مخلوف (سعيد)
Makhlouf (Said-) - Makhlouf (Said-)
مخلوف (سعيد ـ)
(1925ـ 2000)
سعيد مخلوف نحات سوري استطاع ابتكار مدرسة نحتيّة خاصة به، تميزت بالتلقائيّة والعفويّة والحضور الفاعل والمؤثر في التشكيل السوري الحديث. وكان أول من تعامل مع الخشب، وجذوع الشجر لتنفيذ أعماله النحتيّة بوساطتها، ولاسيما جذوع شجر الزيتون وجذورها المتوافرة في بلدته «بستان الباشا» التي رأى النور فيها والواقعة على الساحل السوري.
كانت البدايات الفنيّة الأولى لسعيد مخلوف في مسقط رأسه، إبان المرحلة الدراسيّة الأولى عام 1932، وقد توزعت رسوماً فوق هوامش دفاتر المدرسة. في العام 1946 خرج من هذه الهوامش إلى اللوحة كاملة المقومات والخصائص، ثم إلى النحت وملحقاته من الفنون التي يندرج بعضها تحت اصطلاح «الفنون التطبيقيّة» وبعضها الآخر أقرب إلى الحرف والصناعات اليدويّة. تدريجياً صار كل شيء حوله يُثيره ويُحرضه ويُغريه للمضي قدماً في الكشف والبحث والتجريب.
في البداية قام سعيد مخلوف بإنجاز مجموعة أعمال فنيّة بطريقة النحت النافر على الحجر، شارك فيها بمعرض جماعي، وحصل على الجائزة الأولى، ما دفعه إلى متابعة التعامل مع هذه الخامة. وفي الوقت نفسه، استهواه المسرح، فلعب بعض الأدوار الدرامية ثم انقطع عن ممارسة الفن مدة خمس سنوات.
أنجز في بداية عام 1962 أول منحوتة من الخشب. كانت هذه الفترة ضائعة في حياة سعيد مخلوف بين الرغبة في التسلية والرغبة في التعبير عن بعض هواجسه الخاصة. كان يشعر وهو ينحت أنه في معركة مع أقوياء، لا يملك فيها سوى هذه الوسيلة سلاحاً يحاربهم فيه.
في أثناء وجوده في بيروت عمل سعيد مخلوف في السينما أيضاً، فقام بالتمثيل، واشتغل «بالماكياج» والتصوير. وفي عام 1962 عاد من لبنان إلى بلدته حيث بدأت انطلاقته الكبرى مع فن النحت، بشروعه المجتهد والمتواصل، في تنفيذ كثير من الأعمال النحتيّة الحجريّة والرخاميّة والخشبية، وعقب إنجازها، حملها كلها إلى دمشق، وشارك فيها في معرض الدولة الرئيسي الذي كان يحمل آنذاك اسم «معرض الخريف».
كان سعيد مخلوف، قبل ذلك، يخشى العرض، على الرغم من تشجيع كثيرين له على تقديم أعماله للناس. وفي عام 1964 أقام أول معرض فردي له في بيت السيدة «مورلي» بدمشق. وفي العام نفسه، أقام معرضه الفردي الثاني في صالة المركز الثقافي العربي بدمشق. ومنذ عام 1966 انقطع عن العرض كلياً في المعارض الرسمية. أما انطلاقته الرئيسة فكانت من خلال معرضه بصالة «إسباس» بدمشق، حيث عرفه الناس وعرفوا أعماله من قرب.
والحقيقة أن تجربة سعيد مخلوف الأبرز كانت في المرحلة التي بدأ فيها يعالج جذوع الشجر - ولاسيما جذوع شجرة الزيتون المباركة - التي تحولت فيما بعد إلى مدرسة نحتيّة قائمة بذاتها في الحياة التشكيليّة السوريّة المعاصرة؛ مدرسة تربى فيها كثير من النحاتين السوريين الشباب.
أمضى سعيد مخلوف عمره وهو يعالج جذوع الشجر الصلبة، مستنهضاً منها تكوينات فراغية متماهية بين التجريد والتشخيص، بين ما أراده هو وما أرادته الطبيعة التي شكلت الجذع، يوجهه في ذلك خبرةٌ متراكمة بفعل الممارسة والإنتاج، وموهبة فطرية حقيقية سكنته منذ البداية، لذلك سرعان ما استكانت هذه الخامة إلى يديه، متلوية تحت ضربات مطرقته وإزميله، كما تتلوى الفرس الحرون أمام سائسها القوي الماهر المدرب المتمكن من أسرارها.
عبر جذوع شجر الزيتون المبارك، جاء صوت هذا النحات قوياً، واضحاً، فاعلاً، جميلاً، كاتباً السطور الأولى في سفر النحت السوري الحديث المنفذ من الخشب.
استل سعيد مخلوف من هذه الجذوع أشكالاً فراغيّة كثيفة العناصر والرموز، مليئة بالفراغات، زاخرة بالمعاني والدلالات الحكائية الأدبية المأخوذة مباشرة وبعفوية وصدق من الحياة الاجتماعية حوله، بدأ النحات مخلوف تدريجياً يُكثّف ويختزل وينوّع في أعماله الخشبيّة، مستنهضاً تكوينات جديدة، أكثر نضجاً فنياً وتقانياً من سابقاتها. وتبقى منحوتته الخشبية هي الأبرز والأهم والأنضج على الرغم من توزّع تجربته الفنيّة على خامات ومواد وصياغات مختلفة، وإنجازه لأعمال متميزة كثيرة، وقد شكلّت هذه المنحوتة انعطافة كبيرة في حركة النحت السوري الحديث. فهو أول من أدخل هذه الخامة إليه، وتدريجياً شدت إليها مجموعة من المواهب النحتيّة الشابة التي اشتغلت في محترفه ومحترفات كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق في آنٍ واحد.
سعيد مخلوف، نحات صنع نفسه بنفسه. بدأ عفوياً تلقائياً بسيطاً، ثم طوّر فنه تدريجياً شكلاً ومضموناً، عبر انكبابه المجتهد على الإنتاج والعرض والاطلاع والبحث والتجريب، حتى تمكّن من خلق شخصية نحتيّة فنية، شخصية جمعها بالاطلاع والممارسة، جمعت ببراعة بين الموهبة الفطرية التي انطلقت منها، وتكوّنت فيها، وبين ثقافة نحتيّة متفردة، اختزلتها بوضوح، منحوتاته الأخيرة التي سبقت حادثة سقوطه من سطح بيته في بلدته «بستان الباشا»، والتي أقعدته عن متابعة رحلة الإبداع وهو في قمة قوته ونضجه وتفتح موهبته، التي قدّرها الوطن حق قدرها، عندما منحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى مطلع العام 2000، وهو عام رحيله.
محمود شاهين
Makhlouf (Said-) - Makhlouf (Said-)
مخلوف (سعيد ـ)
(1925ـ 2000)
من أعمال سعيد مخلوف: خشب |
كانت البدايات الفنيّة الأولى لسعيد مخلوف في مسقط رأسه، إبان المرحلة الدراسيّة الأولى عام 1932، وقد توزعت رسوماً فوق هوامش دفاتر المدرسة. في العام 1946 خرج من هذه الهوامش إلى اللوحة كاملة المقومات والخصائص، ثم إلى النحت وملحقاته من الفنون التي يندرج بعضها تحت اصطلاح «الفنون التطبيقيّة» وبعضها الآخر أقرب إلى الحرف والصناعات اليدويّة. تدريجياً صار كل شيء حوله يُثيره ويُحرضه ويُغريه للمضي قدماً في الكشف والبحث والتجريب.
في البداية قام سعيد مخلوف بإنجاز مجموعة أعمال فنيّة بطريقة النحت النافر على الحجر، شارك فيها بمعرض جماعي، وحصل على الجائزة الأولى، ما دفعه إلى متابعة التعامل مع هذه الخامة. وفي الوقت نفسه، استهواه المسرح، فلعب بعض الأدوار الدرامية ثم انقطع عن ممارسة الفن مدة خمس سنوات.
أنجز في بداية عام 1962 أول منحوتة من الخشب. كانت هذه الفترة ضائعة في حياة سعيد مخلوف بين الرغبة في التسلية والرغبة في التعبير عن بعض هواجسه الخاصة. كان يشعر وهو ينحت أنه في معركة مع أقوياء، لا يملك فيها سوى هذه الوسيلة سلاحاً يحاربهم فيه.
في أثناء وجوده في بيروت عمل سعيد مخلوف في السينما أيضاً، فقام بالتمثيل، واشتغل «بالماكياج» والتصوير. وفي عام 1962 عاد من لبنان إلى بلدته حيث بدأت انطلاقته الكبرى مع فن النحت، بشروعه المجتهد والمتواصل، في تنفيذ كثير من الأعمال النحتيّة الحجريّة والرخاميّة والخشبية، وعقب إنجازها، حملها كلها إلى دمشق، وشارك فيها في معرض الدولة الرئيسي الذي كان يحمل آنذاك اسم «معرض الخريف».
من أعمال سعيد مخلوف: خشب |
والحقيقة أن تجربة سعيد مخلوف الأبرز كانت في المرحلة التي بدأ فيها يعالج جذوع الشجر - ولاسيما جذوع شجرة الزيتون المباركة - التي تحولت فيما بعد إلى مدرسة نحتيّة قائمة بذاتها في الحياة التشكيليّة السوريّة المعاصرة؛ مدرسة تربى فيها كثير من النحاتين السوريين الشباب.
أمضى سعيد مخلوف عمره وهو يعالج جذوع الشجر الصلبة، مستنهضاً منها تكوينات فراغية متماهية بين التجريد والتشخيص، بين ما أراده هو وما أرادته الطبيعة التي شكلت الجذع، يوجهه في ذلك خبرةٌ متراكمة بفعل الممارسة والإنتاج، وموهبة فطرية حقيقية سكنته منذ البداية، لذلك سرعان ما استكانت هذه الخامة إلى يديه، متلوية تحت ضربات مطرقته وإزميله، كما تتلوى الفرس الحرون أمام سائسها القوي الماهر المدرب المتمكن من أسرارها.
من أعمال سعيد مخلوف: خزف |
استل سعيد مخلوف من هذه الجذوع أشكالاً فراغيّة كثيفة العناصر والرموز، مليئة بالفراغات، زاخرة بالمعاني والدلالات الحكائية الأدبية المأخوذة مباشرة وبعفوية وصدق من الحياة الاجتماعية حوله، بدأ النحات مخلوف تدريجياً يُكثّف ويختزل وينوّع في أعماله الخشبيّة، مستنهضاً تكوينات جديدة، أكثر نضجاً فنياً وتقانياً من سابقاتها. وتبقى منحوتته الخشبية هي الأبرز والأهم والأنضج على الرغم من توزّع تجربته الفنيّة على خامات ومواد وصياغات مختلفة، وإنجازه لأعمال متميزة كثيرة، وقد شكلّت هذه المنحوتة انعطافة كبيرة في حركة النحت السوري الحديث. فهو أول من أدخل هذه الخامة إليه، وتدريجياً شدت إليها مجموعة من المواهب النحتيّة الشابة التي اشتغلت في محترفه ومحترفات كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق في آنٍ واحد.
سعيد مخلوف، نحات صنع نفسه بنفسه. بدأ عفوياً تلقائياً بسيطاً، ثم طوّر فنه تدريجياً شكلاً ومضموناً، عبر انكبابه المجتهد على الإنتاج والعرض والاطلاع والبحث والتجريب، حتى تمكّن من خلق شخصية نحتيّة فنية، شخصية جمعها بالاطلاع والممارسة، جمعت ببراعة بين الموهبة الفطرية التي انطلقت منها، وتكوّنت فيها، وبين ثقافة نحتيّة متفردة، اختزلتها بوضوح، منحوتاته الأخيرة التي سبقت حادثة سقوطه من سطح بيته في بلدته «بستان الباشا»، والتي أقعدته عن متابعة رحلة الإبداع وهو في قمة قوته ونضجه وتفتح موهبته، التي قدّرها الوطن حق قدرها، عندما منحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى مطلع العام 2000، وهو عام رحيله.
محمود شاهين