لُقيانوس السميساطي أديب وخطيب سوري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لُقيانوس السميساطي أديب وخطيب سوري

    لقيانوس سميساطي Lucian Of Samosata - Lucien de Samosate
    لُقيانوس السميساطي

    (120م ـ بعد 180م)



    لُقيانوس السميساطي Lucianos of Samosata، أديب وخطيب سوري من أعلام القرن الثاني الميلادي في الثقافة الإغريقية. ولد في مدينة سميساط السورية على نهر الفرات الأعلى (حالياً سمسات Samsat في تركيا)، التي كان سكانها يتكلمون اللغة السريانية. كان والده حرفياً، وجده لأمه مثّالاً، وكذلك أخواله. وبعد أن أنهى تعليمه الأساسي بالسريانية دخل مشغل أحد أخواله متدرباً، لكنهما سرعان ما اختلفا، فتخلى لقيانوس عن المهنة وتوجه بتشجيع من أمه نحو يونيا Ionia على الساحل الغربي لآسيا الصغرى، حيث ازدهرت الثقافة الإغريقية، فحصَّل هناك تعليماً أدبياً وتاريخياً وفلسفياً باللغة اليونانية التي أتقنها لدرجة أن احترف الخطابة بها. ثم أخذ يتجول بين المدن الناطقة باليونانية، مقدماً خطبه ومحاضراته مبرزاً فصاحته المتميزة، ويقال إنه قدَّم في بعض المحاكمات مرافعات لافتة وناجحة، كونه محامياً. ثم انتقل إلى إيطاليا حيث تابع عمله وعقد أواصر الصداقة مع شخصيات مرموقة في روما، وتابع جولته إلى غاليا (فرنسا)، حيث كسب كثيراً من المال لقاء خطبه ومحاضراته كونه خطيباً معلماً. لكنه لم يكن مقتنعاً فكرياً بعمله، فعاد ليستقر في أثينا منصرفاً إلى الفكر والأدب والتاريخ.

    بدأ لُقيانوس كتابة مقالاته النقدية الساخرة حول ظواهر الحياة الثقافية في عصره، إما بأسلوب الحوارات الأفلاطونية، أو مقتفياً أثر الأديب والفيلسوف السوري مِنيبوس [ر] Menippos في مزجه الشعر بالنثر في كتاباته الساخرة. ويبدو أن مقالاته قد لاقت، من حيث موضوعاتها ولغتها، شهرة دعمت مكانته السابقة كخطيب مُفوَّه، لكنها لم تعوِّض ما تآكل من ثروته في هذه السنوات، فصار وضعه المعيشي مقلقلاً. فأنجده رُعاتُه من الأصدقاء في روما بمنصب إداري مريحٍ ومجزٍ في محكمة الإسكندرية. لكنه لم يحتمل العمل الإداري التوثيقي أكثر من بضع سنوات، عاد بعدها إلى أثينا وإلى فعاليته القديمة خطيباً، من دون أن يتوقف عن الكتابة. وقد بقيت ظروف وفاته في أثينا وتاريخها مجهولة حتى اليوم، ويرجح الباحثون أنها كانت بعد 180م.

    لم يستخدم لقيانوس في كتاباته لغة عصره، بل لغة القرنين الخامس والرابع ق.م حين بلغت اليونانية ذروتها في إبداع الفلاسفة ومعلمي السفسطائية وكتّاب المأساة والملهاة. ولاشك في أنه قد أفاد فائدة جمة من غنى وجزالة لغة السفسطائيين, ومن مرونة حوارات كتّاب الملهاة، ولاسيما منهم ملك الهجاء أريستوفانس [ر] الذي أبرز براعة السفسطائيين لغوياً كونها مثلبة أو سلاحاً ذا حدين، الأمر الذي ظهر جلياً في مقالات لقيانوس الساخرة التي هجا فيها غرور أتباع الفلاسفة وضحالة مقلديهم.

    يُنسب إلى لقيانوس نحو ثمانين مؤلفاً، عشرة منها مدسوسة على اسمه، ويتميز أسلوبه باللوذعية والفكاهة الصارخة والنقد اللاذع لمساوئ وحماقات الأوساط الأدبية والفلسفية والدينية في عصره، وقد شملت سخريته أنواع السلوك البشري كافة. ومن موضوعاته المفضلة إخفاق الإنسان في إدراك أن الثروة والعظمة والصحة أحوال متقلبة وسريعة الزوال. يبرز هذا الموضوع الكلبي [ر. الفلسفة الكلبية] في حوارية «خارون» Charon، أما في «حواريات الموتى» Nekrikoi dialogoi فإن لقيانوس يبعث منيبوس الكلبي من موته ليهزأ بالملوك والأرستقراطيين، مذكراً إياهم بفداحة خسائرهم حال موتهم مقارنة به. ويستعيد لقيانوس في «تيمون» Timon حكاية الرجل الفاضل الذي أوصله كرمه الزائد إلى حافة الفقر، فانفض عنه الجميع، فتنسك، وعندما عادت إليه الثروة أحاط به المتملقون من جديد، فقطع دابرهم. كما سخر لقيانوس من أولئك الراغبين بعقد صفقات مع الآلهة عند تقديم القرابين والأضاحي باكين خسائرهم عند عدم استجابة الآلهة لرغائبهم، أو من الذين يلهثون وراء القصص الغريبة العجيبة؛ ففي «قصة حقيقية» من كتاب «مِنيبوس الإيكاروسي» Ikaromenippos التي تبدأ بتنبيه القارئ إلى أنها حكاية مختلفة ومستحيلة الحدوث من ألفها إلى يائها، يصف لقيانوس رحلة تبدأ في عرض البحر وتستمر في أجواء الفضاء بعد زيارة قصيرة في بطن الحوت حتى الوصول إلى حقول إليزيا Elysia تحت سطح الأرض. والحكاية كما يتضح من عنوانها محاكاة ساخرة لحكايات المسافرين الفنتازية التي يعتمد رواتها على سذاجة المستمعين وهي من أولى المحاولات في الخيال العلمي. وفي «نيغرينوس» Nigrinus يبتكر لقيانوس نموذجاً لفيلسوف أفلاطوني يستهجن شرور روما ويعقد مقارنة بين ادعائها ونقص ثقافتها وجشع أهلها لكسب المال بأي طريقة كانت، وبين حياة الأثينيين الهادئة المفعمة بالثقافة.

    إن أحد أهداف سخرية لقيانوس الرئيسية هم الدجالون، فقد وجد مثلاً أن الإسكندر كاهن أسكلِبيوس Asclepios ساحر مشعوذ يزعم لنفسه قوى إلهية، ففضحه في كتاب «الإسكندر أو النبي الدجال» Alexandros e pseudomantis وهزئ من ألاعيبه، وكذلك فعل مع الفيلسوف الكلبي بِرغرينوس Peregrinos الذي أحرق نفسه حياً في أثناء الألعاب الأولمبية عام 165م، ومع كثير من الفلاسفة الجدد الذين يقولون بشيء ويفعلون غيره، وقد ظهر هذا على نحو بارز في كتاب «المائدة» Symposion.

    نُقلت أعمال لقيانوس في عصر النهضة الأوربي عام 1425 من القسطنطينية إلى إيطاليا، وظهرت طبعتها الأولى الكاملة في فلورنسا عام 1446، وترجمت منذ ذلك الحين إلى معظم اللغات الأوربية، وصدرت في طبعات متعددة، فكان له بذلك تأثير كبير في الأدب الساخر في أوربا، بل حتى في العالم.

    م. ن.ح
يعمل...
X