غادة اليوسف
١٠ مارس، الساعة ٤:٢١ م ·
اتحاد الكتاب / حمص الثلاثاء ٨ اذار ونشرت في الموقف الادبي
الغفاري يقرؤكَ..الملام
............
يا أسيرَ الصمتِ والقيدُ شكا
منْ جراحٍ أزمنتْ في معصميكْ
كبّلَتْ روحَكَ ،
أوهتْ صبْوةَ الخطوةِ خيباتُ السنينْ
والسكاكينْ...
جاثماتٌ ،كالوحوشِ الضارياتْ
ترصُدُ الصوتَ ومنسوبَ الأنينْ
عندَ بابِ الآهِ ..إنْ حُزَّ الوَتينْ
إنْ صبَتْ دربُكَ توقاً لاحتضانِ الجرحِ يدمى
منْ نزيفِ القدَمَينْ
بينَها والجوعِ في جوفكَ دهرٌ منْ نسَبْ
كيفَ تبقى زارعَ القمحِ
وحَصّادَ السّغَبْ؟
نصْلُها يصْدا ..وكمْ تذرو بهِ
في غُبارِ الريحْ
رقصةُ الطيرِ الذبيحْ
حينَ توريْ جمرةَ الرقصِ بساحاتِ الغضبْ
اصقل القوسَ وأَجّجْ
شهوةَ الإنشادِ في جوفِ الخشبْ
كيف تبقى عازفَ القيثارِ في سمعِ الزمانِ الرّحبِ
محرومَ الطربْ؟ّ!
أَوقد الشّعلةَ ..
ما أحلاكَ في عرسِ الشغبْ
حينَ تجلو عنْ جبينِ الصبحِ ليلاً من تعبْ
والكلابْ ..
سالَمَتْ كلّ الذئابْ
لابساتٍ بُردةَ الأسدِ لتنقضّ عليكْ
لا تُسالمْ
صخرةُ السيزيفِ ترنو للذرا
ليسَ إلاّ منكبيكْ
أنضَجَتْ كفُّكَ كرْمَ الوقتِ يُهْدى
للبرايا
والصّبايا ..
لا كَمُزْنِ الصيفِ، بلْ أندى
منَ الفجرِ الضحوكْ
رافلاتٍ
في غُلالاتِ الأماني
علَّها قد بدّلتْ ثوبَ المنايا
والحبيبه
بينَ أصناف السبايا
تتردّى ..
وبَنوكْ
وقتَ تحكيمِ البغايا
أقبلَ السرّاقُ جمعا
في طقوسِ الفسقِ صرعى
في التّكايا
حينَ تقسيمِ العطايا
أبعدوكْ
قمتَ رتّلتَ البراءهْ
في صلاةِ الطهرِ فردا
لطريقِ العشقِ تسعى
نحوَ ربٍّ يتراءى
أنكروكْ
تبقى بكأسٍ فارغٍ مما عصرت
مُتْرعٍ بالهمْ
مرٌّ مذاقُ الظلمِ للمظلوم
والحقُّ كالعلقمْ
ضيّعوكْ
بدّدوا دمّكَ كرمى لعروشٍ
رُصّعَتْ منْ مدمعِ الأمّاتِ
في الفقدِ الطويلْ
قسّموكْ
بينَ قابيلٍ وهابيلٍ قتيلْ
سلبوكَ الحلمَ بعدَ الدّمِّ
ثمّ... قيدوكْ
أتخموكْ
-و مع الجوعِ -أحابيلَ الوصايا
والشّعاراتِ الكذبْ
أولموا للسارقين
وكنتَ الحطبْ
مزّقوكْ
بين تُركٍ ، بينَ رومٍ ، بينَ فرسٍ
بينَ كُردٍ وعربْ
قد أثقلوكَ بوزرهمْ
إذْ أنتَ منْ حملَ الأمانةَ موقنا
وأبينَها السبعُ الشدادْ
يا وجهّكَ المَنسيَّ يا وجْهَ البلادْ
طَمَسَتْ ملامحّهُ الحسانَ عواصفُ الزمنِ الوبيلْ
سدّوا منافذَ للرجاءِ
وأغلقوا بابَ السماءِ
بناظريكْ
سلبوكَ أفراخَ النسورِ
وهَدّموا شُمَّ الصخورِ
وقصقصوا ريشَ الملائك والصقورِ
بجانحيكْ
وتداخلتْ سيماهمُ
وتعملقوا ..
إذ ألبسوكَ حديدَهمْ ليعملقوكْ
فمُسِخْتَ بالثوبِ الركيكْ
فبدّلوكْ
وغوّلوكْ
وقوّلوكَ مقالهم أوّانَ غالوا أصغَريكْ:
((كنْ سارقاً ..كنْ فاسقاً..كنْ خائناً
بلْ إنْ قدرتَ فشاعراً ..
لعّاقَ أحذيةٍ عليها تنحني
طوعاً لكيما تركُلَكْ
عبداً برتْبةِ داعرِ
مَسّاحَ أقذارِ المُسِنِّ الفاجرِ
ناطورَ كرْمِ نبيذهِ المعصورِ منْ دمعِ الثكالى الساهرِ
كنْ سادِنَ العتْباتِ في القصرِ المُشَيّدِ منْ عظامٍ للشبابِ الحائرِ
ما بينَ مذهولٍ وبينَ مُضَيّعٍ ومهاجرِ
كنْ كاهنَ القدّاسِ
جّلِّلْهُ ببخّور الكذبْ
" عارٍ هو الملكُ المُتَوّجُ "
لا تقلْ ،
قُلْ: "إنّهُ في بُرْدِهِ المنسوجِ من خيطِ الذهب "
واسمُلْ عيونَ الطفلِ فيكَ
ولا تكنْ للطفلِ صوتاً من عجبْ))
يا صوتَكَ المخنوقَ يا صوتَ البلادْ
يا صاحبَ الكنزِ الدّفينْ
ورفيقُكَ الزمنُ الضنينْ
يا مالكَ اللاشيءَ إلاّ دمعةً حرّاقةً
وشتيمةً مدفونةً
في صدركَ الواني العليلْ
منْ بدّلكْ؟ منْ غوّلَكْ
أتراهُ من سُفِكَتْ دماكَ لأجلهِ يبكي عليكْ ؟
ويُسابقُ الناعينَ يمددُ قلبَهُ للنعشِ
كيما يحملكْ؟
لا تنتظرْ حتّى تموتَ لتنتبهْ
ولتعرفَ الجاني مِنَ المجني عليه
وتَعرفَكْ
ومنِ الذي نسلَ الكمنجةَ من حريرِ مسائها
من راودَ الشقراءَ
عنْ قمحٍ ، وعنْ عسلٍ بتبرِ جرارها
وعن الخمورِ مُعَتّقاتٍ في طهورِ دنانها
عن سرّها المكنونِ في أسمائها
قصّوا ضفائرها ، وقُدَّ رداؤها
مِزَقاً على سرر السفادْ
منْ مزّقَ الثوبَ الجميلَ
مُطرّزاً من كلّ أزهارِ الحقولْ
من مزّق الثوبَ البديعَ مُموسقاً من كلّ أطيارِ الربيعْ
مُنمنماً
بتنهّداتِ الخصبِ في رئةِ الفصولْ
ومن الذي نهّشَ الغزالةَ
من دماءِ عذارِها
وُصِمَتْ يداهُ
وضيّعكْ ؟
إمّا تعرّتْ ستّرتْ أشلاءَها
بسوادِ ليليها الوبيل ْ
من ثمّ غابتْ في العويلْ
فكَشّفَتْكَ مُمَرّغاً ببغامها المجروحِ
مَدميّ العتبْ
لتسوطَ ذلَّ جبينِكَ المحنيِّ
كيما تنتصبْ
مشفوعةً بالصوتِ يجتازُ الحقبْ
ذاكَ الذي إنْ هبَّ عطرٌ من صداه
عليهِ ألقيتَ السلامْ
شاهراً لكَ صوتَهُ لا ثلمَ فيهْ
بليغةٌ نبراتُهُ ، لا لحنَ فيهْ
فانهضْ إليها ، واستعدها فارساً شُدّ العصبْ
قد جاءَ يقرؤكَ الملامْ
فاصغِ إليهْ:
" ألستَ أوانَ سباقِ الخيولِ
وعرسِ الصهيلِ وقرعِ الطبولِ
ووثب الوعولِ
وخفقِ النسورِ ورقصِ الزهورِ
وموجِ البحورِ عتى واصطخبْ
ولمعِ البنودِ وصوتِ الجدودِ
وشمسِ الحكايا ووهجِ الخدودِ
بعرسِ الصبايا
ومَيلِ القدودِ
وقفزِ النهودِ ومَيسِ الخصور
تثنّى ، فجُنَّ حنينُ القصبْ
وشدوِ الطيورِ وعزفِ المزاميرِ
رنِّ الخلاخيل ِ ..
صدْحِ المواويلِ
كُرمى لكلَّ اخضرارٍ نبيلٍ
زها واشرأبْ
بغامِ الغزالةِ فوقَ الصخورِ
لتوري دماكَ إذِ استصرختْكَْ
وكان لإسمكَ سرّ الإلهِ
خفيفاً ، كبرقِ يُضيءُ السماء
على ذروةٍ من فناء التلاشيَ في العشقِ
فارسَ وقتكَ كُنتَ..وكنتْ؟؟
أراكَ وهنتَْ ، فماذا دهاكَ ،
تراكَ خُذِلتْ
ذُهِلْتَ سُملتْ؟؟
وترنو بدمعٍ كفيفٍ تُذيبُ المآقي
سواقي حنينٍ
لتسقي نثارَ عظامِ بنيكَ بقلبِ تُرابٍ عَشقتْ؟
مُكَبَّلَةٌ في انطفاءِ الجِمارِ الزنودُ التي عانقتْكْ
وتلكَ القصائدُ والزغرداتُ لزينِ الشبابِ
علاها ذبولْ
تحُزُّ بروحِكَ كالصهصناتِ البغايا
تضجُّ بماخورِ من يتساقى دماكَ ودمعَ البلدْ
رعاةً ، قضاةً زُناةً،
غُزاةً بغاةً
سلاطينَ عرشِ الأبدْ
وذاكَ الغناءُ عويلُ البلادِ المضتْ في الرحيلْ
وتشكو النوارسُ طولَ هجوعِكَ قربَ الشواطي
وما منْ وصولْ
لترشقَ خدّكَ
تغسلُ دمعَكَ بالملحِ منْ ذوبِ موجٍ ذليلْ
ويهوي الحمامُ كسيرَ الجناحِ
إلى صمتِهِ في الصباح
تُراهُ يموتُ الهديلْ؟؟"
فأنصتْ إليهْ
أتاكَ وحيداً فقيراً شريداً بثوبِ الملامْ
ولومُ الأحبّةِ سرُّ الغرامْ
يشقُّ غبارَ الفيافي
ويطوي المنافي
من الرّبَذهْ*
حملتَ الأمانةَ ما أثقلتْكَ
فكيف تنوءُ ببعضِ الأذى ؟؟!!
يناديكَ مُستشفعاً بما يملكُ الشعرُ من عنفوانْ
ليوقظَ ما خدّرتْهُ سياطُ الهوانْ
ويبعثَ سرَّ البراكين في الشّريانْ
لينقذَ طيرَ الرمادْ
ويحي ما قد تموّتَ فيكْ
ويحضنَ يُتْمَ البلاد التي يتّمتْكْ
يُناديكَ مُستشفعاً باليمام الذي طيّرتْهُ الأماني الكرامْ
يزّفُّ البشائرَ ورداً وقمحاً
وضحكةَ طفلٍ كوجهِ الإلهِ
كما قد وعدتْ ؟
.................................
للصبحِ ناموسُ الطيورْ
وطالَ ليلُكَ يا أسيرْ
قد أُخمِدَتْ نيرانُ روحِكَ
حينَ غامَ الحلمُ في الأفقِ الضرير
وتناهبتْ جمراتِ ريشِ النارِ تيجانُ الفجور
وتئنُّ أضلاعُ القبور
حانَ النشور
مستوحشاً ملَّ القفار
وآنَ يُبعَثَ أُمّةً
ليدقَّ ناقوسَ القيامةِ في المآذنِ
مُشعلاً ضوءَ النهار
وهو السفينُ وقد طمى الطوفانُ والدّمُّ العبيط
حمامةُ البشرى على الجوديّ تنتظرُ الإشارةَ والمدد
سيفُ الغفاريِّ السند
يلوح نورُ النار من زيتونة البلد
اليومَ إذ لا عرفَ إلاّ سُنّةً
سنَّ الحسامُ ،
وسنّها جوعُ الولدْ
...........
*الرُّبَذَة ..موضع في الصحراء حيث نفي اليه الصحابي ابو ذر الغفاري .
غادة اليوسف
تعليق