اللبنانية كاتيا طرابلسي وأيقونات علمانية كوشم أزرق على جدران الذاكرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللبنانية كاتيا طرابلسي وأيقونات علمانية كوشم أزرق على جدران الذاكرة

    اللبنانية كاتيا طرابلسي وأيقونات علمانية كوشم أزرق على جدران الذاكرة


    عبارات واقعية تتحول من تزيين الشاحنات إلى معرض تشكيلي.


    أعمال فنية تستوحي جمالها من واقع فنانينها

    من العبارات والمفردات والأمثال المكتوبة على الشاحنات استوحت الفنانة اللبنانية كاتيا طرابلسي فكرة معرضها الجديد، الذي عنونته بـ”راجعة يا ماما”، ليكون تعبيرا بصريا صادقا عن الحياة في لبنان وهواجس اللبنانيين ومشكلاتهم عبر لوحات تكشف أهمية الأمثال والعبارات المتداولة، ومدى اهتمام سائقي الشاحنات بهذا الفن الشعبي.

    افتتحت صالة “صالح بركات” في بيروت معرضا للفنانة اللبنانية متعددة الوسائط كاتيا طرابلسي في العاشر من مارس الماضي ويستمر حتى الثاني والعشرين من أبريل الحالي.

    يضم المعرض، الذي هو تحية إلى مدينة طرابلس، مجموعة من القطع الفنية مصنوعة من الحديد الملوّن يدويا. ويمكن اعتبار المعرض تجهيزا فنيا حمل عنوان “راجعة يا ماما”، في إشارة إلى تعبير أساسي ورد كثيرا في فن تزيين شاحنات النقل في لبنان.

    استغرق عمل الفنانة كاتيا طرابلسي على تصميم القطع الفنية وتنفيذها مدة سنة ونصف السنة.

    وأشارت الفنانة إلى أن أعمالها جاءت بالتعاون مع حرفيين من مدينة طرابلس ينتمون إلى قلب المزاج الشعبي الذي انبثقت منه أعمالها. وقد اختصرت ما قدمته في صالة صالح بركات بهذه الكلمات: “على كل باب خلفي لشاحنة نقل، تنتشر رسائل؛ نصيحة، تهديد، كلمة حب، صلاة، تميمة ضد العين الشريرة. هذه الكلمات للسائق مثل أمثولة، تعبير شخصي، هروب، صرخة… بالنسبة إلينا وللحظة وجيزة في ازدحام المرور، هي لغة بصرية نتواصل معها ونبتسم ونتعلم ونفكر.. الشاحنات مثل الدم الذي يجري في عروق الكثير من البلدان، ومنها بلادنا، حيث يحرص السائقون على تزيين مركباتهم بزخارف تشمل أدعية للسفر وتضرّعا لله طلبا للحماية، ما يحوّلها إلى لوحات فنية متحركة تنشر جمالها على الطرق”.


    المعرض تجهيز فني بعنوان "راجعة يا ماما"، في إشارة إلى تعبير ورد كثيرا في فن التزيين الشعبي لشاحنات النقل في لبنان


    وتضيف قائلة في بيان المعرض “تبدأ قصتي مع الشاحنات بافتتان يومي، وفضول حول الأشخاص الذين يقفون وراء التصميم اللامتناهي والرسائل على الأبواب الخلفية لهذه الشاحنة. متى بدأت هذه الممارسة؟ من رسَم الشاحنة الأولى؟ من أين أتت هذه الجمل ومن كتبها ولماذا؟ لطالما اعتقدتُ أن الدين والمعتقدات ثنائي واحد. متى يبدأ الإيمان بالدين وأين تنتهي الخرافات؟”.

    وتخبر الفنانة زوار معرضها بقصة تصوّر هذه الأعمال وتنفيذها، فهي بعد أن أنهت التصميم الفني استطاعت أن تعثر على شخص في مدينة طرابلس لديه خبرة في مجال العمل على الحديد وتقطيعه. فوصفت له ما تريد تحقيقه فتعاون معها على التنفيذ الكلي للأعمال المعروضة في منطقة البداوي الطرابلسية مع حرفيين متمرسين قالت عنهم إنهم “ّأشخاص يمتلكون حس الفكاهة وطيبون يحترمون كل الأديان ويمتلكون حكمة بدائية ولا يكترثون بالسياسة، وهم نموذج للتعايش اللبناني المُرتجى”.

    حصيلة التعاون جاءت من ناحية ألواحا عمودية وأفقية، بديعة ورشيقة رغم ثقل المادة المُستخدمة، ومن ناحية أخرى ذات مصداقية عالية وتشبه إلى حدّ كبير الكتابات والرسوم والرموز التي تزين بها الشاحنات التي تجوب الطرقات اللبنانية من الشمال إلى الجنوب.

    فن تزييني شعبي خاص جدا له قواعده التشكيلية مهما تنوع وتبدلت عناصره، فمثلا: كلمة الجلالة تقع في القسم الأعلى وينحدر منها ما تبقى من زخارف ورسوم لطيور وأزهار. وتكثر العيون الزرقاء ذات الرموش الطويلة الواقية من الحسد التي منها تتشعب كلمات مقتبسة من أدعية وأمان وأغان شهيرة وأبيات شعرية، هذا إلى جانب إطلاق صاحب الشاحنة اسما على شاحنته يشير به إليها.

    من هذه الأسماء “محروسة” أو “غنوجة البابا” أو “كايده الكّل”، وتحيلنا تسمية الحافلات إلى القوارب التي يطلق عليها أصحابها الصيادون أسماء تقيها من لجج البحر ومخاطره. وليست غريبة عن أحد المخاطر الجمة التي تتعرض لها الشاحنات على الطرقات المتعرجة والمُحفّرة وهي تحمل الأوزان الثقيلة من منطقة إلى أخرى.

    أعمال الفنانة نوع من التوثيق وضرب من ضروب الأنثروبولوجيا "الفنية" يعبّر بصدق عن نمط عيش وهواجس أصحابه

    هذا إذا لم نذكر الخطر الذي تشكله على الآخرين والذي يعود إلى الكثير من السائقين المتهورين الذين اعتادوا أن يعتبروا القيادة مغامرة، إن لم نقل مخاطرة كبرى وكأن “كُتبت” عليهم وعلى الذين من حولهم على الطريق.

    هكذا جاء تعبير “راجعة يا ماما” فيه الكثير من البساطة والبعد الدرامي في آن واحد، في وطن يتخبط بأزماته العاتية ويحاول الاستنارة بأية منارة بعيدة لتضيء له طريق العودة إلى ما كان سابقا برّا للأمان أو ما كان على الأقل مجرد وهم برّاق عاشه حتى صدّقه.

    إن “راجعة يا ماما” لكاتيا طرابلسي يأتي كما تقول “في سياق هذا التاريخ المضطرب للحرب والرحيل، وهو تذكير بالانتظار بفارغ الصبر عودة الغائبين إلى وطنهم ومنازلهم وجذورهم، عودتهم إلى الأم، كرمز للبلد والهوية والعائلة والتقاليد والحب والرعاية والأرض والراحة، والأهم العودة إلى حضن البيت”.

    من التعابير التي كتبت على بوابات الشاحنات الخلفية وانتقت منها الفنانة كاتيا طرابلسي مجموعة جعلتها أعمالا فنية أشبه بتحية للنسخ الأصلية المتجولة على الشوارع نذكر “يا رضى الله ورضى الوالدين” و”ما شاء الله” و”أبعد عينك عني” و”الحسود لا يسود” و”عين الحاسد تبلى بالعمى” و”حياتي عذاب” و”لا تسرع فالموت أسرع”.

    كما حضرت مقتطفات كلامية مأخوذة من أغان شهيرة مثل “حبك نار” و”بتلوموني ليه” و”القلب يعشق كل جميل” و”كلام الناس لا بقدم ولا بأخر”، و”كتاب حياتي يا عين” و”سوّاح”.

    وهناك مجموعة أخرى من التعابير تصف الحال اللبناني منها “ما في ميّ” و”ما في كهربا” و”ما في دولة”. لا داعي إلى الإطالة والشرح هنا ونكتفي بالقول إن كان ثمة أمر يجمع ويوحّد اللبنانيين كلهم دون استثناء فهو الوضع المعيشي المتردي الذي تستعرضه تلك الشاحنات بكل بساطة وصدق والذي حري باللبنانيين أن يلتفتوا إليه.


    مقتطفات كلامية فنية


    أعمال الفنانة كاتيا طرابلسي هي أيضا نوع من التوثيق وضرب من ضروب الأنثروبولوجيا “الفنية” يعبّر بصدق عن نمط عيش وهواجس أصحابه وأحلامهم وشخصياتهم؛ فالشاحنات حمّالة للعواطف وأبيات الشعر والكلمات الساخرة والأخرى الأليمة والحكيمة، ولكن الواقعية جدا مثل “أحبب من شئت فأنت مفارقه. عش ما شات فأنت ميت”.

    إنها شاحنات يقلّ وجودها يوما بعد يوم لأن الكثير منها أصبح ملكا لأصحاب مؤسسات وشركات تجارية ولا يمتلكها سائقوها وليست ببيوت ثانية لهم يستطيعون أن يزينوها كيفما يشاؤون ويلونوها بالألوان التي يحبونها.

    يُذكر أن كاتيا طرابلسي فنانة متعددة الوسائط. ولدت عام 1960 في بيروت. تتناول أعمالها معنى الهوية الاجتماعية والثقافية للبنان، كما تناولت الحرب اللبنانية لتحول بعضا من مخلفاتها كبقايا القنابل والصواريخ إلى حياة أخرى مضادة لأهوال العنف والقتل.

    وللفنانة معارض فردية في لبنان، كما عُرضت أعمالها في مراكز فنية رئيسية حول العالم، بما في ذلك باريس ولندن ودبي والكويت وأميركا الشمالية ومعرض الأسلحة الدولي في مدينة نيويورك.

    ونشرت طرابلسي كتابًا بعنوان “جيل الحرب” قدمت فيه مجموعة من الأعمال التي تتبع قصص المصورين الصحافيين الذين شهدوا الحرب الأهلية اللبنانية.




    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X