سعود (آل ـ)
العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية،أصلها من الأحساء جدهم المؤسس مانع المريدي، قدم ولده ربيعة من جهات هجر نحو منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر ميلادي إلى اليمامة، واستقر مع عائلته وأتباعه بالمليبد وغصيبة، وعمرها من بعده بنوه وأحفاده، وأطلقوا عليها اسم: الدرعية، وقد يكون ذلك نسبة لابن درع صاحب اليمامة اعترافا بجميله، وهو الذي أقطعهم تلك الناحية، ثم لم يلبث هؤلاء الأبناء أن توسعوا في ممتلكاتهم،وأصبحت لهم عصبة وسطوة منذ أيام موسى بن ربيعة.
تداول الإمارة من بعده أولاده وأحفاده، وهكذا إلى أن كانت أيام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان سنة 1139هـ/1726م. في تلك الحقبة كان الضعف يدب في أوصال الدولة العثمانية، وكان بعض الزعماء العرب المحليين يتمردون على سلطانها بهدف الاستقلال عنها، ومع أن آل سعود في تلك الآونة كانوا يبسطون سيطرتهم على جانب من أراضي بني حنيفة والنعمية والوصيل، بيد أنهم لم يكونوا مؤهلين للقيام بمثل هذا الدور، ولم يكن لهم عظيم شأن في نجد وماحولها، وإنما كانوا كغيرهم من شيوخ وسط الجزيرة العربية كآل معمر، وآل مرة، وآل مطير، وآل حميد وغيرهم، ولكن نجم هذه الأسرة بدأ بالسطوع منذ أن وفد إلى الدرعية محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الإصلاحية التي كان لها نتائج مهمة ألقت بظلالها على الأوضاع العامة في المنطقة العربية، لما كانت تحمله من مفاهيم ثورية، نتيجة لواقع التمزق والضياع الذي كان يطغى على بلاد العرب، وتحديداً في وسط جزيرتهم، في هذه الأجواء ظهر محمد ابن عبد الوهاب وهو من أهل العيينة، وراح يدعو إلى نبذ البدع والشوائب التي لحقت بجوهر الدين، وضرورة العودة إلى ينابيع الاسلام الحقيقية المستوحاة من القرآن والسنة، غير أن دعوته هذه لاقت معارضة شديدة من بعض المناوئين الذين أثاروا عليه الأمراء والشيوخ، فلجأ إلى الدرعية سنة 1157هـ/1744م، حيث أكرمه أميرها محمد بن سعود وتبنى دعوته بموجب عهد اتفق فيه الاثنان على أن تكون السلطة السياسية لابن سعود والسلطة الدينية لابن عبد الوهاب، ويمكن اعتبار العام 1158هـ/1745م الذي تم فيه هذا الاتفاق البداية الأولى لقيام دولة آل سعود التي مرت بثلاث مراحل.
المرحلة الأولى
بدأت هذه المرحلة منذ أن اتفق فيها ابن سعود وابن عبد الوهاب، واستمرت أكثر من سبعين سنة، تولى الإمارة فيها محمد بن سعود الذي حكم أكثر من عشرين عاما، أمضى أكثرها في جبهات القتال، فقضى على نفوذ آل معمر، وجرت بينه وبين دهام بن دواس صاحب الرياض عدة وقائع، انتهت بعقد اتفاق قبل بموجبه ابن دواس بالدخول في حلف ابن سعود، غير أن أشد السنوات ضراوة كانت سنة 1178هـ/1765م التي واجه فيها هذا الأخير حاكم الإحساء عريعر آل حميد زعيم بني خالد وحليفه حاكم نجران حسن بن هبة الله، غير أن هذا التحالف انتهى بعدما تمكن محمد بن سعود من استمالة صاحب نجران، فعاد بنو خالد بعدما أوشكت قواتهم أن تطبق على الدرعية.
توفي محمد بن سعود سنة 1179هـ/1766م، وتولى الأمر من بعده أكبر أولاده عبد العزيز، فسار على خطة أبيه، وتمكن من فتح الرياض وألحق الهزيمة بحكام نجران وتوسعت دولته بعد أن ضم إليها الخرج والقصيم وسدير وجبل شمر والأحساء، واستمرت في الاتساع لتصل إلى ساحل عمان وقطر والبحرين والحجاز وعسير، ثم مالبث أن قُتل غيلة في مسجد الدرعية سنة 1218هـ/1803م.
بويع ولده سعود بالإمامة، وكان ذا همة، جمع في شخصيته بين الشدة والحصافة، وصلت الدولة في عهده إلى قلب اليمن ومشارف الشام وجزء كبير من أرض العراق، الأمر الذي أقلق الدولة العثمانية ونال من هيبتها، وخاصة حين أمر أتباعه ودعاته بمنع محمل الحج القادم من الشام واصطنبول من دخول الأماكن المقدسة، وأخرج من كان في مكة والمدينة من القوات العثمانية، فانتدبت الدولة لحربه محمد علي باشا والي مصر، فأرسل حملته الأولى سنة 1247هـ/1831م بقيادة ولده طوسون، غير أنها هزمت بمنطقة الصفراء قرب المدينة، فجهز حملته الثانية وقام مع ولده الثاني ابراهيم بالإشراف عليها، فاستولت على الحجاز ومدنه وتوفي سعود في هذه الأثناء، وتولى دفة الحكم من بعده ولده عبد الله الذي لم يكن بمقدرة أبيه وخبرته العسكرية، ولسوء إدارته الحربية استسلم لابراهيم باشا الذي دخل الدرعية وأمر بتهديمها، وأرسله مع بعض أفراد حاشيته إلى اصطنبول فأعدم فيها سنة 1224هـ/1818م
المرحلة الثانية
نفى ابراهيم باشا معظم أفراد الأسرة السعودية إلى مصر، باستثناء قلة منهم تمكنت من الهرب إلى مجاهل الصحراء، فاستغل محمد بن مشاري بن معمر وهو أمير محلي من العيينة فراغ السلطة في الدرعية، فانتقل إليها داعياً لنفسه، غير أن أمره لم يطل لأن مشاري بن سعود شقيق الإمام عبد الله تمكن من العودة إلى الدرعية واسترد إمارته، ولكن ابن معمر غدر به وسلمه إلى العثمانين فمات في سجنهم، الأمر الذي جعل تركياً بن عبد الله بن محمد بن سعود يخرج من مخبئه، ويستنفر القبائل أخذا بالثأر، فظفر بابن معمر وقتله واستولى على الدرعية، فانتقلت الإمامة من بيت عمه عبد العزيز بن محمد إلى بيته، وهو جد الفرع السعودي الحاكم اليوم. ومات تركي مقتولاً سنة 1250هـ/ 1834م، فخلفه ابنه فيصل الذي واجه عدة مشكلات، من أهمها نزاعه مع خالد بن سعود الذي كان منفيا في مصر وأعاده محمد علي باشا إلى نجد لإشغال السعوديين بعضهم ببعضهم الآخر، وجرت بينهما حروب انتهت باستسلام فيصل ونفيه إلى مصر، بيد أن النجديين استاؤوا من الأمير خالد لميله إلى العثمانيين، فأخرجوه من الرياض بالوقت الذي تمكن فيه فيصل من الهرب من منفاه والعودة إلى نجد عام 1259هـ/1843م، ليقيم دولته من جديد، ولكن مع اعترافه بالتبعية إلى الدولة العثمانية فاستقام الأمر بعودته ودانت له أجزاء مهمة من وسط الجزيرة العربية، كالإحساء والقطيف ووادي الدواسر وعسير وجبل شمر والقصيم، تميز حكمه بالاستقرار حتى وفاته سنة 1282هـ /1865م ترك فيصل أربعة أولاد، هم على التوالي : عبد الله وسعود ومحمد وعبد الرحمن، تولى الإمامة من بعده كبيرهم عبد الله،وفي عهده حدثت فتنة عمياء بينه وبين أخيه سعود،انتهت بوفاة سعود أولا سنة 1291هـ/1875م وعبد الله سنة 1307هـ/1889م،،وعلى أنقاض الحرب الأهلية هذه ظهر نفوذ أسرة آل رشيد ( حكام جبل شمر) فدخلوا إلى الرياض وانقضوا على إمارتها بعد معركة المليداء سنة 1308ه/1890م مابين عبد الرحمن بن فيصل (والد الملك عبد العزيز ) ومحمد بن رشيد، الذي تم له السيطرة على كامل نجد، بالوقت الذي هاجر فيه عبد الرحمن بأهله وذويه إلى الكويت بانتظار ميلاد الدولة السعودية المعاصرة.
المرحلة الثالثة
استقر الإمام عبد الرحمن بالكويت، بعد معاناة شديدة بين وعثاء البادية والبحرين وقطر،بذل في أثنائها أكثر من محاولة لاسترداد الرياض، مستغلا ما شجر من خلاف بين آل الصباح وآل الرشيد، ولما أخفق في ذلك، تمكن ولده عبد العزيز من تحقيق هذا الهدف سنة 1319هـ/1902م، حينما اقتحم بمجموعة قليلة من الهجانة والفرسان مدينة الرياض وقتل عاملها من جهة آل الرشيد وتابع أعماله العسكرية، فاستعاد نجد بكاملها وقضى على نفوذ آل الرشيد بعد أكثر من عشرين سنة من الاحتراب، وقبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى رأى عبد العزيز أن الدولة العثمانية آخذة في التصدع و الانهيار،فانتهز خروجها من حرب البلقان منهكة وانقض على الإحساء،وطرد الحامية العثمانية منها سنة 1332هـ/1913م، وفي سنة 1341هـ/1923م وجه قواته إلى عسير فأخضعها و قضى على نفوذ آل عايض، ثم التفت إلى الحجاز و تمكن من التغلب على مدنه و القضاء على نفوذ الأشراف سنة 1344هـ/1925م، وتم توحيد نجد والحجاز والإحساء وعسير تحت اسم المملكة العربية السعودية، ونودي بعبد العزيز ملكاً عليها.
واجه الملك عبد العزيز بعض المشكلات الداخلية، كمشكلة الأخوان (سكان البادية) الذين وجدوا في إدخال بعض الإصلاحات خروجاً على مبادئ الدين، غير أنه تمكن من القضاء عليهم نهائيا سنة 1348هـ/1929م، وكذلك مشكلة الأدارسة في عسير التي نجم عنها توتر العلاقات مع إمام اليمن يحيى حميد الدين، قبل أن يتفقا على إبرام معاهدة الصلح الموقعة بتاريخ 1356هـ/1937م. أما على مستوى العلاقات مع العالم الخارجي، فقد التزم الملك عبد العزيز سياسة الحياد، بيد أنه انضم إلى الحلفاء شكليا عند نهاية الحرب العالمية الثانية، وعد ذلك مدخلا لإقامة علاقات متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. وبعد نهاية الحرب اتجه نحو تحديث المملكة بالاتفاقيات التي أبرمت مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعهد الأمريكيون بموجبها بالتنقيب عن النفط واستثماره، إضافة إلى العناية بالجيش وتسليحه بإشراف قاعدتهم العسكرية في الظهران.
كان الملك عبد العزيز من أبرز القادة العرب المشاركين في تأسيس جامعة الدول العربية، وله مواقف رافضة تجاه سياسة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد شارك بجزء من قواته في حرب 1948م إلى جانب القوات المصرية، وكان موقفه مناهضاً لمشاريع الأحلاف إبان الحرب الباردة، التي انتهجها الهاشميون في كل من العراق والأردن.
بعد وفاة الملك عبد العزيز سنة 1373هـ/1953م تداول الحكم أربعة من أبنائه هم:
ـ سعود بن عبد العزيز: وتولى العرش بعد وفاة والده، واستمر عليه حتى سنة 1384هـ/1964م، حين نزل عنه لأخيه فيصل بناء على طلب من العائلة المالكة، ازدادت في عهده مشاركة المملكة في الأنشطة السياسية عربياً ودولياً، وعلى خلاف ماكانت عليه سياسة والده من الهاشميين، فإن علاقته بهم كانت حسنة، خاصة بعد قيام الوحدة السورية المصرية التي وقفت منها المملكة موقفاً معادياً، وساءت العلاقة أكثر بعد قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ/1962م لانحياز الملك سعود إلى جانب آل حميد الدين.
أما على الصعيد الدولي فقد توثقت علاقة السعوديين بالولايات المتحدة في جميع المجالات، في حين لم يكن له مع الاتحاد السوفييتي حتى مجرد تمثيل دبلوماسي بسبب موقف السعودية الرافض للعقيدة الشيوعية.
ـ فيصل بن عبد العزيز: انتقلت إليه السلطة بعد خلع أخيه، واستمر حتى اغتياله سنة 1395هـ/1975م، تميز حكمه بانتهاج سياسة إصلاحية معتدلة مع التوسع في تنفيذ الخطط الإنمائية وتحديث المؤسسات الرسمية، إضافة إلى محاولته تقليص تبعية المملكة في مجال الاستثمارات النفطية، وعلى الصعيد السياسي، فإن العلاقات المصرية السعودية استمرت على حالها مع حدوث أزمات حادة وصلت في بعض الأحيان إلى مرحلة الصراع المكشوف، الأمر الذي اضطر فيصل إلى تعزيز علاقاته بالأنظمة الملكية في الأردن والخليج وإيران في مواجهة الخطاب القومي الداعي إلى الوحدة العربية الذي تبناه الرئيس جمال عبد الناصر، لكن هذه السياسة تبدلت بعد وفاة عبد الناصر سنة1390هـ/1970م،واندلاع الحرب بين العرب والكيان الصهيوني سنة 1393هـ/1973م، وعلى وجه الخصوص حينما اتجه أنور السادات بعلاقاته إلى الولايات المتحدة وأخرج من كان في مصر من الخبراء السوفييت. وفيما كانت الجهود تبذل من أجل وحدة الصف الإسلامي والتضامن العربي من أجل استعادة الأرض المحتلة وتحرير مدينة القدس، اغتيل الملك فيصل في آذار من عام 1395هـ/1975م وتولى من بعده الملك خالد،الذي استمر على سياسة أخيه والتزم بتحسين علاقاته مع الدول العربية والإسلامية، بيد أن وضعه الصحي وعدم اهتمامه بالسلطة ألقيا بظلالهما على الشأن السياسي حتى وفاته سنة 1403هـ/1982م، فتولى المُلك أخوه الملك الحالي، فهد بن عبد العزيز.
مصطفى الخطيب
العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية،أصلها من الأحساء جدهم المؤسس مانع المريدي، قدم ولده ربيعة من جهات هجر نحو منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر ميلادي إلى اليمامة، واستقر مع عائلته وأتباعه بالمليبد وغصيبة، وعمرها من بعده بنوه وأحفاده، وأطلقوا عليها اسم: الدرعية، وقد يكون ذلك نسبة لابن درع صاحب اليمامة اعترافا بجميله، وهو الذي أقطعهم تلك الناحية، ثم لم يلبث هؤلاء الأبناء أن توسعوا في ممتلكاتهم،وأصبحت لهم عصبة وسطوة منذ أيام موسى بن ربيعة.
المرحلة الأولى
بدأت هذه المرحلة منذ أن اتفق فيها ابن سعود وابن عبد الوهاب، واستمرت أكثر من سبعين سنة، تولى الإمارة فيها محمد بن سعود الذي حكم أكثر من عشرين عاما، أمضى أكثرها في جبهات القتال، فقضى على نفوذ آل معمر، وجرت بينه وبين دهام بن دواس صاحب الرياض عدة وقائع، انتهت بعقد اتفاق قبل بموجبه ابن دواس بالدخول في حلف ابن سعود، غير أن أشد السنوات ضراوة كانت سنة 1178هـ/1765م التي واجه فيها هذا الأخير حاكم الإحساء عريعر آل حميد زعيم بني خالد وحليفه حاكم نجران حسن بن هبة الله، غير أن هذا التحالف انتهى بعدما تمكن محمد بن سعود من استمالة صاحب نجران، فعاد بنو خالد بعدما أوشكت قواتهم أن تطبق على الدرعية.
توفي محمد بن سعود سنة 1179هـ/1766م، وتولى الأمر من بعده أكبر أولاده عبد العزيز، فسار على خطة أبيه، وتمكن من فتح الرياض وألحق الهزيمة بحكام نجران وتوسعت دولته بعد أن ضم إليها الخرج والقصيم وسدير وجبل شمر والأحساء، واستمرت في الاتساع لتصل إلى ساحل عمان وقطر والبحرين والحجاز وعسير، ثم مالبث أن قُتل غيلة في مسجد الدرعية سنة 1218هـ/1803م.
بويع ولده سعود بالإمامة، وكان ذا همة، جمع في شخصيته بين الشدة والحصافة، وصلت الدولة في عهده إلى قلب اليمن ومشارف الشام وجزء كبير من أرض العراق، الأمر الذي أقلق الدولة العثمانية ونال من هيبتها، وخاصة حين أمر أتباعه ودعاته بمنع محمل الحج القادم من الشام واصطنبول من دخول الأماكن المقدسة، وأخرج من كان في مكة والمدينة من القوات العثمانية، فانتدبت الدولة لحربه محمد علي باشا والي مصر، فأرسل حملته الأولى سنة 1247هـ/1831م بقيادة ولده طوسون، غير أنها هزمت بمنطقة الصفراء قرب المدينة، فجهز حملته الثانية وقام مع ولده الثاني ابراهيم بالإشراف عليها، فاستولت على الحجاز ومدنه وتوفي سعود في هذه الأثناء، وتولى دفة الحكم من بعده ولده عبد الله الذي لم يكن بمقدرة أبيه وخبرته العسكرية، ولسوء إدارته الحربية استسلم لابراهيم باشا الذي دخل الدرعية وأمر بتهديمها، وأرسله مع بعض أفراد حاشيته إلى اصطنبول فأعدم فيها سنة 1224هـ/1818م
المرحلة الثانية
نفى ابراهيم باشا معظم أفراد الأسرة السعودية إلى مصر، باستثناء قلة منهم تمكنت من الهرب إلى مجاهل الصحراء، فاستغل محمد بن مشاري بن معمر وهو أمير محلي من العيينة فراغ السلطة في الدرعية، فانتقل إليها داعياً لنفسه، غير أن أمره لم يطل لأن مشاري بن سعود شقيق الإمام عبد الله تمكن من العودة إلى الدرعية واسترد إمارته، ولكن ابن معمر غدر به وسلمه إلى العثمانين فمات في سجنهم، الأمر الذي جعل تركياً بن عبد الله بن محمد بن سعود يخرج من مخبئه، ويستنفر القبائل أخذا بالثأر، فظفر بابن معمر وقتله واستولى على الدرعية، فانتقلت الإمامة من بيت عمه عبد العزيز بن محمد إلى بيته، وهو جد الفرع السعودي الحاكم اليوم. ومات تركي مقتولاً سنة 1250هـ/ 1834م، فخلفه ابنه فيصل الذي واجه عدة مشكلات، من أهمها نزاعه مع خالد بن سعود الذي كان منفيا في مصر وأعاده محمد علي باشا إلى نجد لإشغال السعوديين بعضهم ببعضهم الآخر، وجرت بينهما حروب انتهت باستسلام فيصل ونفيه إلى مصر، بيد أن النجديين استاؤوا من الأمير خالد لميله إلى العثمانيين، فأخرجوه من الرياض بالوقت الذي تمكن فيه فيصل من الهرب من منفاه والعودة إلى نجد عام 1259هـ/1843م، ليقيم دولته من جديد، ولكن مع اعترافه بالتبعية إلى الدولة العثمانية فاستقام الأمر بعودته ودانت له أجزاء مهمة من وسط الجزيرة العربية، كالإحساء والقطيف ووادي الدواسر وعسير وجبل شمر والقصيم، تميز حكمه بالاستقرار حتى وفاته سنة 1282هـ /1865م ترك فيصل أربعة أولاد، هم على التوالي : عبد الله وسعود ومحمد وعبد الرحمن، تولى الإمامة من بعده كبيرهم عبد الله،وفي عهده حدثت فتنة عمياء بينه وبين أخيه سعود،انتهت بوفاة سعود أولا سنة 1291هـ/1875م وعبد الله سنة 1307هـ/1889م،،وعلى أنقاض الحرب الأهلية هذه ظهر نفوذ أسرة آل رشيد ( حكام جبل شمر) فدخلوا إلى الرياض وانقضوا على إمارتها بعد معركة المليداء سنة 1308ه/1890م مابين عبد الرحمن بن فيصل (والد الملك عبد العزيز ) ومحمد بن رشيد، الذي تم له السيطرة على كامل نجد، بالوقت الذي هاجر فيه عبد الرحمن بأهله وذويه إلى الكويت بانتظار ميلاد الدولة السعودية المعاصرة.
المرحلة الثالثة
الملك عبد العزيز |
الملك سعود بن عبد العزيز |
الملك فيصل بن عبد العزيز |
واجه الملك عبد العزيز بعض المشكلات الداخلية، كمشكلة الأخوان (سكان البادية) الذين وجدوا في إدخال بعض الإصلاحات خروجاً على مبادئ الدين، غير أنه تمكن من القضاء عليهم نهائيا سنة 1348هـ/1929م، وكذلك مشكلة الأدارسة في عسير التي نجم عنها توتر العلاقات مع إمام اليمن يحيى حميد الدين، قبل أن يتفقا على إبرام معاهدة الصلح الموقعة بتاريخ 1356هـ/1937م. أما على مستوى العلاقات مع العالم الخارجي، فقد التزم الملك عبد العزيز سياسة الحياد، بيد أنه انضم إلى الحلفاء شكليا عند نهاية الحرب العالمية الثانية، وعد ذلك مدخلا لإقامة علاقات متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. وبعد نهاية الحرب اتجه نحو تحديث المملكة بالاتفاقيات التي أبرمت مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعهد الأمريكيون بموجبها بالتنقيب عن النفط واستثماره، إضافة إلى العناية بالجيش وتسليحه بإشراف قاعدتهم العسكرية في الظهران.
كان الملك عبد العزيز من أبرز القادة العرب المشاركين في تأسيس جامعة الدول العربية، وله مواقف رافضة تجاه سياسة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد شارك بجزء من قواته في حرب 1948م إلى جانب القوات المصرية، وكان موقفه مناهضاً لمشاريع الأحلاف إبان الحرب الباردة، التي انتهجها الهاشميون في كل من العراق والأردن.
بعد وفاة الملك عبد العزيز سنة 1373هـ/1953م تداول الحكم أربعة من أبنائه هم:
ـ سعود بن عبد العزيز: وتولى العرش بعد وفاة والده، واستمر عليه حتى سنة 1384هـ/1964م، حين نزل عنه لأخيه فيصل بناء على طلب من العائلة المالكة، ازدادت في عهده مشاركة المملكة في الأنشطة السياسية عربياً ودولياً، وعلى خلاف ماكانت عليه سياسة والده من الهاشميين، فإن علاقته بهم كانت حسنة، خاصة بعد قيام الوحدة السورية المصرية التي وقفت منها المملكة موقفاً معادياً، وساءت العلاقة أكثر بعد قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ/1962م لانحياز الملك سعود إلى جانب آل حميد الدين.
أما على الصعيد الدولي فقد توثقت علاقة السعوديين بالولايات المتحدة في جميع المجالات، في حين لم يكن له مع الاتحاد السوفييتي حتى مجرد تمثيل دبلوماسي بسبب موقف السعودية الرافض للعقيدة الشيوعية.
ـ فيصل بن عبد العزيز: انتقلت إليه السلطة بعد خلع أخيه، واستمر حتى اغتياله سنة 1395هـ/1975م، تميز حكمه بانتهاج سياسة إصلاحية معتدلة مع التوسع في تنفيذ الخطط الإنمائية وتحديث المؤسسات الرسمية، إضافة إلى محاولته تقليص تبعية المملكة في مجال الاستثمارات النفطية، وعلى الصعيد السياسي، فإن العلاقات المصرية السعودية استمرت على حالها مع حدوث أزمات حادة وصلت في بعض الأحيان إلى مرحلة الصراع المكشوف، الأمر الذي اضطر فيصل إلى تعزيز علاقاته بالأنظمة الملكية في الأردن والخليج وإيران في مواجهة الخطاب القومي الداعي إلى الوحدة العربية الذي تبناه الرئيس جمال عبد الناصر، لكن هذه السياسة تبدلت بعد وفاة عبد الناصر سنة1390هـ/1970م،واندلاع الحرب بين العرب والكيان الصهيوني سنة 1393هـ/1973م، وعلى وجه الخصوص حينما اتجه أنور السادات بعلاقاته إلى الولايات المتحدة وأخرج من كان في مصر من الخبراء السوفييت. وفيما كانت الجهود تبذل من أجل وحدة الصف الإسلامي والتضامن العربي من أجل استعادة الأرض المحتلة وتحرير مدينة القدس، اغتيل الملك فيصل في آذار من عام 1395هـ/1975م وتولى من بعده الملك خالد،الذي استمر على سياسة أخيه والتزم بتحسين علاقاته مع الدول العربية والإسلامية، بيد أن وضعه الصحي وعدم اهتمامه بالسلطة ألقيا بظلالهما على الشأن السياسي حتى وفاته سنة 1403هـ/1982م، فتولى المُلك أخوه الملك الحالي، فهد بن عبد العزيز.
مصطفى الخطيب