الواقعية الإشتراكية
بعد ثورة ۱۹۱۷ في روسيا تميز المجتمع الجديد بتوسع انفجاري في التجارب الفنية والاجتماعية متأثرين بنظريات ماركس ولينين وتروتسكي . استطاع المجددون المتطرفون مثل بودفكين وآیزنشتاين وفيرتوف أن يجنوا حصاداً سينمائياً غنياً في هذا الجو الثقافي المتسامح في أوائل الثلاثينات توقف هذا التجريب المتطرف وحلت محله نظرية ستالين الأحادية البنيان في الواقعية الإشتراكية والتي أصبحت الطراز الفني الرسمي في الاتحاد السوفياتي وفيما بعد في جميع الأقطار الشيوعية في أوروبا الشرقية إلا إنه سواء ناقشنا جماليات الماركسية المتطرفة أم الجماليات المحافظة للواقعية الإشتراكية، فإن هذه النظريات يمكن فهمها كاملة ضمن الإطار الأوسع لنظرة الماركسية للعالم.
الماركسية نظام فكري سياسي واجتماعي وفلسفي يكون قاعدة لمجتمعات كبيرة الاختلاف وفي أحيان مختلفة مثل الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية وأقطار أوروبا الشرقية وكوبا أضف إلى ذلك أن الماركسية فلسفة ديناميكية تتغير كثيراً من عام لآخر. كتبت آلاف المجلدات حول التفسيرات المختلفة للأفكار الأساسية لماركس ولينين ناهيك عن التفسيرات المختلفة لشخصيات متأخرة مثل ستالين وماوتسي تونغ . لا داعي للقول إننا لا نستطيع هنا ألا أن نقدم ملخصاً موجزاً فقط عن النظرة العالمية لهذه النظرية.
يتفق أغلب الماركسيين بأن القاعدة الأساسية لكل المجتمعات هي الاقتصاد، وإن أولئك الذين يسيطرون ويستهلكون النصيب الأكبر من الثروة الطبقة الحاكمة. يدين الماركسيون المجتمعات الرأسمالية والرأسمالية الجديدة لأن مجموع الثروة المادية تسيطر عليه طبقة حاكمة صغيرة نسبياً تقوم بتأمين ازدياد مطرد للثروة والقوة والسيطرة أما بشكل مباشر أو غير مباشر على وسائل الإنتاج الأساسية. المنتجون الفعليون للثروة - الطبقة العاملة - التي يجب أن تقنع بنسبة مئوية قليلة بشكل غير متكافيء من الناتج الاقتصادي الذي ينجم عنه أيضاً إحساس متضائل بالقوة وتقرير المصير (١٠- ٨)المجتمعات الرأسمالية يغتربون عن عملهم وأقرانهم ومجتمعهم بسبب كونهم مجبرين على التنافس الاقتصادي ضد بعضهم بدل التعاون في جهد مشترك من أجل بناء مجتمع أفضل لكل المواطنين. زعم برناردشو مرة «إن الملكية الخاصة هي سرقة عمومية ويتفق أغلب رفاقه الماركسيين حول ذلك ولهذا يعود السبب في إن كل وسائل الإنتاج في الأقطار ملكية عامة ولمصلحة الجماهير حتى وإن كان ذلك في النظرية في التطبيق .
ينظر الماركسيون إلى التاريخ من منظور ديالكتيكي وبأسلوب مادي موضوعي النظم والأبنية الاجتماعية لم يقدسا ويحفظا بشكل غامض من قبل قوة كونية خارجية وإنما بنيا من قبل (الناس) الذين لهم مصالح اقتصادية أنانية يودون المحافظة عليها. يحاول الماركسيون باستخدام طرق علمية وعقلية قوية أن يزيلوا الغموض عن أماكن الاختفاء المموهة للطبقة الحاكمة مثل الحق الإلهي والتقاليد والطقوس الاجتماعية والدينية التصوف والدين وكل أشكال الفلسفة المثالية يصرف النظر عنها باعتبارها استراتيجيات ذكية للطبقة الحاكمة، تشجع العمال العاديين على التفكير بالثروة» في العالم الآخر لا بفقرهم في هذا العالم يؤمن الماركسيون بأن تفحصاً غير منفعل للتاريخ يكشف بأن مصالح الطبقة المتحدية تتصادم دائما مع مصالح الطبقة الحاكمة وينجم عن ذلك ديالكتيك من إعادة التوزيع المستمر للثروة والقوة.
في الواقع أن التفاؤل الذي يغلف النظرية الماركسية يكمن في إيمانها بأن التاريخ يتطور باتجاه مجتمع لا طبقي توزع فيه الثروة (ومن ثم السلطة) بالتساوي. عندما تتحقق المساواة الحقيقية يتمكن الفرد من تحقيق الحد الأقصى من إمكاناته إذ إنه سيشعر بالتكامل التام مع مجتمعه لا أن يتغرب عنه المساواة الاقتصادية ستسمح للأفراد بأن يتصرفوا بإنسانية تجاه بعضهم إذ إنه بدون المنافسة القائلة التي تشجع عليها المجتمعات الرأسمالية سيتمكن المواطنون من التمتع بحد أعلى من التعبير الذاتي والحرية والسيطرة على مصائرهم .
يحلل الماركسيون النشاط الإنساني من منظور اقتصادي حتى تلك الجوانب من الحياة التي لا تعتبر عموماً سياسية بشكل خاص مثل الفنون فإنها تقيم بمفهوم السلع المادية والطبقة والقوة الفن ليس محايداً من الناحية السياسية إذ إنه ينتج من قبل أفراد لفرض استهلاك محدد الفن ـ سواء كان ماركسياً أم لا - يتضمن قبولاً أو رفضاً للبناء السياسي والاجتماعي الذي أنتج الفن فيه. لا ينظر النقاد الثقافيون الماركسيون للعمل الفني خارج إطاره الاجتماعي والسياسي لأن درجة الصدق وقيمتها (كما يراها الماركسيون) في أي نتاج فني إنما يتقرر بدراسة (من) الذي أنتجه و(لمن). حتى «الفن من أجل الفن أو إنكار كل شيء باستثناء المعنى الشكلي والجمالي للعمل الفني ينظر إليه على أنه سياسي باعتباره قبولاً ضمنياً للوضع الراهن.
رغم اختلاف الماركسيين حول أي طرق أو تقنيات أكثر تأثيراً من المشروع الفني إلا أنهم متفقون في الأساس على أن الفن يجب أن يخدم الثورة وأن يكون مرتبطاً ومفيداً في فهم تعقيدات الطبيعة الإنسانية وطبيعة العالم المادي. بعض الماركسيين - وخاصة الواقعيين الاشتراكيين - يصر على أن يكون الفن واضح الأيديولوجية وأن يساعد على ترسيخ الوعي الثوري في مستهلكيه. بما أنهم متفقون حول الموضع فإن المناقشة الكبرى بين الفنانين والمنظرين الماركسيين تدور ليس حول ما الذي يجب تصويره وإنما (كيف) يجب أن يصور. من الممتع حقاً أن ضمن طيات الماركسية كما في العالم غير الشيوعي ينقسم الفنانون إلى نوعين عامين الانطباعيين والواقعيين (۱۰- ۹). سيطر انطباعيون مثل بودوفكين وآيزنشتاين وفيرتوف على السينما السوفيتية في السنين الأولى من الثورة وفي يومنا هذا نجد أن ماركسيين متطرفين مثل برنارد وبرتولوتشي وجاك لوك كودار قد اتبعا طريقاً انطباعياً في السينما الغربية. إن الجدل الجوهري لهؤلاء الانطباعيين هو أن الهدف الثوري يجب أن يكون له فن ثوري في الأسلوب إضافة إلى مادة الموضوع. الفن التقليدي أي الرأسمالي مهترىء ومتشائم ومطروق ومملوء بالاعراف البرجوازية القديمة. تقنيات السينما التقليدية مفلسة وعلى الفنان الثوري الحقيقي جديدة واحدة أكثر ارتباطاً بالمجتمع الجديد.
عندما ركز ستالين موقعه ضمن الحزب الشيوعي السوفييتي وضع للكثير من هذه الأفكار. انتقد آيزنشتاين ورفاقه الأكثر جرأة على شكليتهم و«تأثيراتهم المنشغلة بالتقنيات على حساب مادة الموضوع. أدين الكثير من الفنانين «لتعاليمه» ولإنتاجه فناً مفهوما من قبل المثقفين والفنانين الآخرين وليس من قبل المواطنين العاديين زيادة على أن أمثال هؤلاء الفنانين تم تطهيرهم بسبب مغالاتهم في «الفردية» التي كان ينظر إليها رسمياً على أنها خصلة برجوازية لا تتفق أبداً مع المثل الثورية للعمل الجماعي والتعاوني بين الأنداد. في عام ۱۹۳۲ حلت منظمات العمال للفنون والمسيطر عليها ديمقراطياً وبحلها توقفت كل التجارب الفنية .
في عام ١٩٣٤ جمع ستالين المؤتمر الأول للكتاب السوفييت ورغم أن الاجتماع كان مكرساً بالدرجة الأولى للأشكال الأدبية في التعبير إلا أن نفس المغزى التطبيقي والمضامين النظرية يمكن تطبيقها على السينما السوفييتيه. تم وضع مؤشرات حيث أعطيت الأولوية فيها إلى الإنتاجات الفنية التي يتقرر أنها أكثر فائدة للدولة. وقد تم تعريف ما هو «مفيد» وفقاً لخطوط أيديولوجية. فالفن الأكثر دعاية وبشكل واضح هو الذي يتلقى الأولوية. كل الإنتاجات السينمائية يجب يتم الإشراف عليها بالتفصيل من قبل لجنة خاصة للتأكد من صحتها ايديولوجيا ولتجنب الإسفاف الفردي الضائع. كانت مهمة الفنانين السوفييت تصوير السلطة الجيدة للدولة وازدراء المعاناة الفردية المؤقتة . أضف إلى ذلك إنه تم إنذار الفنانين بشدة ضد التجريب الشكلي والتقني. وضع المؤتمر في بيان رسمي الواقعية الاشتراكية باعتبارها الأسلوب المقبول الوحيد في الأدب والسينما. هذا الأسلوب يتطلب من التمثيل المادي التاريخي الصادق للواقع في تطوره الثوري». زد على ذلك أن الصدق والمادية التاريخية في التمثيل الفني للواقع يجب أن يرتبطا بمهمة التحويل الايديولوجي والتثقيف للعمال. الاشتراكية .
بلغة واضحة ما كان يبغيه التعريف هو التصوير الموضوعي لواقع خاضع للتدقيق العلمي» مستقل عن الفن أدينت التعبيرات الذاتية والتشويهات باعتبارها شذوذاً وفردية وغير صادقة( ۱۰ - ۱۰) لا داعي للقول لو أن الواقعية الاشتراكية كانت قد أنتجت فقط القصص المتعلقة بالولد يحب الجرار والتي هيمنت على الثقافة السوفيتية لعدة سنوات لما نظرنا نظرة جد إلى النظرية. ولكن بعد موت ستالين خاصة سمحت التعديلات التي أجريت على النظرية لأعمال مهمة فنياً أن تظهر في الأدب والسينما. لقد أنتج العديد من الأفلام الممتازة في بولندا وهنغاريا وخاصة تشيكوسلوفاكيا تحت شعار الواقعية الاشتراكية ولكن في شكلها المعدل والأكثر تعقيداً.
جورج لوكاس وهو منظر هنغاري كان أكثر المدافعين إقناعاً واحتمالاً للشكل المعدل من نظرية الواقعية الاشتراكية رغم اهتمام لوكاس بالرواية في الدرجة الأولى إلا أن ملاحظاته يمكن أيضاً تطبيقها على السينما. لقد عبر عن تخوفاته الجادة في الفن الاشتراكي وخاصة قيوده السايكولوجية. على خلاف الستالينيين الجامدين رفض لوكاس بقوة الفكرة الساذجة في أن كل الشرور يمكن تفسيرها بصورة سطحية على أنها نتيجة جهل الشخصية أو رفضها لقبول الايديولوجية الماركسية الواقع أكثر تعقيداً بالنسبة له والفن الواقعي يجب أن يكون تبعاً لذلك أكثر تعقيداً (تركيباً).
إذا ما نشب صراع حول الواقع الموضوعي والدقة الايديولوجية فإن ولاء الفنان الأول يجب أن يكون للواقع وإلا فكيف يمكن إصلاح الأخطاء الايديولوجية في الحكم والواقع للأجيال القادمة؟ في الواقع أن بعضاً من أجود الأفلام الاشتراكية مثل فلم ميلوس فورمان كرة رجال الإطفاء تمتاز بالذكاء والتأثير العاطفي وبالذات بسبب كونها تتحدث عن الصراع بين ما يفعل الناس المحترمون في الواقع وما يجب أن يكون سلوكهم عليه وفقاً لايديولوجية صارمة. رغم أن مثل هذه الصراحة التي نجدها في أفلام فورمان والهنغاري میکلوس جانكسو كانت نادرة في السينما الاشتراكية قبل موت ستالين إلا أنها أصبحت أكثر شيوعاً بعد عام ١٩٥٣.
كان لوكاس مثل أغلب الواقعيين يكره كل أشكال التطرف باعتباره غاية في ذاته وخاصة التطرف في الأسلوب. إذ إن لوكاس انتقد بقسوة الذاتية والتشويه الكيفي للواقع الفيزيائي باعتباره ترفاً ذاتياً ومظللاً خطراً. كان يؤمن بأن الواقعية هي أكثر الأساليب الفنية شمولية وأقربها لثراء العالم الفزيائي المنظور ولذا فهي أقرب للتناول المادي الموضوعي للماركسية. كل الفن العظيم واقعي في جوهره، حتى الواقعية البرجوازية التقدمية للقرن التاسع عشر التي تضم كلا من بلزاك وتولستوي وتشيخوف (۱۰ - ۱۱). أعجب لوكاس خاصة بالإطار الاجتماعي المادي الذي وضع هؤلاء المؤلفون شخصياتهم فيه كتب لوكاس إنها حالة من الواقعية العظيمة التي على الفنان أن يسجلها بإخلاص بدون خوف أو تحيز عن كل شيء يراه حوله. ولتحقيق هذا الهدف على الفنان أن يكون موضوعياً متواضعاً وفي الخلفية هي نفس المميزات التي امتدحها منظرون مختلفون مثل أندريه بازان وسيكر فريد كراكاور والواقعيون الجدد.
بعد ثورة ۱۹۱۷ في روسيا تميز المجتمع الجديد بتوسع انفجاري في التجارب الفنية والاجتماعية متأثرين بنظريات ماركس ولينين وتروتسكي . استطاع المجددون المتطرفون مثل بودفكين وآیزنشتاين وفيرتوف أن يجنوا حصاداً سينمائياً غنياً في هذا الجو الثقافي المتسامح في أوائل الثلاثينات توقف هذا التجريب المتطرف وحلت محله نظرية ستالين الأحادية البنيان في الواقعية الإشتراكية والتي أصبحت الطراز الفني الرسمي في الاتحاد السوفياتي وفيما بعد في جميع الأقطار الشيوعية في أوروبا الشرقية إلا إنه سواء ناقشنا جماليات الماركسية المتطرفة أم الجماليات المحافظة للواقعية الإشتراكية، فإن هذه النظريات يمكن فهمها كاملة ضمن الإطار الأوسع لنظرة الماركسية للعالم.
الماركسية نظام فكري سياسي واجتماعي وفلسفي يكون قاعدة لمجتمعات كبيرة الاختلاف وفي أحيان مختلفة مثل الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية وأقطار أوروبا الشرقية وكوبا أضف إلى ذلك أن الماركسية فلسفة ديناميكية تتغير كثيراً من عام لآخر. كتبت آلاف المجلدات حول التفسيرات المختلفة للأفكار الأساسية لماركس ولينين ناهيك عن التفسيرات المختلفة لشخصيات متأخرة مثل ستالين وماوتسي تونغ . لا داعي للقول إننا لا نستطيع هنا ألا أن نقدم ملخصاً موجزاً فقط عن النظرة العالمية لهذه النظرية.
يتفق أغلب الماركسيين بأن القاعدة الأساسية لكل المجتمعات هي الاقتصاد، وإن أولئك الذين يسيطرون ويستهلكون النصيب الأكبر من الثروة الطبقة الحاكمة. يدين الماركسيون المجتمعات الرأسمالية والرأسمالية الجديدة لأن مجموع الثروة المادية تسيطر عليه طبقة حاكمة صغيرة نسبياً تقوم بتأمين ازدياد مطرد للثروة والقوة والسيطرة أما بشكل مباشر أو غير مباشر على وسائل الإنتاج الأساسية. المنتجون الفعليون للثروة - الطبقة العاملة - التي يجب أن تقنع بنسبة مئوية قليلة بشكل غير متكافيء من الناتج الاقتصادي الذي ينجم عنه أيضاً إحساس متضائل بالقوة وتقرير المصير (١٠- ٨)المجتمعات الرأسمالية يغتربون عن عملهم وأقرانهم ومجتمعهم بسبب كونهم مجبرين على التنافس الاقتصادي ضد بعضهم بدل التعاون في جهد مشترك من أجل بناء مجتمع أفضل لكل المواطنين. زعم برناردشو مرة «إن الملكية الخاصة هي سرقة عمومية ويتفق أغلب رفاقه الماركسيين حول ذلك ولهذا يعود السبب في إن كل وسائل الإنتاج في الأقطار ملكية عامة ولمصلحة الجماهير حتى وإن كان ذلك في النظرية في التطبيق .
ينظر الماركسيون إلى التاريخ من منظور ديالكتيكي وبأسلوب مادي موضوعي النظم والأبنية الاجتماعية لم يقدسا ويحفظا بشكل غامض من قبل قوة كونية خارجية وإنما بنيا من قبل (الناس) الذين لهم مصالح اقتصادية أنانية يودون المحافظة عليها. يحاول الماركسيون باستخدام طرق علمية وعقلية قوية أن يزيلوا الغموض عن أماكن الاختفاء المموهة للطبقة الحاكمة مثل الحق الإلهي والتقاليد والطقوس الاجتماعية والدينية التصوف والدين وكل أشكال الفلسفة المثالية يصرف النظر عنها باعتبارها استراتيجيات ذكية للطبقة الحاكمة، تشجع العمال العاديين على التفكير بالثروة» في العالم الآخر لا بفقرهم في هذا العالم يؤمن الماركسيون بأن تفحصاً غير منفعل للتاريخ يكشف بأن مصالح الطبقة المتحدية تتصادم دائما مع مصالح الطبقة الحاكمة وينجم عن ذلك ديالكتيك من إعادة التوزيع المستمر للثروة والقوة.
في الواقع أن التفاؤل الذي يغلف النظرية الماركسية يكمن في إيمانها بأن التاريخ يتطور باتجاه مجتمع لا طبقي توزع فيه الثروة (ومن ثم السلطة) بالتساوي. عندما تتحقق المساواة الحقيقية يتمكن الفرد من تحقيق الحد الأقصى من إمكاناته إذ إنه سيشعر بالتكامل التام مع مجتمعه لا أن يتغرب عنه المساواة الاقتصادية ستسمح للأفراد بأن يتصرفوا بإنسانية تجاه بعضهم إذ إنه بدون المنافسة القائلة التي تشجع عليها المجتمعات الرأسمالية سيتمكن المواطنون من التمتع بحد أعلى من التعبير الذاتي والحرية والسيطرة على مصائرهم .
يحلل الماركسيون النشاط الإنساني من منظور اقتصادي حتى تلك الجوانب من الحياة التي لا تعتبر عموماً سياسية بشكل خاص مثل الفنون فإنها تقيم بمفهوم السلع المادية والطبقة والقوة الفن ليس محايداً من الناحية السياسية إذ إنه ينتج من قبل أفراد لفرض استهلاك محدد الفن ـ سواء كان ماركسياً أم لا - يتضمن قبولاً أو رفضاً للبناء السياسي والاجتماعي الذي أنتج الفن فيه. لا ينظر النقاد الثقافيون الماركسيون للعمل الفني خارج إطاره الاجتماعي والسياسي لأن درجة الصدق وقيمتها (كما يراها الماركسيون) في أي نتاج فني إنما يتقرر بدراسة (من) الذي أنتجه و(لمن). حتى «الفن من أجل الفن أو إنكار كل شيء باستثناء المعنى الشكلي والجمالي للعمل الفني ينظر إليه على أنه سياسي باعتباره قبولاً ضمنياً للوضع الراهن.
رغم اختلاف الماركسيين حول أي طرق أو تقنيات أكثر تأثيراً من المشروع الفني إلا أنهم متفقون في الأساس على أن الفن يجب أن يخدم الثورة وأن يكون مرتبطاً ومفيداً في فهم تعقيدات الطبيعة الإنسانية وطبيعة العالم المادي. بعض الماركسيين - وخاصة الواقعيين الاشتراكيين - يصر على أن يكون الفن واضح الأيديولوجية وأن يساعد على ترسيخ الوعي الثوري في مستهلكيه. بما أنهم متفقون حول الموضع فإن المناقشة الكبرى بين الفنانين والمنظرين الماركسيين تدور ليس حول ما الذي يجب تصويره وإنما (كيف) يجب أن يصور. من الممتع حقاً أن ضمن طيات الماركسية كما في العالم غير الشيوعي ينقسم الفنانون إلى نوعين عامين الانطباعيين والواقعيين (۱۰- ۹). سيطر انطباعيون مثل بودوفكين وآيزنشتاين وفيرتوف على السينما السوفيتية في السنين الأولى من الثورة وفي يومنا هذا نجد أن ماركسيين متطرفين مثل برنارد وبرتولوتشي وجاك لوك كودار قد اتبعا طريقاً انطباعياً في السينما الغربية. إن الجدل الجوهري لهؤلاء الانطباعيين هو أن الهدف الثوري يجب أن يكون له فن ثوري في الأسلوب إضافة إلى مادة الموضوع. الفن التقليدي أي الرأسمالي مهترىء ومتشائم ومطروق ومملوء بالاعراف البرجوازية القديمة. تقنيات السينما التقليدية مفلسة وعلى الفنان الثوري الحقيقي جديدة واحدة أكثر ارتباطاً بالمجتمع الجديد.
عندما ركز ستالين موقعه ضمن الحزب الشيوعي السوفييتي وضع للكثير من هذه الأفكار. انتقد آيزنشتاين ورفاقه الأكثر جرأة على شكليتهم و«تأثيراتهم المنشغلة بالتقنيات على حساب مادة الموضوع. أدين الكثير من الفنانين «لتعاليمه» ولإنتاجه فناً مفهوما من قبل المثقفين والفنانين الآخرين وليس من قبل المواطنين العاديين زيادة على أن أمثال هؤلاء الفنانين تم تطهيرهم بسبب مغالاتهم في «الفردية» التي كان ينظر إليها رسمياً على أنها خصلة برجوازية لا تتفق أبداً مع المثل الثورية للعمل الجماعي والتعاوني بين الأنداد. في عام ۱۹۳۲ حلت منظمات العمال للفنون والمسيطر عليها ديمقراطياً وبحلها توقفت كل التجارب الفنية .
في عام ١٩٣٤ جمع ستالين المؤتمر الأول للكتاب السوفييت ورغم أن الاجتماع كان مكرساً بالدرجة الأولى للأشكال الأدبية في التعبير إلا أن نفس المغزى التطبيقي والمضامين النظرية يمكن تطبيقها على السينما السوفييتيه. تم وضع مؤشرات حيث أعطيت الأولوية فيها إلى الإنتاجات الفنية التي يتقرر أنها أكثر فائدة للدولة. وقد تم تعريف ما هو «مفيد» وفقاً لخطوط أيديولوجية. فالفن الأكثر دعاية وبشكل واضح هو الذي يتلقى الأولوية. كل الإنتاجات السينمائية يجب يتم الإشراف عليها بالتفصيل من قبل لجنة خاصة للتأكد من صحتها ايديولوجيا ولتجنب الإسفاف الفردي الضائع. كانت مهمة الفنانين السوفييت تصوير السلطة الجيدة للدولة وازدراء المعاناة الفردية المؤقتة . أضف إلى ذلك إنه تم إنذار الفنانين بشدة ضد التجريب الشكلي والتقني. وضع المؤتمر في بيان رسمي الواقعية الاشتراكية باعتبارها الأسلوب المقبول الوحيد في الأدب والسينما. هذا الأسلوب يتطلب من التمثيل المادي التاريخي الصادق للواقع في تطوره الثوري». زد على ذلك أن الصدق والمادية التاريخية في التمثيل الفني للواقع يجب أن يرتبطا بمهمة التحويل الايديولوجي والتثقيف للعمال. الاشتراكية .
بلغة واضحة ما كان يبغيه التعريف هو التصوير الموضوعي لواقع خاضع للتدقيق العلمي» مستقل عن الفن أدينت التعبيرات الذاتية والتشويهات باعتبارها شذوذاً وفردية وغير صادقة( ۱۰ - ۱۰) لا داعي للقول لو أن الواقعية الاشتراكية كانت قد أنتجت فقط القصص المتعلقة بالولد يحب الجرار والتي هيمنت على الثقافة السوفيتية لعدة سنوات لما نظرنا نظرة جد إلى النظرية. ولكن بعد موت ستالين خاصة سمحت التعديلات التي أجريت على النظرية لأعمال مهمة فنياً أن تظهر في الأدب والسينما. لقد أنتج العديد من الأفلام الممتازة في بولندا وهنغاريا وخاصة تشيكوسلوفاكيا تحت شعار الواقعية الاشتراكية ولكن في شكلها المعدل والأكثر تعقيداً.
جورج لوكاس وهو منظر هنغاري كان أكثر المدافعين إقناعاً واحتمالاً للشكل المعدل من نظرية الواقعية الاشتراكية رغم اهتمام لوكاس بالرواية في الدرجة الأولى إلا أن ملاحظاته يمكن أيضاً تطبيقها على السينما. لقد عبر عن تخوفاته الجادة في الفن الاشتراكي وخاصة قيوده السايكولوجية. على خلاف الستالينيين الجامدين رفض لوكاس بقوة الفكرة الساذجة في أن كل الشرور يمكن تفسيرها بصورة سطحية على أنها نتيجة جهل الشخصية أو رفضها لقبول الايديولوجية الماركسية الواقع أكثر تعقيداً بالنسبة له والفن الواقعي يجب أن يكون تبعاً لذلك أكثر تعقيداً (تركيباً).
إذا ما نشب صراع حول الواقع الموضوعي والدقة الايديولوجية فإن ولاء الفنان الأول يجب أن يكون للواقع وإلا فكيف يمكن إصلاح الأخطاء الايديولوجية في الحكم والواقع للأجيال القادمة؟ في الواقع أن بعضاً من أجود الأفلام الاشتراكية مثل فلم ميلوس فورمان كرة رجال الإطفاء تمتاز بالذكاء والتأثير العاطفي وبالذات بسبب كونها تتحدث عن الصراع بين ما يفعل الناس المحترمون في الواقع وما يجب أن يكون سلوكهم عليه وفقاً لايديولوجية صارمة. رغم أن مثل هذه الصراحة التي نجدها في أفلام فورمان والهنغاري میکلوس جانكسو كانت نادرة في السينما الاشتراكية قبل موت ستالين إلا أنها أصبحت أكثر شيوعاً بعد عام ١٩٥٣.
كان لوكاس مثل أغلب الواقعيين يكره كل أشكال التطرف باعتباره غاية في ذاته وخاصة التطرف في الأسلوب. إذ إن لوكاس انتقد بقسوة الذاتية والتشويه الكيفي للواقع الفيزيائي باعتباره ترفاً ذاتياً ومظللاً خطراً. كان يؤمن بأن الواقعية هي أكثر الأساليب الفنية شمولية وأقربها لثراء العالم الفزيائي المنظور ولذا فهي أقرب للتناول المادي الموضوعي للماركسية. كل الفن العظيم واقعي في جوهره، حتى الواقعية البرجوازية التقدمية للقرن التاسع عشر التي تضم كلا من بلزاك وتولستوي وتشيخوف (۱۰ - ۱۱). أعجب لوكاس خاصة بالإطار الاجتماعي المادي الذي وضع هؤلاء المؤلفون شخصياتهم فيه كتب لوكاس إنها حالة من الواقعية العظيمة التي على الفنان أن يسجلها بإخلاص بدون خوف أو تحيز عن كل شيء يراه حوله. ولتحقيق هذا الهدف على الفنان أن يكون موضوعياً متواضعاً وفي الخلفية هي نفس المميزات التي امتدحها منظرون مختلفون مثل أندريه بازان وسيكر فريد كراكاور والواقعيون الجدد.
تعليق