ماذا لو استطعت التَّصرف كأحد أفراد طاقم سفينة فضائيَّة وبنفس الوقت تستطيع نقل نفسك للمنزل أو أيِّ مكانٍ آخرَ في العالم؟
كبشريّ، قد يتعين عليك أخذ بعض الوقت لتدرك ذلك في وقت ما قريبًا، وإن كنتَ فوتونًا فربما سترغب بإكمال القراءة.
خلال تعاونٍ بين باحثين من جهة وجامعة وبلدية «كالغاري- Calgary» الأمريكيَّة من جهة أخرى، تمكَّن فريقٌ من الفيزيائيين بقيادة الدّكتور في قسم الفيزياء وعلم الفضاء «ولفغانغ تايتل- Wolfgang Tittel» من إثبات تحرك فوتون (الجسيم الأساسي المكون للضوء) بخطٍّ مستقيمٍ يصلُ إلى 6 كيلومترات، مستخدمين في ذلك البنية التحتيَّة من الألياف الضوئيَّة لمدينة كالغاري.
هذا الإنجاز الذي يسجِّل رقمًا قياسيًا جديدًا لمسافة نقل حالة كموميَّة، الأمر الذي أخذ مكانًا في مجلة «Nature Photonics»» العلميَّة، والذي نُشر جنبًا إلى جنب مع دراسةٍ مشابهةٍ من قبل مجموعةٍ من الباحثين الصِّينين.
ويقول البروفسور تايتل: «شبكةٌ مثل هذه قادرةٌ على إجراءِ تواصلٍ آمنٍ وغير قابلٍ للتنصُّت، وتسمح للحواسيب الكموميَّة البعيدة بالتَّواصل».
الفعل الشَّبحي عن بُعد:
تعتمدُ التَّجربة على خاصية «التَّشابك- entanglement»* الموجودة في ميكانيكا الكم والمعروفة باسم «الفعل الشَّبحي عن بعد- spooky action at a distance»، والتي تعدُّ خاصيَّة غامضةً جدًا حتى أنَّ آينشتاين لم يتوصل إلى نتيجة حاسمة معها.
يشرح تايتل ذلك: «كون الفوتونات متشابكة فهذا يعني بأنَّ للفوتونين المتشابكين خصائص مترابطة، بغضِّ النَّظر عن المسافة الفاصلة بينهما، وحتى عند إرسال أحد الفوتونين إلى مجلس المدينة يبقى متشابكًا مع الآخر الموجود بجامعة كالغاري».
ثم يُولَّد الفوتون الذي تحرك إلى الجامعة في موقع ثالث في كالغاري وينتقل عبر مجلس المدينة ليلتقي بالفوتون الذي يشكل الطرف الآخر من الثنائية المتشابكة.
ويقول تايتل: «ما حدث هو نقلٌ فوريٌ منفصلٌ للحالة الكموميَّة للفوتون من خلال الفوتون الباقي من الزَّوج المتشابك الواحد، الذي بقي على بُعد ستة كيلومترات من الجامعة».
الألياف المظلمة المتاحة للمدينة هي من جعلت البحث ممكنًا:
لم يكن البحث ممكنًا لولا وجود المعدَّات المناسبة، ومن أهمِّ الأجزاء المؤثرة في البنية التحتيَّة التي تدعم الشبكات الكمومية هي الألياف المظلمة والتي سميت بذلك نظرًا لتركيبتها، فهي عبارة عن كابل ضوئي وحيد لا يحوي على إلكترونيات أو تجهيزات شبكيَّة محاذية وبالتالي تمنع تلك الكابلات التَّداخل والتَّشويش على التّكنولوجيا الكموميّة.
فمدينة كالغاري تبني وتوفر هذا النوع من الألياف المظلمة لتسمح بتطوير الخدمات المحليَّة اليوم وللأجيال القادمة.
يقول «تايلر أندريشاك- Tyler Andruschak» مدير المشروع: «عن طريق تدشين البنية التحتيّة من الألياف الضوئيّة للمدينة لصالح القطاعين العام والخاص والمنظمات الغير ربحيّة والصروح الاكاديميّة، فنحن نساعد على تطوير مشاريع مثل التَّشفير الكمومي وخلق فرص مستقبليَّة أبعد من ذلك للبحث والتّطوير والنّمو الاقتصادي في المدينة».
التوقيت خلال واحد من مليون مليون من الثانية:
واجه البروفسير تايتل وفريقه عدد من العقبات والتّحديات خلال البحث.
بسبب اختلاف درجات الحرارة في الخارج فزمن نقل الفوتون من نقطة إنشائه وحتى مجلس المدينة تباينت على مدار اليوم الواحد، مما أثر على الفترة التي تعيَّن على الباحثين استهلاكها لجمع معلومات كافية لدعم ما توصلوا إليه، وهذه التغيرات كانت تعني أن الفوتونين لن يلتقيا في مجلس المدينة.
يقول تاتيل: «التحدي كان الإبقاء على زمن وصول الفوتونات ومزامنة ذلك خلال 10 بيكو ثانية. والبيكو ثانية هو واحد على ترليون أو واحد على مليون مليون جزء من الثانية».
التَّحدي الآخر هو نقل أجزاء من المختبر إلى موقعين في المدينة، الأمر الذي اعتبره تايتل صعبًا بالنسبة لمحطة القياسات في مركز المدينة التي تتضمن كاشفات إشارة الفوتون فائق التَّوصيل، المطوّرة من قبل المعهد العالمي للقياسات والتكنولوجيا ومختبر الدّفع النّفاث التّابع لناسا.
ويقول تايتل: «بما أنَّ الكاشفات تعمل فقط عند درجات الحرارة الأقل من الواحد فوق الصفر المطلق، فالمعدات لابد أن تحتوي على منظمات لدرجة الحرارة».
يعتبر هذه الإثبات واحدًا من أبرز المظاهر للتنبؤ بميكانيكا الكم، ولكنه يفتح الطريق أيضًا لبناء انترنت كمومي في المستقبل، الأمر الذي يعد من الأهداف بعيدة المدى لفريق تايتل.
خاصية «التَّشابك- entanglement»: هي ظاهرة فيزيائيَّة تحصل عندما تتفاعل مجموعات أو ثنائيات من الجزيئات بطريقة تمنعنا من وصف الحالة الكمومية لكل جزيء بصورةٍ مستقلّةٍ حتى لو كانت تلك الجزيئات منفصلةً عن بعضها البعض بمسافةٍ كبيرةٍ، وعوضًا عن ذلك، فنحن نعبِّر عن الحالة الكموميَّة للنظام بأكمله.