حصري (ابراهيم)
Al-Husari (Ibrahim-) - Al-Husari (Ibrahim-)
الحصري (إبراهيم-)
(…-413هـ/…-1022م)
أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن تميم، المعروف بالحصري (نسبة إلى صناعة الحصر أو بيعها) القيرواني.
لم تعرف سنة ولادته واختلف في سنة وفاته ولكن الدلائل تشير إلى أنه تــوفي سـنة 413هـ، قضى حياته في مدينة القيروان ولم يعرف عنه أنه غادرها، ونشأ على العمل بالوراقة والنسخ، وكان جيد الخط، بارعاً في النسخ. ومن حسن حظه أن بيته كان لزيق جامع القيروان، فجعل الجامع بيته وخزانة كتبه. وفيه كان الناس يجتمعون إليه. ولزمه شبان القيروان يأخذون عنه. فنظر في النحو والعروض، ثم أخذ في جمع الأخبار، ونظم الأشعار، فازدادت مكانته بين الناس، وانتشرت كتبه في المناطق المجاورة حتى وصلت إلى صقلية وغيرها. وجاءته الصلات من كل حدب وصوب.
قيل إنه ابن خالة الحصري الكفيف، لكن الفاصل الزمني بين الأديبين في سنة الوفاة جعل هذا الأمر محل شك.
كان أبو إسحاق كاتباً شاعراً، ذكر له شعر رقيق ينم على عواطف صادقة، ومشاعر مرهفة، وهو في معظمه في النسيب والغزل، منه قوله:
إنـي أحبـك حباً ليس يبلغــه
فهمُ، ولا ينتهي وصف إلى صفتهْ
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي
بالعجز منّي عن إدراك معرفتـهْ
وعلى الرغم من أنه كان ذا طبع رقيق إلاّ أنه آثر الصنعة في شعره اقتداءً بأبي تمّام. وقد انفرد ابن خلكان بالقول: إن له ديوان شعر.
لكن شهرته طبقت الآفاق بفضل ما ألّفه من كتب ورسائل كان فيها أسلوبه سهلاً رائقاً، وعباراته واضحة بعيدة عن التكلف وهي أقرب إلى الأسلوب المرسل،على الرغم من أنها مسجوعة لكنه سجع خفيف، قريب إلى النفس، بعيد عن الصنعة الممجوجة.
هناك اتفاق على أن أبا إسحاق الحصري ألف أربعة كتب وهي: «النّور والنور» ويسمى أيضاً «نوْر الظُرف ونور الطَرْف» وعرف أيضاً بكتاب «النورين» وهو منتخب من كتابه «زهر الآداب»، وكتاب «جمع الجواهر في المُلَح والنوادر» طبع تحت عنوان «ذيل زهر الآداب» لكنه قد يكون مستقلاً، و«المصون من الدواوين» أو «المصون في سر الهوى المكنون» وقيل هو «المصون والدرّ المكنون» وهو يشبه طوق الحمامة لابن حزم. وأشهر كتبه «زهْرُ الآداب وثمر الألباب»، قال بعض معاصريه: إنه أراد فيه معارضة كتاب «البيان والتبين» للجاحظ، ويقول ابن بسام: إنه ما قصّر عن الجاحظ في شيء لولا أنه جاء فيه بكلام أهل عصره.
ذكر الحصري، في مقدمة كتابه هذا، أنه ألّفه تلبية لرغبة أبي الفضل العباسي بن سليمان الذي ارتحل إلى المشرق وجمع كثيراً من الطرائف والغرائب لفصحاء عصره وبلغاء دهره، ثم سأل أبا إسحاق أن يختار مما جمعه شيئاً يضيف عليه من كلام المتقدمين ما يقاربه أو يشابهه، ويجعل ذلك كله في كتّاب.
وقصد المؤلف أن يغني كتابه على ما هو جديد لم يعرف، دفعاً للتكرار والسأم، وأنه قد يكون ترك من كلام أهل العصر ما هو أكثر جودة، وأنه جاء أحياناً بما لا يستجاد لضرورة الاستشهاد وسلامة الفكرة.
والكتاب أشبه بتوارد الخواطر، لا يلتزم بخطّة معينة، فهو ينتقل من موضوع إلى آخر، وقد يعود إلى الموضوع في مواضع أخرى، كذلك كان يستطرد ضمن الموضوع الواحد، كما فعل الجاحظ في كتابه «البيان والتبين» غير أنه التزم بأن يشفع كل موضوع بكلام أهل عصره، ومعظم موضوعاته مستمدة من كتاب «يتيمة الدهر» للثعالبي، وبذلك يكون الكتاب منجماً للأخبار والطرائف الأدبية ولاسيما التي تعود لأدباء القرن الرابع الهجري كأبي فراس الحمداني وأبي الطيب المتنبي وأبي الفتح البستي والصاحب بن عباد وبديع الزمان الهمذاني وغيرهم.
وبعد المقدمة يُعنى الحصري عناية خاصة بالكلام عن الصحابة والتابعين وآل البيت، ينقل أخبارهم ويدوّن آثارهم، وكانت هذه عادة إسلامية في ذلك الحين، ثم يتحدث بعد ذلك عن البلاغة والبلغاء والشعر والشعراء والإنشاد والمنشدين.
ويذكر كثيراً من الآداب الاجتماعية التي كان يحمدها الناس لعهده، ويتجلى في الكتاب ذوق المؤلف الأدبي واهتمامه ببراعة المطلع وحسن الختام وإجادته للموضوعات الوصفية واستقصاؤها.
علي حيدر
Al-Husari (Ibrahim-) - Al-Husari (Ibrahim-)
الحصري (إبراهيم-)
(…-413هـ/…-1022م)
أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن تميم، المعروف بالحصري (نسبة إلى صناعة الحصر أو بيعها) القيرواني.
لم تعرف سنة ولادته واختلف في سنة وفاته ولكن الدلائل تشير إلى أنه تــوفي سـنة 413هـ، قضى حياته في مدينة القيروان ولم يعرف عنه أنه غادرها، ونشأ على العمل بالوراقة والنسخ، وكان جيد الخط، بارعاً في النسخ. ومن حسن حظه أن بيته كان لزيق جامع القيروان، فجعل الجامع بيته وخزانة كتبه. وفيه كان الناس يجتمعون إليه. ولزمه شبان القيروان يأخذون عنه. فنظر في النحو والعروض، ثم أخذ في جمع الأخبار، ونظم الأشعار، فازدادت مكانته بين الناس، وانتشرت كتبه في المناطق المجاورة حتى وصلت إلى صقلية وغيرها. وجاءته الصلات من كل حدب وصوب.
قيل إنه ابن خالة الحصري الكفيف، لكن الفاصل الزمني بين الأديبين في سنة الوفاة جعل هذا الأمر محل شك.
كان أبو إسحاق كاتباً شاعراً، ذكر له شعر رقيق ينم على عواطف صادقة، ومشاعر مرهفة، وهو في معظمه في النسيب والغزل، منه قوله:
إنـي أحبـك حباً ليس يبلغــه
فهمُ، ولا ينتهي وصف إلى صفتهْ
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي
بالعجز منّي عن إدراك معرفتـهْ
وعلى الرغم من أنه كان ذا طبع رقيق إلاّ أنه آثر الصنعة في شعره اقتداءً بأبي تمّام. وقد انفرد ابن خلكان بالقول: إن له ديوان شعر.
لكن شهرته طبقت الآفاق بفضل ما ألّفه من كتب ورسائل كان فيها أسلوبه سهلاً رائقاً، وعباراته واضحة بعيدة عن التكلف وهي أقرب إلى الأسلوب المرسل،على الرغم من أنها مسجوعة لكنه سجع خفيف، قريب إلى النفس، بعيد عن الصنعة الممجوجة.
هناك اتفاق على أن أبا إسحاق الحصري ألف أربعة كتب وهي: «النّور والنور» ويسمى أيضاً «نوْر الظُرف ونور الطَرْف» وعرف أيضاً بكتاب «النورين» وهو منتخب من كتابه «زهر الآداب»، وكتاب «جمع الجواهر في المُلَح والنوادر» طبع تحت عنوان «ذيل زهر الآداب» لكنه قد يكون مستقلاً، و«المصون من الدواوين» أو «المصون في سر الهوى المكنون» وقيل هو «المصون والدرّ المكنون» وهو يشبه طوق الحمامة لابن حزم. وأشهر كتبه «زهْرُ الآداب وثمر الألباب»، قال بعض معاصريه: إنه أراد فيه معارضة كتاب «البيان والتبين» للجاحظ، ويقول ابن بسام: إنه ما قصّر عن الجاحظ في شيء لولا أنه جاء فيه بكلام أهل عصره.
ذكر الحصري، في مقدمة كتابه هذا، أنه ألّفه تلبية لرغبة أبي الفضل العباسي بن سليمان الذي ارتحل إلى المشرق وجمع كثيراً من الطرائف والغرائب لفصحاء عصره وبلغاء دهره، ثم سأل أبا إسحاق أن يختار مما جمعه شيئاً يضيف عليه من كلام المتقدمين ما يقاربه أو يشابهه، ويجعل ذلك كله في كتّاب.
وقصد المؤلف أن يغني كتابه على ما هو جديد لم يعرف، دفعاً للتكرار والسأم، وأنه قد يكون ترك من كلام أهل العصر ما هو أكثر جودة، وأنه جاء أحياناً بما لا يستجاد لضرورة الاستشهاد وسلامة الفكرة.
والكتاب أشبه بتوارد الخواطر، لا يلتزم بخطّة معينة، فهو ينتقل من موضوع إلى آخر، وقد يعود إلى الموضوع في مواضع أخرى، كذلك كان يستطرد ضمن الموضوع الواحد، كما فعل الجاحظ في كتابه «البيان والتبين» غير أنه التزم بأن يشفع كل موضوع بكلام أهل عصره، ومعظم موضوعاته مستمدة من كتاب «يتيمة الدهر» للثعالبي، وبذلك يكون الكتاب منجماً للأخبار والطرائف الأدبية ولاسيما التي تعود لأدباء القرن الرابع الهجري كأبي فراس الحمداني وأبي الطيب المتنبي وأبي الفتح البستي والصاحب بن عباد وبديع الزمان الهمذاني وغيرهم.
وبعد المقدمة يُعنى الحصري عناية خاصة بالكلام عن الصحابة والتابعين وآل البيت، ينقل أخبارهم ويدوّن آثارهم، وكانت هذه عادة إسلامية في ذلك الحين، ثم يتحدث بعد ذلك عن البلاغة والبلغاء والشعر والشعراء والإنشاد والمنشدين.
ويذكر كثيراً من الآداب الاجتماعية التي كان يحمدها الناس لعهده، ويتجلى في الكتاب ذوق المؤلف الأدبي واهتمامه ببراعة المطلع وحسن الختام وإجادته للموضوعات الوصفية واستقصاؤها.
علي حيدر