حنفيه
Ibn al-Hanafiyah - Ibn al-Hanafiyah
ابن الحنفيَّة
(21-81هـ /641-700م)
محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، أبو القاسم أو أبو عبد الله يعرف بابن الحنفية، من كبار التابعين في صدر الإسلام، أخو الحسن والحسين، غير أن أمهما فاطمة الزهراء، وأمه خولة بنت جعفر بن قيس، من بني حنيفة، وهي من سبي اليمامة في حروب الردة زمن أبي بكر الصديق، وقيل: كانت أمةً لبني حنيفة ولم تكن من أنفسهم، وكان النبي r قد رخص لعلي بن أبي طالب إن ولد له غلام أن يجمع له بين اسمه وكنيته صلى الله عليه وسلم، فسمى ابنه محمداً وكناه بأبي القاسم، وقيل لمحمد: «ما بال أبيك يرمي بك في مرام لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ قال: لأنهما كانا خديه وكنت يده فكان يتوقى بيده عن خديه».
ولد ابن الحنفية بالمدينة، وكان كثير العلم، ورعاً، عابداً، صالحاً، وصاحب رأي سديد، شديد القوة، وله في ذلك أخبار عجيبة. روى الحديث عن أبيه، وعثمان بن عفان، وعمار بن ياسر وغيرهم. وحدَّث عنه أولاده إبراهيم والحسن وعبد الله وعون، وحدَّث عنه أيضاً سالم بن أبي الجعد، وعبد الله ابن محمد بن عقيل، وعطاء بن أبي رباح وآخرون. وقد أخرج له حديثه أصحاب الكتب الستة. وقال إبراهيم ابن الجنيد: «لا نعلم أحداً أسند عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية».
وفد على معاوية، وبعد موت يزيد ابن معاوية بويع عبد الله بن الزبير بالخلافة في الحجاز، فطلب ابن عباس وابن الحنفية إلى بيعته فأبيا، حتى تجتمع له البلاد، ثم أساء جوارهما، وأمر بني هاشم أن يلزموا شعابهم، وقال: والله لتبايعن أو لأحرقنكم، فأعلم ابن الحنفية شيعته بالكوفة بأحواله، فأرسل المختار بن أبي عبيد الثقفي رجاله وعليهم أبو عبد الله الجدلي إلى مكة، فاستنقذوه وأصحابه من ابن الزبير، وأخرجوه من الشعب، ثم صاروا به إلى الطائف، وبها توفي ابن عباس سنة 68هـ، وصلى عليه ابن الحنفية.
وأقام أبو عبد الله الجدلي في خدمة ابن الحنفية حتى مقتل المختار سنة 67 أو 68هـ. وكان المختار أول من دعا إلى محمد بن الحنفية. وتتبع قتلة الحسين فظفر بهم. وقد زعم أنه نائب عن ابن الحنفية ومن رجاله ودعاته، ونسب له ما لم يقله، وتكلم بأسجاع كأسجاع الكهان. وكان ابن الحنفية يكره أمره، ولا يحب كثيراً مما يأتي به، ولما وقف على ضلالاته تبرأ منه، وأراد أن يقدم الكوفة ليكذبه، فقال المختار حين بلغه ذلك: إن في المهدي علامة، يضربه رجل في السوق ضربة بالسيف، فلا تضره. فلما بلغ قوله هذا ابن الحنفية أقام بمكة خوفاً من أن يقتله المختار، ومما قاله فيه: «والله ما بعثت المختار داعياً ولا ناصراً».
ثم منع ابن الزبير ابن الحنفية من دخول مكة حتى يبايعه فأبى، واضطره إلى أن يخرج من أرضه، فسار نحو الشام، وصرح في بعض الروايات أنه انطلق من الطائف فنزل أَيْلَةَ (العقبة) وكان نزوله بإذن من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وبدعوة منه، ثم كتب إليه عبد الملك قائلاً: قد رأيت أن لا يكون في سلطاني رجل لم يبايعني، فرجع وأصحابه وقد أحرم بعمرة، فمنعه ابن الزبير من دخول الحرم، فقصد المدينة، وأقام بها مُحرِماً إلى أن قدم الحجاج وقتل ابن الزبير سنة 73هـ فقضى نسكه.
بعد مقتل الزبير استقر الأمر لعبد الملك، فبايعه عبد الله بن عمر، وتابعه ابن الحنفية، وكتب إليه بالبيعة فقال: «أما بعد، فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت، اعتزلتهم، فلما أفضى هذا الأمر إليك، وبايعك الناس، كنت كرجل منهم، أدخل في صالح ما دخلوا فيه، فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك، وبعثت إليك ببيعتي، ورأيت الناس قد اجتمعوا عليك، ونحن نحب أن تؤمننا وتعطينا ميثاقاً على الوفاء، فإن الغدر لا خير فيه، فإن أبيت فأرض الله واسعة» فكتب إليه عبد الملك، «إنك عندنا محمود، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحماً من ابن الزبير، فلك العهد والميثاق، وذمة الله وذمة رسوله أن لا تُهاج، ولا أحد من أصحابك بشيء تكرهه، ارجع إلى بلدك واذهب حيث شئت، ولست أدع صلتك وعونك ما حييت».
وكانت الكيسانية[ر] (فرقة من الشيعة) تتغالى في ابن الحنفية، وتدَّعي إمامته، وتلقبه بالمهدي، وتزعم أنه لم يمت، وأنه مقيم في شعب من شعاب جبل رضوى، بين مكة والمدينة قرب ينبع، بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نضَّاحتان، تجريان بماء وعسل، وأنه يعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وفي هذا يقول كُثيّر عزة:
ألا إنَّ الأئمة من قريشٍ
ولاةَ الحقِ أربعةٌ سواءُ
عليٌّ والثلاثة من بَنِيْهِ
همُ الأسباطُ ليس بهمْ خفاءُ
فسِبطٌ سبطُ إيمانٍ وبرٍ
وسبطٌ غيَّبَتْه كربلاءُ
وسبطٌ لا تراهُ العينُ حتى
يقودَ الخيلَ يقدُمُها اللواءُ
تغيّب لا يُرى فيهم زماناً
برَضوى عنده عسلٌ وماءُ
توفي ابن الحنفية بالمدينة، ودفن بالبقيع، وصلّى عليه أبان بن عثمان ابن عفان والي المدينة. وقيل إنه لمّا خرج إلى الطائف هارباً من ابن الزبير مات بها.
أحمد الزبيبي
Ibn al-Hanafiyah - Ibn al-Hanafiyah
ابن الحنفيَّة
(21-81هـ /641-700م)
محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، أبو القاسم أو أبو عبد الله يعرف بابن الحنفية، من كبار التابعين في صدر الإسلام، أخو الحسن والحسين، غير أن أمهما فاطمة الزهراء، وأمه خولة بنت جعفر بن قيس، من بني حنيفة، وهي من سبي اليمامة في حروب الردة زمن أبي بكر الصديق، وقيل: كانت أمةً لبني حنيفة ولم تكن من أنفسهم، وكان النبي r قد رخص لعلي بن أبي طالب إن ولد له غلام أن يجمع له بين اسمه وكنيته صلى الله عليه وسلم، فسمى ابنه محمداً وكناه بأبي القاسم، وقيل لمحمد: «ما بال أبيك يرمي بك في مرام لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ قال: لأنهما كانا خديه وكنت يده فكان يتوقى بيده عن خديه».
ولد ابن الحنفية بالمدينة، وكان كثير العلم، ورعاً، عابداً، صالحاً، وصاحب رأي سديد، شديد القوة، وله في ذلك أخبار عجيبة. روى الحديث عن أبيه، وعثمان بن عفان، وعمار بن ياسر وغيرهم. وحدَّث عنه أولاده إبراهيم والحسن وعبد الله وعون، وحدَّث عنه أيضاً سالم بن أبي الجعد، وعبد الله ابن محمد بن عقيل، وعطاء بن أبي رباح وآخرون. وقد أخرج له حديثه أصحاب الكتب الستة. وقال إبراهيم ابن الجنيد: «لا نعلم أحداً أسند عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية».
وفد على معاوية، وبعد موت يزيد ابن معاوية بويع عبد الله بن الزبير بالخلافة في الحجاز، فطلب ابن عباس وابن الحنفية إلى بيعته فأبيا، حتى تجتمع له البلاد، ثم أساء جوارهما، وأمر بني هاشم أن يلزموا شعابهم، وقال: والله لتبايعن أو لأحرقنكم، فأعلم ابن الحنفية شيعته بالكوفة بأحواله، فأرسل المختار بن أبي عبيد الثقفي رجاله وعليهم أبو عبد الله الجدلي إلى مكة، فاستنقذوه وأصحابه من ابن الزبير، وأخرجوه من الشعب، ثم صاروا به إلى الطائف، وبها توفي ابن عباس سنة 68هـ، وصلى عليه ابن الحنفية.
وأقام أبو عبد الله الجدلي في خدمة ابن الحنفية حتى مقتل المختار سنة 67 أو 68هـ. وكان المختار أول من دعا إلى محمد بن الحنفية. وتتبع قتلة الحسين فظفر بهم. وقد زعم أنه نائب عن ابن الحنفية ومن رجاله ودعاته، ونسب له ما لم يقله، وتكلم بأسجاع كأسجاع الكهان. وكان ابن الحنفية يكره أمره، ولا يحب كثيراً مما يأتي به، ولما وقف على ضلالاته تبرأ منه، وأراد أن يقدم الكوفة ليكذبه، فقال المختار حين بلغه ذلك: إن في المهدي علامة، يضربه رجل في السوق ضربة بالسيف، فلا تضره. فلما بلغ قوله هذا ابن الحنفية أقام بمكة خوفاً من أن يقتله المختار، ومما قاله فيه: «والله ما بعثت المختار داعياً ولا ناصراً».
ثم منع ابن الزبير ابن الحنفية من دخول مكة حتى يبايعه فأبى، واضطره إلى أن يخرج من أرضه، فسار نحو الشام، وصرح في بعض الروايات أنه انطلق من الطائف فنزل أَيْلَةَ (العقبة) وكان نزوله بإذن من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وبدعوة منه، ثم كتب إليه عبد الملك قائلاً: قد رأيت أن لا يكون في سلطاني رجل لم يبايعني، فرجع وأصحابه وقد أحرم بعمرة، فمنعه ابن الزبير من دخول الحرم، فقصد المدينة، وأقام بها مُحرِماً إلى أن قدم الحجاج وقتل ابن الزبير سنة 73هـ فقضى نسكه.
بعد مقتل الزبير استقر الأمر لعبد الملك، فبايعه عبد الله بن عمر، وتابعه ابن الحنفية، وكتب إليه بالبيعة فقال: «أما بعد، فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت، اعتزلتهم، فلما أفضى هذا الأمر إليك، وبايعك الناس، كنت كرجل منهم، أدخل في صالح ما دخلوا فيه، فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك، وبعثت إليك ببيعتي، ورأيت الناس قد اجتمعوا عليك، ونحن نحب أن تؤمننا وتعطينا ميثاقاً على الوفاء، فإن الغدر لا خير فيه، فإن أبيت فأرض الله واسعة» فكتب إليه عبد الملك، «إنك عندنا محمود، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحماً من ابن الزبير، فلك العهد والميثاق، وذمة الله وذمة رسوله أن لا تُهاج، ولا أحد من أصحابك بشيء تكرهه، ارجع إلى بلدك واذهب حيث شئت، ولست أدع صلتك وعونك ما حييت».
وكانت الكيسانية[ر] (فرقة من الشيعة) تتغالى في ابن الحنفية، وتدَّعي إمامته، وتلقبه بالمهدي، وتزعم أنه لم يمت، وأنه مقيم في شعب من شعاب جبل رضوى، بين مكة والمدينة قرب ينبع، بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نضَّاحتان، تجريان بماء وعسل، وأنه يعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وفي هذا يقول كُثيّر عزة:
ألا إنَّ الأئمة من قريشٍ
ولاةَ الحقِ أربعةٌ سواءُ
عليٌّ والثلاثة من بَنِيْهِ
همُ الأسباطُ ليس بهمْ خفاءُ
فسِبطٌ سبطُ إيمانٍ وبرٍ
وسبطٌ غيَّبَتْه كربلاءُ
وسبطٌ لا تراهُ العينُ حتى
يقودَ الخيلَ يقدُمُها اللواءُ
تغيّب لا يُرى فيهم زماناً
برَضوى عنده عسلٌ وماءُ
توفي ابن الحنفية بالمدينة، ودفن بالبقيع، وصلّى عليه أبان بن عثمان ابن عفان والي المدينة. وقيل إنه لمّا خرج إلى الطائف هارباً من ابن الزبير مات بها.
أحمد الزبيبي