كاربو (جان باتيست) Carpeaux (Jean-Baptiste-) - Carpeaux (Jean-Baptiste-)
كاربو (جان باتيست ـ)
(1827ـ 1875)
ولد جان باتيست كاربو Jean-Baptiste Carpeaux في مدينة فالنسيين Valenciennes في شمالي فرنسا بالقرب من الحدود البلجيكية، وكان محباً للنحت منذ نعومة أظفاره. عاش فقيراً في سنوات دراسته الأولى، ومن أجل كسب قوته عمل في إحدى صالات البيع الباريسية، وكان في الوقت ذاته ينحت نماذج صغيرة بنسخ متكررة ليبيعها في مخازن الهدايا. درس النحت مدة ثمانية شهور في مدرسة الفنون الجميلة الباريسية École des Beaux - Arts بإشراف النحات الشهير رود Rude. لم يلق كاربو القبول عند النحاتين الأكاديميين، كما أكد له رود أنه لن ينال جائزة روما Prix de Rome على يديه، عند ذلك سافر إلى روما للدراسة وساعده في هذه الفترة تطور إمكاناته الفنية، وبعدعشر سنوات من الدراسة والعمل الدؤوب فاز بجائزة روما.
جان باتيست كاربو: «منحوتة برونو شيري»
(1874ـ1875)
وفي أثناء إقامته في الأكاديمية الإمبريالية الفرنسية في روما Académie Imperiale à Rome زُجَّ كاربو بمسائل قانونية معقدة، ولكونه موفداً بمنحة كان عليه عرض أعماله أمام اللجان المختصة في باريس لتقويمها.
توضحت شخصية كاربو النحتية بعد عام 1856 ولاسيما في تمثالي: «فتاة من بالومبيلا»Palombella. و«صياد نابولي» الذي أنجزه بعد عامين. واتسمت أعماله بإحساس ملحوظ، وبالتعبير عن الحركة في بناء العناصر، والاهتمام بالتفاصيل ودقة تنفيذها. وقد ذُكر أنه حينما أرسل عمله «صياد نابولي» إلى باريس انسحب أمين سر أكاديمية الفنون الجميلة من لجنة التحكيم لكون النحات لم يعالج موضوعاً نبيلاً.
استطاع كاربو كسب معركة ضد الاتجاه الأكاديمي وذلك عندما حدد مشروع تخرجه بمنحوتة «أوغولينو وأولاده»، حينها طلب إليه مدير الأكاديمية إزاحة الأطفال من التكوين، وتحويل شخصية أوغولينو إلى القديس هيرونيم Hieronim، وهدده بتجميد منحته الدراسية إن استمر في تنفيذ موضوعه على هذا النحو، ولكن كاربو لم يتراجع عن قناعاته وطلب إلى الوزارة المختصة الوقوف إلى جانبه، فمنحته تمديداً مدة سنتين أنجز فيهما عمله الإبداعي كما صممه وأراده. تولدت مجموعة أوغولينو وأولاده من «الكوميديا الإلهية» لدانتي[ر] Dante. ومن تأثره بأعمال ميكلانجلو[ر] التي درسها بدقة وشغف في أثناء إقامته في روما. وقد استطاع كاربو من خلال تمثاله أن يظهر واقعاً مراً ومعاناة أب يتألم ويتمزق وهو ينظر إلى أطفاله الذين يحتضرون ويسقطون الواحد تلو الآخر آملين مساعدته ولكن من دون جدوى. لاقت هذه المنحوتة إعجاباً جماهيرياً كبيراً في إيطاليا، ولكن النقاد الباريسيين تعاملوا معها بفتور، ووصفوها بالمبالغة والعاطفة المثيرة والمفتعلة، ورفضت لجنة معهد الفنون الجميلة في باريس الموافقة على صبها بمادة البرونز، لكنها ظهرت مصبوبة بمادة البرونز بمساعدة أصدقائه وموافقة الوزير فاليفسكي Walewski، ووضعت في حديقة تويليري Tuileries عام 1864.
كُلف كاربو في عام 1863 تزيين الواجهة الجنوبية لجناح فلورا Flora في متحف اللوڤر، فصمم لوحة نحتية بارزة مؤلفة من ثلاثة أجزاء، في الأعلى وضع فرنسا القيصرية المنتصرة بوصفها راعية للعلوم والزراعة، وفي الأسفل المشهد الرئيس ويمثل انتصار فلورا، وبسبب هذه اللوحة وقع صدام قوي مع المعماري مصمم الواجهة الذي عارض بشدة بروز هذه اللوحة وتأثيرها في الانسجام المتوفر في البنية المعمارية. احتج كاربو إلى نابليون الثالث فأمر بتثبيتها. والحقيقة أن هذه المنحوتة أحيت الواجهة المعمارية الثقيلة، ويرى كثير من النقاد المعاصرين أنها من أهم الأعمال التي تزين متحف اللوڤر.
ومن جانب آخر نفذ كاربو عدداً كبيراً من التماثيل النصفية لشخصيات معروفة ومن أهمها تمثال لزوجة القيصر أوجين والابن دوماس Dumas والأميرة ماتيلد Mathilde، وقد أنجز هذه الأعمال بمادة البرونز وفيها تتراقص الأضواء والظلال ونبض الحياة.
يحكى عن كاربو حين كان طالباً أنه أنجز تمثالاً بمادة الطين لزميله وهو معصوب العينين، وبعد الانتهاء من بنائه رآه دافيد دانجيه David d’Angers فقال عنه كلمات شهيرة: «حتى إذا قُطع رأس كاربو، فإن بإمكان يديه بناء التماثيل».
استطاع كاربو في تماثيله النصفية تحديد شخصية النماذج من خلال الغوص بالنفس البشرية المشربة بالخيال الجامح. ومن خلال تمايز سطوحها الواضح منحها مسحة تصويرية، وهو لم يسع إلى إضفاء صفة القدسية على شخوصه وإنما قدمهم أشخاصاً عاديين إلى درجة أنه قدم أحد الشعراء البريتونيين والسيكار Cigar بين شفتيه.
شكلت أعمال كاربو مرحلة عبور إلى أعمال رودان Rodin، وغالباً ما يشبهونه بدومييه Daumier. لم يكن تجديده حاسماً، إذ حافظ على البنية الكلاسيكية في شخوصه كما في مجموعة أوغولينو التي ألفها بتكوين هرمي، ولكنه في الوقت نفسه ابتعد عن تبني التقانة الأكاديمية وتكرارها مشدوداً إلى الحرية الإبداعية (ويجهد في البحث عن الحركة والديناميكية في الأشكال من خلال بحثه الدؤوب عن العلاقة بين الظلال والأنوار. لهذا يُستشف في منحوتاته وميض مستمر على السطح يوحي بالرعشة الضوئية، ويضفي مسحة تصويرية على السطوح، ولاسيما فيما قدم من دراسات وتصاميم منفذة بمادتي الطين والجبس.
استطاع كاربو بفضل زواجه من فتاة أرستقراطية الدخول إلى البلاط بسهولة حيث طُلب إليه تخليد تلك المرحلة لحظة بلحظة: السهرات الصاخبة، والنساء العصريات، والرجال الأنيقين، ولكن نهايته لم تكن سعيدة لكون منبته الطبقي يعود إلى عامة الناس. فقد هجرته زوجته وأعلن إفلاسه، وحُجز مشغله من قبل محصلي الضرائب، وتفاقم عليه المرض وأضحى طريح الفراش، وبعد خمس سنوات من الآلام وتحمل المصائب اصطحبه الأمير جرجس ستيربي Stirbey إلى قصره في ضواحي باريس حيث توفي هناك.
أحمد الأحمد
كاربو (جان باتيست ـ)
(1827ـ 1875)
ولد جان باتيست كاربو Jean-Baptiste Carpeaux في مدينة فالنسيين Valenciennes في شمالي فرنسا بالقرب من الحدود البلجيكية، وكان محباً للنحت منذ نعومة أظفاره. عاش فقيراً في سنوات دراسته الأولى، ومن أجل كسب قوته عمل في إحدى صالات البيع الباريسية، وكان في الوقت ذاته ينحت نماذج صغيرة بنسخ متكررة ليبيعها في مخازن الهدايا. درس النحت مدة ثمانية شهور في مدرسة الفنون الجميلة الباريسية École des Beaux - Arts بإشراف النحات الشهير رود Rude. لم يلق كاربو القبول عند النحاتين الأكاديميين، كما أكد له رود أنه لن ينال جائزة روما Prix de Rome على يديه، عند ذلك سافر إلى روما للدراسة وساعده في هذه الفترة تطور إمكاناته الفنية، وبعدعشر سنوات من الدراسة والعمل الدؤوب فاز بجائزة روما.
جان باتيست كاربو: «منحوتة برونو شيري»
(1874ـ1875)
وفي أثناء إقامته في الأكاديمية الإمبريالية الفرنسية في روما Académie Imperiale à Rome زُجَّ كاربو بمسائل قانونية معقدة، ولكونه موفداً بمنحة كان عليه عرض أعماله أمام اللجان المختصة في باريس لتقويمها.
توضحت شخصية كاربو النحتية بعد عام 1856 ولاسيما في تمثالي: «فتاة من بالومبيلا»Palombella. و«صياد نابولي» الذي أنجزه بعد عامين. واتسمت أعماله بإحساس ملحوظ، وبالتعبير عن الحركة في بناء العناصر، والاهتمام بالتفاصيل ودقة تنفيذها. وقد ذُكر أنه حينما أرسل عمله «صياد نابولي» إلى باريس انسحب أمين سر أكاديمية الفنون الجميلة من لجنة التحكيم لكون النحات لم يعالج موضوعاً نبيلاً.
استطاع كاربو كسب معركة ضد الاتجاه الأكاديمي وذلك عندما حدد مشروع تخرجه بمنحوتة «أوغولينو وأولاده»، حينها طلب إليه مدير الأكاديمية إزاحة الأطفال من التكوين، وتحويل شخصية أوغولينو إلى القديس هيرونيم Hieronim، وهدده بتجميد منحته الدراسية إن استمر في تنفيذ موضوعه على هذا النحو، ولكن كاربو لم يتراجع عن قناعاته وطلب إلى الوزارة المختصة الوقوف إلى جانبه، فمنحته تمديداً مدة سنتين أنجز فيهما عمله الإبداعي كما صممه وأراده. تولدت مجموعة أوغولينو وأولاده من «الكوميديا الإلهية» لدانتي[ر] Dante. ومن تأثره بأعمال ميكلانجلو[ر] التي درسها بدقة وشغف في أثناء إقامته في روما. وقد استطاع كاربو من خلال تمثاله أن يظهر واقعاً مراً ومعاناة أب يتألم ويتمزق وهو ينظر إلى أطفاله الذين يحتضرون ويسقطون الواحد تلو الآخر آملين مساعدته ولكن من دون جدوى. لاقت هذه المنحوتة إعجاباً جماهيرياً كبيراً في إيطاليا، ولكن النقاد الباريسيين تعاملوا معها بفتور، ووصفوها بالمبالغة والعاطفة المثيرة والمفتعلة، ورفضت لجنة معهد الفنون الجميلة في باريس الموافقة على صبها بمادة البرونز، لكنها ظهرت مصبوبة بمادة البرونز بمساعدة أصدقائه وموافقة الوزير فاليفسكي Walewski، ووضعت في حديقة تويليري Tuileries عام 1864.
كُلف كاربو في عام 1863 تزيين الواجهة الجنوبية لجناح فلورا Flora في متحف اللوڤر، فصمم لوحة نحتية بارزة مؤلفة من ثلاثة أجزاء، في الأعلى وضع فرنسا القيصرية المنتصرة بوصفها راعية للعلوم والزراعة، وفي الأسفل المشهد الرئيس ويمثل انتصار فلورا، وبسبب هذه اللوحة وقع صدام قوي مع المعماري مصمم الواجهة الذي عارض بشدة بروز هذه اللوحة وتأثيرها في الانسجام المتوفر في البنية المعمارية. احتج كاربو إلى نابليون الثالث فأمر بتثبيتها. والحقيقة أن هذه المنحوتة أحيت الواجهة المعمارية الثقيلة، ويرى كثير من النقاد المعاصرين أنها من أهم الأعمال التي تزين متحف اللوڤر.
ومن جانب آخر نفذ كاربو عدداً كبيراً من التماثيل النصفية لشخصيات معروفة ومن أهمها تمثال لزوجة القيصر أوجين والابن دوماس Dumas والأميرة ماتيلد Mathilde، وقد أنجز هذه الأعمال بمادة البرونز وفيها تتراقص الأضواء والظلال ونبض الحياة.
يحكى عن كاربو حين كان طالباً أنه أنجز تمثالاً بمادة الطين لزميله وهو معصوب العينين، وبعد الانتهاء من بنائه رآه دافيد دانجيه David d’Angers فقال عنه كلمات شهيرة: «حتى إذا قُطع رأس كاربو، فإن بإمكان يديه بناء التماثيل».
استطاع كاربو في تماثيله النصفية تحديد شخصية النماذج من خلال الغوص بالنفس البشرية المشربة بالخيال الجامح. ومن خلال تمايز سطوحها الواضح منحها مسحة تصويرية، وهو لم يسع إلى إضفاء صفة القدسية على شخوصه وإنما قدمهم أشخاصاً عاديين إلى درجة أنه قدم أحد الشعراء البريتونيين والسيكار Cigar بين شفتيه.
شكلت أعمال كاربو مرحلة عبور إلى أعمال رودان Rodin، وغالباً ما يشبهونه بدومييه Daumier. لم يكن تجديده حاسماً، إذ حافظ على البنية الكلاسيكية في شخوصه كما في مجموعة أوغولينو التي ألفها بتكوين هرمي، ولكنه في الوقت نفسه ابتعد عن تبني التقانة الأكاديمية وتكرارها مشدوداً إلى الحرية الإبداعية (ويجهد في البحث عن الحركة والديناميكية في الأشكال من خلال بحثه الدؤوب عن العلاقة بين الظلال والأنوار. لهذا يُستشف في منحوتاته وميض مستمر على السطح يوحي بالرعشة الضوئية، ويضفي مسحة تصويرية على السطوح، ولاسيما فيما قدم من دراسات وتصاميم منفذة بمادتي الطين والجبس.
استطاع كاربو بفضل زواجه من فتاة أرستقراطية الدخول إلى البلاط بسهولة حيث طُلب إليه تخليد تلك المرحلة لحظة بلحظة: السهرات الصاخبة، والنساء العصريات، والرجال الأنيقين، ولكن نهايته لم تكن سعيدة لكون منبته الطبقي يعود إلى عامة الناس. فقد هجرته زوجته وأعلن إفلاسه، وحُجز مشغله من قبل محصلي الضرائب، وتفاقم عليه المرض وأضحى طريح الفراش، وبعد خمس سنوات من الآلام وتحمل المصائب اصطحبه الأمير جرجس ستيربي Stirbey إلى قصره في ضواحي باريس حيث توفي هناك.
أحمد الأحمد