منعطف الثلاثينيات الجديد في معرض هنري ماتيس
أسعد عرابي 10 أبريل 2023
تشكيل
"في الداخل، المزهرية الأتروسكية"، 1940، متحف الفن في كليفلاند
شارك هذا المقال
حجم الخط
يقيم "متحف الأورانجوري" في عاصمة التشكيل معرضًا شموليًا للأعمال الفنية التي أنجزتها عبقرية المعلم الفرنسي هنري ماتيس، خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، ابتداءً من عام 1930 مـ ذروة عطائه الإبداعي. ويعرض أغلبها لأول مرة، على مثال: "العاري بالسروال الرمادي" عام 1935 مـ، و"القط" المنجزة 1938 مـ، و"السيدة المغللة بالحجاب النصفي" عام 1926 مـ. اختيرت صورة الغلاف (في كتالوج المعرض الفاخر والملون) وذلك ضمن مجموعة "المحظيات"، ثم "مجموعات تاهيتي" بما فيها التصوير الجداري لمؤسسة ميريون (فيلادلفيا) 1930 مـ، أو "الثوب الأزرق" 1937 مـ وغيرها.
هو من مواليد مدينته الفرنسية المتوسطية نيس عام 1869 مـ.
يكاد يصبح منذ تاريخ منعطف 1930 مـ نموذجًا لفنان أميركي، وذلك بسبب تأثيره العميق على مدرسة نيويورك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبتردده منذ ذلك التاريخ مثل معارضه المتواترة الكثيفة على فيلادلفيا عبورًا من نيويورك متجهًا إلى الجزيرة البولينيزية "تاهيتي" في المحيط الهادي، متعقبًا اكتشاف الفنان السابق بول غوغان، لخصوبة فنون المنطقة السحرية، مخلصًا لمسيرته الاستكشافية هذه قبل عودته النهائية إلى نيس لاعتلال صحته وحتى تاريخ وفاته عام 1954 مـ.
إذا استدركنا في هذا المجال علاقة ماتيس ببابلو بيكاسو، توأمه الروحي والرائد الحداثي المتزامن معه، نجد أن بيكاسو كان معجبًا جدًا بأبحاث ماتيس في الزخرفة الإسلامية التي حولها إلى تصوير تجريدي غربي كما سنرى، وبالعكس فإن ماتيس كان يتهم بيكاسو بأنه يسرق رسوم الأرابيسك منه، ويتجنب أن يطلع على لوحاته، من الجدير بالذكر أن ماتيس توفي قبل بيكاسو (الذي توفي عام 1973 مـ ) بفترة طويلة سمحت له أن يطور موروث ماتيس بدون أن ينكر ذلك ولعدة سنوات.
* * *
يلعب تاجر اللوحات الأميركي بول غويوم دورًا مركزيًا في تحوله عن طريق صالته ومجموعته المختصة بعروض واقتناء ماتيس في فيلادلفيا ونيويورك، بمعنى آخر يملك دورًا أساسيًا في أمركة ماتيس، ابتداءً من 1930 مـ، منعطف تحوله إلى القارة الأميركية بما فيها الثقافة البولينيزية عبر جزيرة "تاهيتي"، التي استلهم أجواءها بول غوغان قبله.
يعتبر بول غويوم ماتيس إلى جانب بيكاسو أبرز رواد المعاصرة والحداثة في القارة الأوروبية، ويعتبر بالنتيجة أن ماتيس متفوق على نظيره بيكاسو بسبب قدرته على التحول الأسلوبي، متجنبًا الأسلبة التي وقع فيها نظيره.
يكشف العنوان جدة الموضوع الذي يطرح لأول مرة، ذلك أن كل معارضه البانورامية في العقد الأخير والتي ختمت بمعرض موسوعي في متحف معهد العالم العربي في باريس ونظيرها في المغرب تؤكد جميعها على أن سنوات المنعطف الأسلوبي لديه يتمثل بزيارته لطنجة وتطوان (في الديار المغربية) من خلال رحلتين ما بين عامي 1911 و 1912 مـ. وذلك إثر اطلاعه على معرضي الفنون الإسلامية 1910 مـ في ميونخ وباريس. في حين أن المعرض الراهن يثبت أن عام 1930 مـ يمثل المنعطف في تحولاته الأسلوبية المتناغمة في الولايات المتحدة حيث كان تجاوز الستين من عمره وبلغ ذروة نضجه وعمق تأثيره. تكشف هذه الحقيقة التصحيحية التنوع التقني في إنتاجه: خاصة تعملقت نسب أعماله على الطريقة الأميركية متحولًا إلى حساسية التصوير الجداري الرحب، سواء في موضوعات الرقص أو الموسيقى (لدينا مثالان شهيران في متحف بطرسبورغ، الأرميتاج) كمراجعة للعديد من لوحاته في المتاحف الأميركية بما فيها متحفا نيويورك المتروبوليتان وفيلادلفيا، ثم انهمرت الطلبات عليه من المؤسسات الكبرى مثل مؤسسة التاجر بول غويوم، عاريات رماديات من الأرابيسك ضمن أقواس معمارية. ثم جدارية إحدى الكنائس وباركينغ نيس، أبرز هذه الأمثلة تحولات نحتية عملاقة على ظهرٍ عارٍ (يملك متحف الفن المعاصر في مركز بومبيدو نسخة مثيرة منها). ثم تعددية محفوراته المعدنية والشاشة الحرير والرسوم الطباعية على غرار "ديوان مالارميه". يملك التاجر الأميركي المذكور خمس وعشرين طباعة حريرية معروض أغلبها في المعرض الراهن، من الطبيعي أن يتم بالتعاون مع مجموعته ومتحفي فلوريدا ونيس. ناهيك عن رسومه المباشرة بعروق فحم العنب (الفوزان) على أنواع الورق مباشرة، يصور فيها "الموديل" الموظفة لديه "ليديا" مهاجرة روسية، نموذج لوحاته الشرقية من المحظيات والسجاجيد والزخارف الإسلامية والبولينيزية.
ترسخ هذا التحول الانعطافي عام 1940 مع اكتشاف ماتيس لواسطة المقص والورق الملون بالغواش، اقتربت لوحاته من التجريد (السينيتيك) الذي أثر على فنون الوهم البصري المتأخرة في الستينيات، يقول بأنها طريقة مثالية لإنشاء الشكل الملون والخط في آن واحد. يعلق بذكائه بأن هذه الطريقة تبتدئ من "قص اللسان" لدى الفنان والناقد، ودعوا اللوحة تتحدث عن نفسها.
قد تكون هذه المرحلة في أواخر حياته من أشدها تأثيرًا على الفن الحديث في الولايات المتحدة. وهاك مثال غيض من فيض، الكتاب الإعجازي في التلوين والشائع والنافذ طباعيًا. تنفرد كل صفحتين متقابلتين بلوحة مختارة لماتيس من قبل فنان أميركي معروف هو دييبنكورن يقابلها إعادة تأويلها بطريقته. (من مطبوعات متحف سان فرانسيسكو MATISSE-DIEBENKORN) أول طباعة 2016 مـ؛ مثال بليغ عن منعطف الثلاثينيات الأميركي.
أسعد عرابي 10 أبريل 2023
تشكيل
"في الداخل، المزهرية الأتروسكية"، 1940، متحف الفن في كليفلاند
شارك هذا المقال
حجم الخط
يقيم "متحف الأورانجوري" في عاصمة التشكيل معرضًا شموليًا للأعمال الفنية التي أنجزتها عبقرية المعلم الفرنسي هنري ماتيس، خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، ابتداءً من عام 1930 مـ ذروة عطائه الإبداعي. ويعرض أغلبها لأول مرة، على مثال: "العاري بالسروال الرمادي" عام 1935 مـ، و"القط" المنجزة 1938 مـ، و"السيدة المغللة بالحجاب النصفي" عام 1926 مـ. اختيرت صورة الغلاف (في كتالوج المعرض الفاخر والملون) وذلك ضمن مجموعة "المحظيات"، ثم "مجموعات تاهيتي" بما فيها التصوير الجداري لمؤسسة ميريون (فيلادلفيا) 1930 مـ، أو "الثوب الأزرق" 1937 مـ وغيرها.
هو من مواليد مدينته الفرنسية المتوسطية نيس عام 1869 مـ.
يكاد يصبح منذ تاريخ منعطف 1930 مـ نموذجًا لفنان أميركي، وذلك بسبب تأثيره العميق على مدرسة نيويورك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبتردده منذ ذلك التاريخ مثل معارضه المتواترة الكثيفة على فيلادلفيا عبورًا من نيويورك متجهًا إلى الجزيرة البولينيزية "تاهيتي" في المحيط الهادي، متعقبًا اكتشاف الفنان السابق بول غوغان، لخصوبة فنون المنطقة السحرية، مخلصًا لمسيرته الاستكشافية هذه قبل عودته النهائية إلى نيس لاعتلال صحته وحتى تاريخ وفاته عام 1954 مـ.
إذا استدركنا في هذا المجال علاقة ماتيس ببابلو بيكاسو، توأمه الروحي والرائد الحداثي المتزامن معه، نجد أن بيكاسو كان معجبًا جدًا بأبحاث ماتيس في الزخرفة الإسلامية التي حولها إلى تصوير تجريدي غربي كما سنرى، وبالعكس فإن ماتيس كان يتهم بيكاسو بأنه يسرق رسوم الأرابيسك منه، ويتجنب أن يطلع على لوحاته، من الجدير بالذكر أن ماتيس توفي قبل بيكاسو (الذي توفي عام 1973 مـ ) بفترة طويلة سمحت له أن يطور موروث ماتيس بدون أن ينكر ذلك ولعدة سنوات.
* * *
المرأة بالخمار الشفاف، 1927، متحف الفن الحديث في نيويورك/ الغناء، 1932 من مجموعة ليفيس/ المحظية بالرداء الفارسي الأصفر، متحف فيلادلفيا للفن |
يعتبر بول غويوم ماتيس إلى جانب بيكاسو أبرز رواد المعاصرة والحداثة في القارة الأوروبية، ويعتبر بالنتيجة أن ماتيس متفوق على نظيره بيكاسو بسبب قدرته على التحول الأسلوبي، متجنبًا الأسلبة التي وقع فيها نظيره.
المعرض الراهن يثبت أن عام 1930 يمثل المنعطف في تحولات ماتيس الأسلوبية المتناغمة في الولايات المتحدة حيث كان تجاوز الستين من عمره وبلغ ذروة نضجه |
النائمة ذات اللون الزهري، 1935 - متحف بالتيمور للفنون / الرقص، مقصوصات من الورق الملون بالغواش والملصق على ورق أبيض، 1930-1931، متحف ماتيس في مدينة نيس |
قد تكون هذه المرحلة في أواخر حياته من أشدها تأثيرًا على الفن الحديث في الولايات المتحدة. وهاك مثال غيض من فيض، الكتاب الإعجازي في التلوين والشائع والنافذ طباعيًا. تنفرد كل صفحتين متقابلتين بلوحة مختارة لماتيس من قبل فنان أميركي معروف هو دييبنكورن يقابلها إعادة تأويلها بطريقته. (من مطبوعات متحف سان فرانسيسكو MATISSE-DIEBENKORN) أول طباعة 2016 مـ؛ مثال بليغ عن منعطف الثلاثينيات الأميركي.