كحاله في حضاره عربيه اسلاميه (علم) -- - --
الكحالة في الحضارة العربية الإسلامية (علم-)
في مطلع القرن العشرين تبيّن لمؤرخي الطب وللمستشرقين المعنيين أن العرب أسهموا إسهاماً قيّماً في تطوّر طب العيون؛ ذلك أن الطب خاصة والعلوم عامة تراث للبشرية أسهمت كل الحضارات في تطوّره وارتقائه.
ويعود الفضل في ذلك إلى يوليوس هيرشبرغ J.Hirschberg الذي كتب تاريخ طب العين منذ فجر البدايات الأولى حتى العصر الحديث، وأفرد للعرب مجلداً خاصّاً في كتابه الذي يعد حقاً واحداً من أهم المؤلفات في تاريخ الطب. وقد بيّن هيرشبرغ أنّ العرب أخذوا الطب النظري عن الأمم السالفة وخاصة عن الإغريق، وأنهم استوعبوا هذا التراث حينما ترجموه، وأعادوا تصنيفه وصياغته، وألّفوا فيه الكتب المدرسية والمراجع الموسّعة، وأنهم أثْروا المعارف الطبية بمساهمات مبتكرة كثيرة؛ منها بعض الملاحظات السريرية الدقيقة ومنها بعض الأعمال الجراحية التي وصفوها لأول مرّة، وأنّهم سجلوا اكتشافات مهمة في حقل وظائف العين (الفيزيولوجيا)، وأنهم ابتكروا أدوات جراحية كثيرة وأضافوا أدوية مفردة عديدة وعدداً من الوصفات الطبّية المركبة، وأنهم أتاحوا لأوربا اللاتينية فرصة الاستفادة من التراث العربي المكتوب، وبذلك تمكنت أوربا في عصر نهضتها من أن تنهل من التراث الطبي الإنساني عن طريق المؤلفات العربية، كما أتاحت للعلماء الأوربيين الاطلاع على التراث الإغريقي في ترجماته العربية.
ويضاف إلى ما قاله هيرشبرغ أن العرب تعلموا الطب العملي من أبناء عمومتهم في مصر والشام والعراق، وأن هذا التعلم بدأ قبل الإسلام بفضل مدرسة الإسكندرية الطبية ومركز جنديسابور والمراكز العلمية السريانية في شِمال الشام وبلاد ما بين النهرين (أنطاكية - الرُها - نَصِيْبين على سبيل المثال)، وأن طب العين كان قد وصل إلى درجة عالية من التطوّر في الشرق العربي قبل الإسلام وفي العصر الأموي، وأن الفضل في ذلك يعود إلى مساهمة الأقباط والسريان في تاريخ العلم وبخاصة الطب.
وعلى ذلك فإن عصر الترجمة (الذي بدأ ببيت الحكمة في بغداد) جاء نتيجةً لارتقاء المعارف الطبية، وأن معرفة العرب للطب والكحالة خاصة لم تكن نتيجةً لعصر الترجمة، بل إن عصر الترجمة جاء تعبيراً عن رقيّ مستوى المعارف الطبية في العصر الأموي وبداية العصر العباسي، فبحث العرب عن المؤلفات الإغريقية وترجموها. وقد جاءت ترجمة التراث الإغريقي نتيجة لإدراك العلماء العرب أهمية هذا التراث النظري الذي وصل إلى الإسكندرية وجنديسابور مع الإسكندر المقدوني.
إن المساهمات العربية الأصلية في طب العين أغنى بكثير مما تصوره هيرشبرغ، ويعود الفضل في معرفتها إلى اكتشاف عددٍ من المخطوطات العربية في طب العين التي لم يتح لهيرشبرغ أن يراها، ولعل ماكس مايرهوف هو صاحب الفضل الأكبر في تعرف هذه المخطوطات، ولم تكن أوربا اللاتينية هي وحدها التي استفادت من التراث الطبي العربي المكتوب، بل إن هذا التراث أصبح أساساً لتطور طب العين في أرمينيا وأواسط آسيا والهند وإفريقيا، وقد أغنى العرب التراث الطبي العيني بعددٍ كبير من المصطلحات في حقل أعراض الأمراض وأسمائها.
ولتسهيل عملية الاطلاع على التراث الطبي في علم الكحِالة يمكن تقسيم عصور هذا التطور إلى المراحل الآتية:
1ـ عصر البداية
عَرف العرب فيه الطبَّ العمليَّ عن طريق الاتصال المباشر بالمعاهد العلمية وخاصة في الإسكندرية وجنديسابور ورأس العين، وقد ظهرت في هذا العصر مؤلفات عديدة في الكُحل (ماسرجويه البصري ـ وتياذُوق ـ وماسرجويه الجنديسـابوري على سبيل المثال).
2ـ عصر الترجمة
الذي وصل ذروته أيام حنين بن إسحاق[ر]، وكان يوحنا بن ماسويه[ر] وعلي بن ربن الطبري[ر] ويوحنا بن سرابيون، وسابور بن سهل[ر] والكِندي[ر] وابن عبدوس[ر] وحبيش الأعسم[ر] وعيسى بن يحيى بن إبراهيم وتادري أسقف الكرخ وقُسطا ابن لوقا وعيسى بن حكم الدمشقي من أبرز الذين أسهموا في كتابة تراث هذه المرحلة.
3 ـ عصر تأسيس طب العيون العربي
الذي يبدأ بمؤلفات حنين بن اسحاق (ت264هـ) وانتهى بعلي بن عيسى الكحال البغدادي (ت400هـ)[ر]. ومن أبرز المساهمين في مؤلفات هذا العصر محمد بن زكريا الرازي[ر] وعلي ابن العباس المجوسي[ر] وأبو الحسن أحمد بن محمد الطبري وإسحاق بن سليمان الإسرائيلي[ر] وابن الجزار وأبو منصور الحسن بن نوح القمري وعمار المُوصِلي[ر] وأبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي[ر].
4 ـ عصر ازدهار علم الكِحالة العربي
ومن أهم المؤلفين في هذا العصر: سهل بن هارون[ر] ودانيال بن شعيا[ر] وموسى بن هارون وابن سينا[ر] وأبو الرّيحان البيروني[ر] وابن بُطلان[ر] ويحيى بن جزلة[ر] وعلي بن إبراهيم ابن بختيشوع الكفرطابي وأبو مروان عبد الملك بن زهر[ر] وابن التلميذ[ر] وابن رشد[ر] وأبو نصر سعيد بن أبي الخير المسيحي[ر] والعين زربي[ر] ومُعمر بن عُمر بن الحجاج وفتح الدين ابن عثمان القيسي ونجيب الدين السمرقندي[ر].
وصل هذا العصر إلى ذروته مع بداية القرن الثالث عشر الميلادي/ السابع الهجري بظهور الكتب الموسعة ـ التي كانت بمنزلة موسوعات شاملة لعِلم الكِحالة- وأهم هذه الكتب:
1- «المُرشد في الكحل» لمحمد بن قسوم بن أسلم الغافقي.
2- «النهاية في علم العين» لعبد الله ابن القاسم الحريري الإشبيلي.
3- «الكَافي في الكُحل» لخليفة بن أبي المحاسن الحلبي.
4- «المهذب في الكحل» لابن النفيس.
5- «كشـف الرين في أحوال العين» لشـمس الديـن محمد بن إبراهيم بن سـاعد الأنصاري المعروف بابن الأكفاني.
6- «نور العيون وجامع الفنون» ليحيى بن الرجاء الحموي الذي يعرفه مؤرخو الطب الغربيون باسم صلاح الدين بن يوسف الحموي.
امتدت رقعة الدولة الإسلامية على مساحة شاسعة من المعمورة وسادها الهدوء والسلم فتوافر بذلك عناصر جديدة لتطور الطب، وأُتيح لمراكز العلم أن تتعارف وأن يقع بينها التفاعل الخلاق، وسَهُلَ انتقال الكتب بين الأقطار التابعة لدولة الخلافة، وانتشرت صناعة الورق فساعد ذلك على توافر عددٍ كبير من نسخ الكتاب الواحد فصارت تنتقل من حاضرة إسلامية إلى حاضرة أخرى، وبذلك أصبح العلم على مستوى عالٍ يتسمُ بالتجانس في جهات الدولة المختلفة. وأسهم في التأليف علماء من شتى الأجناس والأعراق والثقافات والمذاهب، وساعد على ذلك السماحة التي ضمنها الإسلام للجميع، فلا عجبَ إذن أن يتمكن العلماء من تحقيق عددٍ كبير من الإنجازات العلمية في حقل المؤسسات الصحية والتعليمية، كما تمكن العلماء المسلمون من المساهمة بإنجازات أصلية ومبتكرة.
وبسبب اشتراك شعوب عديدة في صنع الحضارة الإسلامية وفي التأليف بالعربية ظهرت مصطلحات طبية جديدة، وخاصة في اللغتين العربية والسُريانية، كما ظهرت معجمات عديدة اللغات فسّرت معاني المصطلحات أو شرحتها. ومن أهم مساهمات العرب في تاريخ طب العيون:
1- اكتشاف الرازي حركة الحدقة، تضيقها في النور واتساعها في الظلمة.
2 - اكتشاف الرازي أولاً والحسن بن الهيثم ثانياً حقيقة أن الإبصار لا يتم بشعاع يخرج من العين وإنما بورود خيال الأشياء المرئية من الخارج وانطباعه في داخل العين.
3 - اكتشاف الحسن بن الهيثم حقيقة الإبصار وآليته، ومعرفة أنه لا يقتصر على العملية الفيزيائية الفيزيولوجية وإنما يتم بعملية نفسية مركزها في الدماغ.
4- اكتشاف عمار بن علي الموصلي سبب الغطش وآلية حدوثه وطريقة معالجته.
5- تطوّر علم الإنذار (تقدمة المعرفة) على يد كثيرين، وخاصة عمار ابن علي الموصلي الذي عرف أنواع السَّاد القابلة للشفاء وأنواعه التي لا تشفى وذلك اعتماداً على مقدرة العين على رؤية النور.
6- وصف عددٍ من الأمراض لأول مرة في التاريخ، كالسبل القرني الذي وصفه يوحنا بن ماسويه أول مرة في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي.
7- وقد أسهم العرب في ظهور علم (طب العيون عند الأطفال) وذلك أنهم ميزوا تميزاً قاطعاً بين أعراض الحول الطفلي والحول الذي يصيب البالغين وعرفوا أسباب ذلك.
8- ابتكار عدد من الآلات الجراحية على يد عددٍ كبير من الكحالين العرب كالزهراوي وخليفة بن أبي المحاسن الحلبي وابن النفيس.
عدّ العرب علم الطب من أشرف العلوم وقالوا عن الكحالة إنها أشرف التخصصات الطبية؛ لأن العين أشرف أعضاء الجسم ولأن الإبصار أثمن هبات الخالق للإنسان.
حرِص الكحّالون العرب على الأمانة في الاقتباس وإسناد الحقائق إلى أصحابها، كما طوروا علم آداب الطب إلى أعلى درجات الأخلاق؛ فحرصوا على احترام الأستاذ وعلى الاعتراف بفضله، وإذا تصادف ووقع الأستاذ في خطأ فتلامذته يلتمسون له عذراً؛ وأصروا على ضرورة اتباع الأصول الأخلاقية في التعامل بين الزملاء والعلاقات المهنية التي تربطهم، معتمدين في ذلك على الآداب العامّة المستقاة من تقاليد الديانتين المسيحية والإسلامية، ومن قسم أبقراط الطبي الشهير.
حرِص الكحالون العرب على التأكيد على ضرورة أن يتحلى جرّاح العين بالشجاعة فلا يتوانى عن الإقدام على الأعمال الجراحية الخطيرة؛ ذلك أن رسالته هي خدمة المريض والتخفيف من ألمه ومعاناته، وقد عرف الكحالون العرب أهمية أن يُمنِّي الطبيب المريض بالشفاء كما عرفوا تأثير ذلك في سرعة الشفاء.
عَدَّ الكحالون العرب أن جرّاح العين طبيب كرمه الله بأن اختاره ليقوم بهذه المهنة الشريفة خدمة للإنسانية، وأن الشافي هو الله فالطبيب إنما يقوم بعمله لمساعدة الطبيعة في القضاء على المرض، وأن الشفاء هو مِنة من الله تجري على يدي الطبيب.
وصل الكحالون العرب إلى أعلى المراتب في التعامل مع تاريخ الطب ومع فلسفة الطب، وكتبوا في هذين الحقلين كتابات تصل إلى أعلى مستويات الحكمة وتتصف بالقدرة على الخلود؛ كونها من روائع ما سطره الأطباء من عيون الفكر العالمي.
نشأت حمارنة
الكحالة في الحضارة العربية الإسلامية (علم-)
في مطلع القرن العشرين تبيّن لمؤرخي الطب وللمستشرقين المعنيين أن العرب أسهموا إسهاماً قيّماً في تطوّر طب العيون؛ ذلك أن الطب خاصة والعلوم عامة تراث للبشرية أسهمت كل الحضارات في تطوّره وارتقائه.
ويعود الفضل في ذلك إلى يوليوس هيرشبرغ J.Hirschberg الذي كتب تاريخ طب العين منذ فجر البدايات الأولى حتى العصر الحديث، وأفرد للعرب مجلداً خاصّاً في كتابه الذي يعد حقاً واحداً من أهم المؤلفات في تاريخ الطب. وقد بيّن هيرشبرغ أنّ العرب أخذوا الطب النظري عن الأمم السالفة وخاصة عن الإغريق، وأنهم استوعبوا هذا التراث حينما ترجموه، وأعادوا تصنيفه وصياغته، وألّفوا فيه الكتب المدرسية والمراجع الموسّعة، وأنهم أثْروا المعارف الطبية بمساهمات مبتكرة كثيرة؛ منها بعض الملاحظات السريرية الدقيقة ومنها بعض الأعمال الجراحية التي وصفوها لأول مرّة، وأنّهم سجلوا اكتشافات مهمة في حقل وظائف العين (الفيزيولوجيا)، وأنهم ابتكروا أدوات جراحية كثيرة وأضافوا أدوية مفردة عديدة وعدداً من الوصفات الطبّية المركبة، وأنهم أتاحوا لأوربا اللاتينية فرصة الاستفادة من التراث العربي المكتوب، وبذلك تمكنت أوربا في عصر نهضتها من أن تنهل من التراث الطبي الإنساني عن طريق المؤلفات العربية، كما أتاحت للعلماء الأوربيين الاطلاع على التراث الإغريقي في ترجماته العربية.
ويضاف إلى ما قاله هيرشبرغ أن العرب تعلموا الطب العملي من أبناء عمومتهم في مصر والشام والعراق، وأن هذا التعلم بدأ قبل الإسلام بفضل مدرسة الإسكندرية الطبية ومركز جنديسابور والمراكز العلمية السريانية في شِمال الشام وبلاد ما بين النهرين (أنطاكية - الرُها - نَصِيْبين على سبيل المثال)، وأن طب العين كان قد وصل إلى درجة عالية من التطوّر في الشرق العربي قبل الإسلام وفي العصر الأموي، وأن الفضل في ذلك يعود إلى مساهمة الأقباط والسريان في تاريخ العلم وبخاصة الطب.
وعلى ذلك فإن عصر الترجمة (الذي بدأ ببيت الحكمة في بغداد) جاء نتيجةً لارتقاء المعارف الطبية، وأن معرفة العرب للطب والكحالة خاصة لم تكن نتيجةً لعصر الترجمة، بل إن عصر الترجمة جاء تعبيراً عن رقيّ مستوى المعارف الطبية في العصر الأموي وبداية العصر العباسي، فبحث العرب عن المؤلفات الإغريقية وترجموها. وقد جاءت ترجمة التراث الإغريقي نتيجة لإدراك العلماء العرب أهمية هذا التراث النظري الذي وصل إلى الإسكندرية وجنديسابور مع الإسكندر المقدوني.
إن المساهمات العربية الأصلية في طب العين أغنى بكثير مما تصوره هيرشبرغ، ويعود الفضل في معرفتها إلى اكتشاف عددٍ من المخطوطات العربية في طب العين التي لم يتح لهيرشبرغ أن يراها، ولعل ماكس مايرهوف هو صاحب الفضل الأكبر في تعرف هذه المخطوطات، ولم تكن أوربا اللاتينية هي وحدها التي استفادت من التراث الطبي العربي المكتوب، بل إن هذا التراث أصبح أساساً لتطور طب العين في أرمينيا وأواسط آسيا والهند وإفريقيا، وقد أغنى العرب التراث الطبي العيني بعددٍ كبير من المصطلحات في حقل أعراض الأمراض وأسمائها.
ولتسهيل عملية الاطلاع على التراث الطبي في علم الكحِالة يمكن تقسيم عصور هذا التطور إلى المراحل الآتية:
1ـ عصر البداية
عَرف العرب فيه الطبَّ العمليَّ عن طريق الاتصال المباشر بالمعاهد العلمية وخاصة في الإسكندرية وجنديسابور ورأس العين، وقد ظهرت في هذا العصر مؤلفات عديدة في الكُحل (ماسرجويه البصري ـ وتياذُوق ـ وماسرجويه الجنديسـابوري على سبيل المثال).
2ـ عصر الترجمة
الذي وصل ذروته أيام حنين بن إسحاق[ر]، وكان يوحنا بن ماسويه[ر] وعلي بن ربن الطبري[ر] ويوحنا بن سرابيون، وسابور بن سهل[ر] والكِندي[ر] وابن عبدوس[ر] وحبيش الأعسم[ر] وعيسى بن يحيى بن إبراهيم وتادري أسقف الكرخ وقُسطا ابن لوقا وعيسى بن حكم الدمشقي من أبرز الذين أسهموا في كتابة تراث هذه المرحلة.
3 ـ عصر تأسيس طب العيون العربي
الذي يبدأ بمؤلفات حنين بن اسحاق (ت264هـ) وانتهى بعلي بن عيسى الكحال البغدادي (ت400هـ)[ر]. ومن أبرز المساهمين في مؤلفات هذا العصر محمد بن زكريا الرازي[ر] وعلي ابن العباس المجوسي[ر] وأبو الحسن أحمد بن محمد الطبري وإسحاق بن سليمان الإسرائيلي[ر] وابن الجزار وأبو منصور الحسن بن نوح القمري وعمار المُوصِلي[ر] وأبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي[ر].
4 ـ عصر ازدهار علم الكِحالة العربي
ومن أهم المؤلفين في هذا العصر: سهل بن هارون[ر] ودانيال بن شعيا[ر] وموسى بن هارون وابن سينا[ر] وأبو الرّيحان البيروني[ر] وابن بُطلان[ر] ويحيى بن جزلة[ر] وعلي بن إبراهيم ابن بختيشوع الكفرطابي وأبو مروان عبد الملك بن زهر[ر] وابن التلميذ[ر] وابن رشد[ر] وأبو نصر سعيد بن أبي الخير المسيحي[ر] والعين زربي[ر] ومُعمر بن عُمر بن الحجاج وفتح الدين ابن عثمان القيسي ونجيب الدين السمرقندي[ر].
وصل هذا العصر إلى ذروته مع بداية القرن الثالث عشر الميلادي/ السابع الهجري بظهور الكتب الموسعة ـ التي كانت بمنزلة موسوعات شاملة لعِلم الكِحالة- وأهم هذه الكتب:
1- «المُرشد في الكحل» لمحمد بن قسوم بن أسلم الغافقي.
2- «النهاية في علم العين» لعبد الله ابن القاسم الحريري الإشبيلي.
3- «الكَافي في الكُحل» لخليفة بن أبي المحاسن الحلبي.
4- «المهذب في الكحل» لابن النفيس.
5- «كشـف الرين في أحوال العين» لشـمس الديـن محمد بن إبراهيم بن سـاعد الأنصاري المعروف بابن الأكفاني.
6- «نور العيون وجامع الفنون» ليحيى بن الرجاء الحموي الذي يعرفه مؤرخو الطب الغربيون باسم صلاح الدين بن يوسف الحموي.
امتدت رقعة الدولة الإسلامية على مساحة شاسعة من المعمورة وسادها الهدوء والسلم فتوافر بذلك عناصر جديدة لتطور الطب، وأُتيح لمراكز العلم أن تتعارف وأن يقع بينها التفاعل الخلاق، وسَهُلَ انتقال الكتب بين الأقطار التابعة لدولة الخلافة، وانتشرت صناعة الورق فساعد ذلك على توافر عددٍ كبير من نسخ الكتاب الواحد فصارت تنتقل من حاضرة إسلامية إلى حاضرة أخرى، وبذلك أصبح العلم على مستوى عالٍ يتسمُ بالتجانس في جهات الدولة المختلفة. وأسهم في التأليف علماء من شتى الأجناس والأعراق والثقافات والمذاهب، وساعد على ذلك السماحة التي ضمنها الإسلام للجميع، فلا عجبَ إذن أن يتمكن العلماء من تحقيق عددٍ كبير من الإنجازات العلمية في حقل المؤسسات الصحية والتعليمية، كما تمكن العلماء المسلمون من المساهمة بإنجازات أصلية ومبتكرة.
وبسبب اشتراك شعوب عديدة في صنع الحضارة الإسلامية وفي التأليف بالعربية ظهرت مصطلحات طبية جديدة، وخاصة في اللغتين العربية والسُريانية، كما ظهرت معجمات عديدة اللغات فسّرت معاني المصطلحات أو شرحتها. ومن أهم مساهمات العرب في تاريخ طب العيون:
1- اكتشاف الرازي حركة الحدقة، تضيقها في النور واتساعها في الظلمة.
2 - اكتشاف الرازي أولاً والحسن بن الهيثم ثانياً حقيقة أن الإبصار لا يتم بشعاع يخرج من العين وإنما بورود خيال الأشياء المرئية من الخارج وانطباعه في داخل العين.
3 - اكتشاف الحسن بن الهيثم حقيقة الإبصار وآليته، ومعرفة أنه لا يقتصر على العملية الفيزيائية الفيزيولوجية وإنما يتم بعملية نفسية مركزها في الدماغ.
4- اكتشاف عمار بن علي الموصلي سبب الغطش وآلية حدوثه وطريقة معالجته.
5- تطوّر علم الإنذار (تقدمة المعرفة) على يد كثيرين، وخاصة عمار ابن علي الموصلي الذي عرف أنواع السَّاد القابلة للشفاء وأنواعه التي لا تشفى وذلك اعتماداً على مقدرة العين على رؤية النور.
6- وصف عددٍ من الأمراض لأول مرة في التاريخ، كالسبل القرني الذي وصفه يوحنا بن ماسويه أول مرة في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي.
7- وقد أسهم العرب في ظهور علم (طب العيون عند الأطفال) وذلك أنهم ميزوا تميزاً قاطعاً بين أعراض الحول الطفلي والحول الذي يصيب البالغين وعرفوا أسباب ذلك.
8- ابتكار عدد من الآلات الجراحية على يد عددٍ كبير من الكحالين العرب كالزهراوي وخليفة بن أبي المحاسن الحلبي وابن النفيس.
عدّ العرب علم الطب من أشرف العلوم وقالوا عن الكحالة إنها أشرف التخصصات الطبية؛ لأن العين أشرف أعضاء الجسم ولأن الإبصار أثمن هبات الخالق للإنسان.
حرِص الكحّالون العرب على الأمانة في الاقتباس وإسناد الحقائق إلى أصحابها، كما طوروا علم آداب الطب إلى أعلى درجات الأخلاق؛ فحرصوا على احترام الأستاذ وعلى الاعتراف بفضله، وإذا تصادف ووقع الأستاذ في خطأ فتلامذته يلتمسون له عذراً؛ وأصروا على ضرورة اتباع الأصول الأخلاقية في التعامل بين الزملاء والعلاقات المهنية التي تربطهم، معتمدين في ذلك على الآداب العامّة المستقاة من تقاليد الديانتين المسيحية والإسلامية، ومن قسم أبقراط الطبي الشهير.
حرِص الكحالون العرب على التأكيد على ضرورة أن يتحلى جرّاح العين بالشجاعة فلا يتوانى عن الإقدام على الأعمال الجراحية الخطيرة؛ ذلك أن رسالته هي خدمة المريض والتخفيف من ألمه ومعاناته، وقد عرف الكحالون العرب أهمية أن يُمنِّي الطبيب المريض بالشفاء كما عرفوا تأثير ذلك في سرعة الشفاء.
عَدَّ الكحالون العرب أن جرّاح العين طبيب كرمه الله بأن اختاره ليقوم بهذه المهنة الشريفة خدمة للإنسانية، وأن الشافي هو الله فالطبيب إنما يقوم بعمله لمساعدة الطبيعة في القضاء على المرض، وأن الشفاء هو مِنة من الله تجري على يدي الطبيب.
وصل الكحالون العرب إلى أعلى المراتب في التعامل مع تاريخ الطب ومع فلسفة الطب، وكتبوا في هذين الحقلين كتابات تصل إلى أعلى مستويات الحكمة وتتصف بالقدرة على الخلود؛ كونها من روائع ما سطره الأطباء من عيون الفكر العالمي.
نشأت حمارنة