ارثوذكسيه (كنيسه)
Orthodox Church - Eglise orthodoxe
الأرثوذكسية (الكنيسة -)
الأرثوذكسية Orthodoxy كلمة مركبة من لفظتين يونانيتين «أرثوس»، وهي صفة لما هو قويم وسليم و«ذكسا» وهي اسم يدل على الرأي والمعتقد والفكر. فيكون معنى الكلمة اليونانية المركبة «أرثوذكسية» هو المعتقد القويم أو الرأي القويم.
وتطلق كلمة أرثوذكسية، لغةً، على ما يوافق كل تراث، دينياً كان أم غير ديني وتطلق اصطلاحاً على جماعة كبيرة من المسيحيين الذين يقولون إنهم حافظوا على المعتقد الصحيح كما حددته المجامع المسكونية (المجمع المسكوني مؤتمر يُدعى إليه أساقفة العالم كله للتداول في شؤون الكنيسة)، تمييزاً لهم من الذين عُدّوا هراطقة. وفي معظم الأحيان يُطلق الأرثوذكس على كنيستهم أسماء «الكنيسة الأرثوذكسية الكاثوليكية الشرقية» أو «الكنيسة الأرثوذكسية الكاثوليكية في الشرق» أو «الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة» ذلك أن كلمة الكاثوليك تعني «الجامعة» أو العامة، على أنه من الضروري أن لا تؤدي هذه التسميات إلى اللبس. فالكنيسة التي تعد نفسها الكنيسة الجامعة الحقيقية، ليست جزءاً من الكنيسة الكاثوليكية «الرومانية»، ومع أنها تسمى «شرقية» فهي لا تقتصر على العالم الشرقي. ويطلق عليها إيجازاً «الكنيسة الأرثوذكسية».
ويشمل مصطلح الأرثوذكسية اليوم أسرتين من الكنائس.
ـ الكنائس الشرقية غير الخلقيدونية (التي رفضت قرارات مجمع خلقيدونية الذي انعقد في العام 451م) وتضم الكنيسة الأرمنية والكنيسة السريانية (كنيسة اليعاقبة) في سورية والهند. والكنيسة القبطية في مصر وإثيوبية.
ـ الكنائس الشرقية الخلقيدونية وتضم الكنائس الأربع القديمة في القسطنطينية والاسكندرية وأنطاكية والقدس، والكنائس الحديثة في روسية ورومانية وبلغارية وصربية وجورجية فضلاً عن الكنائس المستقلة في قبرص واليونان وألبانية وبولندة وتشيكوسلوفاكية وأمريكة.
تنظيم الكنيسة الأرثوذكسية وبنيتها
الكنيسة الأرثوذكسية أسرة من الكنائس التي تحكم نفسها بنفسها في كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية (دستور الإيمان). وهي تستمد وحدتها من الوحدة في العقيدة والمشاركة في الأسرار، فنظامها «مجمعي» لا مركزي يتمتع بقدر فائق من المرونة والتكيف مع الظروف، إذ يتيح إحداث كنائس محلية ثم إلغاءها من دون أن يؤثر ذلك في حياة الكنيسة.
وفي هذا النظام المجمعي تشغل الكنيسة المحلية موقعاً ذا أهمية بالغة. فكل كنيسة أرثوذكسية محلية هي كنيسة الله برعيتها، وكل راع فيها هو راع في كنيسة اللّه الواحدة.
والشعب المؤمن في رقعة جغرافية معينة (الرعية أصلاً والأبرشية فيما بعد) يجب أن يؤلف وحدة تتجلى في عشاء الرب الواحد. ويؤم هذا الاجتماع الشيخ المسمى اليوم كاهناً، وهو حارس إيمان الجماعة ومركز وحدتها وحياتها المقدسة، من دون أن يؤثر ذلك في وحدة الكنيسة الجامعة أو يتعارض معها. ولذلك يجب ألا يوجد أكثر من أسقف واحد في كل مدينة أو أبرشية، وللأسقف المنصب الأسمى بين المناصب الكهنوتية، ولا تعلو سلطته سلطةٌ أخرى في أبرشيته أو جماعته. ولا يجوز رسم أسقف أو توليته ما لم يكن عضواً في مجمع رسولي أو مجمع كنسي (سنودس). ولكل كنيسة أرثوذكسية سنودس خاص بها يضم المطارنة والأساقفة كافة ويرسم الأساقفة الجدد، ويرأسه البطريرك الذي هو رئيس رؤساء الأساقفة، ويتمتع بصلاحيات واسعة في الأمور الدينية والدنيوية ضمن حدود التقليد الرسولي والقوانين الكنسية.
والكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة المجامع. وكانت المجامع المحلية التي يحضرها أساقفة مقاطعة ما من مقاطعات الامبراطورية تعقد، عموماً، في عاصمة تلك المقاطعة برئاسة أسقفها الذي يحمل رتبة مطران (متروبوليت) لمعالجة القضايا المحلية ووضع الأنظمة بحسب مقتضى الحال. ولما اتسع مدى المجامع في القرن الثالث الميلادي ازدادت أهمية أساقفة المدن الكبرى (العواصم) ونشأت فيها «كراسيُّ أسقفية» تميز من بينها ثلاثة، هي كراسي أنطاكية ورومة والاسكندرية. وعندما تأسست مدينة القسطنطينية وغدت عاصمة الامبراطورية جعل مركزها الأسقفي كرسياً رابعاً. وكانت لكل من هذه الكراسي سلطته على أقطار معلومة، وتسودها جميعها عقيدة واحدة، وتعالج قضاياها الكبرى التي تخص العقيدة أو تهم جميع الكنائس مجامع عامة يحضرها أساقفة الكراسي أو ممثلوهم.
وقد منح المجمع المسكوني الرابع (مجمع خلقيدونية) أساقفة هذه الكراسي لقب بطريرك، الذي كان قد اختص به بطريرك أنطاكية قبل غيره، وأحدث أسقفية القدس وجعل أسقفها بطريركاً فسمى البطريرك الخامس وبذلك نشأ نظام الرئاسة الخماسية في الكنيسة الأرثوذكسية. ومنذ النصف الأول من القرن الثالث أطلق على أسقف الكرسي الاسكندري لقب بابا، وسمي أسقف الكرسي الروماني بابا في الربع الأول من القرن السادس، وفي الربع الأخير من القرن نفسه أطلق أساقفة اليونان على أسقف كرسي القسطنطينية لقب البطريرك المسكوني. وفيما بعد صار لقب البطريرك يطلق على رؤساء الكنائس المستقلة الكبرى لأسباب دينية واجتماعية وسياسية ـ دولية.
العقيدة
تؤكد الكنيسة الأرثوذكسية محافظتها على إيمان الكنيسة الأولى، كما حددته وفسرته المجامع المسكونية وكتابات آباء الكنيسة، وبقاءها أمينة الماضي باستمرارية تقوم على مبدأ تسلم الإيمان ونقله. والمرجع الرئيس في إيمانها هو الكتاب المقدس، مع أنه جزء من «التقليد الشريف» الذي سلمه المسيح للرسل و«التقليد الشريف» يعني أسفار الكتاب المقدس ودستور الإيمان وكتابات آباء الكنيسة وقرارات المجامع المسكونية، فضلاً عن القوانين الكنسية وكتب الليترُجيا (الطقوس والعبادات) والأيقونات أي كل ما عبرت عنه الكنيسة الأرثوذكسية في تاريخها من عقيدة وتنظيم كنسي وعبادة وفن، وهي تعد نفسها حارسة لهذا الإرث الكبير ومن واجبها نقله إلى الأجيال القادمة.
ومع أن الموروث الديني يبقى دوماً موضع الاحترام، إلا أن عناصر «التقليد الشريف» غير متساوية القيمة، فثمة عناصر تعد مطلقة مسلماً بها لا يجوز تغييرها أو إعادة النظر فيها، وفي مقدمتها الكتاب المقدس الذي يشغل المركز الرئيس في التقليد، ودستور الإيمان، والتحديدات العقدية الصادرة عن المجامع المسكونية. أما العناصر الأخرى فلا تتمتع بالقيمة ذاتها، مع الأخذ بالحسبان الفروق بين ما يدخل في «التقليد الشريف» وما يعد من التقاليد المتوارثة التي تتغير وتتبدل بتغير الزمان والمكان.
والكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة المجامع، وإن كان «دستور الإيمان» الذي وضعه المجمعان الأولان (نيقية 325 والقسطنطينية 381) هو الدستور الذي تلتزمه نصاً وروحاً.
العبادة والأسرار المقدسة
إن العبادة في الكنيسة الأرثوذكسية، تمثل واحداً من أهم العوامل في استمرارية هذه الكنيسة والمحافظة على هويتها. والمفهوم القائل بأن الكنيسة قوية بجماهيرها المؤمنة حين تجتمع متحدةً في العبادة هو الصيغة الأساسية للتجربة المسيحية الشرقية، ومن دون هذا المفهوم لا يمكن إدراك الأسس الرئيسة لبنية الكنيسة في الأرثوذكسية ولا عمل الأسقف معلماً وكاهناً أعلى في الطقوس الدينية. وتعد الطقوس الدينية الشرقية تجربة كاملة تستثير ملكات الإنسان العاطفية والعقلية والجمالية، وتستخدم تعابير لاهوتية اصطلاحية وملاحظات وإيماءات مادية وفنوناً مرئية، يقصد منها نقل الإيمان المسيحي للمتعلمين وغير المتعلمين على حد سواء.