روسيا (عماره وفن في)
Russia - Russie
الفن والعمارة في روسيا
(ق 15 ـ ق 20)
مع اعتناق روسيا الديانة المسيحية في نهاية الألفية الأولى، وانتشار نفوذ بيزنطة فيها، تطّور الفن الروسي النابع من أصل بيزنطي، مكوناً تقاليد وملامح خاصة، عُرف بها.
العمارة في روسيا: أراد إيفان الثالث إبان حكمه تطوير مظهر موسكو لتكون جديرة بأن تحل محل بيزنطة، فاستعان بمعماريين من إيطاليا. كان أشهرهم أرستوتيل فيورافنتي A.Fioraventi الذي درس أسلـوب البناء المحلي، والبيئة وحاجتها، فاتّخذ مع زملائه الآخرين، المسقط البيزنطي القائم الزوايا لرقعة الأرض والقبة ذات الشكل البصلي، ولكنّه أضاف بعض العناصر الإيطالية.
في القرن السادس عشر أجرى المعماريون الروس والأجانب تجارب كثيرة للوصول إلى طـراز معمـاري يجمـع بين الجمال والاقتصاد. واتجهت العمارة نحو السقوف المعقودة، مثل كنيسة «عذراء الدن»، وجُرّبت مواد جديدة لبناء القباب، وبنيت كنيسة «كولومنسكـوي» بالطـراز الجديد عام 1532.
في نهاية القرن السادس عشر استُعمل القيشاني في العمارة، فأَدخل اللون والبهجة إليها، وتميّزت واجهات المنشآت الدينية بالزخارف والتزيين.
في القرن السابع عشر استعملت الأحجار في أساسات المباني، واستمرت العمارة الخشبية. واعتُمد حاجز خشبي داخل الكنيسة، يفصل بين مكان المصلّين وإقامة الطقوس، واهتم الفنانون برسم الأيقونات عليه. وفي نهاية القرن تميّز الأسلوب المعماري (الباروك الروسي barocco) بمظهر الازدحام في زخرفة الداخل والخارج.
حكم بطرس الأكبر روسيا بين عامي 1689ـ1725. وفي عام 1703 شرع في بناء مدينـة سانت بطرسبورغ (ليننغراد) بالحجر والإسمنت. فاستدعى فنانين أجانب إلى روسيا، وأوفد الموهوبين للدراسة في الخارج، وأعلن المدينة عاصمة للدولة الروسية في عام 1714. اعتمد بطرس الأكبر على مهندسين إيطاليين وفرنسيين وألمان، وكان المعماري ميخائيل زمتسوف (1688ـ1743) M.Zemtsov الروسي الوحيد بينهم.
في سنة 1713 بدأ المعمار الإيطالي دومينيكو تريتسيني D.Trezzini ببناء كنيسة «ألكسندرو ـ نيفسكايا لافرا» أهم أديرة سانت بطرسبورغ، ومن أعماله أيضاً «القصر الصيفي» وهو خليط من الطراز الروسي والفلمنكي. أما الحدائق الصيفية والإرميتاج وقصر مارلي فقد صممها ونفّذها الفرنسي ليبلون (1679ـ1719) Le Blond .
في عصر القيصرة أليزابيت بتروفنا (1741ـ1761) راجت إقامة المنازل الريفية خارج المدن، وإقامة المنشآت الحكومية مثل أكاديمية الفنون الجميلة في بطرسبرغ. وبرز المعمار الإيطالي راستريلّي (1700ـ1771) F.Rastrelli الذي استعمل العناصر المعمارية الغربية مطعمة بالطابع المحلي. أشهر أعماله - القصر الشتوي، وكنيسة (دير سمولين) 1750. وتميّز المعمار ديمتري أوختومسكي (1719ـ1774) D.Okhtomski .
بين القرنين السابع عشر والثامن عشر توسَّعت العمارة الشعبية، وبني كثير من الأبنية الإدارية والصناعية والتجارية والقصور خارج المدينة. ومن منتصف القرن الثامن عشر ظهرت ضخامة الأشكال وغنائية التشكيل ومختلف الألوان على واجهات عمارة الباروك الروسي. وبرز المعمار فاسيلي باجينوف (1737ـ1799)V.Bagenov ، وأليكساندر كاكورينوف (1726ـ1772) A.Kakorenov .
حكمت كاترين الثانية روسيا بين عامي 1762ـ1796، وصار البناء في عصرها وثيق الصلة بالحياة، وأدى اهتمامها بتاريخ روسية إلى إحداث نهضة دينية بيزنطية الطراز، فهيمن الطابع الاتباعي (الكلاسيكي)، وعُهد إلى المعمار الإيطالي أنطونيو رينالدي (1709ـ1790) A.Rinaldi ، بالأعمال الرسمية. وكان أول من عمل بالطراز الجديد المعمار جورج فلتن (1730ـ1801) G.Felten ، والمعمار إيفان ستاروف (1743ـ1808) E.Starov . واستدعـي المعمار الاسكتلنـدي تشارلـز كامـيرون (1730ـ1812) Ch.Cameron ، فأعاد إنشاء الجناح الخـاص للقيصـرة بالقصر الكبير، ويظهر في قصر بافلوفسك توجه الذوق في نهاية القرن الثامن عشر إلى الطراز الاتباعي الجديد (النيوكلاسيكي) وامتزج مع الطراز الاتباعي.
تولى الدوق بول عرش البلاد سنة 1796، واشتهر في زمنه المعمار ماثيو كازاكوف (1738ـ1812) M.Kazakov بأسلوبه الذي تجلى في جامعة موسكو، وفيها ظهر ميله إلى الغرف المستديرة والأعمدة الداخلية، كما برز المعمار جاكومو كوارينغي (1744ـ1817) G.Quarenghi ، وفي عام 1890 ظهر الأسلـوب الحديث moderne باعتماد التقانات الجديدة في العمارة واستعمـال المعـادن والزجاج، والاهتمام بالتشكيل واستخدام الأعمال التصويرية الجدارية، وفيه تميز المعمار فيودور شيختيل (1859ـ1926) F.Chekhtel .
في عشرينات القرن العشرين أثّرت الحركة العقلانية الجديـدة فـي العمارة الأوربية، والعمارة الروسية، ولكنها رسخت علم جمال معماري جديد، وتشكلت الأبنية من حجوم تعبيرية من الإسمنت المسلّح، والسطوح الزجاجية الهائلة، في تكوينات فراغية حُرّة، وتجلت الحركة الجديدة هذه في النزعة البنائية[ر]، وكان ممثلها المعمار كونستانتين ميلنيكوف (1890ـ1974) K.Melnekov .
ارتبط تطور العمارة بعد ثورة 1917 بالاقتصاد والتقانات المعمارية، وفي منتصف العشرينات ظهرت مساكن شعبية، وأبنية اجتماعية رسمية، وأندية عمّالية وروضات أطفال، وشارك في مخططات هذه المشروعات، معماريون (بنائيون). وبلغ الاهتمام أشده فـي إنشـاء مدن جديدة (مدن المستقبل)، وكـان فيها كثير من الخيال، مثل مشروعات: أليكسي شوسيف (1873ـ1949)A.Shosev و ايفـان جولتوفسكي (1867ـ1959) E.Goltofski .
ظهرت في الثلاثينات من القرن العشرين مدن صناعية، وظهرت معها مساكن ومدن جديدة. وفي النصف الثاني من تلك الحقبة برزت نزعة اعتمدت إظهار الضخامة والفخامة في العمارة لتكون صورة للنظام، فأُحدثت الأبنية الإداريـة والمخصصة للسفر والاستجمام. وبُني ميترو موسكو (1935)، وقد شارك في بنائه المعماريون: أليكسي دوشكين (1903ـ1977)A.Doshkin و إيفان فومين (1872ـ1936) E.Fomen وآخرون. بعد الحرب العالمية الثانية(1945) أعيد إنشاء المدن والقرى المدمّرة وإحياؤها، وبعثت بعض تقاليد عمارة ما قبل الحرب، المتميزة بشكلها المعماري التزييني الهائل. وفي نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات شيدت في موسكو أبنية مرتفعة للمعماريين: أليكسي دوشكين، و أركادي موردفينوف (1896ـ1964) A.Mordfinov وفلاديمير غيليفريخ (1885ـ1967)V.Gelefrekh وغيرهم. وفي النصف الثاني من الخمسينات والستينات، حدث تحول تجلى بالتوجه إلى البناء الاقتصادي العملي، فصارت العمارة نمطية رتيبة. ولكنها مالبثت أن تخلصت من نمطيتها تلك في الثمانينات باحتكاكها مع خبرة العمارة العالمية وأبحاثها.
الفن في روسيا: ازدهر الرسم الجداري في روسيا القديمة بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، وبرز الرسام غريك فيوفان G.Feofan (نحو1340)، والرسّام أندريه روبليڤ A.Rublev المتميّز بشاعريته وعمق أعماله، وديونيسي (1440ـ1503) Deonessi . ووصل النحت النافر إلى مستـوى عالٍ في كنائس فلاديمير وسوزدل، وتطورت في القرن السادس عشر الطباعة الخشبية في الكتب. وفي القرن السابع عشر طغت السمة التزيينية على الرسوم الجدارية، التي غطت جدران الكنائس، وانتشرت طباعة المعدن.
بدأ التغيير في روسيـا زمن بطرس الأول في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، إذ نادى بالانفتاح على الغرب، وصار الفن دنيوياً، بعد أن كان تحت سلطة الكنيسة. وفي عام (1702) أصدر القيصر منشوراً دعا فيه المصورين القدوم إلى روسيا، وأرسل أول فريق إلى الغـرب لدراسة الفن في عام (1716). كان نحّات القصر، الإيطالي راستريلّي الأب Rastrelli. وقد تطـور النحت ضمن الأسلوب الأوربي الباروكي ـ الاتباعي.
توجّه التصوير والنحت في عصر القيصرة إليزابيت بتروفنا لخدمة العمارة، وكان معظم الفنانين الذين خدموها إيطاليين. وكانت موضوعات رسوم السقوف أسطورية أبرزت الفراغ الوهمي في المنظر. ومع اقتراب القرن الثامن عشر انتشر تصوير الشخصيات المرموقة والموضوعات الوطنية، وابتكر اتجاه جديد بعيداً عن الطابع الأيقوني التقليدي، ولمعت أسماء عدد من الفنانين مثل: أندريه ماتفييف (1701ـ1739) A.Matveev وإيفان نيكيتين (1680ـ1742) I.Neketin والحفّار إيفان سكالوف (1717ـ1757) I.Sakalov مؤسس مدرسة الحـفر الروسية، وإيفان فيشينياكوڤ (1699ـ1761) I.Fisheniakov الذي تتلمذ على كارافاجيو Caravaggio. وفي عام 1757 أصدر مجلس الأعيان قانوناً يقضي بإنشاء أكاديمية الفنون، واستفاد المتفوقون من منح دراسية خـارج البلاد، وكان أول الدارسين أنطون لوسينكو (1737ـ1773) A.Losenko في فرنسا.
كانت موضوعات الحفر الأساسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الصور الشخصية والمناظر ورسوم الكتب. وزاول الحفر علـى المعدن معماريون مثل: ماثيـو كازاكـوف وفاسيلـي باجينـوف، ومصورون مثـل: أوريست كيبرينسكي (1782ـ1836) O.Kiprenski . وتكوّنت مدرسة أكاديمية في النحت الروسي، ضمت فيدوت شوبين (1740ـ1805) F.Choben و ميخائيل كوزلوفسكي M.Kozlovski (1753- 1802) و فيودوسي شيدرين (1751ـ1825) F.Shedren . وفي مجال فن الديكور المسرحي، عمل في روسية خبراء إيطاليون وفنانون روس.
شهد القرن التاسع عشر نهضة في الحفر (حموض على المعدن)، وعمل في هذا المجال مصّورون مثل: إيفـان شيشكيـن (1832ـ1898) I.Sheshken وإليا ريبين (1844ـ1930) E.Repin وڤالنتين سيروڤ[ر] (1865ـ1911) V.Serov .
من أهم مظاهر النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشوء تجمع «الفنانون الجوالون» ويضم الفنانين الرافضين للفن البرجوازي السائد، والداعين إلى فن يخدم الشعب، تألف هذا التجمع في عام 1870 بمبادرة من الفنانين: فاسيلي بيروف (1833ـ1882) F.Perov و نيكولاي غي (1831ـ1894) N.Ge وإيفان كرامسكوي (1837ـ1887) I.Kramskoi ، ونقلوا معارضهم من مدينة إلى أخرى، وامتازت أعمال بعضهم بالقوة التعبيرية. كما تطور النحت الروسي بتأثير مباشر من تصوير (الجّوالين) وكانت موضوعاتهم من الحياة المعاصرة.
مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وُلدت في أسلوب الفن الحديث نزعة إلى تآلف فني مع العمارة بمساعدة النحت والتصوير. وتجلى أسلوب (الحديث) في التصوير الجـداري بأعمال ميخائيل فروبل (1856ـ1910) M.Vroubel وفيكتور فاسنيتسوف وميخائيل نيستيروف (1862ـ1942) M.Nesterov . وعمل في المسرح في هذه الفترة، مصورون كبار مثل: فروبل وفاسنيتسوف، وسيروف والانطباعيون كاستانتين كاروفين (1861ـ1939) K.Karoven وأليكساندر غالوفين (1863ـ1930) A.Galoven .
استمرت تقاليد الحفر الملون على الخشب إلى القرن العشرين مع إليا ساكالـوف (1890ـ1968) E.Sakalov وإيفان بافلوف (1872ـ1951) E.Bavlov وانتشر الحفر على اللينوليوم، وظهرت نزعة اتصفت بالرومانسية وبالتضاد القوي عند أليكسي كرافتشينكو (1889ـ1940) A.Kravetchenko ونيكولاي كوبريانوف (1894ـ1933) N.Koperianov وبدأ : فلاديمير تاتلين[ر] V.Tatlin، وكازيمير ماليفيتش (1878ـ1935) K.Malevitch ، وبافل فيلونوف (1881ـ1941) P.Filonov تجاربهم الطليعية في المسرح بدءاً من عام 1910 مستخدمين أساليب تكعيبية ومستقبلية.
وظهرت في روسيا في هذه المرحلة، جماعات فنية عدة مثل: جماعة «الفن الجديد»، و«اتحاد الشباب» و«شب الديناري» وتجمعات أخرى كثيرة، وكانت على اتصال بالفن الغربي، وقد كان لبعض الفنانين دور رائد في الفن العالمي: مثل فاسيلي كاندينسكي (1866ـ1944) V.Kandenski وماليفيتش، ومارك شاغال[ر] (1887ـ1985) M.Chagal وتاتلين.
غيرت الثورة الروسية (1917) الأحوال في البلاد، ولكن حركة تطور الفن لم تنقطع، ففي الأعوام الأولى حافظ كثير من التجمعات الفنية على تقاليدهم السابقة، وظهرت بعض التجمعات الطليعية، بهدف خلق فن ثوري وصاف، ومن بين هذه التجمعات جماعة «اليساريين»، لكن الفن اليساري لم يجد سنداً.
في الثالث والعشرين من نيسان عام 1932صدر في صحيفة «البرافدا» توجيه سياسي يقضي بإعادة تنظيم التجمعات الأدبية ـ الفنية. وفي المؤتمر الأول للكتاب السوفييت (1934) حَدّد الكاتب مكسيم غوركي[ر] العقيدة الاشتراكية. وبدأ صراع الأفكار، وراح النقد الفني يعادي كل من يبتعد عن الرؤية الواقعية ويعده معارضاً، وكان فيلونوف يرسم دون أمل بالعرض، واختفت أعمال ماليفيتش. وظهرت في الساحة موضوعات البطولة والانتصارات وبناء الاشتراكية وهيمنت على المعارض. أما في النحت فقد طغت مواضيع الثورة، وزينت محطات الميترو وواجهات الأبنية، وأقيمت المعارض العالمية والمحلية.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، دخلت موضوعات جديدة في الفن الروسي، وترسخت تقاليد الثلاثينيات الواقعية المثالية في التصوير، وحوكم الجميع من خلال هذا المعيار، بزعامة رئيس أكاديمية الفن في الاتحاد السوڤييتي (1947) أليكساندر غيراسيموف (1881ـ1963) V.Gerasimov ، واتهم فافورسكي وبرونيه بميولهما للشكلانية المعادية للوطن. كما اتهمت في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات الشخصيات الفنية الكبيرة (باللافكرية).
في النصف الثاني من الخمسينيات، وبعد التغيير السياسي، صدر توجيه بإحياء الحياة الفنية. وحدث تطور أفقد تقاليد الثلاثينيات زخمها، وأغنت تجربة أليكساندر دينيكا (1899ـ1969) A.Deineka تجارب مجموعة من الشباب، سمّاها النقد الفني (الأسلوب القاسي). رفضت تصوير الواقع، وفضّلت تصوير الحياة دون تجميل، وكان من أبرز أعضائها: نيكولاي أندرونوف (1929) N.Andronov وغيلي كورجيوف (1925) G.Korjiov . وكانت مشكلات فن الحفر قريبة من مشكلات التصوير.
وفي عام 1962 زار خروتشوف (الزعيم السوڤييتي) معرض «30 سنة لاتحاد فناني موسكو»، ناقش فيه الفنانين وهاجم النماذج الضّارة والنافلة في الإبداع المعاصر. بعد هذا التاريخ تغيّر الجو الفني العام، فمُنِعت تجمعات فنية من العرض، وفُصل فنانون من اتحادهم. ونالت بعض التجارب الخاصة، ولاسيما تلك التي تقدم الحياة والفن تقديماً مثالياً، دعماً حكومياً. وتألّفت مجموعات غير رسمية، منها ما كان مفهومه (عدم واقعية الواقع)، وبرز منها النحات إرنست ني ازفستني (1925) E.Neizvestniy الذي طوّر رموزاً دراماتيكية شكلية. وقدّم ريبين Repin الحياة المعاصرة بأسلوب نقدي، وبرزت في عام 1962حركة «فنانو القوى المتحركة»، وكان هدفها تطوير تقاليد الفن الطليعي الروسي (ماليفيتش، وتاتلين، وغابو).
وفي عام 1974 افتتح في الهواء الطلق المعرض الفني الأول للفنانين غير الرسميين، في منطقة (يوغازابدنايا)، لكن الشرطة تدخلت وسُحق المعرض بالبلدوزرات.
وظهرت في السبعينيات توجهات مميزة، اشتراكية المضمون، قومية الشكل، عالمية الروح، وبرز يفيسه مويسينكو (1916ـ1988) E.Moiseenko بلوحاته الإيقاعية. وفي مجال الحفر، ظهرت مدارس قومية، سعت إلى إظهار الحياة المعاصرة، وفيما بين عامي 1970 و1980 تطور الحفر تطوراً كبيراً. وظهر كثير مـن الأعمـال النصبيـة النحتيـة، وتميّـزت بواقعيتها المباشرة، وبرزت تكوينات ميخائيل أنيكوشين (1917) M.Anekochen، وأوليغ كوموف (932) O.Komov . وظهر بدءاً من هذه الحقبة إحساس كبير بالمعاصرة في أعمال بارانوف Baranov، وأليكساندر بورغانوف (1935) A.Bourganov وآخرين. وأما في مجال الفن المسرحي، فقد تطور البحث عن إمكانيات جديدة لعناصر الديكور المسرحي لتشكيل عالم معاصر خاص.
في الثمانينـيات (بعـد البيريسترويكا) عاد الفن إلى سابق عهده، وأعيد عرض كل الأعمال التي رُفضت سابقاً، وفُتحـت الأبـواب الواسعـة أمـام الفن العالمي.وتميز إيريك بولاتوف (1933) E.Bulatov، وإيليا كاباكوف (1933) I.Kabakov وليف تابينكين (1952) L.Tabenkin، وأوليغ كوبيستيانسكي (1954) O.Kopistianski وإيفان لوبينيكوف (1951) I.Lobinnekov وآخرون، وتـم التأكيد على تعدد وجوه الحياة.
نزار صابور
Russia - Russie
الفن والعمارة في روسيا
(ق 15 ـ ق 20)
مع اعتناق روسيا الديانة المسيحية في نهاية الألفية الأولى، وانتشار نفوذ بيزنطة فيها، تطّور الفن الروسي النابع من أصل بيزنطي، مكوناً تقاليد وملامح خاصة، عُرف بها.
العمارة في روسيا: أراد إيفان الثالث إبان حكمه تطوير مظهر موسكو لتكون جديرة بأن تحل محل بيزنطة، فاستعان بمعماريين من إيطاليا. كان أشهرهم أرستوتيل فيورافنتي A.Fioraventi الذي درس أسلـوب البناء المحلي، والبيئة وحاجتها، فاتّخذ مع زملائه الآخرين، المسقط البيزنطي القائم الزوايا لرقعة الأرض والقبة ذات الشكل البصلي، ولكنّه أضاف بعض العناصر الإيطالية.
في القرن السادس عشر أجرى المعماريون الروس والأجانب تجارب كثيرة للوصول إلى طـراز معمـاري يجمـع بين الجمال والاقتصاد. واتجهت العمارة نحو السقوف المعقودة، مثل كنيسة «عذراء الدن»، وجُرّبت مواد جديدة لبناء القباب، وبنيت كنيسة «كولومنسكـوي» بالطـراز الجديد عام 1532.
كاتدرائية القديس باصيل المنَعَّم (يمين) التي بنيت في القرن السادس عشر وبرج سباسكايا (يسار) أبرز أبراج الكرملين |
في القرن السابع عشر استعملت الأحجار في أساسات المباني، واستمرت العمارة الخشبية. واعتُمد حاجز خشبي داخل الكنيسة، يفصل بين مكان المصلّين وإقامة الطقوس، واهتم الفنانون برسم الأيقونات عليه. وفي نهاية القرن تميّز الأسلوب المعماري (الباروك الروسي barocco) بمظهر الازدحام في زخرفة الداخل والخارج.
حكم بطرس الأكبر روسيا بين عامي 1689ـ1725. وفي عام 1703 شرع في بناء مدينـة سانت بطرسبورغ (ليننغراد) بالحجر والإسمنت. فاستدعى فنانين أجانب إلى روسيا، وأوفد الموهوبين للدراسة في الخارج، وأعلن المدينة عاصمة للدولة الروسية في عام 1714. اعتمد بطرس الأكبر على مهندسين إيطاليين وفرنسيين وألمان، وكان المعماري ميخائيل زمتسوف (1688ـ1743) M.Zemtsov الروسي الوحيد بينهم.
في سنة 1713 بدأ المعمار الإيطالي دومينيكو تريتسيني D.Trezzini ببناء كنيسة «ألكسندرو ـ نيفسكايا لافرا» أهم أديرة سانت بطرسبورغ، ومن أعماله أيضاً «القصر الصيفي» وهو خليط من الطراز الروسي والفلمنكي. أما الحدائق الصيفية والإرميتاج وقصر مارلي فقد صممها ونفّذها الفرنسي ليبلون (1679ـ1719) Le Blond .
في عصر القيصرة أليزابيت بتروفنا (1741ـ1761) راجت إقامة المنازل الريفية خارج المدن، وإقامة المنشآت الحكومية مثل أكاديمية الفنون الجميلة في بطرسبرغ. وبرز المعمار الإيطالي راستريلّي (1700ـ1771) F.Rastrelli الذي استعمل العناصر المعمارية الغربية مطعمة بالطابع المحلي. أشهر أعماله - القصر الشتوي، وكنيسة (دير سمولين) 1750. وتميّز المعمار ديمتري أوختومسكي (1719ـ1774) D.Okhtomski .
القصر الصيفي الذي بناه دومينيكو ترتسيني في سان بطرسبرغ بين 1710ـ1712 |
حكمت كاترين الثانية روسيا بين عامي 1762ـ1796، وصار البناء في عصرها وثيق الصلة بالحياة، وأدى اهتمامها بتاريخ روسية إلى إحداث نهضة دينية بيزنطية الطراز، فهيمن الطابع الاتباعي (الكلاسيكي)، وعُهد إلى المعمار الإيطالي أنطونيو رينالدي (1709ـ1790) A.Rinaldi ، بالأعمال الرسمية. وكان أول من عمل بالطراز الجديد المعمار جورج فلتن (1730ـ1801) G.Felten ، والمعمار إيفان ستاروف (1743ـ1808) E.Starov . واستدعـي المعمار الاسكتلنـدي تشارلـز كامـيرون (1730ـ1812) Ch.Cameron ، فأعاد إنشاء الجناح الخـاص للقيصـرة بالقصر الكبير، ويظهر في قصر بافلوفسك توجه الذوق في نهاية القرن الثامن عشر إلى الطراز الاتباعي الجديد (النيوكلاسيكي) وامتزج مع الطراز الاتباعي.
تولى الدوق بول عرش البلاد سنة 1796، واشتهر في زمنه المعمار ماثيو كازاكوف (1738ـ1812) M.Kazakov بأسلوبه الذي تجلى في جامعة موسكو، وفيها ظهر ميله إلى الغرف المستديرة والأعمدة الداخلية، كما برز المعمار جاكومو كوارينغي (1744ـ1817) G.Quarenghi ، وفي عام 1890 ظهر الأسلـوب الحديث moderne باعتماد التقانات الجديدة في العمارة واستعمـال المعـادن والزجاج، والاهتمام بالتشكيل واستخدام الأعمال التصويرية الجدارية، وفيه تميز المعمار فيودور شيختيل (1859ـ1926) F.Chekhtel .
في عشرينات القرن العشرين أثّرت الحركة العقلانية الجديـدة فـي العمارة الأوربية، والعمارة الروسية، ولكنها رسخت علم جمال معماري جديد، وتشكلت الأبنية من حجوم تعبيرية من الإسمنت المسلّح، والسطوح الزجاجية الهائلة، في تكوينات فراغية حُرّة، وتجلت الحركة الجديدة هذه في النزعة البنائية[ر]، وكان ممثلها المعمار كونستانتين ميلنيكوف (1890ـ1974) K.Melnekov .
ارتبط تطور العمارة بعد ثورة 1917 بالاقتصاد والتقانات المعمارية، وفي منتصف العشرينات ظهرت مساكن شعبية، وأبنية اجتماعية رسمية، وأندية عمّالية وروضات أطفال، وشارك في مخططات هذه المشروعات، معماريون (بنائيون). وبلغ الاهتمام أشده فـي إنشـاء مدن جديدة (مدن المستقبل)، وكـان فيها كثير من الخيال، مثل مشروعات: أليكسي شوسيف (1873ـ1949)A.Shosev و ايفـان جولتوفسكي (1867ـ1959) E.Goltofski .
ظهرت في الثلاثينات من القرن العشرين مدن صناعية، وظهرت معها مساكن ومدن جديدة. وفي النصف الثاني من تلك الحقبة برزت نزعة اعتمدت إظهار الضخامة والفخامة في العمارة لتكون صورة للنظام، فأُحدثت الأبنية الإداريـة والمخصصة للسفر والاستجمام. وبُني ميترو موسكو (1935)، وقد شارك في بنائه المعماريون: أليكسي دوشكين (1903ـ1977)A.Doshkin و إيفان فومين (1872ـ1936) E.Fomen وآخرون. بعد الحرب العالمية الثانية(1945) أعيد إنشاء المدن والقرى المدمّرة وإحياؤها، وبعثت بعض تقاليد عمارة ما قبل الحرب، المتميزة بشكلها المعماري التزييني الهائل. وفي نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات شيدت في موسكو أبنية مرتفعة للمعماريين: أليكسي دوشكين، و أركادي موردفينوف (1896ـ1964) A.Mordfinov وفلاديمير غيليفريخ (1885ـ1967)V.Gelefrekh وغيرهم. وفي النصف الثاني من الخمسينات والستينات، حدث تحول تجلى بالتوجه إلى البناء الاقتصادي العملي، فصارت العمارة نمطية رتيبة. ولكنها مالبثت أن تخلصت من نمطيتها تلك في الثمانينات باحتكاكها مع خبرة العمارة العالمية وأبحاثها.
الفن في روسيا: ازدهر الرسم الجداري في روسيا القديمة بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، وبرز الرسام غريك فيوفان G.Feofan (نحو1340)، والرسّام أندريه روبليڤ A.Rublev المتميّز بشاعريته وعمق أعماله، وديونيسي (1440ـ1503) Deonessi . ووصل النحت النافر إلى مستـوى عالٍ في كنائس فلاديمير وسوزدل، وتطورت في القرن السادس عشر الطباعة الخشبية في الكتب. وفي القرن السابع عشر طغت السمة التزيينية على الرسوم الجدارية، التي غطت جدران الكنائس، وانتشرت طباعة المعدن.
بدأ التغيير في روسيـا زمن بطرس الأول في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، إذ نادى بالانفتاح على الغرب، وصار الفن دنيوياً، بعد أن كان تحت سلطة الكنيسة. وفي عام (1702) أصدر القيصر منشوراً دعا فيه المصورين القدوم إلى روسيا، وأرسل أول فريق إلى الغـرب لدراسة الفن في عام (1716). كان نحّات القصر، الإيطالي راستريلّي الأب Rastrelli. وقد تطـور النحت ضمن الأسلوب الأوربي الباروكي ـ الاتباعي.
توجّه التصوير والنحت في عصر القيصرة إليزابيت بتروفنا لخدمة العمارة، وكان معظم الفنانين الذين خدموها إيطاليين. وكانت موضوعات رسوم السقوف أسطورية أبرزت الفراغ الوهمي في المنظر. ومع اقتراب القرن الثامن عشر انتشر تصوير الشخصيات المرموقة والموضوعات الوطنية، وابتكر اتجاه جديد بعيداً عن الطابع الأيقوني التقليدي، ولمعت أسماء عدد من الفنانين مثل: أندريه ماتفييف (1701ـ1739) A.Matveev وإيفان نيكيتين (1680ـ1742) I.Neketin والحفّار إيفان سكالوف (1717ـ1757) I.Sakalov مؤسس مدرسة الحـفر الروسية، وإيفان فيشينياكوڤ (1699ـ1761) I.Fisheniakov الذي تتلمذ على كارافاجيو Caravaggio. وفي عام 1757 أصدر مجلس الأعيان قانوناً يقضي بإنشاء أكاديمية الفنون، واستفاد المتفوقون من منح دراسية خـارج البلاد، وكان أول الدارسين أنطون لوسينكو (1737ـ1773) A.Losenko في فرنسا.
كانت موضوعات الحفر الأساسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الصور الشخصية والمناظر ورسوم الكتب. وزاول الحفر علـى المعدن معماريون مثل: ماثيـو كازاكـوف وفاسيلـي باجينـوف، ومصورون مثـل: أوريست كيبرينسكي (1782ـ1836) O.Kiprenski . وتكوّنت مدرسة أكاديمية في النحت الروسي، ضمت فيدوت شوبين (1740ـ1805) F.Choben و ميخائيل كوزلوفسكي M.Kozlovski (1753- 1802) و فيودوسي شيدرين (1751ـ1825) F.Shedren . وفي مجال فن الديكور المسرحي، عمل في روسية خبراء إيطاليون وفنانون روس.
شهد القرن التاسع عشر نهضة في الحفر (حموض على المعدن)، وعمل في هذا المجال مصّورون مثل: إيفـان شيشكيـن (1832ـ1898) I.Sheshken وإليا ريبين (1844ـ1930) E.Repin وڤالنتين سيروڤ[ر] (1865ـ1911) V.Serov .
من أهم مظاهر النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشوء تجمع «الفنانون الجوالون» ويضم الفنانين الرافضين للفن البرجوازي السائد، والداعين إلى فن يخدم الشعب، تألف هذا التجمع في عام 1870 بمبادرة من الفنانين: فاسيلي بيروف (1833ـ1882) F.Perov و نيكولاي غي (1831ـ1894) N.Ge وإيفان كرامسكوي (1837ـ1887) I.Kramskoi ، ونقلوا معارضهم من مدينة إلى أخرى، وامتازت أعمال بعضهم بالقوة التعبيرية. كما تطور النحت الروسي بتأثير مباشر من تصوير (الجّوالين) وكانت موضوعاتهم من الحياة المعاصرة.
مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وُلدت في أسلوب الفن الحديث نزعة إلى تآلف فني مع العمارة بمساعدة النحت والتصوير. وتجلى أسلوب (الحديث) في التصوير الجـداري بأعمال ميخائيل فروبل (1856ـ1910) M.Vroubel وفيكتور فاسنيتسوف وميخائيل نيستيروف (1862ـ1942) M.Nesterov . وعمل في المسرح في هذه الفترة، مصورون كبار مثل: فروبل وفاسنيتسوف، وسيروف والانطباعيون كاستانتين كاروفين (1861ـ1939) K.Karoven وأليكساندر غالوفين (1863ـ1930) A.Galoven .
استمرت تقاليد الحفر الملون على الخشب إلى القرن العشرين مع إليا ساكالـوف (1890ـ1968) E.Sakalov وإيفان بافلوف (1872ـ1951) E.Bavlov وانتشر الحفر على اللينوليوم، وظهرت نزعة اتصفت بالرومانسية وبالتضاد القوي عند أليكسي كرافتشينكو (1889ـ1940) A.Kravetchenko ونيكولاي كوبريانوف (1894ـ1933) N.Koperianov وبدأ : فلاديمير تاتلين[ر] V.Tatlin، وكازيمير ماليفيتش (1878ـ1935) K.Malevitch ، وبافل فيلونوف (1881ـ1941) P.Filonov تجاربهم الطليعية في المسرح بدءاً من عام 1910 مستخدمين أساليب تكعيبية ومستقبلية.
أليكساندر دينيكا:«الدفاع عن بيتروغراد 1928» (المتحف المركزي للقوات المسلحة،موسكو) |
غيرت الثورة الروسية (1917) الأحوال في البلاد، ولكن حركة تطور الفن لم تنقطع، ففي الأعوام الأولى حافظ كثير من التجمعات الفنية على تقاليدهم السابقة، وظهرت بعض التجمعات الطليعية، بهدف خلق فن ثوري وصاف، ومن بين هذه التجمعات جماعة «اليساريين»، لكن الفن اليساري لم يجد سنداً.
في الثالث والعشرين من نيسان عام 1932صدر في صحيفة «البرافدا» توجيه سياسي يقضي بإعادة تنظيم التجمعات الأدبية ـ الفنية. وفي المؤتمر الأول للكتاب السوفييت (1934) حَدّد الكاتب مكسيم غوركي[ر] العقيدة الاشتراكية. وبدأ صراع الأفكار، وراح النقد الفني يعادي كل من يبتعد عن الرؤية الواقعية ويعده معارضاً، وكان فيلونوف يرسم دون أمل بالعرض، واختفت أعمال ماليفيتش. وظهرت في الساحة موضوعات البطولة والانتصارات وبناء الاشتراكية وهيمنت على المعارض. أما في النحت فقد طغت مواضيع الثورة، وزينت محطات الميترو وواجهات الأبنية، وأقيمت المعارض العالمية والمحلية.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، دخلت موضوعات جديدة في الفن الروسي، وترسخت تقاليد الثلاثينيات الواقعية المثالية في التصوير، وحوكم الجميع من خلال هذا المعيار، بزعامة رئيس أكاديمية الفن في الاتحاد السوڤييتي (1947) أليكساندر غيراسيموف (1881ـ1963) V.Gerasimov ، واتهم فافورسكي وبرونيه بميولهما للشكلانية المعادية للوطن. كما اتهمت في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات الشخصيات الفنية الكبيرة (باللافكرية).
في النصف الثاني من الخمسينيات، وبعد التغيير السياسي، صدر توجيه بإحياء الحياة الفنية. وحدث تطور أفقد تقاليد الثلاثينيات زخمها، وأغنت تجربة أليكساندر دينيكا (1899ـ1969) A.Deineka تجارب مجموعة من الشباب، سمّاها النقد الفني (الأسلوب القاسي). رفضت تصوير الواقع، وفضّلت تصوير الحياة دون تجميل، وكان من أبرز أعضائها: نيكولاي أندرونوف (1929) N.Andronov وغيلي كورجيوف (1925) G.Korjiov . وكانت مشكلات فن الحفر قريبة من مشكلات التصوير.
وفي عام 1962 زار خروتشوف (الزعيم السوڤييتي) معرض «30 سنة لاتحاد فناني موسكو»، ناقش فيه الفنانين وهاجم النماذج الضّارة والنافلة في الإبداع المعاصر. بعد هذا التاريخ تغيّر الجو الفني العام، فمُنِعت تجمعات فنية من العرض، وفُصل فنانون من اتحادهم. ونالت بعض التجارب الخاصة، ولاسيما تلك التي تقدم الحياة والفن تقديماً مثالياً، دعماً حكومياً. وتألّفت مجموعات غير رسمية، منها ما كان مفهومه (عدم واقعية الواقع)، وبرز منها النحات إرنست ني ازفستني (1925) E.Neizvestniy الذي طوّر رموزاً دراماتيكية شكلية. وقدّم ريبين Repin الحياة المعاصرة بأسلوب نقدي، وبرزت في عام 1962حركة «فنانو القوى المتحركة»، وكان هدفها تطوير تقاليد الفن الطليعي الروسي (ماليفيتش، وتاتلين، وغابو).
وفي عام 1974 افتتح في الهواء الطلق المعرض الفني الأول للفنانين غير الرسميين، في منطقة (يوغازابدنايا)، لكن الشرطة تدخلت وسُحق المعرض بالبلدوزرات.
وظهرت في السبعينيات توجهات مميزة، اشتراكية المضمون، قومية الشكل، عالمية الروح، وبرز يفيسه مويسينكو (1916ـ1988) E.Moiseenko بلوحاته الإيقاعية. وفي مجال الحفر، ظهرت مدارس قومية، سعت إلى إظهار الحياة المعاصرة، وفيما بين عامي 1970 و1980 تطور الحفر تطوراً كبيراً. وظهر كثير مـن الأعمـال النصبيـة النحتيـة، وتميّـزت بواقعيتها المباشرة، وبرزت تكوينات ميخائيل أنيكوشين (1917) M.Anekochen، وأوليغ كوموف (932) O.Komov . وظهر بدءاً من هذه الحقبة إحساس كبير بالمعاصرة في أعمال بارانوف Baranov، وأليكساندر بورغانوف (1935) A.Bourganov وآخرين. وأما في مجال الفن المسرحي، فقد تطور البحث عن إمكانيات جديدة لعناصر الديكور المسرحي لتشكيل عالم معاصر خاص.
في الثمانينـيات (بعـد البيريسترويكا) عاد الفن إلى سابق عهده، وأعيد عرض كل الأعمال التي رُفضت سابقاً، وفُتحـت الأبـواب الواسعـة أمـام الفن العالمي.وتميز إيريك بولاتوف (1933) E.Bulatov، وإيليا كاباكوف (1933) I.Kabakov وليف تابينكين (1952) L.Tabenkin، وأوليغ كوبيستيانسكي (1954) O.Kopistianski وإيفان لوبينيكوف (1951) I.Lobinnekov وآخرون، وتـم التأكيد على تعدد وجوه الحياة.
نزار صابور