ابن حَزْمٍ الأندلسيّ Ibn Hazm Al-Andalusi.الأديب، صاحب التصانيف،من أئمة العلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ابن حَزْمٍ الأندلسيّ Ibn Hazm Al-Andalusi.الأديب، صاحب التصانيف،من أئمة العلم

    حزم اندلسي

    Ibn Hazm Al-Andalusi - Ibn Hazm Al-Andaloussi

    ابن حَزْمٍ الأندلسيّ
    (384-465هـ/994-1064م)

    علي بن أحمد بن سعيد بن حَزْمٍ الأندلسيّ القرطبيّ الظَّاهريّ أبو محمد، الإمام العلاَّمة، الفقيه، الحافظ، المتكلم، الأديب، صاحب التصانيف، أحد أئمة العلم الكبار، الوزير ابن الوزير، فيلسوف الفقه والشعر والأدب والتاريخ، وعَلَمُ الأندلس الكبير في عصره بلا منازع.
    ولد ونشأ في قرطبة في بيتٍ عريقٍ بالمجد حافل بالتّرف والنّعيم، وانصرف لطلب العلم بكل عزائمه وأخلص له الإخلاص كُلَّه، وذلك ما كان يميزه عن أقرانه آنذاك، فكان أوسعهم معرفة وأكثرهم شهرة، وكان ينهض بعلوم جمَّة، ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر، وكان فيه دينٌ وخيرٌ، وكان إليه المنتهى في الذكاء والفطنة وحِدَّة الذّهن وسَعَة العلم، بالكتاب والسُّنَّةُ والمذاهب والمِلَلِ والنِّحل والعربية، والمنطق وما يتبع تلك العلوم، فقد أخذ ذلك كله عن شيوخ العلم الكبار في الأندلس أيام مجد العلم فيها، وكان شافعي المذهب أول الأمر ثم تحول إلى مذهب أهل الظاهر فكان من أعلامه الكبار، لا في الأندلس وحدها، بل في مختلف الأقطار الإسلامية، وخالط أهل السلطان وغاص في لججهم في بعض مراحل حياته من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، وخالط أهل العلم بجميع اتجاهاتهم ومختلف مشاربهم وتعدد اختصاصاتهم، فجادلهم وناقشهم وخاصم الكثيرين منهم، وصار مالىء الدنيا وشاغل الناس، وظهرت عليه معالم الحدّة في مقارعة خصومه فكان ينقدهم بلا هواده ويتشدّد في مهاجمتهم وتقريعهم إلى حدّ الإسراف، فقال فيه ابن العَريف: «كان لسانُ ابن حَزْمٍ وسيف الحجَّاج شقيقين» وإنما قال ذلك فيه لكثرة وقوعه في الأئمة.
    وقد امتحن لتطويل لسانه في العلماء، وشُرِّد عن وطنه، وجرت له أمور كثيرة، وقامت عليه جماعة من المالكية، وجرت بينه وبين بعضهم مناظرات ومنافرات، فأقصته الدولة في حينها، وأُحرقت مجلدات من كتبه، فخاطب من حرق كتبه بقوله:
    فإن تحرقوا القِرْطاسَ لا تحرقوا الذي
    تضمَّنه القِرطَاسُ بل هو في صدري
    يسير معي حيث اسْتَقَلَّت ركائبي
    وينزل إن أنزِلْ ويُدفن في قبري
    وظهرت في حياته مفارقات كثيرة، فقد جمع بين الحرص على حضور مجالس العلم وحضور مجالس الأُنس والطرب، يستمع إلى المحدّثين والفقهاء، ويجمع إلى ذلك السَّمَاع من المغنين والظُّرفاء، وكان يعتكف النهار والليل في البحث والتأليف والحوار والتدريس، ويمضي بعض الليالي في سماع المطربين، فأحبه كثيرون وخاصمه كثيرون، وبلغ الأمر ببعض خصومه أن أغروا السلطان بالبطش به والنيل منه، فأعرض عن مخالطة أهل السلطان، وانتقل إلى التزام محراب الرحمن، وسخّر علمه وفكره وألمعيته وحنكته وبعد نظره، في التصنيف والتأليف في علوم مختلفة وفنون متعددة، فأغنى المكتبة العربية الإسلامية بنحو من أربعمئة مجلد قاربت بمجموعها ثمانين ألف ورقة، ومنها «المحلّى» في الفقه، وفيه يتجلى اجتهاده، و«الفِصَل في المِلَلِ والأهواء والنّحل» وفيه تتجلى معرفته بأتباع الفِرَق الإسلامية وسواهم من أتباع الدِّيانات الأخرى، و«جمهرة أنساب العرب» وفيه تتجلى معرفته بدقائق الأمور المتعلقة بالأسماء والأنساب والأصول والفروع من الأُسر العربية القديمة و«الناسخ والمنسوخ» و«حجَّة الوداع» ولم يتمه، و«ديوان شعر» لم يقدّر له النشر بعد، و«جوامع السيرة» و«التقريب لحدّ المنطق والمدخل إليه» و«مراتب العلوم» و«الإيصال إلى فهم كتاب الخِصال» و«نُقَط العروس» و«الإعراب» و«ملخص إبطال القياس» و«الإحكام لأصول الأحكام» و«المفاضلة بين الصحابة» و«طوق الحمامة» وهو في أقسام الحب الرَّاقي. وهذه المؤلفات، وغيرها كثير، مما ألّفه وصنّفه، تدل على سَعَة اطلاعه وغزير علمه وعظيم أدبه، فاعتزّ به إقليم الأندلس وباهى به العراق الذي كان يعج آنذاك بحضارة ما رأى التاريخ لها مثيلاً، ومن ينظر في مجموع أخباره وآثاره يتبين له أنه كان يتمتع بفكر ثاقب، وبصيرة نافذة، وملاحظة دقيقة، وفهم عميقٍ للشريعة، وإخلاص لا حدود له للعلم وشؤونه، ويمكن القول: إنه ملأ الأندلس في عصره علماً وفضلاً، فقال فيه صاعد: «برّز ابن حزم على فحول العلماء بالأندلس حتى تفَّرد دونهم بميزات».
    وقال الحافظ محمد بن فَتُّوح الحُميدي: «ما رأينا مثله فيما اجتمع له من العلم، مع الذكاء المفرط وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين، وما رأينا من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، فقد أنشدني لنفسه:
    لئن أصبحتُ مرتحلاً بجسمي
    فَرُوحي عِنْدَكُمْ أبداً مقيمُ
    ولكن للعِيان لَطِيفُ معنى
    له سأل المعاينة الكَليمُ».
    وروى له الحافظ محمد بن فتوح الحُميدي أيضاً قوله:
    أقمنا ساعةً ثم ارتحلنا
    وما يُغني المشوقَ وقوف ساعهْ
    كَأَنَّ الشَّمْلَ لم يَكُ ذا اجتماعٍ
    إذا ما شَتّتَ البَيْنُ اجتماعَهْ
    وقال ابن بشكوال في حقّه: «كان أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة، مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسِّير والأخبار».
    وطويت صفحة حياته بوفاته ببادية لَبْلَة من إقليم الأندلس الرَّطيب، ولكن صفحة ذكره ستبقى مفتوحة مقروءة على مرَّ الأيام.
    محمود الأرناؤوط
يعمل...
X