اللبنانية مي حمدان تختبر ريشتها في كل الخطوط التي تتصورها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللبنانية مي حمدان تختبر ريشتها في كل الخطوط التي تتصورها

    اللبنانية مي حمدان تختبر ريشتها في كل الخطوط التي تتصورها


    فنانة تختصر رحلة 25 عاما من تدريس الرياضيات بلوحاتها.
    الأربعاء 2023/05/10


    الفن فعل تخط للزمن

    قد تؤثر مهنة المبدع خارج مجال إبداعه في ما يقدمه، فقديما كان يمكن اقتفاء أثر مهنة كل شاعر من خلال المفردات التي يستعملها، وهذا ينسحب على الفنون الأخرى بشكل كبير وخاصة منها الفن التشكيلي، لكن أن يحافظ الفنان على مسافة حياد بين إبداعه وعمله لا يقود فيها أحدهما الآخر هو ما نجحت فيه الفنانة اللبنانية مي حمدان.

    من ضمن سلسلة من المعارض الفنية التي تقيمها صالة “الشيخ زايد” دوريا في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت أقيم معرض للفنانة مي حمدان. وتقع الصالة في مبنى “الصفدي” في حرم الجامعة الذي جرى على تسميته بـ”مبنى الفنون الجميلة” وضمّ كافة الفنون البصرية إلى جانب الصحافة المكتوبة.

    عنونت الفنانة مي حمدان، وهي أولا أستاذة في الجامعة وحاصلة على دكتوراه في مادة الرياضيات من جامعة “سيراكوس”، معرضها بـ “25 ربيعا” وجاء هذا العنوان مرتبطا بمرور أكثر من 25 سنة على ممارستها لمهنة تعليم مادة الرياضيات.
    الرياضيات والفن


    رغم أن أعمال الفنانة تشي بالمرح إلا أنها تتناول موضوع الهجرة القسرية ومغادرة الوطن بسبب الحرب اللبنانية

    تشير الفنانة في البيان الصحفي المرافق للمعرض “أعيش في فترات زمنية متباعدة ومتزامنة على السواء ريثما تجف طبقة من الطلاء اللوني على سطح القماشة حتى أستطيع أن أضيف عليها خطوطا وطبقات لونية أخرى. أود أن تختبر ريشتي كل الخطوط التي أتصورها قبل أن يأتي يوم قد يصيب فيه يدي أيّ ارتجاف”.

    وتضيف “أود أن أستخدم كل الألوان التي حلمت بها وأن أضع أفكاري في اللوحات والتي غالبا ما تسبق في ولاداتها يدي في فعل تحقيقها على القماش. أود أن أرى كل ظلال الألوان وتدرجاتها وحلولها في بعضها البعض قبل أن يضعف نظري وأن أستطيع تجسيد أفكاري قبل أن يصيب ذهني التعب. ولا ضير في أن أقول أيضا إنني أود أن تظل رؤية ملامحي في المرآة شبيهة لما أراها في ذهني”.

    أكثر ما تشير إليه هذه الكلمات في البيان الصحفي أن مي حمدان ترى الفن كفعل تخطّ للزمن وكقوة بوسعها أن تبقي على شعلة الشغف مضيئة في قلب الإنسان الذي اختار الفن ليس فقط كممارسة، بل كفلسفة حياة.


    الفنانة الكبيرة تستلطف الصيصان


    قد يستغرب البعض أن مي حمدان التي تمضي وبشغف كبير جل أيامها في تدريس مادة الرياضيات تقيم معرضا فنيا بحتا. وهو مؤشر على امتلاكها حياة ثانية تعيشها كفنانة مجاورة إلى حياتها الأكاديمية التي تدرّس فيها مادة الرياضيات لطلاب جامعيين منذ أكثر من ربع قرن.

    لن يعثر مُشاهد الأعمال عما يتوقع رؤيته من أعمال تحكمها القواعد والأشكال الهندسية. لن يعثر زائر معرضها على لوحات تذكّر بأعمال أهم فناني القرن العشرين بيات موندريان الرائد في الفن التجريدي المعاصر والعاشق لشكل المربع ولتكرار الخطوط. كما لن يكتشف مجموعة أعمال تأخذه إلى عوالم الفنان الروسي ذائع الصيت فاسيلي كاندنسكي المسكونة بموسيقى الأشكال الهندسية الملونة. لكنه سيجد، لاسيما في أشكال الصيصان متعددة التوجهات، ما يذكّر بعلم الرياضيات في الفضاء. ما سيراه الزائر هو لوحات يُمكن اعتبارها منتمية إلى الفن الفطري.

    غير أن أعمال الفنانة لا تحمل في صلبها الغرائبية المُقلقة أحيانا كثيرة التي ترافق هذا النوع من الفن، بل على العكس ثمة فرح أرضي غير جامح وتصالح مع الذات ومع مرور الوقت في مشاهد منشرحة وزاهية تشي بالسكينة.

    أمام مجموعة من الأعمال التي تصور صيصانا مكتنزة بمختلف الألوان والأحجام، وإلى جانب بيوت صغيرة بقرميدها الأحمر والمتدلية على خطوط دقيقة ما بين التلال والسماء الزرقاء، سيعتقد المُشاهد للوهلة الأولى أن أعمال الفنانة لا تطرح إلى جانب جماليتها المبهجة موضوعا جديا. لكنه ما يلبث أن يكتشف أن موضوع الهجرة القسرية ومغادرة الوطن بسبب الحرب اللبنانية، هو موضوع أساسي. ومن المعروف أن الفنانة غادرت لبنان لأجل الدراسة بعيدا عن أجواء الحرب.
    لوحات بلا توتر



    استلطاف الفنانة الكبير الذي تكنه للصيصان، لتلك المخلوقات الرقيقة التي تحتاج إلى رعاية واحتضان دائم، دفعها إلى دعوتها لتكون في لوحاتها كائنات أساسية تغادر جماعة أو فرادى أمكنتها المُحببة إلى أماكن مجهولة وإلى أجل غير مُسمّى مرتبط حتما بما ستؤول إليه الأيام والظروف حتى دون الحاجة إلى التحليق والطيران في السماء.

    إلى جانب ذلك ترسم الفنانة في لوحات أخرى شخوصا يسيرون في قوافل عن مسافة بعيدة، وهم شخوص يشبهون إلى حد كبير العصافير والصيصان إن تخيلناهم يسيرون على أرجل دقيقة في أفق اللوحات، وقد انطلقت مسيرتها من أماكن غير محددة ومُتشابهة باتجاه مساحة مفتوحة لا يحددها إلا إطار اللوحة.

    هذه خاصية تتميز بها كل أعمال مي حمدان. لا وجود لأيّ مساحة مُغلقة في الـ25 ربيعا. خلفيات اللوحات ترسمها على أنها مشاهد طبيعية غائمة تغلب على معظمها الزرقة الفاتحة مزدانة بتلال رقيقة وغير عالية تجمع السماء بالأرض دون أن تفصل بينهما. ويبرز ذلك حتى في الأعمال التي تظهر عدة مساحات متعاقبة فوق بعضها البعض تذكّر بالأماكن الزراعية.

    يصعب التنبه في هذه اللوحات إلى أيّ حدود ما بينها أو في نهاياتها. لأجل ذلك ربما تبدو معظم، إن لم نقل كل، عناصر لوحات مي حمدان نابعة من قلوب اللوحات وأواسطها وغير مرتبطة بغيرها من العناصر أو حتى غير مسبوقة بغيرها الذي قد يكون أدى إلى وجودها.

    كل عناصر لوحات الفنانة سواسية من ناحية أهميتها وطول زمن مكوثها على الخلفيات اللونية التي اشتغلتها الفنانة بمراحل مختلفة فظهرت تشف بعضها على بعضها الآخر. لا توتر في لوحات الفنانة ولا ديناميكية تحكم العلاقات بين العناصر، بل سلام يركن في مرافقها وحياة تحاك على وتر زمن مُتشابه ليس له أيّ بعد درامي.

    يُذكر أن هذا المعرض لمي حمدان، الفنانة العصامية التي اشتعلت على تطوير نصها الفني منذ سنين طويلة ليس هو معرضها الأول. فقد سبق أن قدمت معرضا فرديا سنة 2007 كما كانت لها مشاركات عديدة في معارض جماعية. اختارت الفنانة منذ بداية عرضها الفني استخدام ألوان الباستيل والأكريليك اللذين وجدتهما الأقرب الى روحها.




    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X