كاظمي (عبد محسن محمد) Al-Kazimi (Abdel-Muhsin ibn Mohammad-) - Al-Kazimi (Abdel-Mohsen ibn Mohammad-)
الكاظمي (عبد المحسن بن محمد ـ)
(1282 ـ 1354هـ/1865 ـ 1935م)
أبو المكارم عبد المحسن بن محمد ابن علي بن الهادي، ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى الأشتر النخعي، ومن جهة أمه إلى الإمام موسى الكاظم.
شاعر فحل، ولد في حيّ الدهانة ببغداد، ونشأ في الكاظمية؛ ولهذا سمي بها.
ومما قاله عن بدايات تحصيله العلمي: «أخذني أهلي في طفولتي إلى كتّابِ فقيهة في البلد، انتقلت من عندها إلى معلم عجمي يعلمني الفارسية؛ لأنّ أبي تاجر، ولتجار العراق صلات بفارس والأفغان والهند، والمكاتبة التجارية تجري بهذه الألسن، فدرستُ عنده ستة أشهر، ثم قصدتُ إلى مدرّس عربي لم أثابر على التعلّم عنده طويلاً، وقادني ولعي بالقراءة إلى تطلب المخطوطات العربية والفارسية، وتصفّحها؛ وكانت من حولي في الكاظمية كثيرة».
حاول والده إغراءه بالتجارة؛ لكنّ ذلك لم يفد معه؛ فانكبّ على القراءة والكتابة والنظم، وهيّأت له الأيام الشاعر إبراهيم الطباطبائي؛ فتتلمذ عليه، وأخذ عنه، وحاكاه، ولم يقتصر على ذلك؛ بل انهمك في حفظ الشعر، وأسعفته حافظته، فوعى أكثر من اثني عشر ألف بيت من عيون الشعر، مما جعل له سليقة في محاكاة فحول الشعر، وجعله راوية يشار إليه بالبنان، فما بلغ العشرين ربيعاً إلاّ وقد احتلّ في ديوان الأدب مكاناً ملحوظاً.
ولدى مرور الشيخ جمال الدين الأفغاني بالعراق أخذ طرفاً من العلم عنه، واعتنق بعضاً من مبادئه، وعندما أُخرج الأفغاني من العراق جعل الكاظمي ينتقد الحكومة، ويعدد نقائصها؛ فتناولته العيون، وضايقته، فلاذ بالقنصلية الإيرانية ببغداد، ثم ساح نحو سنتين في عشائر العراق؛ إلى أن رحل إلى إيران عام1897م، وشخص إلى الهند، وتوجّه إلى مصر أواخر سنة 1898هـ؛ على أن يواصل سيره إلى أوربا، فطارت شهرته بمصر، وقدّر له أن يمرض بها، فبقي فيها إلى غاية عمره، وقد ضعف بصره، وكاد يفقده في أخريات أيامه، وقد توفي في مصر الجديدة من ضواحي القاهرة، فدفن فيها.
ولعلّ من بواعث ما حبب إليه المقام في مصر ما لقيه من مودّة الشيخ محمد عبده وبرّه؛ إذ ألفى فيه الصديق والملاذ، وبوفاة محمد عبده فقد الغوث الذي لا يعوّض، وعانى الخصاصةَ؛ إذ كان له منه كلّ شهر مبلغٌ من المال، وقد خفف من عوزه فيما بعد راتب أجراه له سعد زغلول من خزانة الأوقاف.
كانت عينيّته الشهيرة أول ما نشر له في مصر، وذلك في صحيفة «المؤيّد»، ومطلعها:
إلى كم تجيل الطرف والدارُ بلقعُ
أما شغلت عينيك بالجزعِ أدمـعُ
وقد وصف فيها رحلته إلى مصر، يقول:
ولما تبيّنتُ السويسَ وسـار بي
إلى النيل سيّارٌ من البرقِ أسـرعُ
هرعتُ إليه عاطفاً من حشاشتي
وقلت لصحبي: هذهِ مصرُ فاهرعوا
وعندما شرعَت الصحف المصرية تذيع شعره استحسنه الناس، واستجاده الأدباء، فانعقدت الأواصر بينه وبين البارودي وحافظ ومطران.
وقد تفرّد بطول النفس في الشعر والارتجال والبداهة، وهو لا يقف عند ارتجال البيتين أو الأبيات؛ بل تجاوز ذلك إلى العشرات.
وأكثر نظمه من وحي الساعة، ومن جماع ظروفه ونشأته وثقافته، وقد مشى على غرار القدماء الذين اكتنزت حافظته روائعهم ـ كما سلف ـ فاحتذاهم في الطراز، ولم يقلدهم في معانيهم، وإن كانت ألفاظهم وتعابيرهم في نسج قصائده فذلك محصوله من اللغة وفصيح العبارة.
واختص بطريقة في تغنيه بشعره تغنياً بدوياً، وكان بعضهم ينتقده لطابع البداوة، فردّ عليه الشيخ مصطفى عبد الرزاق بأنه غير مصيب؛ لأنّ شعر الكاظمي نمط سليم جيد عال من الشعر العربي.
وقال محمد صبري في كتابه «شعراء العصر»: «أنا لا ألوم على الكاظمي في هذه المسحة البدوية، فإنّ بلاده العراق هي التي قضت عليه بذلك».
وهذا لا يعني أنه انغمس في البداوة، وغفل عما حوله من مظاهر الحضارة الحديثة، فهذا عباس محمود العقاد يقول: إنه «لم يغفل عن الحضارة حسّه، ولم تنفطم عن البداوة نفسه، وراح يذكّر القارىء في كلّ ما قال من وصف المدنية أو وصف الاختراع الحديث، وهكذا يقول في وصف القطار:
مرعدٌ مبرقٌ ولا رعدَ في السحـ
ـــب ولا بارقٌ يلوح لـراءِ
بأخي البرق لقبُوهُ، وأين البــر
ق منه إن مرَّ في الفيفــاءِ؟
فإذا جاز أو دنا من ربـــوعٍ
ناحَ نوْحَ الحزينةِ الثـكلاءِ
وإذا همّ بالرحيل دعا القـــو
مَ فكان الجميع طوعَ الدعاءِ
فهذا وصف صادق للقطار».
وكان يفنى في القومية، ويعمل لها جمعاء، لا يميّز بين قطر وآخر، فهو إذا حنّ إلى العراق قال:
إن يكن بات في الكنانة جسمي
ففؤادي بالكرخ ظلّ رهينـا
أرفاقَ الصـبا وليس حــراماً
أن أنادي رفاقي الأقدمينـا
قال العقاد عن شعره: «وكذلك ينضح كلامه بالصدق واستقامة التعبير، حتى حين يبدو في شعره ما يشبه صناعة المحسنات، كقوله:
فكم قائلٍ: سرْ نحو مصرَ ترَ المنى
وأنت على كل البلاد أميــرُ
فقلتُ لهم والدمعُ مني مطلــقٌ:
أَسيرُ وقلبي بالعراق أســـيرُ
وشهد له توفيق البكري بأنه «ثالث اثنين، الشريف الرضي ومهيار الديلمي».
ولما توفي أشفق أهل الأدب على شعره أن يضيع؛ لأنه لم يعنَ في حياته بجمعه، وقد كان كثير من شعره ارتجالاً، فجمع وطبع في ديوان سمي باسمه.
وأما منظومات صباه فقد ضاعت.
سكينة محمود موعد
الكاظمي (عبد المحسن بن محمد ـ)
(1282 ـ 1354هـ/1865 ـ 1935م)
أبو المكارم عبد المحسن بن محمد ابن علي بن الهادي، ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى الأشتر النخعي، ومن جهة أمه إلى الإمام موسى الكاظم.
شاعر فحل، ولد في حيّ الدهانة ببغداد، ونشأ في الكاظمية؛ ولهذا سمي بها.
ومما قاله عن بدايات تحصيله العلمي: «أخذني أهلي في طفولتي إلى كتّابِ فقيهة في البلد، انتقلت من عندها إلى معلم عجمي يعلمني الفارسية؛ لأنّ أبي تاجر، ولتجار العراق صلات بفارس والأفغان والهند، والمكاتبة التجارية تجري بهذه الألسن، فدرستُ عنده ستة أشهر، ثم قصدتُ إلى مدرّس عربي لم أثابر على التعلّم عنده طويلاً، وقادني ولعي بالقراءة إلى تطلب المخطوطات العربية والفارسية، وتصفّحها؛ وكانت من حولي في الكاظمية كثيرة».
حاول والده إغراءه بالتجارة؛ لكنّ ذلك لم يفد معه؛ فانكبّ على القراءة والكتابة والنظم، وهيّأت له الأيام الشاعر إبراهيم الطباطبائي؛ فتتلمذ عليه، وأخذ عنه، وحاكاه، ولم يقتصر على ذلك؛ بل انهمك في حفظ الشعر، وأسعفته حافظته، فوعى أكثر من اثني عشر ألف بيت من عيون الشعر، مما جعل له سليقة في محاكاة فحول الشعر، وجعله راوية يشار إليه بالبنان، فما بلغ العشرين ربيعاً إلاّ وقد احتلّ في ديوان الأدب مكاناً ملحوظاً.
ولدى مرور الشيخ جمال الدين الأفغاني بالعراق أخذ طرفاً من العلم عنه، واعتنق بعضاً من مبادئه، وعندما أُخرج الأفغاني من العراق جعل الكاظمي ينتقد الحكومة، ويعدد نقائصها؛ فتناولته العيون، وضايقته، فلاذ بالقنصلية الإيرانية ببغداد، ثم ساح نحو سنتين في عشائر العراق؛ إلى أن رحل إلى إيران عام1897م، وشخص إلى الهند، وتوجّه إلى مصر أواخر سنة 1898هـ؛ على أن يواصل سيره إلى أوربا، فطارت شهرته بمصر، وقدّر له أن يمرض بها، فبقي فيها إلى غاية عمره، وقد ضعف بصره، وكاد يفقده في أخريات أيامه، وقد توفي في مصر الجديدة من ضواحي القاهرة، فدفن فيها.
ولعلّ من بواعث ما حبب إليه المقام في مصر ما لقيه من مودّة الشيخ محمد عبده وبرّه؛ إذ ألفى فيه الصديق والملاذ، وبوفاة محمد عبده فقد الغوث الذي لا يعوّض، وعانى الخصاصةَ؛ إذ كان له منه كلّ شهر مبلغٌ من المال، وقد خفف من عوزه فيما بعد راتب أجراه له سعد زغلول من خزانة الأوقاف.
كانت عينيّته الشهيرة أول ما نشر له في مصر، وذلك في صحيفة «المؤيّد»، ومطلعها:
إلى كم تجيل الطرف والدارُ بلقعُ
أما شغلت عينيك بالجزعِ أدمـعُ
وقد وصف فيها رحلته إلى مصر، يقول:
ولما تبيّنتُ السويسَ وسـار بي
إلى النيل سيّارٌ من البرقِ أسـرعُ
هرعتُ إليه عاطفاً من حشاشتي
وقلت لصحبي: هذهِ مصرُ فاهرعوا
وعندما شرعَت الصحف المصرية تذيع شعره استحسنه الناس، واستجاده الأدباء، فانعقدت الأواصر بينه وبين البارودي وحافظ ومطران.
وقد تفرّد بطول النفس في الشعر والارتجال والبداهة، وهو لا يقف عند ارتجال البيتين أو الأبيات؛ بل تجاوز ذلك إلى العشرات.
وأكثر نظمه من وحي الساعة، ومن جماع ظروفه ونشأته وثقافته، وقد مشى على غرار القدماء الذين اكتنزت حافظته روائعهم ـ كما سلف ـ فاحتذاهم في الطراز، ولم يقلدهم في معانيهم، وإن كانت ألفاظهم وتعابيرهم في نسج قصائده فذلك محصوله من اللغة وفصيح العبارة.
واختص بطريقة في تغنيه بشعره تغنياً بدوياً، وكان بعضهم ينتقده لطابع البداوة، فردّ عليه الشيخ مصطفى عبد الرزاق بأنه غير مصيب؛ لأنّ شعر الكاظمي نمط سليم جيد عال من الشعر العربي.
وقال محمد صبري في كتابه «شعراء العصر»: «أنا لا ألوم على الكاظمي في هذه المسحة البدوية، فإنّ بلاده العراق هي التي قضت عليه بذلك».
وهذا لا يعني أنه انغمس في البداوة، وغفل عما حوله من مظاهر الحضارة الحديثة، فهذا عباس محمود العقاد يقول: إنه «لم يغفل عن الحضارة حسّه، ولم تنفطم عن البداوة نفسه، وراح يذكّر القارىء في كلّ ما قال من وصف المدنية أو وصف الاختراع الحديث، وهكذا يقول في وصف القطار:
مرعدٌ مبرقٌ ولا رعدَ في السحـ
ـــب ولا بارقٌ يلوح لـراءِ
بأخي البرق لقبُوهُ، وأين البــر
ق منه إن مرَّ في الفيفــاءِ؟
فإذا جاز أو دنا من ربـــوعٍ
ناحَ نوْحَ الحزينةِ الثـكلاءِ
وإذا همّ بالرحيل دعا القـــو
مَ فكان الجميع طوعَ الدعاءِ
فهذا وصف صادق للقطار».
وكان يفنى في القومية، ويعمل لها جمعاء، لا يميّز بين قطر وآخر، فهو إذا حنّ إلى العراق قال:
إن يكن بات في الكنانة جسمي
ففؤادي بالكرخ ظلّ رهينـا
أرفاقَ الصـبا وليس حــراماً
أن أنادي رفاقي الأقدمينـا
قال العقاد عن شعره: «وكذلك ينضح كلامه بالصدق واستقامة التعبير، حتى حين يبدو في شعره ما يشبه صناعة المحسنات، كقوله:
فكم قائلٍ: سرْ نحو مصرَ ترَ المنى
وأنت على كل البلاد أميــرُ
فقلتُ لهم والدمعُ مني مطلــقٌ:
أَسيرُ وقلبي بالعراق أســـيرُ
وشهد له توفيق البكري بأنه «ثالث اثنين، الشريف الرضي ومهيار الديلمي».
ولما توفي أشفق أهل الأدب على شعره أن يضيع؛ لأنه لم يعنَ في حياته بجمعه، وقد كان كثير من شعره ارتجالاً، فجمع وطبع في ديوان سمي باسمه.
وأما منظومات صباه فقد ضاعت.
سكينة محمود موعد