عصفور (علي مومن )
Ibn Asfour (Ali ibn Mou’min-) - Ibn Asfour (Ali ibn Mou’min-)
ابن عصفور (علي بن مؤمن ـ)
(597 ـ 669هـ/1200ـ 1271م)
أبو الحسن، علي بن مؤمن بن محمد بن عصفور الإشبيلي الحضرمي، من أشهر نحاة المئة السابعة في الأندلس.
ولد في إشبيلية وبها نشأ، وتلقى علوم عصره ومعارفه على أيدي علماء جاوزت شهرتهم الأندلس، وأبرزهم اثنان تركا أثراً واضحاً في تكوينه العلميّ، هما أبو علي الشلوبين (ت645هـ)، الذي أقرأ النحو ستين سنة، وهو صاحب «التوطئة» و«شرح الجزولية»، وله أيضاً تعليقات على كتاب سيبويه، وقد لازمه ابن عصفور نحو عشرة أعوام ختم فيها عليه كتاب سيبويه، إلى أن وقعت بينهما منافرة أفضت إلى القطيعة، وشيخه الثاني هو أبو الحسن بن الدبّاج (ت 646هـ)، نحوي مقرئ، درّس العربية نحو خمسين سنة.
ولما استكمل ابن عصفور دراسته على شيوخه تصدّر للتدريس في إشبيلية؛ فكانت له حلقة كبيرة يدرس فيها طلابه. ثم مالبث أن غادرها ليتجول في بلاد الأندلس يُقرئ فيها، فدخل «شريش» ثم «شذون» ثم «مالقة» ثم «لورقة» ثم «مرسية» وأقام بكل منها أشهراً، وأقبل عليه الطلبة حيثما حلّ، وكان يملي من ذاكرته، فأملى في أثناء تجواله هذا شروحاً على «الجمل» للزجاجي، و«الإيضاح» لأبي علي الفارسي، و«الجزولية»، و«كتاب سيبويه».
وبعد ذلك غادر الأندلس إلى تونس فأقام بها مدّة يسيرة عند الأمير المستنصر بالله أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا الحفصي، وحين انتقل هذا الأخير إلى «بجاية» والياً عليها سنة 638هـ صحبه ابن عصفور وكان مقرّباً إليه، لكنه لم يطل الإقامة عند هذا الأمير فعاد إلى تونس فالأندلس، وقصد «لورقة» في الأندلس ثم «سلا» في المغرب، والظاهر أن عودته إلى الأندلس كانت بعد سنة 646هـ، وهي السنة التي سقطت فيها مدينة إشبيلية بيد الإسبان، ولعل هذا ما يفسر ترك عودته إليها. ومهما يكن فإن إقامته في «سلا» لم تطل، لأنه عاد إلى تونس بدعوة من الأمير المذكور، وأقام بها حتى مات.
وتدل مصنفات ابن عصفور على اهتمامه بعلوم العربية نحواً وصرفاً وأدباً، ولذا وصفه الصفدي بأنه حامل لواء العربية في الأندلس. وقال فيه ابن عبد الملك: «كان ماهراً في علم العربية، ريّان من الأدب، حسن التصرّف، من أبرع من تخرّج على أبي علي الشلوبين وأحسنهم تصنيفاً في علوم اللسان».
وتشهد له مصنفاته بهذا الذي وصف به، وقد انتهى إلينا منها أربعة، هي: «شرح جمل الزجاجي» وهو شرح بالقول، خلا من مقدمة تبين سبب تأليفه، ويعدّ من أجود كتبه وأوسعها، اجتمعت فيه جُلّ آرائه واجتهاداته النحوية، إلى غزارة في المادة، وثراء بالشواهد، وعناية بذكر أقوال العلماء ومذاهبهم.
وثاني كتبه هو «المقرّب» بسط فيه أبواب النحو المعروفة، وهو كتاب سهل العبارة، تجنب فيه الإطالة وابتعد عن ذكر الخلاف بين النحاة وعللهم، وقد ألمح إلى هذا في المقدّمة حين قال: «تأليفاً منزهاً عن الإطناب المملّ والاختصار المخلّ، محتوياً على كلياته، مشتملاً على فصوله وغاياته، عارياً عن إيراد الخلاف والدليل، مجرّداً أكثره عن التوجيه والتحليل».
ولقي هذا الكتاب اهتمام النحاة من بعده، فاختصره أبو حيان في كتاب سماه «التقريب»، وتناوله بالنقد جماعة من النحويين أبرزهم ابن الحاج في كتاب سماه «المنهج المعرّب في الردّ على المقرب».
أما كتابه الثالث فهو «ضرائر الشعر»، تناول فيه مسألة الضرورة الشعرية، أو ما يجوز في الشعر مما لا يحتمله النثر، ويعدّ هذا الكتاب من أهم ما ألف في موضوعه؛ لاحتوائه على كثير من الضرورات الشعرية، واستقصاء مؤلفه لعدد كبير من المصادر في الحصول على مادة الكتاب، ولغزارة الشواهد النحوية التي يحتوي عليها، ولبنائه على خطة محكمة في التصنيف وترتيب الموضوعات.
أما كتابه الرابع فهو «الممتع في التصريف»، وهو من أجود ما كتبه المتأخرون في علم الصرف، وقد اجتمع له في هذا الكتاب حسن الترتيب وغزارة المادة مع وضوح في العبارة قلّ أن نلمسها عند غيره من أهل التصريف.
وقد غلبت على ابن عصفور في مصنفاته هذه نزعة بصرية واضحة، يظهر فيها إجلاله لسيبويه على نحو لا يخفى. أما كتبه الأخرى فما تزال مخطوطة أو مفقودة، منها: «شرح كتاب سيبويه»، «شرح الإيضاح لأبي علي»، «شرح أبيات الإيضاح»، «شرح الجزولية»، «شرح ديوان المتنبي»، «شرح الحماسة»، «سرقات الشعراء»، «إنارة الدياجي»، «البديع»، وغيرها.
وقد ترك ابن عصفور أثراً واضحاً في النحاة الذين جاؤوا بعده، فأفاد منه معاصره ابن مالك ثم أبو حيان الأندلسي وابن هشام، على أنه لم يسلم من نقدهم. وتلامذته كثر، أبرزهم: الصفّار (قاسم بن علي)، شارح كتاب سيبويه، وابن سعيد المدلجي صاحب كتاب «المغرب»، والشلوبين الصغير (محمد بن علي)، وابن حكم الطبيري.
نبيل أبو عمشة
Ibn Asfour (Ali ibn Mou’min-) - Ibn Asfour (Ali ibn Mou’min-)
ابن عصفور (علي بن مؤمن ـ)
(597 ـ 669هـ/1200ـ 1271م)
أبو الحسن، علي بن مؤمن بن محمد بن عصفور الإشبيلي الحضرمي، من أشهر نحاة المئة السابعة في الأندلس.
ولد في إشبيلية وبها نشأ، وتلقى علوم عصره ومعارفه على أيدي علماء جاوزت شهرتهم الأندلس، وأبرزهم اثنان تركا أثراً واضحاً في تكوينه العلميّ، هما أبو علي الشلوبين (ت645هـ)، الذي أقرأ النحو ستين سنة، وهو صاحب «التوطئة» و«شرح الجزولية»، وله أيضاً تعليقات على كتاب سيبويه، وقد لازمه ابن عصفور نحو عشرة أعوام ختم فيها عليه كتاب سيبويه، إلى أن وقعت بينهما منافرة أفضت إلى القطيعة، وشيخه الثاني هو أبو الحسن بن الدبّاج (ت 646هـ)، نحوي مقرئ، درّس العربية نحو خمسين سنة.
ولما استكمل ابن عصفور دراسته على شيوخه تصدّر للتدريس في إشبيلية؛ فكانت له حلقة كبيرة يدرس فيها طلابه. ثم مالبث أن غادرها ليتجول في بلاد الأندلس يُقرئ فيها، فدخل «شريش» ثم «شذون» ثم «مالقة» ثم «لورقة» ثم «مرسية» وأقام بكل منها أشهراً، وأقبل عليه الطلبة حيثما حلّ، وكان يملي من ذاكرته، فأملى في أثناء تجواله هذا شروحاً على «الجمل» للزجاجي، و«الإيضاح» لأبي علي الفارسي، و«الجزولية»، و«كتاب سيبويه».
وبعد ذلك غادر الأندلس إلى تونس فأقام بها مدّة يسيرة عند الأمير المستنصر بالله أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا الحفصي، وحين انتقل هذا الأخير إلى «بجاية» والياً عليها سنة 638هـ صحبه ابن عصفور وكان مقرّباً إليه، لكنه لم يطل الإقامة عند هذا الأمير فعاد إلى تونس فالأندلس، وقصد «لورقة» في الأندلس ثم «سلا» في المغرب، والظاهر أن عودته إلى الأندلس كانت بعد سنة 646هـ، وهي السنة التي سقطت فيها مدينة إشبيلية بيد الإسبان، ولعل هذا ما يفسر ترك عودته إليها. ومهما يكن فإن إقامته في «سلا» لم تطل، لأنه عاد إلى تونس بدعوة من الأمير المذكور، وأقام بها حتى مات.
وتدل مصنفات ابن عصفور على اهتمامه بعلوم العربية نحواً وصرفاً وأدباً، ولذا وصفه الصفدي بأنه حامل لواء العربية في الأندلس. وقال فيه ابن عبد الملك: «كان ماهراً في علم العربية، ريّان من الأدب، حسن التصرّف، من أبرع من تخرّج على أبي علي الشلوبين وأحسنهم تصنيفاً في علوم اللسان».
وتشهد له مصنفاته بهذا الذي وصف به، وقد انتهى إلينا منها أربعة، هي: «شرح جمل الزجاجي» وهو شرح بالقول، خلا من مقدمة تبين سبب تأليفه، ويعدّ من أجود كتبه وأوسعها، اجتمعت فيه جُلّ آرائه واجتهاداته النحوية، إلى غزارة في المادة، وثراء بالشواهد، وعناية بذكر أقوال العلماء ومذاهبهم.
وثاني كتبه هو «المقرّب» بسط فيه أبواب النحو المعروفة، وهو كتاب سهل العبارة، تجنب فيه الإطالة وابتعد عن ذكر الخلاف بين النحاة وعللهم، وقد ألمح إلى هذا في المقدّمة حين قال: «تأليفاً منزهاً عن الإطناب المملّ والاختصار المخلّ، محتوياً على كلياته، مشتملاً على فصوله وغاياته، عارياً عن إيراد الخلاف والدليل، مجرّداً أكثره عن التوجيه والتحليل».
ولقي هذا الكتاب اهتمام النحاة من بعده، فاختصره أبو حيان في كتاب سماه «التقريب»، وتناوله بالنقد جماعة من النحويين أبرزهم ابن الحاج في كتاب سماه «المنهج المعرّب في الردّ على المقرب».
أما كتابه الثالث فهو «ضرائر الشعر»، تناول فيه مسألة الضرورة الشعرية، أو ما يجوز في الشعر مما لا يحتمله النثر، ويعدّ هذا الكتاب من أهم ما ألف في موضوعه؛ لاحتوائه على كثير من الضرورات الشعرية، واستقصاء مؤلفه لعدد كبير من المصادر في الحصول على مادة الكتاب، ولغزارة الشواهد النحوية التي يحتوي عليها، ولبنائه على خطة محكمة في التصنيف وترتيب الموضوعات.
أما كتابه الرابع فهو «الممتع في التصريف»، وهو من أجود ما كتبه المتأخرون في علم الصرف، وقد اجتمع له في هذا الكتاب حسن الترتيب وغزارة المادة مع وضوح في العبارة قلّ أن نلمسها عند غيره من أهل التصريف.
وقد غلبت على ابن عصفور في مصنفاته هذه نزعة بصرية واضحة، يظهر فيها إجلاله لسيبويه على نحو لا يخفى. أما كتبه الأخرى فما تزال مخطوطة أو مفقودة، منها: «شرح كتاب سيبويه»، «شرح الإيضاح لأبي علي»، «شرح أبيات الإيضاح»، «شرح الجزولية»، «شرح ديوان المتنبي»، «شرح الحماسة»، «سرقات الشعراء»، «إنارة الدياجي»، «البديع»، وغيرها.
وقد ترك ابن عصفور أثراً واضحاً في النحاة الذين جاؤوا بعده، فأفاد منه معاصره ابن مالك ثم أبو حيان الأندلسي وابن هشام، على أنه لم يسلم من نقدهم. وتلامذته كثر، أبرزهم: الصفّار (قاسم بن علي)، شارح كتاب سيبويه، وابن سعيد المدلجي صاحب كتاب «المغرب»، والشلوبين الصغير (محمد بن علي)، وابن حكم الطبيري.
نبيل أبو عمشة