اداره محليه
Local administration - Administration locale
الإدارة المحلية
تخضع السلطة الإدارية في تنظيمها إما إلى أسلوب المركزية الإدارية، إذ تتركز الوظيفة الإدارية في يد هيئة واحدة تتولى دواوينها في العاصمة وفروعها في الأقاليم إدارة جميع الشؤون والمرافق العامة من قومية ومحلية، أو إلى أسلوب اللامركزية الإدارية إذ يتم توزيع الوظائف الإدارية في الدولة بين السلطة المركزية وهيئات محلية أو مرفقية مستقلة تباشر نشاطها تحت إشراف السلطة المركزية ورقابتها. وهذا الأسلوب الثاني هو ما يعرف بأنه نظام الإدارة المحلية local administration.
ويرتكز هذا النظام على عدد من الأسس أهمها التالية:
ـ الاعتراف بوجود مصالح محلية مستقلة عن المصالح القومية يقتضي الاعتراف لها بالشخصية المعنوية المستقلة.
ـ تولي هيئات منتخبة الإشراف على هذه المصالح المحلية: فانتخاب أعضاء المجالس المحلية يعدّ أحد الأركان الأساسية لضمان استقلال هذه المجالس عن السلطات المركزية ولإرساخ مفهوم الديمقراطية الذي يمثل روح العصر الحديث ولاختيار أعضاء المجالس المحلية من الأشخاص الذين يرتبطون ارتباطاً مباشراً بالمصالح المحلية. وتنجم عن ذلك ممارسة السيادة الشعبية ومزاولة الشعب بنفسه مسؤولياته العامة.
ـ وجود الرقابة الإدارية: إذ يستتبع وضع النظام اللامركزي في حيز التنفيذ الفعلي إيجاد عدد من رجال القانون العام المستقلين عن الدولة سواء من حيث أهليتها القانونية أو من حيث ذمتها المالية وموظفوها ومسؤوليتها. غير أن هذا الاستقلال يجب ألا يكون مطلقاً، وإلا أصبحت الهيئات المحلية دولاً داخل دولة. وتمارس الهيئات المحلية الاختصاصات المنوطة بها تحت إشراف الإدارة المركزية وضمن إطار رقابة فعالة من قبل هذه الأخيرة، حرصاً على حماية الوحدة القانونية والسياسية للدولة.
إلا أن الرقابة التي تمارسها الحكومة المركزية على أعمال الهيئات اللامركزية ليست مطلقة كذلك، إنما هي رقابة مقيدة ومحصورة في نطاق معين لا يصح أن تتجاوزه وإلا كانت محلاً للطعن من الهيئة اللامركزية، وتبعاً لذلك فإن الهيئات المركزية لا تملك سلطة التوجيه أو إصدار الأوامر والتعليمات الملزمة للوحدات الإدارية المستقلة. في حين أنها لدى ممارستها سلطة التعقيب على أعمال هذه الوحدات لا تملك، في مواجهة هذه الأعمال، إلا أحد طريقين: فهي إما أن تصدق عليها جملة أو ترفضها جملة، ومفاد ذلك أنها لا تملك أن تلغي هذه الأعمال أو تسحبها أو تعدلها أو تعدل آثارها كلها أو بعضها، وذلك لأن الوحدات الإدارية المحلية تستطيع التمسك بقراراتها على الرغم من اعتراض الهيئة المركزية عليها، بل تستطيع هذه الهيئات المركزية أن تخاصم هذه القرارات أمام القضاء الإداري عند مخالفتها لمبدأ الشرعية.
الأسباب الداعية لتبني نظام الإدارة المحلية
نشأ مفهوم اللامركزية الإدارية، المتمثل في نطاق نظام الإدارة المحلية الذي تبنته غالبية الدول المعاصرة التي تأصلت فيها النظم الديمقراطية، نتيجة للأسباب التالية:
ـ أضحت مهام الدول المعاصرة عظيمة الاتساع، لذا أصبح من المتعذر أن تنهض بها السلطة المركزية في العاصمة، ويكون الأخذ بنظام الإدارة المحلية مما يخفف كثيراً عن عاتق السلطة المركزية التي يجب أن تنصرف للقضايا ذات الطابع القومي.
ـ يعد نظام الإدارة المحلية تطويراً في التنظيمات الإدارية، وبوجه خاص في الوقت الحاضر الذي تعقدت فيه الوظيفة الإدارية، وتنوعت فيه المرافق العامة تحت تأثير السياسات التي تتبعها الدول المعاصرة، وتبعاً لذلك فقد أصبح من الأصلح للأجهزة الإدارية أن تتعدد، وأن تتنوع أساليب نشاطها بقدر تعداد الحاجات العامة وتنوعها، كما أصبحت ضرورات الإصلاح الإداري تقضي بأن تكون هذه الأجهزة قريبة من مصدر الحاجات العامة التي تقوم بإشباعها،وأن تكون متصلة قدر الإمكان، اتصالاً مباشراً ودائماً بهذه الحاجات، حتى تفهم مقتضياتها وحتى تستطيع أن تحدد سلوكها وأعمالها في ضوء المقتضيات نفسها.
ـ يؤدي النظام اللامركزي المتمثل بنظام الإدارة المحلية إلى منح الوحدات المحلية الاستقلال في إدارة المشروعات والمرافق المحلية المتصلة اتصالاً مباشراً بالحاجات العامة. وهذا الاستقلال للوحدات المحلية يسهم من دون شك في تبسيط الإجراءات، وتجنب النظام الرتيب (الروتين) والبطء في صدور القرارات المتعلقة بالمصالح المحلية.
ـ يكفل نظام الإدارة المحلية قدراً من العدالة في توزيع الضرائب العامة، لأن كل إقليم سيحصل على ما يحتاج إليه من موارد مالية لمواجهة المصالح المحلية، فلا تطغى مرافق العاصمة والمدن الكبرى على مرافق الأقاليم كما هي الحال لو أخذ بنظام المركزية الإدارية.
ـ يسهم نظام الإدارة المحلية في تقوية البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة بتوزيع القوى المنتجة بدل تركيزها في العاصمة والعمل على ترابط الدعائم التي يقوم عليها هذا البناء لمواجهة الأزمات الداخلية والأخطار الخارجية التي تتعرض لها الدولة. وليس صحيحاً ما تردده بعض الاتجاهات الغربية من أن الدول السائرة في طريق النمو لا يصلح شأنها أو يدفع بها نحو التقدم والازدهار إلا تركيز السلطة في قمة أجهزتها، ذلك لأن التقدم إنما يستلزم العمل على الاستفادة الكاملة من كل طاقة يمكن الاعتماد عليها في أي مستوى من المستويات. ومن شأن توزيع السلطة في الوحدات المحلية شحذ الهمم وتشجيع الإسهام في العمل العام من دون أن يضر ذلك بالمصالح القومية. إذ يمكن أن تحتفظ السلطة المركزية في جميع الأحوال بالقضايا الجوهرية وتوجه السفينة نحو الاتجاه المنشود.
ـ تعد اللامركزية الإدارية المدرسة الرئيسة لتعليم الديمقراطية وتحمل المسؤوليات، لأن أعضاء المجالس المحلية الذين يقع عليهم هذا العبء يجب أن يحوزوا ثقة سكان الوحدة المحلية، وهم مسؤولون أمامهم. ويمكن أن ينتقل الأشخاص الذين حازوا ثقة سكان الوحدة المحلية بعد ذلك إلى مواقع العمل القومي.
نشأة نظام الإدارة المحلية وتطوره
حين نشأت الوحدات المحلية في إنكلترة نشأة طبيعية، لم تكن السلطة المركزية فيها في أي وقت تجمع في يدها كل الاختصاصات الإدارية، وإنما كانت الوحدات المحلية، منذ عدة قرون تباشر شؤونها الإدارية بنفسها مستقلة عن السلطة المركزية. ولهذا يقول فقهاء الإنكليز إن نظام الحكم المحلي عندهم أقدم عهداً من النظام البرلماني، وإنه وجد قبل أن يوجد مجلس اللوردات ومجلس العموم بمئات السنين وإن الأشخاص الإداريين ينشؤون، عادة، بقانون في كل الدول عدا إنكلترة، فإن الأشخاص الإداريين فيها أقدم في تاريخ نشأتهم من الدولة ومن القانون،وإنهم نشؤوا في تلك البلاد بقوة التطور التاريخي وبفعل الظروف والأحوال الطبيعية. وكما نشأت الوحدات المحلية في إنكلترة نشأة طبيعية فقد كانت هذه الوحدات تتمتع منذ نشأتها بحريتها واستقلالها في إدارة شؤونها من دون أن يكون هناك نص يقرر حقها في ذلك الاستقلال أو تلك الحرية، وظلت محتفظة بهذه الحرية كاملة إلى أواخر القرن الثامن عشر. فلم تكن السلطة المركزية طول هذه الحقبة من الزمن تتدخل في شؤون الإدارة المحلية إلا في بعض الحالات الاستثنائية. ويبدو ذلك من دراسة بعض أنواع الحكومات المحلية وما تتمتع به من حكم ذاتي في بعض المقاطعات والمدن حتى في العصور الأولى من التاريخ البريطاني. فالنظم المحلية في كولشستر ولنكولن ويورك تقوم على أنقاض النظم البدائية التي كانت سائدة في عهد الرومان. إن نظام الإدارة المحلية الإنكليزي يتمثل بكامله في إطار الحكومة المحلية local government الذي يتميز بصفتين رئيسيتين:
الأولى هي أن تكون عضوية مجالس السلطات المحلية نتيجة لانتخابات مباشرة تجري في صفوف مواطني الوحدة، فلا توجد مبدئياً أية سلطة محلية معينة من قبل الحكومة المركزية، والثانية هي تمتع السلطات المحلية المنتخبة بكل الاختصاصات المحلية، فلا يوجد مبدئياً أي اختصاص محلي يتبع الحكومة المركزية.