أوزارها استطاع الفرار والتجأ إلى المملكة العربية السعودية (تشرين الأول/أكتوبر 1945م) وأمضى فيها سنوات عدة، ثم انتقل إلى مصر سنة 1952م.
ولما قامت ثورة 14 تموز بالعراق عاد رشيد عالي الكيلاني إلى بغداد في أول أيلول 1958م، ثم اعتقل بعد أشهر بحجة التآمر على قلب نظام الحكم الجديد وبقي في السجن حتى عفي عنه وأطلق سراحه في 14 تموز 1961م، وقد توفي في بيروت بتاريخ 28 آب/أغسطس، ونقل جثمانه إلى بغداد ودفن فيها، فرثاه الشعراء، ومنهم عبد الله الجبوري الذي أبنه بقصيدة مطلعها:
دوّى نِعيُّك في مدى الأرجاء يا عالي العزمات والأنباء
لرشيد عالي الكيلاني مؤلفات منها، «مسالك قانون العقوبات»، بغداد 1923م، وطبع أكثر من مرة «نظريات أصول المرافق الجزائية»، بغداد 1932م، و«النظريات العامة في الحقوق الجزائية»، بغداد الطبعة الأولى 1922م، الطبعة الثانية 1933م، وله مذكرات وضعها في حياته لم تطبع.
أحمد سعيد هواش