جنكيزخان
Genghis Khan - Genghis Khan
جنكيزخان
(549ـ624هـ/1155ـ1227م)
جنكيزخان Jenghis Khan ثاني الفاتحين الآسيويين بعد آتيلا. ومؤسس أوسع امبراطورية عرفها عالم العصر الوسيط، مغولي الجنس. من عشيرة كيات Kiat أحد أفخاذ قبيلة بورجيغين Bordjigin، التي كانت تعد من قبائل الصنف الأول المغولية في أصالة النسب. كانت كيات تنزل عند منابع نهري أونون Onon وكيرولين Kerulen في شمال جبال كنتاي Keantai. وكان والده يسوكاي Ysugai يتولى رئاسة العشيرة. كانت ولادة جنكيزخان -واسمه تيموجين، وهي لفظة صينية تعني الصلب أو الفائق- في دولن ـ بولداق Dulun- Boldaq، الواقعة عند الضفة اليمنى للمجرى الأعلى لـنهر أونون. والمنطقة اليوم في أقصى الحدود الشرقية للاتحاد الروسي.
وقد مازجت الأسطورة حوادث حياة تيموجين الأولى، فقيل إن قطعة دم متجمد كانت في يده عند ولادته. كان أكبر أخوته الذكور الثلاثة والأنثى، ولما بلغ التاسعة خطب له والده على عادة المغول الفتاة بورته Borte' من قبيلة القونغيرات Qongirat النازلة في شمال بوير ـ نور.
قضى يسوكاي بسم دسه له التتار 563هـ/1167م. وكانت سلطته قد تجاوزت عشيرته إلى عشائر أخرى، فاستحق لذلك لقب بهادور (بطل ـ شجاع) الذي اشتهر به. ولكن غالب أنصاره رفضوا الانضواء تحت سلطة ابنه الفتى تيموجين ـ 12 عاماً ـ على الرغم من جهود أمه للم شمل العشيرة وحلفائها، ففارقوها مع قطعانهم، واضطرت الأم إلى الانكفاء مع أطفالها وبعض المخلصين إلى سفوح كنتاي تجمع الثمار والجذور لإطعامهم. ولما اشتد عود الصغار مارسوا الصيد، وأتقن تيموجين في حقبة التشرد فن الرماية وركوب الخيل، واجتمع حوله بعض الشبان. كما استطاع النجاة من أسر أصدقاء أبيه القدامى الحاقدين عليه وتزوج بورته.
بدأ نجم تيموجين يلمع بين العشائر في السابعة عشرة من عمره، بعد نجاحه في استرجاع خيول سرقت منه واسترجاع زوجته التي سباها الماركيت. ووجد في أحد أصدقاء أبيه القدامى وانغ ـ خان زعيم الكرايت Kerait النازلة في أطراف صحراء غوبي الشمالية الغربية خير حامٍ له في تلك المرحلة من حياته. ولما بلغ الثالثة والثلاثين بدأ يظهر زعيماً بين القبائل في عقد المعاهدات، وقيادة الأحلاف، وتأليب القبائل بعضها على بعضها الآخر. ولذلك أخذ بعض أصدقاء أبيه يعودون للانضواء تحت سلطته، مبهورين بمواهبه في القيادة وبإخلاصه لأصدقائه.
واستطاع في سنة 597هـ/1200م مع حليفه وانغ ـ خان، وبتحريضٍ من الصين التي أقلقها تعاظم قوة التتار إيقاع هزيمة نهائية بهؤلاء في منازلهم. فنادى به أتباعه ـ وكان فيهم أحفاد لأسر مالكة قديمة ـ خاناً بموافقة وانغ ـ خان. وسمح لتيموجين لقبه الجديد أن يلحق نفسه رسمياً بخانات المغول الذين حاولوا توحيد منغولية في حقبة سابقة. وعد نفسه خلفاً لـ كوتولا Koutoula آخر هؤلاء الخانات. ولما تابع تيموجين مساعيه لإلحاق بقية القبائل بسلطته. أخافت أعماله وانغ ـ خان، فحاول التخلص منه، ولكن تيموجين كان أسرع منه واستطاع القضاء على المؤامرة ومدبرها فصار بهذا الانتصار سيد منغولية الشرقية.
بدأ تيموجين يمد سلطته غرباً (بين 599 و601هـ/1202 و1204م)، فألحق منغولية الغربية بسلطته. ودعا عام 603هـ/1206م إلى قوريلتاي ـ اجتماع عام ـ للقبائل عند منابع نهر أونون، منحه الحاضرون فيه لقب «جنكيز خان». وقد أعطيت للقب تفسيرات شتى. الملك القوي أو الأعظم أو المستقيم أو الثابت أو الجبار. وربما كان اللفظ من أصل صيني أو أويغوري. اتخذ جنكيزخان عقب ذلك خطوات لتثبيت سلطاته، فأصدر شريعته المسماة الياسا. وقد أعطيت لهذه الكلمة تفسيرات مختلفة. منها أنها من اللفظة التركية: يسق ـ ياساق التي تعني ممنوع، واستمد جنكيزخان غالب شريعته من عادات المغول وتقاليدهم. وتقوم على أسس: الطاعة العمياء للحاكم، والاتحاد في القبيلة والعقاب الصارم لكل مذنب. وبدأ تنظيم حاشيته من الحرس والمساعدين العسكريين والمدنيين، وحرّم التناحر القبلي، ونظم البريد، وقسم الطرق إلى مراحل ووضع عليها العلامات، وأطلق على أتباعه رسمياً اسم المغول.
وعاد جنكيزخان إلى بسط نفوذه باتجاه الغرب، وحقق له ذلك بين 604-608هـ/1207-1211م خضوع القيرغيز في حوض ينسي Yenissi الأعلى والأويغور في تركستان الشرقية. ومملكة القارلون في قياليغ (جنوب شرقي بلخاش). وبلغت سلطته بلاد الأنهار السبعة (جنوب بلخاش) وأحسن جنكيزخان الاستفادة من حضارة الأويغور. وكان أبرز ما نقله منهم حروفهم الهجائية التي أمر بتعليمها لأطفال المغول. ودوّن بها شريعة الياسا.
اضطر جنكيزخان لإيقاف التوسع غرباً لقتال أسرة كين Kin الحاكمة في شمال الصين، والتي دأبت في السابق على تأليب المغول بعضهم على بعضهم الآخر. وانتهت الحملة الرئيسية التي دامت بين 608-611هـ/1211-1215م إلى احتلال بكين، وعاد بعدها بالغنائم والأسرى والسبايا وصناع الأسلحة النارية ومهندسي الجسور الصينيين.
عندما بدأ أتباع جنكيز خان غاراتهم على العالم الإسلامي دعتهم المصادر العربية بالتتر (التتار)، وقليلاً ما كانت تدعوهم المغل (المغول). وربما استعار المؤرخون العرب المسلمون هذه اللفظة (التتر) من الصينيين بسبب العلاقات التجارية التي كانت قائمة بين الطرفين. وكان الصينيون يطلقون لفظة التتر على الجماعات غير المتمدنة التي كانت تسكن إلى الغرب منهم مما يلي سور الصين العظيم. حيث كانت تقيم القبيلة المغولية التي اشتهرت بهذا الاسم.
أغار جنكيزخان على ما وراء النهر بأربعة جيوش. قادها مع أولاده الأربعة وبعضٍ من قواده. نجحت الجيوش الثلاثة الأولى في احتلال المدن التي اتجهت إليها، في الوقت الذي كان فيه جنكيزخان مع الجيش الرابع يتجه إلى بخارى التي تمكن من احتلالها بعد حصار قليل (ذي الحجة 616هـ/ شباط 1220م)، فقتل أكثر سكانها ونهب أموالهم ثم أحرق المدينة، واتجه بعد ذلك إلى سمرقند (المحرم 617هـ/آذار 1220م) فأوقع بها ضربة مماثلة، وأمر بنقل عدد من الصناع من سكان المدينة أسرى إلى منغولية. وفي الوقت الذي كانت فيه قوات أبنائه أوكداي وجغتاي بعد التحاق جوجي بهما تقتحم جرجانية العاصمة الخوارزمية عند المجرى الأدنى لجيحون. اتخذ الغزو المغولي بعد اجتياح سمرقند اتجاهين مختلفين، سار في الاتجاه الأول نحو الغرب اثنان من القواد جبه Chepe وسوبوتاي Souboutai لتعقب السلطان الخوارزمي علاء الدين محمد خوارزم شاه[ر] (596-617هـ)، فعبرا جيحون في ربيع الأول 617هـ/أيار1220م، ومرّا في مدن بلخ وهرات وطوس في خراسان، وأسرا بالقرب من الري أسرة السلطان الهارب الذي اضطر إلى اللجوء إلى إحدى جزر بحر قزوين حيث توفي (شوال 617هـ/تشرين الأول 1220م). ونفذ الغزاة بعد ذلك إلى أذربيجان، واستراحوا شتاءً في سهل موغان (جنوب غربي قزوين). ثم استأنفوا التقدم إلى بلاد الكرج، ولكن هؤلاء ردوهم عنها، فتحولوا إلى شمال العراق وأغاروا على إربل (618هـ/1221م). ثم عادوا إلى أذربيجان واندفعوا شمالاً على شواطئ قزوين الغربية إلى جنوب روسية. وكانت بلغارية آخر ما تعرض من أقطار لغزو المغول (620هـ/1223م). حيث عادوا أدراجهم نحو منغولية من هناك.
سار في الاتجاه الثاني للغزو المغولي نحو الجنوب جنكيزخان نفسه، فعبر جيحون (617هـ/1220م) واحتل بلخ. وأخذ يستجم في الطالقان في الوقت الذي كان فيه تولوي يجتاح مدن خراسان ونسا التي قصفها بالمنجنيقات. ثم أجلى سكانها إلى البساتين المجاورة حيث أبيدوا جميعاً. ثم استولى ابن جنكيزخان على مرو ونيسابور وطوس وهرات ثم عاد إلى أبيه.
زحف جنكيزخان بقواته إلى إقليم غزنة (بلاد الأفغان). وأباد سكان مدينة باميان ودعاها مدينة البؤس انتقاماً لمقتل أحد أحفاده. وكان جلال الدين منكبرتي[ر] ابن السلطان علاء الدين قد نجح في تجميع قواته لصد المغول. واستطاع الانتصار عليهم في بيروان (شمال غزنة). ولكن خلافات قواده على الغنائم شتت قواته، فاضطر إلى التقهقر أمام جنكيزخان الذي كان يقف على ضفة النهر.
عاد جنكيزخان من ضفاف السند إلى ما وراء النهر (618هـ/1221م)، ومنها إلى منغولية ودعا إلى قوريلتاي (621هـ/1224م)، قسَّم فيه امبراطوريته بين أولاده الأربعة. وكانت وفاته وهو في طريقه إلى قتال الصين، وحملت جثته إلى جبل كنتاي المقدس عند المغول، حيث دفن حسب وصيته.
وصف جنكيزخان ممن شاهده بطول القامة، وبياض البشرة والجبهة العريضة والمنكبين القويين، والعيون التي تشبه عيون القط. وكانت له لحية في أخريات أيامه، وقد أكسبته حياة الخشونة والخطوب في شبابه حيوية غير عادية، وظل يتمتع بالقوة والنشاط حتى سن متأخرة.
ظل جنكيزخان على الشامانية ـ ديانة بدو وسط آسيا ـ القائمة على عبادة الأرواح والأجداد، ولكنه كان يحترم الديانات الأخرى. وترك لأولاده وأحفاده حرية اعتناق أي دين يختارونه. وينطوي طبع جنكيزخان، كما ذكر بعض أعدائه، على الكرم والشجاعة والتدبير الجيد للملك والرعايا والحروب. تتوافر فيه صفات الإداري الحازم المنظم، الذي استطاع قيادة الجماعات البدوية وضبط تصرفاتها، ولكنه بقي رجلاً صنعته الصحراء بما فيها من شظف وبساطة. وظهر أنه مقتنع بحياته، فقد أُثر عنه قوله بعد اطلاعه على أنماط الحياة المتقدمة: سأحتفظ بردائي نفسه وغذائي نفسه. وكان يعتقد أن السماء قد قدَّرت له أن يحكم العالم. وأملت عليه فلسفته البسيطة أن لا يسمح لأتباعه المتحضرين أن يؤثروا في سياسته وأعماله. وكان يعتقد أنه عندما يأمر بهدم المدن وبالقتل العام للسكان، ثم بإتلاف المزروعات لإعادة حياة البداوة والرعي إلى المناطق التي قاتل فيها؛ أنه كان في ذلك ينسجم مع الحياة الإنسانية الطبيعية.
مظهر شهاب
Genghis Khan - Genghis Khan
جنكيزخان
(549ـ624هـ/1155ـ1227م)
جنكيزخان Jenghis Khan ثاني الفاتحين الآسيويين بعد آتيلا. ومؤسس أوسع امبراطورية عرفها عالم العصر الوسيط، مغولي الجنس. من عشيرة كيات Kiat أحد أفخاذ قبيلة بورجيغين Bordjigin، التي كانت تعد من قبائل الصنف الأول المغولية في أصالة النسب. كانت كيات تنزل عند منابع نهري أونون Onon وكيرولين Kerulen في شمال جبال كنتاي Keantai. وكان والده يسوكاي Ysugai يتولى رئاسة العشيرة. كانت ولادة جنكيزخان -واسمه تيموجين، وهي لفظة صينية تعني الصلب أو الفائق- في دولن ـ بولداق Dulun- Boldaq، الواقعة عند الضفة اليمنى للمجرى الأعلى لـنهر أونون. والمنطقة اليوم في أقصى الحدود الشرقية للاتحاد الروسي.
جنكيز خان بين حاشيته (لوحة فارسية مصغرة تعود للقرن السادس عشر) |
قضى يسوكاي بسم دسه له التتار 563هـ/1167م. وكانت سلطته قد تجاوزت عشيرته إلى عشائر أخرى، فاستحق لذلك لقب بهادور (بطل ـ شجاع) الذي اشتهر به. ولكن غالب أنصاره رفضوا الانضواء تحت سلطة ابنه الفتى تيموجين ـ 12 عاماً ـ على الرغم من جهود أمه للم شمل العشيرة وحلفائها، ففارقوها مع قطعانهم، واضطرت الأم إلى الانكفاء مع أطفالها وبعض المخلصين إلى سفوح كنتاي تجمع الثمار والجذور لإطعامهم. ولما اشتد عود الصغار مارسوا الصيد، وأتقن تيموجين في حقبة التشرد فن الرماية وركوب الخيل، واجتمع حوله بعض الشبان. كما استطاع النجاة من أسر أصدقاء أبيه القدامى الحاقدين عليه وتزوج بورته.
بدأ نجم تيموجين يلمع بين العشائر في السابعة عشرة من عمره، بعد نجاحه في استرجاع خيول سرقت منه واسترجاع زوجته التي سباها الماركيت. ووجد في أحد أصدقاء أبيه القدامى وانغ ـ خان زعيم الكرايت Kerait النازلة في أطراف صحراء غوبي الشمالية الغربية خير حامٍ له في تلك المرحلة من حياته. ولما بلغ الثالثة والثلاثين بدأ يظهر زعيماً بين القبائل في عقد المعاهدات، وقيادة الأحلاف، وتأليب القبائل بعضها على بعضها الآخر. ولذلك أخذ بعض أصدقاء أبيه يعودون للانضواء تحت سلطته، مبهورين بمواهبه في القيادة وبإخلاصه لأصدقائه.
واستطاع في سنة 597هـ/1200م مع حليفه وانغ ـ خان، وبتحريضٍ من الصين التي أقلقها تعاظم قوة التتار إيقاع هزيمة نهائية بهؤلاء في منازلهم. فنادى به أتباعه ـ وكان فيهم أحفاد لأسر مالكة قديمة ـ خاناً بموافقة وانغ ـ خان. وسمح لتيموجين لقبه الجديد أن يلحق نفسه رسمياً بخانات المغول الذين حاولوا توحيد منغولية في حقبة سابقة. وعد نفسه خلفاً لـ كوتولا Koutoula آخر هؤلاء الخانات. ولما تابع تيموجين مساعيه لإلحاق بقية القبائل بسلطته. أخافت أعماله وانغ ـ خان، فحاول التخلص منه، ولكن تيموجين كان أسرع منه واستطاع القضاء على المؤامرة ومدبرها فصار بهذا الانتصار سيد منغولية الشرقية.
بدأ تيموجين يمد سلطته غرباً (بين 599 و601هـ/1202 و1204م)، فألحق منغولية الغربية بسلطته. ودعا عام 603هـ/1206م إلى قوريلتاي ـ اجتماع عام ـ للقبائل عند منابع نهر أونون، منحه الحاضرون فيه لقب «جنكيز خان». وقد أعطيت للقب تفسيرات شتى. الملك القوي أو الأعظم أو المستقيم أو الثابت أو الجبار. وربما كان اللفظ من أصل صيني أو أويغوري. اتخذ جنكيزخان عقب ذلك خطوات لتثبيت سلطاته، فأصدر شريعته المسماة الياسا. وقد أعطيت لهذه الكلمة تفسيرات مختلفة. منها أنها من اللفظة التركية: يسق ـ ياساق التي تعني ممنوع، واستمد جنكيزخان غالب شريعته من عادات المغول وتقاليدهم. وتقوم على أسس: الطاعة العمياء للحاكم، والاتحاد في القبيلة والعقاب الصارم لكل مذنب. وبدأ تنظيم حاشيته من الحرس والمساعدين العسكريين والمدنيين، وحرّم التناحر القبلي، ونظم البريد، وقسم الطرق إلى مراحل ووضع عليها العلامات، وأطلق على أتباعه رسمياً اسم المغول.
وعاد جنكيزخان إلى بسط نفوذه باتجاه الغرب، وحقق له ذلك بين 604-608هـ/1207-1211م خضوع القيرغيز في حوض ينسي Yenissi الأعلى والأويغور في تركستان الشرقية. ومملكة القارلون في قياليغ (جنوب شرقي بلخاش). وبلغت سلطته بلاد الأنهار السبعة (جنوب بلخاش) وأحسن جنكيزخان الاستفادة من حضارة الأويغور. وكان أبرز ما نقله منهم حروفهم الهجائية التي أمر بتعليمها لأطفال المغول. ودوّن بها شريعة الياسا.
اضطر جنكيزخان لإيقاف التوسع غرباً لقتال أسرة كين Kin الحاكمة في شمال الصين، والتي دأبت في السابق على تأليب المغول بعضهم على بعضهم الآخر. وانتهت الحملة الرئيسية التي دامت بين 608-611هـ/1211-1215م إلى احتلال بكين، وعاد بعدها بالغنائم والأسرى والسبايا وصناع الأسلحة النارية ومهندسي الجسور الصينيين.
عندما بدأ أتباع جنكيز خان غاراتهم على العالم الإسلامي دعتهم المصادر العربية بالتتر (التتار)، وقليلاً ما كانت تدعوهم المغل (المغول). وربما استعار المؤرخون العرب المسلمون هذه اللفظة (التتر) من الصينيين بسبب العلاقات التجارية التي كانت قائمة بين الطرفين. وكان الصينيون يطلقون لفظة التتر على الجماعات غير المتمدنة التي كانت تسكن إلى الغرب منهم مما يلي سور الصين العظيم. حيث كانت تقيم القبيلة المغولية التي اشتهرت بهذا الاسم.
أغار جنكيزخان على ما وراء النهر بأربعة جيوش. قادها مع أولاده الأربعة وبعضٍ من قواده. نجحت الجيوش الثلاثة الأولى في احتلال المدن التي اتجهت إليها، في الوقت الذي كان فيه جنكيزخان مع الجيش الرابع يتجه إلى بخارى التي تمكن من احتلالها بعد حصار قليل (ذي الحجة 616هـ/ شباط 1220م)، فقتل أكثر سكانها ونهب أموالهم ثم أحرق المدينة، واتجه بعد ذلك إلى سمرقند (المحرم 617هـ/آذار 1220م) فأوقع بها ضربة مماثلة، وأمر بنقل عدد من الصناع من سكان المدينة أسرى إلى منغولية. وفي الوقت الذي كانت فيه قوات أبنائه أوكداي وجغتاي بعد التحاق جوجي بهما تقتحم جرجانية العاصمة الخوارزمية عند المجرى الأدنى لجيحون. اتخذ الغزو المغولي بعد اجتياح سمرقند اتجاهين مختلفين، سار في الاتجاه الأول نحو الغرب اثنان من القواد جبه Chepe وسوبوتاي Souboutai لتعقب السلطان الخوارزمي علاء الدين محمد خوارزم شاه[ر] (596-617هـ)، فعبرا جيحون في ربيع الأول 617هـ/أيار1220م، ومرّا في مدن بلخ وهرات وطوس في خراسان، وأسرا بالقرب من الري أسرة السلطان الهارب الذي اضطر إلى اللجوء إلى إحدى جزر بحر قزوين حيث توفي (شوال 617هـ/تشرين الأول 1220م). ونفذ الغزاة بعد ذلك إلى أذربيجان، واستراحوا شتاءً في سهل موغان (جنوب غربي قزوين). ثم استأنفوا التقدم إلى بلاد الكرج، ولكن هؤلاء ردوهم عنها، فتحولوا إلى شمال العراق وأغاروا على إربل (618هـ/1221م). ثم عادوا إلى أذربيجان واندفعوا شمالاً على شواطئ قزوين الغربية إلى جنوب روسية. وكانت بلغارية آخر ما تعرض من أقطار لغزو المغول (620هـ/1223م). حيث عادوا أدراجهم نحو منغولية من هناك.
سار في الاتجاه الثاني للغزو المغولي نحو الجنوب جنكيزخان نفسه، فعبر جيحون (617هـ/1220م) واحتل بلخ. وأخذ يستجم في الطالقان في الوقت الذي كان فيه تولوي يجتاح مدن خراسان ونسا التي قصفها بالمنجنيقات. ثم أجلى سكانها إلى البساتين المجاورة حيث أبيدوا جميعاً. ثم استولى ابن جنكيزخان على مرو ونيسابور وطوس وهرات ثم عاد إلى أبيه.
زحف جنكيزخان بقواته إلى إقليم غزنة (بلاد الأفغان). وأباد سكان مدينة باميان ودعاها مدينة البؤس انتقاماً لمقتل أحد أحفاده. وكان جلال الدين منكبرتي[ر] ابن السلطان علاء الدين قد نجح في تجميع قواته لصد المغول. واستطاع الانتصار عليهم في بيروان (شمال غزنة). ولكن خلافات قواده على الغنائم شتت قواته، فاضطر إلى التقهقر أمام جنكيزخان الذي كان يقف على ضفة النهر.
عاد جنكيزخان من ضفاف السند إلى ما وراء النهر (618هـ/1221م)، ومنها إلى منغولية ودعا إلى قوريلتاي (621هـ/1224م)، قسَّم فيه امبراطوريته بين أولاده الأربعة. وكانت وفاته وهو في طريقه إلى قتال الصين، وحملت جثته إلى جبل كنتاي المقدس عند المغول، حيث دفن حسب وصيته.
وصف جنكيزخان ممن شاهده بطول القامة، وبياض البشرة والجبهة العريضة والمنكبين القويين، والعيون التي تشبه عيون القط. وكانت له لحية في أخريات أيامه، وقد أكسبته حياة الخشونة والخطوب في شبابه حيوية غير عادية، وظل يتمتع بالقوة والنشاط حتى سن متأخرة.
ظل جنكيزخان على الشامانية ـ ديانة بدو وسط آسيا ـ القائمة على عبادة الأرواح والأجداد، ولكنه كان يحترم الديانات الأخرى. وترك لأولاده وأحفاده حرية اعتناق أي دين يختارونه. وينطوي طبع جنكيزخان، كما ذكر بعض أعدائه، على الكرم والشجاعة والتدبير الجيد للملك والرعايا والحروب. تتوافر فيه صفات الإداري الحازم المنظم، الذي استطاع قيادة الجماعات البدوية وضبط تصرفاتها، ولكنه بقي رجلاً صنعته الصحراء بما فيها من شظف وبساطة. وظهر أنه مقتنع بحياته، فقد أُثر عنه قوله بعد اطلاعه على أنماط الحياة المتقدمة: سأحتفظ بردائي نفسه وغذائي نفسه. وكان يعتقد أن السماء قد قدَّرت له أن يحكم العالم. وأملت عليه فلسفته البسيطة أن لا يسمح لأتباعه المتحضرين أن يؤثروا في سياسته وأعماله. وكان يعتقد أنه عندما يأمر بهدم المدن وبالقتل العام للسكان، ثم بإتلاف المزروعات لإعادة حياة البداوة والرعي إلى المناطق التي قاتل فيها؛ أنه كان في ذلك ينسجم مع الحياة الإنسانية الطبيعية.
مظهر شهاب