ماركس (كارل) ، ماركسيه
Marx (Karl-) - Marx (Karl-)
ماركس (كارل ـ) والماركسية
(1818ـ 1883)
كارل ماركس Karl Marx فيلسوف وسياسي وعالم اقتصاد ألماني، درس القانون في بون، والفلسفة في برلين، انضم إلى الجناح اليساري في الحركة الهيغلية، وحصل على الدكتوراه عام 1841 ببحث فلسفي عن ديمقريطس وأبيقور.
عمل محرراً في «جريدة رجال الأعمال» في كولونيا، وأظهر فيها ميوله السياسية المتطرفة، مما دفع بالسلطات المحلية إلى إغلاق الجريدة، غير أن ذلك كان له بداية رحلة طويلة تنقّل خلالها بين باريس وبروكسل ولندن وغيرها من المدن الأوربية برغبة منه تارة، ومن غير رغبة تارة أخرى، بعد طرده من هذه المدينة أو تلك لمواقفه المتطرفة ومشاركته في الثورات التي كانت تندلع بين مكان وآخر، إلى أن استقر به المقام في لندن عام 1867، ترأس بعدها الاتحاد الدولي للعمال عام 1872. ويُعدّ، مع صديقه فريدريك إنغلز Friedrich Engels المؤسس الأول للاشتراكية العلمية التي أصبحت فيما بعد تياراً فلسفياً واسعاً استقطب العديد من المفكرين الاجتماعيين والسياسيين والاقتصاديين، إضافة إلى أنها كوّنت أساساً أيديولوجياً للعديد من الأحزاب السياسية في أوربا والعالم.
كان لكارل ماركس مجموعة كبيرة من المؤلفات والمقالات التي رافقت حياته تقريباً، منها ما اشترك بتأليفه مع آخرين، ومنها ما انفرد فيه بنفسه، ومن أشهر مؤلفاته «بيان الحزب الشيوعي» Manifeste du parti communiste بالتعاون مع فريدريك إنغلز، و«رأس المال» Le Capital (1867)، ومساهمة في «نقد الاقتصاد السياسي» Contribution à la critique de l’économie politique (1859)، وغيرها.
كان ماركس فيلسوفاً مادياً ملحداً بصورة عنيفة، رفض كل ماله صلة باللاهوت وكل ما هو فوق الحس، كما أنه رفض النظرة المثالية للوجود، فالطبيعة عنده هي الأساس الأول والشرط المنطقي لوجود الفكر والحياة الروحية بأسرها.
استقى ماركس مبادئه من ثلاثة مصادر أساسية هي الفلسفة الألمانية والاقتصاد السياسي الإنكليزي والاشتراكية الفرنسية، وصهر التيارات الثلاثة في مدرسة فلسفية واحدة هي الفلسفة الماركسية.
استحوذت نظريته بعده على اهتمام واسع حتى باتت عند أتباعه منهجاً يقتدون به في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبات هو لديهم على قدر كبير من القداسة والتمجيد، فلا يوجد مذهب من مذاهب الفلسفة الحديثة أعظم أثراً وأوسع انتشاراً من الماركسية التي أصبحت أشبه ما تكون بعقيدة تؤمن بها أعداد كبيرة من الناس في مختلف بقاع العالم ولو كان ذلك بنسب متفاوتة، لقد تمكن ماركس من تحليل الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة في عصره، وجسّد أفكاره ومبادئه في مواقف اجتماعية وسياسية متعددة حتى أصبح يتبوأ بين أتباعه تلك المكانة المتميزة.
أما الماركسية فهي مزيج من الأعمال والمخطوطات المنشورة وغير المنشورة التي كتبها أو شارك فيها، وخاصة تلك التي اشترك فيها مع فريدريك إنغلز، كما تضاف إلى الماركسية أيضاً أعمال إنغلز التي أنجزها منفرداً نظراً لتقارب مضمونها مع فلسفة كارل ماركس إلى حد التطابق في كثير من الأحيان، بل يعدّ إنغلز واحداً من أبرز المساهمين في تطوير التحليل الماركسي.
ظهرت الماركسية في منتصف القرن التاسع عشر نتيجة أسباب موضوعية عديدة ارتبطت بتفاقم حدة الصراع في المجتمعات الرأسمالية الأوربية وظهور الطبقة العاملة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتميزت من غيرها بأنها لا تهدف إلى تفسير العالم وفهمه فحسب، بل تبين الأشكال والأساليب والوسائل التي يمكن من خلالها تغيير المجتمع، والمطلوب من الفلاسفة ليس فهم العالم فحسب، بل الدعوة إلى تغييره، ولهذا يرى ماركس في جدليته جدلية ثورية تمكن من اكتشاف قوانين تطور المجتمع ودراسته من دون إضافات خارجة عنه إيماناً بأن الناس هم الذين يصنعون تاريخهم، ومع ذلك فإن مجرى التطور لا يتحدد بمحض إرادتهم ورغبتهم إنما وفق قوانين تحكم ظروف حياتهم المادية، فالمجتمع يتكون من وحدة عضوية مكوّنة من عناصر أساسية أهمها قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وما يتمخض عنهما من أشكال محددة لميادين الحياة الاجتماعية على مستوى الدولة والسياسة والثقافة والعلم والفن والدين.
ويظهر تأثر الماركسية بالفلسفة الألمانية بصورة عامة، وبفلسفة هيغل Hegel خاصة في اعتمادها مبدأ الجدل، وفي هذا السياق يذكر ماركس صراحة بأنه ليس إلا تلميذاً لهذا المفكر العملاق، ويقول عنه أيضاً «إن الإطار المثالي الذي غلف الجدل الهيغلي لم يمنع هذا الرجل مطلقاً من أن يكون أول من عرض الصورة العامة للجدل بطريقة واعية وشاملة»، كما يريد إنغلز أن يرد على الأقاويل التي أرادت الإقلال من أهمية الجدل الهيغلي، فهو يرى أنه من المستحيل الاستغناء عن هيغل، لأنه ملحمة جدلية، أما فلاديمير لينين V.Lénine فيجد أنه من المستحيل قطعاً فهم «رأس المال» (كتاب ماركس)، ولاسيما الفصول الأولى منه ما لم تتم دراسة منطق هيغل ومالم يتم فهمه بأكمله.
وعلى الرغم من أن الفضل في الحديث عن جدل المادة أو ديالكتيك المادة يعود إلى فريدريك إنغلز إلا أن تعبير «المادية الجدلية» أو «المادية الديالكتيكية» التي تميزت بها الفلسفة الماركسية عموماً جاء بعده، وقد شهد هذا المصطلح استخدامات كثيرة في الشروح والتعقيبات التي قدمها الجيل الثاني من الماركسيين على كتابات ماركس وإنغلز فيما بعد، ويعدّ التطور الأكثر عمقاً في التحليل الماركسي هو التطور الذي أسهم به فيما بعد لينين حتى أصبحت الماركسية اللينينية تياراً واسعاً في القرن العشرين، استحوذ على اهتمامات الآلاف من المفكرين والسياسيين والاقتصاديين.
وتتكون الماركسية من مكونات أساسية مترابطة بين بعضها ارتباطاً عضوياً، هي المادية الجدلية، والمادية التاريخية، والاقتصاد السياسي، والشيوعية العلمية. وقد فسرت الماركسية التاريخ الإنساني على أسس اقتصادية، مستمدة من المادية الجدلية، فلا يرتبط تطور المجتمع في مراحله المختلفة بصورة آلية عفوية، ولا بقوى غيبية تعلو على واقع البشر. والانتقال من تشكيلة اجتماعية اقتصادية إلى أخرى يأتي نتيجة حتمية للصراع الطبقي في المجتمع الواحد، ونتيجة لمجموعة واسعة من العوامل الداخلية والخارجية المتنوعة، المرتبطة بوعي الناس ومستويات إدراكهم للقوانين الناظمة لحياتهم، ولمجمل الظروف الخارجية المحيطة بهم في علاقاتهم مع الآخرين.
إن غاية التفسير الماركسي للتاريخ، إنما هي في فهم الحاضر بغية التنبؤ بالمستقبل وبالقوانين الناظمة لحركته، ولهذا كان أسمى ما يهدف إليه ماركس في دراسته للنظام الرأسمالي هو بيان أوجه التناقض الداخلي فيه، والقوانين الناظمة لحركته مستقبلاً، ومن ثم توضيح حتمية انهياره وسقوطه، ليبشر بالمجتمع الشيوعي الذي يخلو من الطبقات والصراع الطبقي.
دخلت الماركسية في مجال العمل والتطبيق، منذ ثورة أكتوبر عام 1917، وانتشرت على نحو واسع في عدد كبير من الدول التي أخذت تعتمد الخيار الاشتراكي وانتشرت الأحزاب الشيوعية في معظم دول العالم صراحة وعلناً تارة، وضمنياً وخفية تارة أخرى، ومع قيام دولة «الاتحاد السوڤييتي» طرح المفكرون والباحثون أمام الماركسية أسئلة عديدة تتصل بمصير الدولة بعد الثورة الاشتراكية؟، وما هو مصير الطبقة؟ وهل يمكن تخطي مراحل النمو أو التطور الطبيعي للمجتمعات؟.
تمر المجتمعات البشرية بصورة عامة بخمس مراحل أساسية، تمثل مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي التي يخضع لها أي مجتمع إنساني، وهي: المجتمع البدائي الذي يوصف بعدم وجود الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، والمجتمع العبودي الذي ظهرت فيه هيمنة الإنسان على الإنسان، والمجتمع الإقطاعي الذي ظهرت فيه ملامح الملكية الخاصة للأرض، والمجتمع الرأسمالي الذي يوصف بظهور ملكية وسائل الإنتاج الصناعية، وأخيراً المجتمع الاشتراكي الذي يتصف بالملكية العامة لوسائل الإنتاج وتضاؤل دور الدولة.
أما المجتمع الشيوعي فيأتي بعد المراحل السابقة، وبعد تحقق مستوى عال من النضوج الاجتماعي والثقافي الناتج من الصراع الطبقي، الأمر الذي دفع ماركس إلى التنبؤ بأن أول ثورة شيوعية ممكنة الحدوث مستقبلاً يمكن أن تحدث في بريطانيا أو ألمانيا لأن هاتين الدولتين هما من أكثر الدول الصناعية تقدّماً وتطوراً.
ومع قيام ثورة أكتوبر عام 1917 ظهرت أمام الماركسية تحديات نظرية وعملية، فحاولت الماركسية اللينينية التصدي لهذه التحديات وتفنيد القضايا الفكرية والأيديولوجية، ذلك أنها جاءت مبكرة من حيث الشروط الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، ومن حيث العوامل الخارجية المحيطة بها، ولهذا كان من المطلوب الإجابة عن سؤالين أساسيين هما: هل يمكن لمجتمع شبه إقطاعي تجاوز مرحلة التطور الرأسمالي والنهوض بمجتمع شيوعي تتوافر فيه عوامل التطور التي أشار إليها ماركس في تحليلاته؟، وهل من المطلوب في المرحلة الرأسمالية تجنب سلطة البرجوازية، والعمل على تحويل هذه الرأسمالية نوعياً والانتقال بها إلى المجتمع الشيوعي؟.
لقد أصبح رسم الحد الفاصل بين النظري والعملي في الفكر الشيوعي بعد ماركس صعب المنال، وخاصة بعد أن أعلن ستالين J.Staline أنه الوريث الشرعي والمتمم للينين، ومن ثم تصفية «الستالينية» Stalinisme بعد ذلك عام 1956، وإدانة مؤتمر الحزب العشرين لها، وصولاً إلى البيروسترايكا التي قادها ميخائيل غورباتشوف M.Gorbatchev في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين، كل هذه الأمور أدت بالتطبيق العملي إلى الماركسية، وأدت إلى تراجع انتشار الماركسية على نحو كبير بعد سقوط الاتحاد السوڤييتي، فتحولت الدول التي كانت قد اتخدت الشيوعية مبدأ لها إلى النقيض منها، وظهرت ملامح النظام الرأسمالي الليبرالي من جديد، وأخذت الدعوات للمجتمع الشيوعي بالتراجع والانحسار، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن المطالبة بتحقيق العدالة واحترام الإنسان يمكن أن تتوقف.
توفيق داود
Marx (Karl-) - Marx (Karl-)
ماركس (كارل ـ) والماركسية
(1818ـ 1883)
كارل ماركس Karl Marx فيلسوف وسياسي وعالم اقتصاد ألماني، درس القانون في بون، والفلسفة في برلين، انضم إلى الجناح اليساري في الحركة الهيغلية، وحصل على الدكتوراه عام 1841 ببحث فلسفي عن ديمقريطس وأبيقور.
كان لكارل ماركس مجموعة كبيرة من المؤلفات والمقالات التي رافقت حياته تقريباً، منها ما اشترك بتأليفه مع آخرين، ومنها ما انفرد فيه بنفسه، ومن أشهر مؤلفاته «بيان الحزب الشيوعي» Manifeste du parti communiste بالتعاون مع فريدريك إنغلز، و«رأس المال» Le Capital (1867)، ومساهمة في «نقد الاقتصاد السياسي» Contribution à la critique de l’économie politique (1859)، وغيرها.
كان ماركس فيلسوفاً مادياً ملحداً بصورة عنيفة، رفض كل ماله صلة باللاهوت وكل ما هو فوق الحس، كما أنه رفض النظرة المثالية للوجود، فالطبيعة عنده هي الأساس الأول والشرط المنطقي لوجود الفكر والحياة الروحية بأسرها.
استقى ماركس مبادئه من ثلاثة مصادر أساسية هي الفلسفة الألمانية والاقتصاد السياسي الإنكليزي والاشتراكية الفرنسية، وصهر التيارات الثلاثة في مدرسة فلسفية واحدة هي الفلسفة الماركسية.
استحوذت نظريته بعده على اهتمام واسع حتى باتت عند أتباعه منهجاً يقتدون به في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبات هو لديهم على قدر كبير من القداسة والتمجيد، فلا يوجد مذهب من مذاهب الفلسفة الحديثة أعظم أثراً وأوسع انتشاراً من الماركسية التي أصبحت أشبه ما تكون بعقيدة تؤمن بها أعداد كبيرة من الناس في مختلف بقاع العالم ولو كان ذلك بنسب متفاوتة، لقد تمكن ماركس من تحليل الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة في عصره، وجسّد أفكاره ومبادئه في مواقف اجتماعية وسياسية متعددة حتى أصبح يتبوأ بين أتباعه تلك المكانة المتميزة.
أما الماركسية فهي مزيج من الأعمال والمخطوطات المنشورة وغير المنشورة التي كتبها أو شارك فيها، وخاصة تلك التي اشترك فيها مع فريدريك إنغلز، كما تضاف إلى الماركسية أيضاً أعمال إنغلز التي أنجزها منفرداً نظراً لتقارب مضمونها مع فلسفة كارل ماركس إلى حد التطابق في كثير من الأحيان، بل يعدّ إنغلز واحداً من أبرز المساهمين في تطوير التحليل الماركسي.
ظهرت الماركسية في منتصف القرن التاسع عشر نتيجة أسباب موضوعية عديدة ارتبطت بتفاقم حدة الصراع في المجتمعات الرأسمالية الأوربية وظهور الطبقة العاملة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتميزت من غيرها بأنها لا تهدف إلى تفسير العالم وفهمه فحسب، بل تبين الأشكال والأساليب والوسائل التي يمكن من خلالها تغيير المجتمع، والمطلوب من الفلاسفة ليس فهم العالم فحسب، بل الدعوة إلى تغييره، ولهذا يرى ماركس في جدليته جدلية ثورية تمكن من اكتشاف قوانين تطور المجتمع ودراسته من دون إضافات خارجة عنه إيماناً بأن الناس هم الذين يصنعون تاريخهم، ومع ذلك فإن مجرى التطور لا يتحدد بمحض إرادتهم ورغبتهم إنما وفق قوانين تحكم ظروف حياتهم المادية، فالمجتمع يتكون من وحدة عضوية مكوّنة من عناصر أساسية أهمها قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وما يتمخض عنهما من أشكال محددة لميادين الحياة الاجتماعية على مستوى الدولة والسياسة والثقافة والعلم والفن والدين.
ويظهر تأثر الماركسية بالفلسفة الألمانية بصورة عامة، وبفلسفة هيغل Hegel خاصة في اعتمادها مبدأ الجدل، وفي هذا السياق يذكر ماركس صراحة بأنه ليس إلا تلميذاً لهذا المفكر العملاق، ويقول عنه أيضاً «إن الإطار المثالي الذي غلف الجدل الهيغلي لم يمنع هذا الرجل مطلقاً من أن يكون أول من عرض الصورة العامة للجدل بطريقة واعية وشاملة»، كما يريد إنغلز أن يرد على الأقاويل التي أرادت الإقلال من أهمية الجدل الهيغلي، فهو يرى أنه من المستحيل الاستغناء عن هيغل، لأنه ملحمة جدلية، أما فلاديمير لينين V.Lénine فيجد أنه من المستحيل قطعاً فهم «رأس المال» (كتاب ماركس)، ولاسيما الفصول الأولى منه ما لم تتم دراسة منطق هيغل ومالم يتم فهمه بأكمله.
وعلى الرغم من أن الفضل في الحديث عن جدل المادة أو ديالكتيك المادة يعود إلى فريدريك إنغلز إلا أن تعبير «المادية الجدلية» أو «المادية الديالكتيكية» التي تميزت بها الفلسفة الماركسية عموماً جاء بعده، وقد شهد هذا المصطلح استخدامات كثيرة في الشروح والتعقيبات التي قدمها الجيل الثاني من الماركسيين على كتابات ماركس وإنغلز فيما بعد، ويعدّ التطور الأكثر عمقاً في التحليل الماركسي هو التطور الذي أسهم به فيما بعد لينين حتى أصبحت الماركسية اللينينية تياراً واسعاً في القرن العشرين، استحوذ على اهتمامات الآلاف من المفكرين والسياسيين والاقتصاديين.
وتتكون الماركسية من مكونات أساسية مترابطة بين بعضها ارتباطاً عضوياً، هي المادية الجدلية، والمادية التاريخية، والاقتصاد السياسي، والشيوعية العلمية. وقد فسرت الماركسية التاريخ الإنساني على أسس اقتصادية، مستمدة من المادية الجدلية، فلا يرتبط تطور المجتمع في مراحله المختلفة بصورة آلية عفوية، ولا بقوى غيبية تعلو على واقع البشر. والانتقال من تشكيلة اجتماعية اقتصادية إلى أخرى يأتي نتيجة حتمية للصراع الطبقي في المجتمع الواحد، ونتيجة لمجموعة واسعة من العوامل الداخلية والخارجية المتنوعة، المرتبطة بوعي الناس ومستويات إدراكهم للقوانين الناظمة لحياتهم، ولمجمل الظروف الخارجية المحيطة بهم في علاقاتهم مع الآخرين.
إن غاية التفسير الماركسي للتاريخ، إنما هي في فهم الحاضر بغية التنبؤ بالمستقبل وبالقوانين الناظمة لحركته، ولهذا كان أسمى ما يهدف إليه ماركس في دراسته للنظام الرأسمالي هو بيان أوجه التناقض الداخلي فيه، والقوانين الناظمة لحركته مستقبلاً، ومن ثم توضيح حتمية انهياره وسقوطه، ليبشر بالمجتمع الشيوعي الذي يخلو من الطبقات والصراع الطبقي.
دخلت الماركسية في مجال العمل والتطبيق، منذ ثورة أكتوبر عام 1917، وانتشرت على نحو واسع في عدد كبير من الدول التي أخذت تعتمد الخيار الاشتراكي وانتشرت الأحزاب الشيوعية في معظم دول العالم صراحة وعلناً تارة، وضمنياً وخفية تارة أخرى، ومع قيام دولة «الاتحاد السوڤييتي» طرح المفكرون والباحثون أمام الماركسية أسئلة عديدة تتصل بمصير الدولة بعد الثورة الاشتراكية؟، وما هو مصير الطبقة؟ وهل يمكن تخطي مراحل النمو أو التطور الطبيعي للمجتمعات؟.
تمر المجتمعات البشرية بصورة عامة بخمس مراحل أساسية، تمثل مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي التي يخضع لها أي مجتمع إنساني، وهي: المجتمع البدائي الذي يوصف بعدم وجود الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، والمجتمع العبودي الذي ظهرت فيه هيمنة الإنسان على الإنسان، والمجتمع الإقطاعي الذي ظهرت فيه ملامح الملكية الخاصة للأرض، والمجتمع الرأسمالي الذي يوصف بظهور ملكية وسائل الإنتاج الصناعية، وأخيراً المجتمع الاشتراكي الذي يتصف بالملكية العامة لوسائل الإنتاج وتضاؤل دور الدولة.
أما المجتمع الشيوعي فيأتي بعد المراحل السابقة، وبعد تحقق مستوى عال من النضوج الاجتماعي والثقافي الناتج من الصراع الطبقي، الأمر الذي دفع ماركس إلى التنبؤ بأن أول ثورة شيوعية ممكنة الحدوث مستقبلاً يمكن أن تحدث في بريطانيا أو ألمانيا لأن هاتين الدولتين هما من أكثر الدول الصناعية تقدّماً وتطوراً.
ومع قيام ثورة أكتوبر عام 1917 ظهرت أمام الماركسية تحديات نظرية وعملية، فحاولت الماركسية اللينينية التصدي لهذه التحديات وتفنيد القضايا الفكرية والأيديولوجية، ذلك أنها جاءت مبكرة من حيث الشروط الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، ومن حيث العوامل الخارجية المحيطة بها، ولهذا كان من المطلوب الإجابة عن سؤالين أساسيين هما: هل يمكن لمجتمع شبه إقطاعي تجاوز مرحلة التطور الرأسمالي والنهوض بمجتمع شيوعي تتوافر فيه عوامل التطور التي أشار إليها ماركس في تحليلاته؟، وهل من المطلوب في المرحلة الرأسمالية تجنب سلطة البرجوازية، والعمل على تحويل هذه الرأسمالية نوعياً والانتقال بها إلى المجتمع الشيوعي؟.
لقد أصبح رسم الحد الفاصل بين النظري والعملي في الفكر الشيوعي بعد ماركس صعب المنال، وخاصة بعد أن أعلن ستالين J.Staline أنه الوريث الشرعي والمتمم للينين، ومن ثم تصفية «الستالينية» Stalinisme بعد ذلك عام 1956، وإدانة مؤتمر الحزب العشرين لها، وصولاً إلى البيروسترايكا التي قادها ميخائيل غورباتشوف M.Gorbatchev في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين، كل هذه الأمور أدت بالتطبيق العملي إلى الماركسية، وأدت إلى تراجع انتشار الماركسية على نحو كبير بعد سقوط الاتحاد السوڤييتي، فتحولت الدول التي كانت قد اتخدت الشيوعية مبدأ لها إلى النقيض منها، وظهرت ملامح النظام الرأسمالي الليبرالي من جديد، وأخذت الدعوات للمجتمع الشيوعي بالتراجع والانحسار، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن المطالبة بتحقيق العدالة واحترام الإنسان يمكن أن تتوقف.
توفيق داود