ملك جزيرة الشيطان king of devil’s island

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ملك جزيرة الشيطان king of devil’s island

    ملك جزيرة الشيطان king of devil’s island
    تدور أحداث هذا الفيلم النرويجي في جزيرة معزولة وسط شتاء قاس ، في سجن مخصص للشباب ، يُدعى سجن باستوي ، و قد سمي السجن بهذا الإسم نسبةً الى جزيرة باستوي التي تقع في مضيق العاصمة النرويجية ( أوسلو ) ، و كانت الحكومة النرويجية قد اشترت هذه الجزير عام 1898 ، و بعد سنتين ، أي في عام 1900 ، أقامت فيها السجن ، حيث لم تكن الجزيرة محاطة ً بغير إمتدادات المياه الشاسعة و لا السجن محاطاً بالبرد القاسي و الثلوج الجليدية فحسب بل تعشش في أروقة السجن القسوة البشرية بذات قسوة الطبيعة التي تعشش في الجزيرة ، حيث التعامل القاسي من قبل القائمين على السجن ، فضلاً عن الخبث و أفعال الإغتصاب ، في حين يفترض أن يكون هذا السجن مدرسة إصلاحية ، ولكن يبدو أن عوامل عديدة تراكمت حتى انفجر غيض السجناء يوم 20 مايو / أيار من عام 1915 حيث تدور أحداث الفيلم ، و كان ذلك هو التمرد الوحيد في تاريخ هذا السجن الذي يقع في الجزيرة التي تبعد 75 كيلومتراً عن العاصمة النرويجية ( أوسلو ) . و قد أستخدمت في هذا التمرد أدوات الزراعة الحادة كالفؤوس و المناجل و حتى المطارق و السكاكين و تمت عملية حرق الحظائر ، ما أوجب تحرك السلطات الأمنية : فتم ــ حينها ــ إرسال قوة عسكرية الى الجزيرة لمطاردة المتمردين الفارين نحو الغابة ، و تحركت غواصتان و طائرتان مائيتان و سفينة مصفحة حتى تم إخماد التمرد ، و على الرغم من ذلك فأن الحكومة النرويجية ــ حينها ــ لم تُعد النظر في وضع هذا السجن .
    يتميز هذا السجن بكونه بلا أسيجة أصلاً ، و هو مفتوح على أرض و سماء و غابة الجزيرة التي مساحتها 24 كيلو متر مربع ، ولكنها محاطة بالمياه و يفصلها ميلٌ كامل عن اليابسة و لذلك لم يُقدم سوى نزيل واحد من نزلاء السجن على الهروب قبل هذا التمرد ، و حتى المتمردين عام 1915 تم العثور عليهم في أطراف الغابة و قد منعهم الجليد من مواصلة الهرب . ولكن هذا التمرد لم يدفع السلطات الى إعادة النظر في أساليبها التأديبية القاسية بل استمرت في تكريسها حتى عام 1953 عندما تولت وزارة الشؤون الإجتماعية إدارة السجن ، و في 1 أكتوبر / تشرين الأول من عام 1971 تم إغلاق السجن . و في عام 1982 تحول هذا السجن الى سجن فريد من نوعه في العالم ، إذ أصبح في هيأة منتجع للسجناء ، تتوفر فيه جميع شروط الرفاهية التي يدفع الآخرون الأموال للتمتع بها في أماكن سياحية ، و فلسفة الدولة النرويجية ، بهذا الخصوص ، قائمة على فكرة إعادة تأهيل الذات المُذنبة ، بدل تعذيبها و حرمانها ، على الرغم من الإعتراضات على هذه الفلسفة .
    سنلاحظ أن النظام المتبع في هذا السجن ( أو المدرسة التأديبية ) عام 1915 ، كما صوّره الفيلم ، هو ذاته نظام الأديرة الكنيسية ، فالديانة المسيحية دخلت النرويج عام 1000 ميلادية و هي مسيحية كاثوليكية ، ولكنها تحولت الى البروتستانتية عام 1536 في عهد الملك الدانماركي كريستيان الثالث ، كون النرويج كانت خاضعة للمملكة الدانماركية ، و على الرغم من أن نظام الحكم في النرويج هو نظلم علماني في مطلع القرن العشرين ، حيث تدور أحداث سجن جزيرة باستوي ، فإن النظام الذي كان متبعاً في السجن هو نظام كنيسي يشكل إمتداداً للعقلية التي كانت تتحكم بمصائر نزلاء الأديرة الكاثوليكية المتمثلة بالقسوة من أجل رضا المسيح . و لا نقول أن النظام في هذا السجن كان خارجاً على مدنية الدولة النرويجية في مطلع القرن العشرين ولكننا سنلاحظ أن النظام المتبع في سجن جزيرة باستوي هو نظام كنيسي شبيه بنظام الأديرة المسيحية الكاثوليكية ، خصوصاً إذا ما أدركنا أن معظم تمويل هذا السجن إنما يأتي من الكنيسة ، لذلك لا نستغرب من أنها تفرض نظامها ( التأديبي ) على برنامج السجن .
    فملامح هذه القسوة تظهر عند أول لقاء بين السجين البحار ( بطل الفيلم ) و رفيقه مع المسؤول " بروتان " ( لعب دوره الممثل " كريستوفر جونز" ) ، كما يحصل عادةً في الأديرة . ولا يقل مدير السجن " هاكون " ( الذي لعب دوره الممثل السويدي الشهير " ستيللان سكارسجارد " ) قسوةً عن قسوة أي قس أو راهبة في تلك الأديرة .. ولكن في مظهر مدني قانوني ناعم.
    يبدأ المشهد الأول من الفيلم بلقطة عريضة للمحيط المائي في المضيق البحري الذي تقع فيه جزيرة ( باستوي ) ، دلالة على سعة المسافة التي تفصل السجن عن اليابسة ، و عبر هذا المشهد يتحدث بطل الفيلم " أرلينج " عن عملية رميه حوتاً ضخماً بثلاثة رماح صيد ( لعب دوره الممثل و الموسيقي النرويجي " بنجامين هلستاد " ) .
    يصل الى الجزيرة معاً ــ على ظهر العبارة ذاتها ــ " أرلينج " و الفتى الهش " إيفار" الذي سيتعرض لإضطهاد نفسي و جسدي لينتهي نهايةً فاجعة ( لعب دوره " ماغنوس لانجليت " ) ، و في السجن لا يُنادى النزلاء بأسمائهم بل يُمنح كل واحد منهم رقماً ، بقصد تجريدهم من إنسانيتهم ، و بطل هذه الحكاية " أرلينج " جيء به الى هذا السجن كونه قد ارتكب جريمة قتل ، كما يتردد بين النزلاء ، و ثمة معلومة تفيد بأنه من أصل غجري.
    تدل ملامح " أرلينج " على نزعة المشاكسة ، و هو يبدي تذمره منذ اللحظة الأولى ، و منذ اليوم الأول يقرر الفرار ، فيستكشف قارباً مربوطاً بسلاسل داخل كهف خشبي مُقفل ، فينال عقاباً في نفس الساعة ، و هذا ما أثار قلق الفتى " أولاف " الذي ينتظر إطلاق سراحه في غضون ثلاثة أسابيع نظراً لحسن سلوكه و طاعته العمياء للأوامر ، فبات يخشى من عزم " أرلينج " على الهروب كون ذلك سيُحدث إضطراباً في السجن و خللاً في نظامه ، ما قد يسحق رجاءه في نيل الحرية ( لعب دوره " تروند نيلسن " ) ، ولكن الذي حصل هو أنه ما أن حدث التمرد في السجن حتى رمى " أولاف " رجاءه في إطلاق سراحه جانباً و تحول الى متمرد على نظام السجن الذي أطاعه طوال ست سنوات .
    و كما يوجد باحثون عن المشاكل مع القادم الجديد في جميع السجون في العالم فإن أحدهم يعترض" أرلينج " معلناً نفسه نداً له منذ الساعة الأولى ، ولكن " أرلينج " يدبر له مكيدةً ــ لاحقاً ــ حين يقوم بسرقة ساعة أحدهم و يدسها في فراشه فتلتصق به تهمة السرقة لينال عقابه و ليحدث بينهما ما حدث اليومَ التالي في دورة المياه . و تقدم لنا هذه الحادثة صورةً جلية عن شخصية القادم الجديد " أرلينج " الذي سيقود التمرد لاحقاً.
    سنلاحظ أنه على الرغم من المناكدات و من صغائر الأمور بين فتية محاصرين في جزيرة نائية و محكومين بنظام تأديبي صارم ، فإن روحاً من التضامن كانت تجمعهم ، كونهم ( مُذلـّون مُهانون ) بدرجة متساوية ، لذلك فإنهم هبوا في لحظة التمرد هبة واحدة . و في الوقت الذي كان حاكم السجن " هاكون " يحسب أن القادم الجديد " أرلينج " عنصر غير سوي من الممكن أن يتسبب في تقويض نظام السجن ، سيكتشف أن مساعده " بروتان " هو الذي سيفعل ذلك حين علم بأنه يغتصب الفتية ، فيبعده لفترة ، و عندما يعود ليواصل عمله فإن هذه العودة هي التي ستثير غضب النزلاء ليحصل ما حصل .
    من المؤكد أن أبطال الفيلم ، الذي أخرجه " ماريوس هولست " هم الفتية نزلاء السجن ، الذين أزاحوا حكام السجن من المشهد ، بمن فيهم " هاتون ( ستيللان ستارسجارد ) ، ولكن ثمة بطل رمزي ظهر في بداية الفيلم ثم اختفى ، هو الحوت الجريح ، الذي قد يمثل روح الفتى " أرلينج " الذي قاوم فناءه في سجن الجزيرة ..
يعمل...
X