أشكال الأدب الشعبي الرئيسية
الأغنية الشعبية folk song: وهي شكل تعبيري شائع في معظم الثقافات، يستخدم الكلمة والموسيقى في آن معاً، على الرغم من أن أهمية الكلمة قد تكون محدودة في بعض المناطق، وعندها تستخدم لدعم الموسيقى فقط. ولربما كانت في بعض الأحيان مجرد مقاطع أحادية لا معنى لها ترافق الصوت أو الآلة الموسيقية، وتعاد مراراً.
ويستخدم الطبل غالباً، أو التصفيق، أو الضرب بالقدم، أو القيثارة، لتوفير الإيقاع اللازم لها، في حين يستخدم الناي أو آلات النفخ الأخرى لتوفير اللحن.
وتوظف الأغنية الشعبية عادة للإثارة في الحرب، أو الحب، أو الشعائر الدينية أو المواسم الدنيوية، لأنها تعبر عن العواطف المشتركة للجماعة، أو تعمل على تخفيف عبء العمل الجماعي. وقد تستخدم لأغراض تتصل بالسحر، أو ذات طابع سحري، أو طلب العون من قوى فوق طبيعية، كذلك فإنها تستخدم للمتعة غناءً أو سماعاً ولكنها مع ذلك تبقى للتعبير عن عواطف وأفكار مشتركة.
وثمة نوع خاص منها سردي يقتصر وجوده على بعض الثقافات في أوربة الغربية وآسيا، وهو يشمل أغنيات الحرب والمغامرة والحياة اليومية.
البلادا ballad: وهو شكل تعبيري نشأ في أوربة في العصور الوسطى واستمر حتى العصر الراهن، ويكاد يكون مقصوراً على الأوربيين الذين حملوه حيثما رحلوا. ولهذا التقليد الخاص بالحكايات التي تروى غناءً أشكال عروضية، وأنماط موسيقية خاصة. أما موضوعاته فتدور حول الصراعات الحربية، والكوارث، والجريمة والعقاب، والأبطال والخارجين عن القانون، والفكاهة أحياناً.
المسرحية الشعبية folk drama: وهي شكل تعبيري يتصل بالأدب الشعبي من بعيد. ذلك أن المسرحية الشعبية غالباً ما تقوم على رقصات، بعضها بدائي بسيط، وبعضها الآخر متطور جداً، وتُرتدى فيها الأقنعة التي تمثل حيوانات معينة، أو شخصيات بشرية، وتتضمن أحاديث أو أغنيات. وعلى الرغم من أن العمل والمحاكاة الدرامية من أبرز عناصر المسرحية الشعبية، فإنها قد تشتمل على قراءات أو غناء لنصوص مقدسة، وربما تكون جزءاً من شعائر دينية أو تقاليد دنيوية.
الحكاية الرمزية fable: وهي شكل تعبيري ذو أصل أدبي وله تأثير واسع في الأدب الشعبي. وتتخذ الحكاية الرمزية عادة شكل حكاية خيالية ترمي إلى إبراز مغزى خلقي في الغالب. يوضع على ألسنة الحيوانات التي تتصرف فيها على طبيعتها الحقيقية (حكايات إيسوب Aesop) أو على شاكلة الناس (حكايات كليلة ودمنة). وعلى الرغم من أنها تُتَناقل في بعض الأماكن شفوياً في معظم الأحيان، فإن أصلها الأدبي يجعل من الصعب تمييزها من أشكال الأدب المدون الأخرى.
الحكاية الشعبية folktale: وهي شكل تعبيري شائع شيوعاً واسعاً في كل الأزمنة والأمكنة، يكون بعضها بسيطاً، وبعضها الآخر معقداً جداً، إلا أن ثمة نسقاً واحداً مشتركاً فيما بينها يتمثل في وجود الراوي والجمهور دائماً.
وعلى خلاف الخرافة legend، تمنح الحكاية الشعبية راويها حرية مطلقة تقريباً فيما يتصل بمصداقيتها مادام يتحرك ضمن حدود المحرمات الخاصة بجمهوره ويمتعه في آن معاً. وتنتقل عادة بيسر وسهولة من راو إِلى آخر، لأنها لا تتميز بشكلها اللفظي بمقدار ما تتميز بنسقها الأساسي ومُتخلِّلاتها السردية، ولذلك فإنها تتخطى في كثير من الأحيان الحدود اللغوية والثقافية ولاسيما عندما تسهل الحركة ويتيسر التنقل أمام رواتها وجمهورهم كما في العصر الراهن.
وربما كان من أهم ما يميز موضوعات الحكاية الشعبية، التي لا تختلف كثيراً عن الأساطير myths في المجتمعات التي لا تعرف القراءة والكتابة، أنها تفترض خلفية معينة من المعتقدات والأفكار المتصلة بالأصول القبلية وصلات الناس بالآلهة. وتوضع غالباً على ألسنة الحيوانات وتدور عادة حول المغامرات والعجائب والرحلات إلى العالم الآخر، وعلاقات الزواج والصلات الجنسية بالحيوانات أحياناً.
والحكاية الشعبية مجهولة المؤلف الذي نُسي منذ زمن بعيد، ولها روايات كثيرة كلها صالحة ومقبولة لدى الجمهور، أي إنها في حالة تغير مستمر. ومع ذلك فإن لها بنية أساسية للعقدة يمكن تمييزها بسهولة، ويمكن دراستها وتتبع رواياتها المختلفة، ورحلاتها في الزمان والمكان.
الخرافة: وهي شكل تعبيري يختلف عن سابقه التخييلي البحت بأنه قابل التصديق ومقبول اعتقاداً من دون كبير تفكير فيه. وهو يتناول عادة مخلوقات شبه إلهية تظهر على شكل حيوانات أو طيور، مثلما تتخذ مظهر البشر. وعلى الرغم من كونها عجيبة في مظهرها وسلوكها إلا أن ثمة اعتقاداً واسعاً بوجودها، ولربما وجدت بعض الروايات التي تتحدث عن الالتقاء بها، وعما يتعرض له من يلتقيها من مغامرات سعيدة أو عصبية. وغالباً ما تصور هذه المخلوقات شبه الإلهية على أنها تحرس كنوزاً هائلة، يتم استخلاصها بعد التغلب عليها.
وإلى جانب هذه المخلوقات، هناك مخلوقات فوق طبيعية كالخيول الطائرة، والحيوانات الناطقة والحوريات والساحرات اللواتي يتخذن مظاهر مختلفة، ويتفاوتن في سلوكهن بين إسداء العون لمن يلتقي بهن، وإلحاق الأذى به، والمخلوقات الأخرى التي يصعب تصنيفها أو تعريفها، مثلما يصعب تصور هيئاتها.
وتدور بعض الخرافات حول الأشباح والمبعوثين من قبورهم، وذلك استناداً إلى الاعتقاد الشعبي بعودة الأموات الذي ربما تعززه بعض الأفكار الدينية. وقد يكون من المفارقة حقاً أن هذا الاعتقاد ظل حياً أكثر من غيره بين الأوساط الشعبية. كما يدور بعضها الآخر حول الشخصيات التاريخية كالملك آرثر، أو عنترة.
الأمثال، والألغاز، وعبارات السحر: وهي أشكال تعبيرية تتميز بالقصر قياساً إلى الأشكال السابقة، وبعضها مدون منذ عهد بعيد. فأما الأمثال فهي عبارات محكمة تختصر قصة يكون المثل قفلاً تختتم به القصة أحياناً. وتتناول طبيعة الحياة الإنسانية، ومظاهر السلوك الإنساني الإيجابية والسلبية. وتستخدم في المجتمعات القديمة في الغالب مقاييس للحكم على كثير من مواقف الحياة.
وأما الألغاز فهي أوصاف تُقَدّم ويُطلب تحديد ما تشير إليه كما هو الشأن في لغز أبي الهول وسواه. وللأطفال دور مهم في إحيائها. وأما عبارات السحر فهي شائعة في معظم الآداب الشعبية وغالباً ما تستهدف الحصول على تأثيرات سحرية مرغوب فيها، أو التأثير في المستقبل سلباً أو إيجاباً.
دراسة الأدب الشعبي، وجمعه، وحفظه
الأدب الشعبي أدب شفوي، وهو لذلك عرضة لعوامل التغيير المختلفة، البشرية والطبيعية والمادية. ولأنه يُختزن في الذاكرة فهو مهدد بالضياع دوماً. ومادة مثل مادته التي تظل في حالة تغير مستمر لا يمكن أن تدرس من دون أن يحيط بها سجل مدون يكون ملاذ الدارسين في تفحصها وتحليلها ومناقشتها والوصول إلى نتائج متماسكة حول طبيعتها ووظيفتها وتطورها وصلاتها بغيرها من ألوان الإنتاج الثقافي الإنساني.
والواقع أنه على الرغم من قدم الأدب الشعبي، فإنه لم يُبدأ بجمعه وتدوينه إلا منذ ما يقرب من ثلاثة قرون. وقد تطور هذا الجمع شكلاً ومضموناً ليبلغ ذروته في الحقبة الرومنسية التي ظفر فيها كل ما اتسم بصفة الشعبي باهتمام كبير سواء أكان موسيقى أم أدباً أم فناً أم غير ذلك. كما استطاعت التقنيات الحديثة المطورة في العقود الأخيرة من القرن العشرين أن تقدم خدمات جُلى في مجالات جمعه وتدوينه وتسجيله وتصنيفه وتحليله وتطبيق أحدث المناهج المتداخلة interdisciplinary في دراسته، فضلاً عن الدراسة البنيوية structural والسيميائية semiotic له. وكذلك فإن سجلات الأنثربولوجيين والإثنولوجيين قدمت خدمات جليلة في هذا المجال وساعدت كثيراً على فهم الكثير مما يتصل بالأدب الشعبي من أطر ومسائل وقضايا. وكان للدراسات المتصلة بأسفار العهدين القديم والجديد، والملاحم القديمة، دور مهم في تقديم المشابهات والظروف والأطر العامة - الاجتماعية والثقافية والدينية وسواها - لدراسة هذا الأدب الذي كان حتى عهد قريب، خير مؤنس في رحلات البحر الطويلة، وفي معسكرات الجنود، وفي العمل الجماعي، وفي ليالي الشتاء الطويلة، وأثناء المسيرات الجماعية. وهو اليوم معين لا ينضب لأدب الأطفال والناشئين، ومصدر إلهام للكتاب والفنانين الذين تضيق أرواحهم ونفوسهم بمادية الحضارة المعاصرة وتقنياتها الدقيقة، وواحةٌ يفيء إليها الإنسان المعاصر يتلمس فيها خطى أجداده التي قادته إلى حيث هو اليوم، ومنحته هويته التي يهددها عالم اليوم الذي غدا قرية كونية.