جوردانس (ياكوب)
Jordaens (Jacob-) - Jordaens (Jacob-)
جوردانس (ياكوب ـ)
(1593ـ1678م)
ياكوب جوردانس J.Jordaens مصور ورسام وحفار فلمنكي، ولد في مدينة أنفرس لأب تاجر. درس الفن في محترف الفنان فان نورت، حيث تعلم الفنان الكبير روبنس [ر]، تزوج جوردانس ابنة نورت في عام 1616، وعاش حياة صاخبة رغيدة. سافر جوردانس إلى إيطالية، ليزداد خبرة في فن عصر النهضة الإيطالي، ونقل لوحات بعض أشهر الفنانين، ثم عاد إلى أنفرس لينضم إلى اتحاد الفنانين فيها، مصوراً مائياً، وفي عام 1646 صار رئيساً للاتحاد، وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته.
كان أسلوب جوردانس الفني اتباعياً وفي عداد الفنانين المتمردين على فن عصر النهضة الإيطالي، وكان على اتصال بـ «الواقعية الطبيعية» التي أحبها الفلمنكيون في هذه المرحلة والتي تمتد جذورها بعيداً في الأراضي المنخفضة، وهي التي أسهمت في إبعاده عن تقاليد عصر النهضة الإيطالي، حين راح يتجه إلى تشويه الواقع لا إلى تجميله. وهكذا اختلف جوردانس عن روبنس الذي مثل الباروك[ر] في الفن البلجيكي، بينما اقترب جوردانس من كارافاجو (1573-1610) الذي يمثل التيار الاتباعي في عصر النهضة الإيطالي.
كان جوردانس على صلة وثيقة بالفنان روبنس، وذلك بأنهما درسا في المحترف نفسه، ورسما معاً لوحتين جداريتين. وقد مدح روبنس زميله قائلاً: «إنه فنان ماهر في الرسم، وبارع في تقديم الأشكال عن طريق الظل والنور». وأراد جوردانس أن يشق طريقاً جديدة تعتمد الواقع المحلي، وظل محلياً في معالجاته المختلفة، وواقعياً في رؤيته لما هو فن، مما جعله ينأى عن كل ما هو باروكي، وراح يسعى إلى تجميل الواقع وتحريكه لينتشر في بلاطات الملوك والكنائس. وهذه الطريقة الجديدة تعتمد على تصوير الواقع الحياتي للناس، وتقدم مضموناً إنسانياً سابقاً لعصره. ولهذا تعرض للهجوم فنياً ودينياً، إذ عدّ فنه هرطوقياً خارج القواعد المتعارف عليها، كما رأى بعض النقاد. وهكذا صار بروتستنتياً في أواخر حياته.
تنوعت موضوعات جوردانس، وتعددت أشكال التعبير عنها وفق رؤيته الاتباعية الجديدة التي تضم الاتجاه الواقعي ـ الطبيعي، وتقدم مفهوماً خاصاً للفن في علاقته مع الإنسان، وتقرب الأشكال من الواقع الحقيقي، وعلى نحو يختلف عن غيره من الفنانين. ويمكن شرح ذلك بدراسة موضوعاته التي يمكن تحديدها وفق ما يأتي:
الموضوعات الأسطورية اليونانية والرومانية في لوحاته: وهي متعددة ومتنوعة جددها الفنان لتواكب عصره وأطروحاته وتبشر بالمستقبل، ومن أهمها «الفلاح والساتير Satyre» (الموجودة في متحف الفنون الجميلة في أمستردام). والساتير، وفق الأساطير القديمة، كائن أسطوري، له طبيعة خاصة مثل الجن، تتجاوز طاقاته طاقات البشر. وقد رسمه جوردانس إنساناً ضخم الجثة، وقدمه بطريقة واقعية ليتمتع بكل ميزات أبطال الأساطير، وعلى نحو يتناقض مع الفلاح، الذي صوّره بخطوط شاعرية، وفي اللوحة أيضاً امرأة شابة تحتل مكاناً بارزاً في التكوين، وامرأة عجوز وفتاة صغيرة وفتى شاب في أقصى اليسار، مؤكداً وجود ثلاثة أجيال، ليستفيد منها في المعالجة، ويقدم الدلالات الرمزية من الحوار بينها. وهناك أيضاً ديك في الأعلى، وكلب في الأسفل، وذلك لتصوير الحياة في الريف بكل نبضها وحيويتها ولتتخذ اللوحة شكلاً جديداً مستمراً ودائماً وهذا لا يتوافر في الأسطورة القديمة.
أما لوحة «بان وسيرينكس» (الموجودة في متحف أمستردام)، فهي تروي حالة عشق بين امرأة جميلة، من أركادية، وبين الإله بان، إله القطعان والرعيان والقصب والحياة الجنسية. وتقول الأسطورة، إنه لاحقها في كل مكان، ولما عجز عن اللحاق بها، قطع إحدى القصبات، واتخذها ناياً يعزف عليه، وهكذا اخترع مزمار الراعي. وكان للإله بان معبداً شهيراً في أثينة، تقدّم القرابين فيه. وتتابع الأسطورة أنه أودع الناي كهفاً مظلماً، صار معبداً للعذرية، التي تمثلها سيرينكس، وذلك لأنها كانت تخرج في أوقات محددة لتعزف أعذب الألحان. وصارت الأسطورة تعني تمجيد هذه الفتاة، التي رفضت دعوة الإله بان وفضلت الموسيقى والفن على الألوهية. وقد أفاد جوردانس من هذه الحادثة ليقدم الريف والطبيعة الجميلة، والأفكار الدينية المتحررة.
ولا تختلف بقية اللوحات الأسطورية عن هاتين اللوحتين، والتي من أهمها «عنف باخوس» (الموجودة في متحف بروكسل)، و«ديانا ترتاح» (في متحف الأرميتاج)، و«جوبيتر وأماليتا» (متحف اللوفر)، وكلها تبحث عما هو جديد في الأسطورة يمكن الاستفادة منه.
اللوحات الدينية: وفيها يتجه جوردانس إلى تصوير العائلة المقدسة من الحياة العادية. وهو يذكر، في هذا، بالفنان كارافاجو. ومن أهم تلك اللوحات «صلب المسيح» (الموجودة في كنيسة سان بول في أنتويرب)، و«عبادة الرعاة» (متحف ناشيونال غاليري في لندن)، التي تحكي حياة القديس الشهير الذي بحث عن الإيمان الديني على نحو جديد يختلف عما هو تقليدي. وهذا يؤكد أن جوردانس أراد من الفن الجديد أن يرتبط بمفهوم ديني معاصر.
لوحات الحياة اليومية: وهي لوحات تجلت فيها تجديداته وأبرزت طريقته الفنية بكل وضوح. تمثّل جوردانس الواقعية ـ الطبيعية في أعماله تلك فأظهر فيها حالات إنسانية تتسم أحياناً بطابع أخلاقي. ومن أهم هذه اللوحات «الحفلة الموسيقية العائلية» (متحف أنتويرب) ولوحة «الفتيان ينهبون، والمسنون يغنون، والملك يشرب».
طارق الشريف
Jordaens (Jacob-) - Jordaens (Jacob-)
جوردانس (ياكوب ـ)
(1593ـ1678م)
ياكوب جوردانس J.Jordaens مصور ورسام وحفار فلمنكي، ولد في مدينة أنفرس لأب تاجر. درس الفن في محترف الفنان فان نورت، حيث تعلم الفنان الكبير روبنس [ر]، تزوج جوردانس ابنة نورت في عام 1616، وعاش حياة صاخبة رغيدة. سافر جوردانس إلى إيطالية، ليزداد خبرة في فن عصر النهضة الإيطالي، ونقل لوحات بعض أشهر الفنانين، ثم عاد إلى أنفرس لينضم إلى اتحاد الفنانين فيها، مصوراً مائياً، وفي عام 1646 صار رئيساً للاتحاد، وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته.
كان أسلوب جوردانس الفني اتباعياً وفي عداد الفنانين المتمردين على فن عصر النهضة الإيطالي، وكان على اتصال بـ «الواقعية الطبيعية» التي أحبها الفلمنكيون في هذه المرحلة والتي تمتد جذورها بعيداً في الأراضي المنخفضة، وهي التي أسهمت في إبعاده عن تقاليد عصر النهضة الإيطالي، حين راح يتجه إلى تشويه الواقع لا إلى تجميله. وهكذا اختلف جوردانس عن روبنس الذي مثل الباروك[ر] في الفن البلجيكي، بينما اقترب جوردانس من كارافاجو (1573-1610) الذي يمثل التيار الاتباعي في عصر النهضة الإيطالي.
تنوعت موضوعات جوردانس، وتعددت أشكال التعبير عنها وفق رؤيته الاتباعية الجديدة التي تضم الاتجاه الواقعي ـ الطبيعي، وتقدم مفهوماً خاصاً للفن في علاقته مع الإنسان، وتقرب الأشكال من الواقع الحقيقي، وعلى نحو يختلف عن غيره من الفنانين. ويمكن شرح ذلك بدراسة موضوعاته التي يمكن تحديدها وفق ما يأتي:
الموضوعات الأسطورية اليونانية والرومانية في لوحاته: وهي متعددة ومتنوعة جددها الفنان لتواكب عصره وأطروحاته وتبشر بالمستقبل، ومن أهمها «الفلاح والساتير Satyre» (الموجودة في متحف الفنون الجميلة في أمستردام). والساتير، وفق الأساطير القديمة، كائن أسطوري، له طبيعة خاصة مثل الجن، تتجاوز طاقاته طاقات البشر. وقد رسمه جوردانس إنساناً ضخم الجثة، وقدمه بطريقة واقعية ليتمتع بكل ميزات أبطال الأساطير، وعلى نحو يتناقض مع الفلاح، الذي صوّره بخطوط شاعرية، وفي اللوحة أيضاً امرأة شابة تحتل مكاناً بارزاً في التكوين، وامرأة عجوز وفتاة صغيرة وفتى شاب في أقصى اليسار، مؤكداً وجود ثلاثة أجيال، ليستفيد منها في المعالجة، ويقدم الدلالات الرمزية من الحوار بينها. وهناك أيضاً ديك في الأعلى، وكلب في الأسفل، وذلك لتصوير الحياة في الريف بكل نبضها وحيويتها ولتتخذ اللوحة شكلاً جديداً مستمراً ودائماً وهذا لا يتوافر في الأسطورة القديمة.
أما لوحة «بان وسيرينكس» (الموجودة في متحف أمستردام)، فهي تروي حالة عشق بين امرأة جميلة، من أركادية، وبين الإله بان، إله القطعان والرعيان والقصب والحياة الجنسية. وتقول الأسطورة، إنه لاحقها في كل مكان، ولما عجز عن اللحاق بها، قطع إحدى القصبات، واتخذها ناياً يعزف عليه، وهكذا اخترع مزمار الراعي. وكان للإله بان معبداً شهيراً في أثينة، تقدّم القرابين فيه. وتتابع الأسطورة أنه أودع الناي كهفاً مظلماً، صار معبداً للعذرية، التي تمثلها سيرينكس، وذلك لأنها كانت تخرج في أوقات محددة لتعزف أعذب الألحان. وصارت الأسطورة تعني تمجيد هذه الفتاة، التي رفضت دعوة الإله بان وفضلت الموسيقى والفن على الألوهية. وقد أفاد جوردانس من هذه الحادثة ليقدم الريف والطبيعة الجميلة، والأفكار الدينية المتحررة.
ولا تختلف بقية اللوحات الأسطورية عن هاتين اللوحتين، والتي من أهمها «عنف باخوس» (الموجودة في متحف بروكسل)، و«ديانا ترتاح» (في متحف الأرميتاج)، و«جوبيتر وأماليتا» (متحف اللوفر)، وكلها تبحث عما هو جديد في الأسطورة يمكن الاستفادة منه.
اللوحات الدينية: وفيها يتجه جوردانس إلى تصوير العائلة المقدسة من الحياة العادية. وهو يذكر، في هذا، بالفنان كارافاجو. ومن أهم تلك اللوحات «صلب المسيح» (الموجودة في كنيسة سان بول في أنتويرب)، و«عبادة الرعاة» (متحف ناشيونال غاليري في لندن)، التي تحكي حياة القديس الشهير الذي بحث عن الإيمان الديني على نحو جديد يختلف عما هو تقليدي. وهذا يؤكد أن جوردانس أراد من الفن الجديد أن يرتبط بمفهوم ديني معاصر.
لوحات الحياة اليومية: وهي لوحات تجلت فيها تجديداته وأبرزت طريقته الفنية بكل وضوح. تمثّل جوردانس الواقعية ـ الطبيعية في أعماله تلك فأظهر فيها حالات إنسانية تتسم أحياناً بطابع أخلاقي. ومن أهم هذه اللوحات «الحفلة الموسيقية العائلية» (متحف أنتويرب) ولوحة «الفتيان ينهبون، والمسنون يغنون، والملك يشرب».
طارق الشريف