مصورون عالميون عانوا الامرين لنقل العالم في صورهم
مجموعة من المصورين العالميين الكبار استطاعوا تحقيق صور عديدة لبلدان بعيدة يصعب الوصول إليها ، هذه الصور تستمد أهميتها من المشاق التي تحملها هؤلاء المصورون ممن كان عليهم أن يحملوا أثقالا ضخمة على ظهورهم أو على ظهور حيواناتهم للحصول على صور عادية .
جولة على هؤلاء المصورين مع نظرة إلى الحاضر للمقارنة بين ظروفنا وظروفهم .
معظم الناس في هذه الأيـام معتـادون على مناظر ماخوذة من بلدان بعيدة . ذلك ان التلفزيون والمجلات لا يكفـان عن تـزويدهم بصور من انحاء العالم ، بحيث أصبح كل شخص الآن معتاداً على مشاهدة أدغال استوائية وصحاري جرداء ومياه متجمدة .
مع ذلك كانت المشاهد من هذا القبيل مجهولة للغالبية العظمى من الناس خلال القرن التاسع عشر ، ولإشباع شغف الجمهور بمعرفة أحوال العالم الحقيقية .
ظهر صنف جديد من المصورين الفـوتـوغـرافـيـن ـ المـصـور الفوتوغرافي الذي يتقلب مسافراً في ارجاء العالم .
هذا ، وقبل إختراع الداغيريوتايب ( dag erreotype ) عام ١٨٣٩ ، كانت هناك تجـارة مزدهرة للرسوم الطوبوغرافية .
على أن هذه الطبعات الشائعة كثيراً ما كانت معـدومـة الدقة للغاية ، كونها معتمدة على القليل وتكاد تكـون أقـل إيضـاحـاً من روايـات مسـافـرين ، ومخيلة الفنان .
امـا التصوير الفوتوغرافي بالمقارنة ، فقد جـاء بما يشبـه العجـائب لمـا يحققـه من شبه بالواقع الحقيقي . كـان جمهور العصر الفيكتـوري - اواسط وأواخر القرن التاسع عشر - قادراً في نهاية المطاف على بلوغ لمحـات واقعية مقنعـة لاماكن
بعيدة مترامية ، وشعوب غريبة مع عادات هذه الشعوب .
ذلك أن مشاهدة صورة لمكان ما كانت الشيء ذاته كالتواجد في ذلك المكان قال أحد المعلقين عن داغيروتايبات روبرت هـ . فانس :
عند النظر الى هذه الصور باستطاعة واحدنا أن يتخيل نفسه متربعـا بـيـن تـلال ومـنـاجـم كاليفورنيا ، مندهشا بالذهب المتلأليء أمامه .
ولكن ، على الرغـم مـن أن مصوري الداغيروتايب تجولوا مسافرين في جميع انحاء العالم لم تكن أعمالهم بحد ذاتهـا ممكنة التوزيع على نطاق واسع ، ذلك أن عملية الداغيـرونـايب انتجت صورة إيجابية واحدة فقط ، ولم تستطع الوصـول بنفسها إلى إنتـاج كثيف امـا النـسـخ المرسومة باليد ، مع اشخاص وتفاصيل اضافية في كثير من الأحيان فكانت تنتج بعمليـة الحفر المائي ( aquatint ) والنقش الخشبي ، مقدمة واقعاً يزيد كثيراً عن واقع انطبـاعـات الفنانين السابقين .
مالت الجهود المبكرة نحـو التركيز أكثر على المنشآت المبنية والمناظر الطبيعية طالما أن هذه كانت افضل ما يلائم التعريضات الضوئية الطويلة اللازمة . فبينما أوائل المصورين الفوتوغرافيين الرحـالـة يـنـؤون تحـت ثـقـل المعـدات ، سجلوا الاهـرامـات المصـريـة والـغـرب الأميركي البـدائي ـ بمـا فيـه من مناظر مثيرة - وقصر الحمراء في أسبانيا وما إلى ذلك .
شعر الأوروبيون بسحر خاص يشـدهم الى افريقيا الشرق ، خصـوصـاً إلى تلك البلدان التي تربطهم بها علاقات إستعمارية أو إنجيلية . فإذ باهتمامات ومواقف المصورين الفـوتـوغـرافيين ومشـاهـدي اعمـالـهـم تنعكس بوضوح في كثير من الأحيان من خلال ما ينتجـونه من صور جاعلين منها وثائق فريدة من نوعها .
من أوائل الكتب ذات الشواهد الفوتوغرافية التي اعتمدت على عمليات ( calotype ) كان كتاب مصـر والنـوبـة وفلسطين وسورية ، الذي نشر عام ١٨٥٢ ، محتـوياً على صور لمكسيم دي كامب ذلك أن دي كامب هذا ومعه غوستاف فلوبيرت أرسلا بمهمـة لتسجيل وثائق الشرق الأدنى - كان السفر حينذاك محفوفاً بالمخاطر يشهد على ذلك انه قبل الانطلاق في الرحلة مبـاشرة ، فوجيء دي كامب بفلوبيرت يبكي مردداً .. لن أشاهـد وطني مرة أخرى » . مع ذلك عـاد الاثنان سالمين ، وحقق الكتاب نجـاحـاً منقطع النظير .
هذا ، ومـع إزدياد النـاس اعتياداً على هذه الأمور وبالتالي مـع التـحـسـن الذي طرأ على المعدات الفوتوغرافيـة وازدياد سهولة استخدام هذه المعدات ، راح المصور الفوتوغرافي الرحالة يلقي نظرة اقرب على الناس وعاداتهم ، فكان ان تقليم أظافـر القدمين في الصين ، والنساء في هـراكش ، والهنود في أمريكا الجنوبية وتفـاصيـل الحيـاة القـرويـة اليـوميـة في روسيا تحولت جميعها إلى مواضيع وجـدت طريقها الى الأروقة الفيكتورية .
وحدث ان معظم المصورين الفوتوغرافيين صنعوا صور ستيريو كما صنعوا صوراً أكبر ، وحمل بعضهم عدداً من الكاميرات لانتاج المنـظر ذاتـه ببنيـات مختلفة كذلك اصبحت سلايدات الصندوقة الضوئية ( Lantern Slides ) شائعة للغاية فيما بعد ، وللمحاضرات العامة على وجه الخصوص .
كان فرانسيس فريث احد أوائل النـاجـحـيـن مـن المـصـوريـن الفوتوغرافيين الرحالة الانكليز .
وصفت صحيفة التايمز ، صوره الفوتوغرافية للأرض المقدسة بالقول انهـا . اهم مـانـشـر على الاطلاق ، . مناظره هـذه كـانت صور تظهر في انجيـل مـدعم الأولى للمنطقة المعنية تشاهد في انكلترا على نطاق واسع ، وأول بالصور . فقد قام فريث بثلاث رحـلات الى مصر وفلسـطيـن وسوريا ، وخلال رحلته الأخيرة عام ١٨٦٩ ، توغل الى اعالي النيل أكـثـر مـا فـعـل أي مـصـور فوتوغرافي سابق - ١٥٠٠ ميل على ظهر حصان و جمل .
عمـد فـريث الى اسـتـعـمـال الصفيـحـة المبللة او عمليـة الكولوديون ( Collodion pracess ) التي كانت أنسب بكثير لأعمال المناظر الطبيعية والطوبوغرافية من الداغيرونايب أو الكالوتايب .
فالتعريضات الضوئية كانت أقصر بكثير ، كما أن السلبية الزجاجية انتجت صورة دقيقة التفاصيل .
والأهم من هذا كله أنـه كـانت للعملية طاقات اقتصادية استغلها فريث بتحوله فيما بعد إلى أكبر نـاشـر أوروبي للمـنـاظر الفوتوغرافية , كما انشا مؤسسة ناجحة جداً لإنتاج البـطـاقـات البريدية .
على أن عمليـة الصفيحـة المبللة ، كـانت لهـا سينـاتـهـا بالنسبة للمصور الفوتوغرافي الرحالة ، وقد وصفت بعض هذه السيئات بشكل محزن من قبل ف س دیلینبوغ ، الذي رافق الميجر جون ويزلي بـويـل في استكشافه للغراند كانيون عـام ۱۸۷۱ ، حيث قال : « كـانـت الكاميرا في صندوقتها القوية حملا ثقيلا ننتقـل بـه صـاعـدين الصخور ، الا أن هذه المشقة لم تكن لتذكر بالمقارنة مع صندوقة المركبات الكيميائية وعلبة الصفائح ، وهذه بدورها كانت أشبه بثقل ريشة لو هي قورنت بـالأورغن اليدوي المقلد الذي خدم كغرفة مظلمة . كانت هذه طالما أن الضرورة دعت لجره الى الصندوقة السوداء مصدراً مميزاً للأسى الذي خيم على البعثـة ارتفاعات من ٥٠٠ الى ٣٠٠٠ قدم .
مع ذلك ، لم تـنـجـح هـذه المصاعب في إثباط عزائم عدد مثير للدهشة من المـصـورين
الفوتوغرافيين فانتجوا صوراً رائعـة تحت أسـوا الظروف في زوايا نائية من العالم ففي الـعـام ١٨٦١ ، كان الفرنسي اوغست بيسون أول من يلتقط صوراً فوتوغرافية من قمة . مونت بلانك . أعلى جبل في أوروبا . احتاجت البعثة الى ٢٥ حمالا .
كما كان على الصفائح أن تشطف بثلج مذوب .
اما بعثة صاموئيل بورن التي استغرقت تسعة شهور إلى جبال هملايا فقد استدعت الاستعانة بستين حمـالا لنقـل المـعـدات والمؤن ، ففي العام ١٨٦٦ صور ممر المائيرائغ ، أعلى ارتفاع - ١٨٦٤٥ قـدم ـ تبلغه صور الصفائح المبللة على الاطلاق .
اما ويليام هنري جاكسون فكان أوائل المـصـوريـن الفوتوغرافيين للغرب الأمريكي المجهول في زمنه . فقد حدث من ثماني بعثات حكومية للمسح الجيولوجي رافقها بين العامين ۱۸۷۰ و ۱۸۷۷ ، أن أعطته فرصاً احـد وافرة لصنـع سـجـلات فريدة لمنطقة عذراء وقد تطرقت كتـابـاتـه إلى تفصيـل بـعض المعضلات التي تواجه المصور الفـوتـوغـرافي الذي يعـمـل بالصفيحة المبللة ، من أمثال ذلك إضطراره لتسلق أحد الجبال ثلاث مرات قبلما يحقق صورة ناجحة . فقد كانت الرياح عاصفة جدا في اليـوم الأول ، وحدث في اليـوم الثاني أن مواد حمام الفضة أخذت تتسرب ، وفي المحاولة الثالثة فقط ، سار كل شيء على ما يرام . وفي مناسبة أخرى ، وقع بغله والمعدات على ظهره ، فتحطمت معظم صفائحه .
يبدو أن حيوانات نقل المعدات كانت تشكل معضلة خاصة . فقد تعرض صاموئيل بورن لتجربة مماثلة ، كما حدث لبـاويـل في رحلته على ، الغراند كانيون » تحدث عن ذلك فقال : « سقط الحصان الذي يحمل الكاميرا عن صخرة وهبط فوق الكاميرا ولا حاجة لوصف النتيجـة . كذلك كانت هناك مصاعب أخرى منها درجات حرارة جعلت المركبات الكـيـمـيـائـيـة اسـخـن مـن ان تستخدم ، أضف إلى ذلك مصاعب البعوض ، و ، البرد الجبلي .
وكان من سوء حظ أحد أوائل مصوري الصفيحة المبللة ـ وهو ريدجواي غلافار - ان عثر عليه بعدما شلخت جلدة رأسه وقتل وقـطـعـت أطرافـه عـلـى أيـدي الهنود .
على الرغـم مـن أن بعض المصورين الفـوتـوغـرافيـيـن الأوروبيين استعملوا صفيحة كبيرة المقاييس - صنع فريث مناظر ١٦ × ۲۰ بوصة للصحـراء ـ كان الأمريكيون هم رواد استـعـمـال صفـائـح ذات مقاييس هائلة .
كـان البريطاني إيـدويـرد مـويـريـدج أحـد المصورين الفوتوغرافيين الآخرين الذين برزوا في ذلك العصر ، ومثله الأمريكي كارلتون ووتكينز ، حيث بدا الاثنان يعملان معاً كشركاء ثم كخصوم .
ويشتهر مويبريدج باعماله التي اعتمدت على تنقل الحيوانات والبـشـر ، الا ان التـصـويـر الفوتوغرافي الطوبوغرافي كان جـزءاً صغيراً ولكن لا ينسى في مهنته . فقد نشـر ما يزيد على ١٥٠٠ منـظراً ، بمـا في ذلك ٥٠ نسخة هائلة المقاييس والجدير بالذكر ان مناظر مويبريدج الأولى تضمنت غيوماً ، مطبوعـة ، من سلبية منفصلة لحل مشكلة مشهد السمـاء ناصعة البياض التي سببتها حساسية الصفائح الأولى الشديدة للنور الأزرق بعد ذلك نجح هو وجاكسون في تمثيل كل من السماء والأرض بشكل مرضي على ذات السلبية .
أمـا ووتكينـز فقـد ذهب الى كاليفورنيا في فترة الهجمة على الذهب .. وبـالتـالي حصل على تقدير كبير في - معارض باريس العالمية ، عامي ١٨٦٧ و ١٨٦٨ لمناظرة قياس ۲۱ × ١٦ بوصة التي حققها لوادي يـوسيمايث حديث الاكتشاف .
كذلك كـان جـون تـومـسـون وفيليس ا . بيتو بين العديد من المصورين الفوتوغرافيين الذين سجلوا حياة وعادات الناس كما المناظر الطبيعية في البلدان التي قاموا بزيارتها ، عمل بيتو أول ما عـمـل شـراكـة مـع جـيـمس روبرتسون ، النقاش الرئيسي للمؤسسة الملكية لصك العملة في القسطنطينية ، فصورا مالطا ومصر واثينا .
ثم تابع بيثو طريقه الى اليابان مارا بالهند والصين ، حيث انتج بعض أهم أعماله . اما تومسون فقد بالغ بأعمال التصوير في العديد من البلدان ، منهـا قبرص وكامبوديا والصين . فانتج العديد من كتب النصـوص والصور الفوتوغرافية الناتجة عن أسفاره ، أكثر ما هو معروف منها مجلداتـه الأربـعـة المسـمـاة ، الصين وشعبها .
واما تيموثي اوسوليفان ، فهو مصور فوتوغرافي شهد الحرب الأهلية الأميركية ، وكان أحد أكثر مصوري التحقيقات الفوتوغرافية خبرة . شارك في العديد من البعثـات بما في ذلك ، بعثـة كلارين كنـكـز الجيولوجية الاستكشافية ، عام ١٨٦٧ . ومن الأعمـال القيمة التي انجـزهـا تسجيله نمط الحياة الزائل للهنود الحمر في مواطنهم التقليدية فقد حدث لهؤلاء الهنود في تسعينيات القرن الماضي ان أخـذوا الى محميات حصروا فيها وكان على المصورين الفوتوغرافيين فيما بعد ان يعيدوا تصوير مـا يشبه مواطنهم الأصلية اصطناعياً .
لم يدم العصر الزاهر للتصوير الفوتوغرافي للمناظر الطبيعية والطوبوغراف الا عشرين سنة تلك الفترة الممتدة من ستينيات إلى ثمانيات القرن التاسع عشر . في كل من أوروبا أو أمريكا . وبعد هذه الفترة ، حدث ان ظهور عملية الصفيحة الناشفة جعل الصفيحة هائلة المقاييس مكلفة للغاية .
ولكنه جعل التصوير الفوتوغرافي اسهل بكثير أيضاً ؛ ومع ازدياد سهولة الوصول الى مناطق نائية ، ظهرت اعداد سرة من المصورين الفوتوغرافيين انتجوا صورا معيارية للسواح .
على أن ظهـور الصفـيـحـة الناشفة بعث بنهضـة أخـرى - بدايات تصوير فوتوغرافي فعلي على ايدي هواة ـ وقد تلازم هـذا مع تطور وسائل انتقال افضل على شكل سكك حديدية وسفن بخارية . في ذات الوقت بينمـا تـوفـرت الإمكـانـات بين ابـدي الطبقات الوسطى فسمحت لهم أن يسافروا ويشاهدوا العالم بانفسهم . مـال هؤلاء المصورين الفوتوغرافيين الرحـالة الى تسجيـل وجـودهم الذاتي في منطقة معينة عوضاً عن المنطقة بحد ذاتها .
ثم كان اختراع جورج ایستمان لعلبة كوداك عام ١٨٨٠ ، فاصبح التصوير الفوتوغرافي اثناء السفر ممكناً لأي كان . وقد علق ايستمان نفسه على نجاح انتـاجـه هـذا قائلا :
« باستطاعة أي كان الآن ان يصنع صورة ، لا يلزمه لذلك الا ما يكفي من الذكاء لتسـديـد علبـة بشكل صحيح والكبس على زر »⏹
مجموعة من المصورين العالميين الكبار استطاعوا تحقيق صور عديدة لبلدان بعيدة يصعب الوصول إليها ، هذه الصور تستمد أهميتها من المشاق التي تحملها هؤلاء المصورون ممن كان عليهم أن يحملوا أثقالا ضخمة على ظهورهم أو على ظهور حيواناتهم للحصول على صور عادية .
جولة على هؤلاء المصورين مع نظرة إلى الحاضر للمقارنة بين ظروفنا وظروفهم .
معظم الناس في هذه الأيـام معتـادون على مناظر ماخوذة من بلدان بعيدة . ذلك ان التلفزيون والمجلات لا يكفـان عن تـزويدهم بصور من انحاء العالم ، بحيث أصبح كل شخص الآن معتاداً على مشاهدة أدغال استوائية وصحاري جرداء ومياه متجمدة .
مع ذلك كانت المشاهد من هذا القبيل مجهولة للغالبية العظمى من الناس خلال القرن التاسع عشر ، ولإشباع شغف الجمهور بمعرفة أحوال العالم الحقيقية .
ظهر صنف جديد من المصورين الفـوتـوغـرافـيـن ـ المـصـور الفوتوغرافي الذي يتقلب مسافراً في ارجاء العالم .
هذا ، وقبل إختراع الداغيريوتايب ( dag erreotype ) عام ١٨٣٩ ، كانت هناك تجـارة مزدهرة للرسوم الطوبوغرافية .
على أن هذه الطبعات الشائعة كثيراً ما كانت معـدومـة الدقة للغاية ، كونها معتمدة على القليل وتكاد تكـون أقـل إيضـاحـاً من روايـات مسـافـرين ، ومخيلة الفنان .
امـا التصوير الفوتوغرافي بالمقارنة ، فقد جـاء بما يشبـه العجـائب لمـا يحققـه من شبه بالواقع الحقيقي . كـان جمهور العصر الفيكتـوري - اواسط وأواخر القرن التاسع عشر - قادراً في نهاية المطاف على بلوغ لمحـات واقعية مقنعـة لاماكن
بعيدة مترامية ، وشعوب غريبة مع عادات هذه الشعوب .
ذلك أن مشاهدة صورة لمكان ما كانت الشيء ذاته كالتواجد في ذلك المكان قال أحد المعلقين عن داغيروتايبات روبرت هـ . فانس :
عند النظر الى هذه الصور باستطاعة واحدنا أن يتخيل نفسه متربعـا بـيـن تـلال ومـنـاجـم كاليفورنيا ، مندهشا بالذهب المتلأليء أمامه .
ولكن ، على الرغـم مـن أن مصوري الداغيروتايب تجولوا مسافرين في جميع انحاء العالم لم تكن أعمالهم بحد ذاتهـا ممكنة التوزيع على نطاق واسع ، ذلك أن عملية الداغيـرونـايب انتجت صورة إيجابية واحدة فقط ، ولم تستطع الوصـول بنفسها إلى إنتـاج كثيف امـا النـسـخ المرسومة باليد ، مع اشخاص وتفاصيل اضافية في كثير من الأحيان فكانت تنتج بعمليـة الحفر المائي ( aquatint ) والنقش الخشبي ، مقدمة واقعاً يزيد كثيراً عن واقع انطبـاعـات الفنانين السابقين .
مالت الجهود المبكرة نحـو التركيز أكثر على المنشآت المبنية والمناظر الطبيعية طالما أن هذه كانت افضل ما يلائم التعريضات الضوئية الطويلة اللازمة . فبينما أوائل المصورين الفوتوغرافيين الرحـالـة يـنـؤون تحـت ثـقـل المعـدات ، سجلوا الاهـرامـات المصـريـة والـغـرب الأميركي البـدائي ـ بمـا فيـه من مناظر مثيرة - وقصر الحمراء في أسبانيا وما إلى ذلك .
شعر الأوروبيون بسحر خاص يشـدهم الى افريقيا الشرق ، خصـوصـاً إلى تلك البلدان التي تربطهم بها علاقات إستعمارية أو إنجيلية . فإذ باهتمامات ومواقف المصورين الفـوتـوغـرافيين ومشـاهـدي اعمـالـهـم تنعكس بوضوح في كثير من الأحيان من خلال ما ينتجـونه من صور جاعلين منها وثائق فريدة من نوعها .
من أوائل الكتب ذات الشواهد الفوتوغرافية التي اعتمدت على عمليات ( calotype ) كان كتاب مصـر والنـوبـة وفلسطين وسورية ، الذي نشر عام ١٨٥٢ ، محتـوياً على صور لمكسيم دي كامب ذلك أن دي كامب هذا ومعه غوستاف فلوبيرت أرسلا بمهمـة لتسجيل وثائق الشرق الأدنى - كان السفر حينذاك محفوفاً بالمخاطر يشهد على ذلك انه قبل الانطلاق في الرحلة مبـاشرة ، فوجيء دي كامب بفلوبيرت يبكي مردداً .. لن أشاهـد وطني مرة أخرى » . مع ذلك عـاد الاثنان سالمين ، وحقق الكتاب نجـاحـاً منقطع النظير .
هذا ، ومـع إزدياد النـاس اعتياداً على هذه الأمور وبالتالي مـع التـحـسـن الذي طرأ على المعدات الفوتوغرافيـة وازدياد سهولة استخدام هذه المعدات ، راح المصور الفوتوغرافي الرحالة يلقي نظرة اقرب على الناس وعاداتهم ، فكان ان تقليم أظافـر القدمين في الصين ، والنساء في هـراكش ، والهنود في أمريكا الجنوبية وتفـاصيـل الحيـاة القـرويـة اليـوميـة في روسيا تحولت جميعها إلى مواضيع وجـدت طريقها الى الأروقة الفيكتورية .
وحدث ان معظم المصورين الفوتوغرافيين صنعوا صور ستيريو كما صنعوا صوراً أكبر ، وحمل بعضهم عدداً من الكاميرات لانتاج المنـظر ذاتـه ببنيـات مختلفة كذلك اصبحت سلايدات الصندوقة الضوئية ( Lantern Slides ) شائعة للغاية فيما بعد ، وللمحاضرات العامة على وجه الخصوص .
كان فرانسيس فريث احد أوائل النـاجـحـيـن مـن المـصـوريـن الفوتوغرافيين الرحالة الانكليز .
وصفت صحيفة التايمز ، صوره الفوتوغرافية للأرض المقدسة بالقول انهـا . اهم مـانـشـر على الاطلاق ، . مناظره هـذه كـانت صور تظهر في انجيـل مـدعم الأولى للمنطقة المعنية تشاهد في انكلترا على نطاق واسع ، وأول بالصور . فقد قام فريث بثلاث رحـلات الى مصر وفلسـطيـن وسوريا ، وخلال رحلته الأخيرة عام ١٨٦٩ ، توغل الى اعالي النيل أكـثـر مـا فـعـل أي مـصـور فوتوغرافي سابق - ١٥٠٠ ميل على ظهر حصان و جمل .
عمـد فـريث الى اسـتـعـمـال الصفيـحـة المبللة او عمليـة الكولوديون ( Collodion pracess ) التي كانت أنسب بكثير لأعمال المناظر الطبيعية والطوبوغرافية من الداغيرونايب أو الكالوتايب .
فالتعريضات الضوئية كانت أقصر بكثير ، كما أن السلبية الزجاجية انتجت صورة دقيقة التفاصيل .
والأهم من هذا كله أنـه كـانت للعملية طاقات اقتصادية استغلها فريث بتحوله فيما بعد إلى أكبر نـاشـر أوروبي للمـنـاظر الفوتوغرافية , كما انشا مؤسسة ناجحة جداً لإنتاج البـطـاقـات البريدية .
على أن عمليـة الصفيحـة المبللة ، كـانت لهـا سينـاتـهـا بالنسبة للمصور الفوتوغرافي الرحالة ، وقد وصفت بعض هذه السيئات بشكل محزن من قبل ف س دیلینبوغ ، الذي رافق الميجر جون ويزلي بـويـل في استكشافه للغراند كانيون عـام ۱۸۷۱ ، حيث قال : « كـانـت الكاميرا في صندوقتها القوية حملا ثقيلا ننتقـل بـه صـاعـدين الصخور ، الا أن هذه المشقة لم تكن لتذكر بالمقارنة مع صندوقة المركبات الكيميائية وعلبة الصفائح ، وهذه بدورها كانت أشبه بثقل ريشة لو هي قورنت بـالأورغن اليدوي المقلد الذي خدم كغرفة مظلمة . كانت هذه طالما أن الضرورة دعت لجره الى الصندوقة السوداء مصدراً مميزاً للأسى الذي خيم على البعثـة ارتفاعات من ٥٠٠ الى ٣٠٠٠ قدم .
مع ذلك ، لم تـنـجـح هـذه المصاعب في إثباط عزائم عدد مثير للدهشة من المـصـورين
الفوتوغرافيين فانتجوا صوراً رائعـة تحت أسـوا الظروف في زوايا نائية من العالم ففي الـعـام ١٨٦١ ، كان الفرنسي اوغست بيسون أول من يلتقط صوراً فوتوغرافية من قمة . مونت بلانك . أعلى جبل في أوروبا . احتاجت البعثة الى ٢٥ حمالا .
كما كان على الصفائح أن تشطف بثلج مذوب .
اما بعثة صاموئيل بورن التي استغرقت تسعة شهور إلى جبال هملايا فقد استدعت الاستعانة بستين حمـالا لنقـل المـعـدات والمؤن ، ففي العام ١٨٦٦ صور ممر المائيرائغ ، أعلى ارتفاع - ١٨٦٤٥ قـدم ـ تبلغه صور الصفائح المبللة على الاطلاق .
اما ويليام هنري جاكسون فكان أوائل المـصـوريـن الفوتوغرافيين للغرب الأمريكي المجهول في زمنه . فقد حدث من ثماني بعثات حكومية للمسح الجيولوجي رافقها بين العامين ۱۸۷۰ و ۱۸۷۷ ، أن أعطته فرصاً احـد وافرة لصنـع سـجـلات فريدة لمنطقة عذراء وقد تطرقت كتـابـاتـه إلى تفصيـل بـعض المعضلات التي تواجه المصور الفـوتـوغـرافي الذي يعـمـل بالصفيحة المبللة ، من أمثال ذلك إضطراره لتسلق أحد الجبال ثلاث مرات قبلما يحقق صورة ناجحة . فقد كانت الرياح عاصفة جدا في اليـوم الأول ، وحدث في اليـوم الثاني أن مواد حمام الفضة أخذت تتسرب ، وفي المحاولة الثالثة فقط ، سار كل شيء على ما يرام . وفي مناسبة أخرى ، وقع بغله والمعدات على ظهره ، فتحطمت معظم صفائحه .
يبدو أن حيوانات نقل المعدات كانت تشكل معضلة خاصة . فقد تعرض صاموئيل بورن لتجربة مماثلة ، كما حدث لبـاويـل في رحلته على ، الغراند كانيون » تحدث عن ذلك فقال : « سقط الحصان الذي يحمل الكاميرا عن صخرة وهبط فوق الكاميرا ولا حاجة لوصف النتيجـة . كذلك كانت هناك مصاعب أخرى منها درجات حرارة جعلت المركبات الكـيـمـيـائـيـة اسـخـن مـن ان تستخدم ، أضف إلى ذلك مصاعب البعوض ، و ، البرد الجبلي .
وكان من سوء حظ أحد أوائل مصوري الصفيحة المبللة ـ وهو ريدجواي غلافار - ان عثر عليه بعدما شلخت جلدة رأسه وقتل وقـطـعـت أطرافـه عـلـى أيـدي الهنود .
على الرغـم مـن أن بعض المصورين الفـوتـوغـرافيـيـن الأوروبيين استعملوا صفيحة كبيرة المقاييس - صنع فريث مناظر ١٦ × ۲۰ بوصة للصحـراء ـ كان الأمريكيون هم رواد استـعـمـال صفـائـح ذات مقاييس هائلة .
كـان البريطاني إيـدويـرد مـويـريـدج أحـد المصورين الفوتوغرافيين الآخرين الذين برزوا في ذلك العصر ، ومثله الأمريكي كارلتون ووتكينز ، حيث بدا الاثنان يعملان معاً كشركاء ثم كخصوم .
ويشتهر مويبريدج باعماله التي اعتمدت على تنقل الحيوانات والبـشـر ، الا ان التـصـويـر الفوتوغرافي الطوبوغرافي كان جـزءاً صغيراً ولكن لا ينسى في مهنته . فقد نشـر ما يزيد على ١٥٠٠ منـظراً ، بمـا في ذلك ٥٠ نسخة هائلة المقاييس والجدير بالذكر ان مناظر مويبريدج الأولى تضمنت غيوماً ، مطبوعـة ، من سلبية منفصلة لحل مشكلة مشهد السمـاء ناصعة البياض التي سببتها حساسية الصفائح الأولى الشديدة للنور الأزرق بعد ذلك نجح هو وجاكسون في تمثيل كل من السماء والأرض بشكل مرضي على ذات السلبية .
أمـا ووتكينـز فقـد ذهب الى كاليفورنيا في فترة الهجمة على الذهب .. وبـالتـالي حصل على تقدير كبير في - معارض باريس العالمية ، عامي ١٨٦٧ و ١٨٦٨ لمناظرة قياس ۲۱ × ١٦ بوصة التي حققها لوادي يـوسيمايث حديث الاكتشاف .
كذلك كـان جـون تـومـسـون وفيليس ا . بيتو بين العديد من المصورين الفوتوغرافيين الذين سجلوا حياة وعادات الناس كما المناظر الطبيعية في البلدان التي قاموا بزيارتها ، عمل بيتو أول ما عـمـل شـراكـة مـع جـيـمس روبرتسون ، النقاش الرئيسي للمؤسسة الملكية لصك العملة في القسطنطينية ، فصورا مالطا ومصر واثينا .
ثم تابع بيثو طريقه الى اليابان مارا بالهند والصين ، حيث انتج بعض أهم أعماله . اما تومسون فقد بالغ بأعمال التصوير في العديد من البلدان ، منهـا قبرص وكامبوديا والصين . فانتج العديد من كتب النصـوص والصور الفوتوغرافية الناتجة عن أسفاره ، أكثر ما هو معروف منها مجلداتـه الأربـعـة المسـمـاة ، الصين وشعبها .
واما تيموثي اوسوليفان ، فهو مصور فوتوغرافي شهد الحرب الأهلية الأميركية ، وكان أحد أكثر مصوري التحقيقات الفوتوغرافية خبرة . شارك في العديد من البعثـات بما في ذلك ، بعثـة كلارين كنـكـز الجيولوجية الاستكشافية ، عام ١٨٦٧ . ومن الأعمـال القيمة التي انجـزهـا تسجيله نمط الحياة الزائل للهنود الحمر في مواطنهم التقليدية فقد حدث لهؤلاء الهنود في تسعينيات القرن الماضي ان أخـذوا الى محميات حصروا فيها وكان على المصورين الفوتوغرافيين فيما بعد ان يعيدوا تصوير مـا يشبه مواطنهم الأصلية اصطناعياً .
لم يدم العصر الزاهر للتصوير الفوتوغرافي للمناظر الطبيعية والطوبوغراف الا عشرين سنة تلك الفترة الممتدة من ستينيات إلى ثمانيات القرن التاسع عشر . في كل من أوروبا أو أمريكا . وبعد هذه الفترة ، حدث ان ظهور عملية الصفيحة الناشفة جعل الصفيحة هائلة المقاييس مكلفة للغاية .
ولكنه جعل التصوير الفوتوغرافي اسهل بكثير أيضاً ؛ ومع ازدياد سهولة الوصول الى مناطق نائية ، ظهرت اعداد سرة من المصورين الفوتوغرافيين انتجوا صورا معيارية للسواح .
على أن ظهـور الصفـيـحـة الناشفة بعث بنهضـة أخـرى - بدايات تصوير فوتوغرافي فعلي على ايدي هواة ـ وقد تلازم هـذا مع تطور وسائل انتقال افضل على شكل سكك حديدية وسفن بخارية . في ذات الوقت بينمـا تـوفـرت الإمكـانـات بين ابـدي الطبقات الوسطى فسمحت لهم أن يسافروا ويشاهدوا العالم بانفسهم . مـال هؤلاء المصورين الفوتوغرافيين الرحـالة الى تسجيـل وجـودهم الذاتي في منطقة معينة عوضاً عن المنطقة بحد ذاتها .
ثم كان اختراع جورج ایستمان لعلبة كوداك عام ١٨٨٠ ، فاصبح التصوير الفوتوغرافي اثناء السفر ممكناً لأي كان . وقد علق ايستمان نفسه على نجاح انتـاجـه هـذا قائلا :
« باستطاعة أي كان الآن ان يصنع صورة ، لا يلزمه لذلك الا ما يكفي من الذكاء لتسـديـد علبـة بشكل صحيح والكبس على زر »⏹
تعليق