ماليزيا (لغه في)
Malaysia - Malaisie
ماليزيا (اللغة والأدب في ـ)
تنطوي دولة ماليزيا بقسميها الغربي والشرقي على تركيب إثني ethnic ولغوي بالغ التنوع والتعقيد، مما أنتج بمرور الزمن ثقافة ماليزية شبه موحدة، تتميز في الوقت نفسه بالحفاظ على خصوصية الجزء في الوحدة وإبرازه دلالة على الغنى والأصالة المتعددة الأوجه.
يتكون سكان القسم الغربي (شبه جزيرة مَلايا Malay) من أقلية من السكان الأصليين تسمى أورانغ أصلي Orang Asli، تنقسم إثنياً إلى مجموعة جاكون Jakun التي يتكلم أفرادها لغة ملاوية قديمة، وإلى مجموعتي سيمانغ Semang وسينوي Senoi اللتين يتكلم أفرادهما لغة من أسرة مون - خمير Mon- Khmer، وقد أسلم قسم كبير من المجموعات الثلاث فصار على تماس مع اللغة العربية. أما الغالبية فهي من الملاي الذين يتكلمون لغة أسترونيزية Austronesian تسمى رسمياً بَهاسا ماليزيا Bahasa Malaysia، وهي اللغة الرسمية في الدولة، ومعظم هذه الغالبية يدين بالإسلام.
إضافة إلى ذلك هناك الصينيون المهاجرون من جنوب شرقي الصين ويقدرون بثلث سكان شبه الجزيرة. وهم يتكلمون لهجات صينية متباعدة؛ لذلك غالباً ما يلجؤون بغية التفاهم فيما بينهم إلى الصينية شبه الرسمية المسماة صينية الماندرين Mandarin Chinese أو إلى اللغة الرسمية أو إلى الإنكليزية. وهم إما بوذيون وإما طاويون، إضافة إلى أقلية صغيرة مسيحية. ويقطن الجنوب آسيويون من أصول هندية وباكستانية وتاميلية يقدرون بنحو 10% من السكان، وهم يتكلمون إما لغات دراڤيدية Dravidian مثل التاميلية Tamil والتيلوغوية Telugu أو المَلايالامية Malayãlam، وإما لغات هندية - أوربية Indo- European مثل البنجابية Punjãbi والبنغالية Bengali والبشتو Pushto والسنهالية Sinhalese؛ الباكستانيون منهم مسلمون، أما الآخرون فهم إما هندوس وإما سيخ وإما من القلة التي اعتنقت المسيحية في مرحلة الاستعمار الأوربي. إضافة إلى هؤلاء ثمة أقليات أوربية وأمريكية وعربية وتايلندية، ومن مواليد زيجات بين أوربيين وآسيويين (أوراسية Eurasian).
يبدو الوضع الإثني - اللغوي في القسم الشرقي من ماليزيا (في ولايتي ساراواك Sarawak وصباح Sabah) أكثر تعقيداً منه في القسم الغربي. فأبرز مجموعة إثنية في سراواك هم الصينيون الذين يتكلمون - كما في شبه الجزيرة - لهجات صينية متباعدة ويدينون مثلهم بالبوذية والطاوية. ومن بعدهم تأتي مجموعات مختلفة تتكلم بلغات أسترونيزية متباعدة أيضاً، وأبرزها مجموعة إيبان Iban التي تنطق لغة تسمى ملاي سومطرة الماقبل إسلامية، وتتبع ديانات أرواحية animist. وفي المقام الثاني تأتي المجموعة ذات الأصول الملاوية التي تدين بالإسلام منذ القرن الخامس عشر، ويتكلم أفرادها بلغة البلاد الرسمية. وهناك في أقصى غربي ساراواك مجموعة بيدايو Bidayuh التي يتكلم أفرادها لهجات مختلفة لكنها متقاربة إلى حد ما، وهي تتبع الديانات المحلية التقليدية. وكذلك الأمر على صعيد اللهجات المتقاربة لمجموعة مِلاناو Melanau التي يدين معظمها بالإسلام.
وفي ولاية صباح يتبدى التركيب السكاني واللغوي في صورة أكثر تنوعاً، فإضافة إلى جميع المجموعات السابقة الذكر توجد هنا مجموعات فيليبينية وإندونيسية تعيش بين قبائل كادَزان Kadazan الأرواحية والمسلمة والمسيحية، وقبائل باجاو Bajau المسلمة، وقبائل موروت Murut التي تتبع الديانات المحلية التقليدية، ويتكلم أفراد هذه القبائل لهجات متعددة قابلة لتحقيق التواصل فيما بينهم.
الأدب:
تدل تسمية الأدب الماليزي بالمعنى الحصري على آداب الشعوب المتمدنة التي تقطن قسمي ماليزيا، وتدل بالمعنى العام على تراث الآداب الشفهية للمجموعات والقبائل الماليزية المذكورة أعلاه التي حافظت إلى حد ما على بدائيتها، فلم تتطور إلى حالة التمدن، بمعنى أنها لم تسهم في التطور الحضاري العام لماليزيا. وهناك ثلاثة مؤثرات خارجية أسهمت في أزمنة مختلفة في تكوين الأدب الماليزي، أولها الحضارة الهندية والديانتان البوذية والهندوسية، ثم الحضارة الإسلامية عن طريق العرب والفرس إبان الرحلات والتجارة، ثم الحضارة الأوربية في العصور الحديثة عن طريق الغزو الاستعماري والتبشير. وقد تولد من هذه المؤثرات ثلاث مراحل أدبية متتالية: الهندية ـ الجاوية [ر. إندونيسيا]، ثم الإسلامية الملاوية، ثم الماليزية الحديثة. تمتد المرحلة الأولى من (ق 5 ـ 16م) وتمتد الثانية حتى بداية (ق 19م) وتليها الثالثة حتى (ق21م) . تدل الآداب الملاوية - الإندونيسية على وجود أربع عشرة لغة ذات تراث أدبي مدوَّن إما بالكتابة الهندية وإما العربية. أما في العصر الحاضر فإن الآداب الماليزية والإندونيسية المدونة بالكتابة اللاتينية والتي تعود تقاليدها إلى لغات الآداب القومية المشتركة فيبلغ عدد قرائها نحو مئتي مليون سواء في لغة بَهاسا ـ ماليزيا أم بهاسا ـ إندونيسيا.
مرحلة الأدب الإسلامي الملاوي
كانت بلاطات السلاطين في سومطرة ومَلايا المهد الذي حضن الأدب الهندي - الجاوي. وهناك صياغات نثرية مقتبسة من ملاحم هندية تعود إلى بدايات (ق 17م) بالكتابة العربية المسماة جاوية، ومثال ذلك كثير في الأدب الملاوي. فبعد دخول الإسلام إلى شبه جزيرة مَلَقة Malacca دخل عالم الحكايات الفارسية في صياغاته الهندية إلى أدب الملايو، وحلت معه البدائل المسلمة أو المؤسلمة محل شخصيات الآلهة في الملاحم الهندية ـــ الجاوية المتجذرة في وعي السكان المحليين؛ فشخصية الإسكندر الكبير ذات الشعبية الواسعة صارت في «حكاية إسكندر ذي القرنين» Hikayat Iskandar Dzulkarnain تجسيداً للمجاهد في سبيل ديانة إبراهيم الحنيف، لكونه سلفاً للنبيr، ويمثل في الحكاية نموذجاً للحاكم العادل وقدوة للملكية الملاوية. ومن أمثلة ذلك أيضاً البطلان الفارسيان أمير حمزة ومحمد حنفية اللذان تعود أصولهما إلى مرحلة ما قبل الإسلام. وكانت أخبار إنجازات النبيr والصحابة مدعاة للإيمان بعظمة الله. وإضافة إلى الكتابات الدينية التشريعية يجد الباحث أشعاراً صوفية قيَّمة ذات تأثير قائم حتى مرحلة الأدب الملاوي ـ الإندونيسي المعاصر، مثل أشعار حمزة بانسوري (نسبة إلى مدينة بانسور الساحلية) الذي كان شاعر البلاط في مملكة أتْشِه، وهناك أيضاً عبد الرؤوف من سينغكِل Singkel وشمس الدين من بَساي Pasai وعبد الصمد من بالمبانغ Palembang. وفي الوقت نفسه وفدت على الأدب الملاوي نصوص في أخلاق الحكام مثل «تاج السلاطين» الفارسي الأصل، أو «بستان السلاطين» (1638م) للعالم والترجمان نور الدين الرانيري ذي المكانة الرفيعة في بلاط سلطان أتْشِه، وهو من غجارات Gujarat الهندية.
احتل النثر منزلة رفيعة في الأدب الملاوي ولاسيما في كتابة التاريخ والملاحم، وكذلك على صعيد النثر والشعر الشعبيين [ر. إندونيسيا (الأدب)].
الأدب المعاصر والحديث
يُعد عبد الله بن عبد القادر مُنشي (1797- 1854) رائد الأدب الماليزي المعاصر المتعدد الثقافات في الدولة الحديثة التي أسست عام 1963. ويرى النقد في نثره أسلوباً مازال كلاسيكياً على الرغم من خلوه من الإحساس بالتراث ومن المحسنات البديعية، ولم يسبق لكاتب ماليزي في موضوعاته ومواقفه أن بلغ هذه الدرجة من الفردانية. لقد ولد مُنشي في مَلَقَه لكنه عمل وكتب مؤلفاته في سنغافورة في ظل الاحتلال البريطاني، بعيداً عن بلاطات السلاطين الملاويين حيث ترعرع الأدب الكلاسيكي، وبعيداً أيضاً عن الريف وتقاليد أدبه الشعبي. وبحكم عمله في مكتب الحاكم البريطاني مدرساً للغة الملاوية للموظفين البريطانيين في مدينة منفتحة على العالم وتطوراته المختلفة كان منشي يرى المجتمع الملاوي بعينين بريطانيتين إلى حد ما، فوصفه من هذه الزاوية متخذاً حياله موقفاً نقدياً جلياً من دون أن ينسلخ عنه. وفي عمليه الرئيسيين «كتاب رحلات عبد الله» (1838) و«حكاية عبد الله» (1849) - المتشربين بسيرته الذاتية - يصور الكاتب حياة الأغنياء والفقراء والعلاقات الاجتماعية في عصره، ويصف تجاربه في أثناء حجه إلى مكة ورحلاته إلى الشاطئ الشرقي من شبه جزيرة ملايا.
وبعد مرحلة طويلة نسبياً برزت في عشرينيات القرن العشرين حركة أدباء شباب بين المعلمين والصحافيين تحديداً من الذين استلهموا التطورات الإسلامية في مصر وتركيا، فمهدوا لأدب جديد فضَّل الرواية ثم القصة القصيرة للتعبير عن أفكاره وطموحاته. كان تفكيرهم تحررياً ينطلق دائماً من التعاليم الدينية، فكانوا إصلاحيين اجتماعياً، ومتطرفين في مناهضتهم سلطة الاحتلال، مثاليين في أهدافهم ورومنسيين في تصويرها. وقد لفت أدبهم الأنظار مباشرة إلى قضايا المجتمع في أواخر العهد الاستعماري بعد الاحتلال البريطاني ثم الياباني، وبعد الحرب العالمية الثانية حتى الاستقلال عام 1957. ومن أبرز أدباء مرحلة اليقظة الوطنية هذه سيد شيخ الهادي (1867- 1934) بروايته «حكاية فريدة خانم» (1925)، وأحمد رشيد طالو (1889- 1939) بروايته «صديق حقيقي» (1927) وروايته الأشهر والأعمق تأثيراً اجتماعياً «أصحيح يا سلمى؟» (1929) التي جعلت من المرأة لأول مرة شخصية مركزية في الأدب الملاوي، وهي شخصية ترفض الامتثال للواقع وتناضل من أجل تحقيق فرص التعلم للمرأة الملاوية، وضد العادات والتقاليد الريفية المعوقة تطور المرأة وتحقيقها لذاتها.
ومن الأسماء البارزة في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية المعلمون عبد الله صديق (1913- 1973) وهارون أمين الرشيد (1907- 1986) ومحمود ياسين مكمور (1910- 1971)، ثم هناك رجاء منصور (… - 1947) وشمس الدين صالح (1919- 1982) وإسحاق حجي محمد (1909- …) وعبد العزيز الحسين (1919- 1982). تتمحور موضوعات أعمالهم الروائية والقصصية حول الصراع بين الحفاظ على التقاليد والانفتاح على الجديد القادم من الغرب، وحول علاقة الدين بالدولة، ووضع الملاويين الاقتصادي في مواجهة القوة المالية المتنامية للوافدين الصينيين والهنود.
على الرغم من شعبية الأشكال الشعرية التقليدية - السجير والبانتون [ر: إندونيسيا (الأدب)]- تبنى شعراء الحداثة الماليزية تطوير أشقائهم الإندونيسيين أشكال الشعر الحر مستلهمين التجارب الغربية.
بعد الانتقال من المرحلة التقليدية إلى المرحلة المعاصرة بين عشرينيات وبداية أربعينيات القرن العشرين مثلت روايات عبد الصمد إسماعيل ذات الطابع النقدي الاجتماعي وقفة تأمل، أعقبها في نهاية الأربعينيات حركة «جيل الخمسينيات» في سنغافورة. كان هدف المؤسسين تطوير الأدب القومي الملاوي وتحديثه من دون القضاء على التراث القديم، فأناطوا بالأدب مهمة توعية المتلقي وإرشاده على طريق تحقيق العدالة الاجتماعية والمصلحة العامة والسلام والانسجام المجتمعي، ورفعوا شعار «الفن من أجل الشعب» في مواجهة شعار «الفن من أجل الفن» الذي مثلته أعمال الروائي حمزة (1927- …). وعلى صعيد الشعر تمثلت أهداف «جيل الخمسينيات» على نحو خاص في قصائد عثمان أوانغ (1929 - …) وتجاربه الشكلية على الشعر التقليدي. وفي مواجهة هذا التوجه الملتزم ظهرت مجموعة من الشعراء الشباب الذين رفعوا شعار «القصيدة المبهمة» غارقين في تجارب لغوية مستغلقة بعيداً عن أي همّ اجتماعي. وكان من بينهم نور وغزالي وأمين. عارضهم في الستينيات الشاعر الاشتراكي قاسم أحمد (1933- …) بقصائده الفكرية التحليلية غير العاطفية، الملتزمة سياسياً، والتي تعد من أفضل الشعر المعاصر في الأدب الماليزي.
يعد كِريس ماس Keris Mas (1922- 1992) سيد النثر في مجال القصة القصيرة وأول من فاز عام 1981 بالجائزة الوطنية للأدب، وأبرز من أسهم في صياغة السياسة الأدبية في ماليزيا. ويرى النقد في سيرته الذاتية «حول الأدب في ثلاثين سنة» (1979) سجلاً تاريخياً مهماً لانطلاقة الأدب الماليزي الحديث وسيرورته. وعلى صعيد الرواية قام عبد الله حسين (1920 - …) برواياته العشرين بإتمام الطريق التي مهَّدت لها تجارب مُنشي. ويليه في الأهمية الروائي الغزير الإنتاج عبد الصمد سعيد (1935- …) الذي تابع في رواياته أهداف «جيل الخمسينيات» مستلهماً على هذا الصعيد تجارب الأدب العالمي شرقاً وغرباً، بهدف الكشف عن مكامن الفساد في بنية الدولة والمجتمع، وقد أصدر في عام 1979 كتاباً بعنوان «من سالينا إلى لانغيت بيتانغ» From Salina till Langit Petang حول تجاربه في تقنيات الكتابة الروائية. وفي اتجاه مغاير لـ«جيل الخمسينيات» كتب أرينا واتي (1925- …) Arena Wati عدداً من الروايات المهمة تقع أحداثها في ولاية صباح وتتعلق بشخصيات تنتمي إلى مجموعات إثنية غير ملاوية، وهو أمر لافت ونادر. كما خطا واتي خطوة أوسع في ثلاثيته الروائية «زهور من القبر» (1987- 1988) Roses From the Grave بإجرائه مقارنات ناقدة بين عالم جنوب شرقي آسيا والعالم الأوربي والياباني والأمريكي في تمظهره الاستعماري.
يعد شاهنون أحمد (1933-...) Shahnon Ahmadمن أكثر كتاب ماليزيا انتشاراً وترجمة، وقد شُهر برواياته وقصصه ومقالاته بنأي عن «جيل الخمسينيات» أيضاً، وتعالج موضوعاته أناساً من الهامشيين والمنبوذين واللامنتمين الذين يقاومون ظلم الطبيعة وإهمال الدين، كما أثار كثيراً من الجدل بتجاربه على تقنيات السرد وتداخل الأزمان، وبنقده اللاذع للأعراف والمواضعات الاجتماعية والبدع الدينية التي صارت أشبه بالقوانين، وثمة في سيرته الذاتية «بضع لحظات من المهانة» Some Moments of Humiliation (1991) ملامح تجديد وتطوير في هذا الجنس الأدبي. وهناك من النقاد المهمين أيضاً بهاء زين (1939- …)، ومن الشعراء الحداثيين لطيف محيي الدين (1938- …) ومحمد حجي صالح (1942- …) الذي عُرف أيضاً بأبحاثه النظرية في الأدب خارج ماليزيا، ولاسيما أنه يكتب بالملاوية والإنكليزية.
ويُلاحظ في العقدين الأخيرين من القرن العشرين حركة بحث حثيث في الجذور الثقافية لمختلف الإثنيات التي تقطن الاتحاد الماليزي، ويتبدى هذا البحث على نحو خاص في الشعر ولاسيما منه الشعر الشعبي الذي ترافقه تقليدياً بعض الآلات الموسيقية المحلية في جلسات الإلقاء.
نبيل الحفار
Malaysia - Malaisie
ماليزيا (اللغة والأدب في ـ)
تنطوي دولة ماليزيا بقسميها الغربي والشرقي على تركيب إثني ethnic ولغوي بالغ التنوع والتعقيد، مما أنتج بمرور الزمن ثقافة ماليزية شبه موحدة، تتميز في الوقت نفسه بالحفاظ على خصوصية الجزء في الوحدة وإبرازه دلالة على الغنى والأصالة المتعددة الأوجه.
يتكون سكان القسم الغربي (شبه جزيرة مَلايا Malay) من أقلية من السكان الأصليين تسمى أورانغ أصلي Orang Asli، تنقسم إثنياً إلى مجموعة جاكون Jakun التي يتكلم أفرادها لغة ملاوية قديمة، وإلى مجموعتي سيمانغ Semang وسينوي Senoi اللتين يتكلم أفرادهما لغة من أسرة مون - خمير Mon- Khmer، وقد أسلم قسم كبير من المجموعات الثلاث فصار على تماس مع اللغة العربية. أما الغالبية فهي من الملاي الذين يتكلمون لغة أسترونيزية Austronesian تسمى رسمياً بَهاسا ماليزيا Bahasa Malaysia، وهي اللغة الرسمية في الدولة، ومعظم هذه الغالبية يدين بالإسلام.
إضافة إلى ذلك هناك الصينيون المهاجرون من جنوب شرقي الصين ويقدرون بثلث سكان شبه الجزيرة. وهم يتكلمون لهجات صينية متباعدة؛ لذلك غالباً ما يلجؤون بغية التفاهم فيما بينهم إلى الصينية شبه الرسمية المسماة صينية الماندرين Mandarin Chinese أو إلى اللغة الرسمية أو إلى الإنكليزية. وهم إما بوذيون وإما طاويون، إضافة إلى أقلية صغيرة مسيحية. ويقطن الجنوب آسيويون من أصول هندية وباكستانية وتاميلية يقدرون بنحو 10% من السكان، وهم يتكلمون إما لغات دراڤيدية Dravidian مثل التاميلية Tamil والتيلوغوية Telugu أو المَلايالامية Malayãlam، وإما لغات هندية - أوربية Indo- European مثل البنجابية Punjãbi والبنغالية Bengali والبشتو Pushto والسنهالية Sinhalese؛ الباكستانيون منهم مسلمون، أما الآخرون فهم إما هندوس وإما سيخ وإما من القلة التي اعتنقت المسيحية في مرحلة الاستعمار الأوربي. إضافة إلى هؤلاء ثمة أقليات أوربية وأمريكية وعربية وتايلندية، ومن مواليد زيجات بين أوربيين وآسيويين (أوراسية Eurasian).
يبدو الوضع الإثني - اللغوي في القسم الشرقي من ماليزيا (في ولايتي ساراواك Sarawak وصباح Sabah) أكثر تعقيداً منه في القسم الغربي. فأبرز مجموعة إثنية في سراواك هم الصينيون الذين يتكلمون - كما في شبه الجزيرة - لهجات صينية متباعدة ويدينون مثلهم بالبوذية والطاوية. ومن بعدهم تأتي مجموعات مختلفة تتكلم بلغات أسترونيزية متباعدة أيضاً، وأبرزها مجموعة إيبان Iban التي تنطق لغة تسمى ملاي سومطرة الماقبل إسلامية، وتتبع ديانات أرواحية animist. وفي المقام الثاني تأتي المجموعة ذات الأصول الملاوية التي تدين بالإسلام منذ القرن الخامس عشر، ويتكلم أفرادها بلغة البلاد الرسمية. وهناك في أقصى غربي ساراواك مجموعة بيدايو Bidayuh التي يتكلم أفرادها لهجات مختلفة لكنها متقاربة إلى حد ما، وهي تتبع الديانات المحلية التقليدية. وكذلك الأمر على صعيد اللهجات المتقاربة لمجموعة مِلاناو Melanau التي يدين معظمها بالإسلام.
وفي ولاية صباح يتبدى التركيب السكاني واللغوي في صورة أكثر تنوعاً، فإضافة إلى جميع المجموعات السابقة الذكر توجد هنا مجموعات فيليبينية وإندونيسية تعيش بين قبائل كادَزان Kadazan الأرواحية والمسلمة والمسيحية، وقبائل باجاو Bajau المسلمة، وقبائل موروت Murut التي تتبع الديانات المحلية التقليدية، ويتكلم أفراد هذه القبائل لهجات متعددة قابلة لتحقيق التواصل فيما بينهم.
الأدب:
تدل تسمية الأدب الماليزي بالمعنى الحصري على آداب الشعوب المتمدنة التي تقطن قسمي ماليزيا، وتدل بالمعنى العام على تراث الآداب الشفهية للمجموعات والقبائل الماليزية المذكورة أعلاه التي حافظت إلى حد ما على بدائيتها، فلم تتطور إلى حالة التمدن، بمعنى أنها لم تسهم في التطور الحضاري العام لماليزيا. وهناك ثلاثة مؤثرات خارجية أسهمت في أزمنة مختلفة في تكوين الأدب الماليزي، أولها الحضارة الهندية والديانتان البوذية والهندوسية، ثم الحضارة الإسلامية عن طريق العرب والفرس إبان الرحلات والتجارة، ثم الحضارة الأوربية في العصور الحديثة عن طريق الغزو الاستعماري والتبشير. وقد تولد من هذه المؤثرات ثلاث مراحل أدبية متتالية: الهندية ـ الجاوية [ر. إندونيسيا]، ثم الإسلامية الملاوية، ثم الماليزية الحديثة. تمتد المرحلة الأولى من (ق 5 ـ 16م) وتمتد الثانية حتى بداية (ق 19م) وتليها الثالثة حتى (ق21م) . تدل الآداب الملاوية - الإندونيسية على وجود أربع عشرة لغة ذات تراث أدبي مدوَّن إما بالكتابة الهندية وإما العربية. أما في العصر الحاضر فإن الآداب الماليزية والإندونيسية المدونة بالكتابة اللاتينية والتي تعود تقاليدها إلى لغات الآداب القومية المشتركة فيبلغ عدد قرائها نحو مئتي مليون سواء في لغة بَهاسا ـ ماليزيا أم بهاسا ـ إندونيسيا.
مرحلة الأدب الإسلامي الملاوي
كانت بلاطات السلاطين في سومطرة ومَلايا المهد الذي حضن الأدب الهندي - الجاوي. وهناك صياغات نثرية مقتبسة من ملاحم هندية تعود إلى بدايات (ق 17م) بالكتابة العربية المسماة جاوية، ومثال ذلك كثير في الأدب الملاوي. فبعد دخول الإسلام إلى شبه جزيرة مَلَقة Malacca دخل عالم الحكايات الفارسية في صياغاته الهندية إلى أدب الملايو، وحلت معه البدائل المسلمة أو المؤسلمة محل شخصيات الآلهة في الملاحم الهندية ـــ الجاوية المتجذرة في وعي السكان المحليين؛ فشخصية الإسكندر الكبير ذات الشعبية الواسعة صارت في «حكاية إسكندر ذي القرنين» Hikayat Iskandar Dzulkarnain تجسيداً للمجاهد في سبيل ديانة إبراهيم الحنيف، لكونه سلفاً للنبيr، ويمثل في الحكاية نموذجاً للحاكم العادل وقدوة للملكية الملاوية. ومن أمثلة ذلك أيضاً البطلان الفارسيان أمير حمزة ومحمد حنفية اللذان تعود أصولهما إلى مرحلة ما قبل الإسلام. وكانت أخبار إنجازات النبيr والصحابة مدعاة للإيمان بعظمة الله. وإضافة إلى الكتابات الدينية التشريعية يجد الباحث أشعاراً صوفية قيَّمة ذات تأثير قائم حتى مرحلة الأدب الملاوي ـ الإندونيسي المعاصر، مثل أشعار حمزة بانسوري (نسبة إلى مدينة بانسور الساحلية) الذي كان شاعر البلاط في مملكة أتْشِه، وهناك أيضاً عبد الرؤوف من سينغكِل Singkel وشمس الدين من بَساي Pasai وعبد الصمد من بالمبانغ Palembang. وفي الوقت نفسه وفدت على الأدب الملاوي نصوص في أخلاق الحكام مثل «تاج السلاطين» الفارسي الأصل، أو «بستان السلاطين» (1638م) للعالم والترجمان نور الدين الرانيري ذي المكانة الرفيعة في بلاط سلطان أتْشِه، وهو من غجارات Gujarat الهندية.
احتل النثر منزلة رفيعة في الأدب الملاوي ولاسيما في كتابة التاريخ والملاحم، وكذلك على صعيد النثر والشعر الشعبيين [ر. إندونيسيا (الأدب)].
الأدب المعاصر والحديث
يُعد عبد الله بن عبد القادر مُنشي (1797- 1854) رائد الأدب الماليزي المعاصر المتعدد الثقافات في الدولة الحديثة التي أسست عام 1963. ويرى النقد في نثره أسلوباً مازال كلاسيكياً على الرغم من خلوه من الإحساس بالتراث ومن المحسنات البديعية، ولم يسبق لكاتب ماليزي في موضوعاته ومواقفه أن بلغ هذه الدرجة من الفردانية. لقد ولد مُنشي في مَلَقَه لكنه عمل وكتب مؤلفاته في سنغافورة في ظل الاحتلال البريطاني، بعيداً عن بلاطات السلاطين الملاويين حيث ترعرع الأدب الكلاسيكي، وبعيداً أيضاً عن الريف وتقاليد أدبه الشعبي. وبحكم عمله في مكتب الحاكم البريطاني مدرساً للغة الملاوية للموظفين البريطانيين في مدينة منفتحة على العالم وتطوراته المختلفة كان منشي يرى المجتمع الملاوي بعينين بريطانيتين إلى حد ما، فوصفه من هذه الزاوية متخذاً حياله موقفاً نقدياً جلياً من دون أن ينسلخ عنه. وفي عمليه الرئيسيين «كتاب رحلات عبد الله» (1838) و«حكاية عبد الله» (1849) - المتشربين بسيرته الذاتية - يصور الكاتب حياة الأغنياء والفقراء والعلاقات الاجتماعية في عصره، ويصف تجاربه في أثناء حجه إلى مكة ورحلاته إلى الشاطئ الشرقي من شبه جزيرة ملايا.
وبعد مرحلة طويلة نسبياً برزت في عشرينيات القرن العشرين حركة أدباء شباب بين المعلمين والصحافيين تحديداً من الذين استلهموا التطورات الإسلامية في مصر وتركيا، فمهدوا لأدب جديد فضَّل الرواية ثم القصة القصيرة للتعبير عن أفكاره وطموحاته. كان تفكيرهم تحررياً ينطلق دائماً من التعاليم الدينية، فكانوا إصلاحيين اجتماعياً، ومتطرفين في مناهضتهم سلطة الاحتلال، مثاليين في أهدافهم ورومنسيين في تصويرها. وقد لفت أدبهم الأنظار مباشرة إلى قضايا المجتمع في أواخر العهد الاستعماري بعد الاحتلال البريطاني ثم الياباني، وبعد الحرب العالمية الثانية حتى الاستقلال عام 1957. ومن أبرز أدباء مرحلة اليقظة الوطنية هذه سيد شيخ الهادي (1867- 1934) بروايته «حكاية فريدة خانم» (1925)، وأحمد رشيد طالو (1889- 1939) بروايته «صديق حقيقي» (1927) وروايته الأشهر والأعمق تأثيراً اجتماعياً «أصحيح يا سلمى؟» (1929) التي جعلت من المرأة لأول مرة شخصية مركزية في الأدب الملاوي، وهي شخصية ترفض الامتثال للواقع وتناضل من أجل تحقيق فرص التعلم للمرأة الملاوية، وضد العادات والتقاليد الريفية المعوقة تطور المرأة وتحقيقها لذاتها.
ومن الأسماء البارزة في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية المعلمون عبد الله صديق (1913- 1973) وهارون أمين الرشيد (1907- 1986) ومحمود ياسين مكمور (1910- 1971)، ثم هناك رجاء منصور (… - 1947) وشمس الدين صالح (1919- 1982) وإسحاق حجي محمد (1909- …) وعبد العزيز الحسين (1919- 1982). تتمحور موضوعات أعمالهم الروائية والقصصية حول الصراع بين الحفاظ على التقاليد والانفتاح على الجديد القادم من الغرب، وحول علاقة الدين بالدولة، ووضع الملاويين الاقتصادي في مواجهة القوة المالية المتنامية للوافدين الصينيين والهنود.
على الرغم من شعبية الأشكال الشعرية التقليدية - السجير والبانتون [ر: إندونيسيا (الأدب)]- تبنى شعراء الحداثة الماليزية تطوير أشقائهم الإندونيسيين أشكال الشعر الحر مستلهمين التجارب الغربية.
بعد الانتقال من المرحلة التقليدية إلى المرحلة المعاصرة بين عشرينيات وبداية أربعينيات القرن العشرين مثلت روايات عبد الصمد إسماعيل ذات الطابع النقدي الاجتماعي وقفة تأمل، أعقبها في نهاية الأربعينيات حركة «جيل الخمسينيات» في سنغافورة. كان هدف المؤسسين تطوير الأدب القومي الملاوي وتحديثه من دون القضاء على التراث القديم، فأناطوا بالأدب مهمة توعية المتلقي وإرشاده على طريق تحقيق العدالة الاجتماعية والمصلحة العامة والسلام والانسجام المجتمعي، ورفعوا شعار «الفن من أجل الشعب» في مواجهة شعار «الفن من أجل الفن» الذي مثلته أعمال الروائي حمزة (1927- …). وعلى صعيد الشعر تمثلت أهداف «جيل الخمسينيات» على نحو خاص في قصائد عثمان أوانغ (1929 - …) وتجاربه الشكلية على الشعر التقليدي. وفي مواجهة هذا التوجه الملتزم ظهرت مجموعة من الشعراء الشباب الذين رفعوا شعار «القصيدة المبهمة» غارقين في تجارب لغوية مستغلقة بعيداً عن أي همّ اجتماعي. وكان من بينهم نور وغزالي وأمين. عارضهم في الستينيات الشاعر الاشتراكي قاسم أحمد (1933- …) بقصائده الفكرية التحليلية غير العاطفية، الملتزمة سياسياً، والتي تعد من أفضل الشعر المعاصر في الأدب الماليزي.
يعد كِريس ماس Keris Mas (1922- 1992) سيد النثر في مجال القصة القصيرة وأول من فاز عام 1981 بالجائزة الوطنية للأدب، وأبرز من أسهم في صياغة السياسة الأدبية في ماليزيا. ويرى النقد في سيرته الذاتية «حول الأدب في ثلاثين سنة» (1979) سجلاً تاريخياً مهماً لانطلاقة الأدب الماليزي الحديث وسيرورته. وعلى صعيد الرواية قام عبد الله حسين (1920 - …) برواياته العشرين بإتمام الطريق التي مهَّدت لها تجارب مُنشي. ويليه في الأهمية الروائي الغزير الإنتاج عبد الصمد سعيد (1935- …) الذي تابع في رواياته أهداف «جيل الخمسينيات» مستلهماً على هذا الصعيد تجارب الأدب العالمي شرقاً وغرباً، بهدف الكشف عن مكامن الفساد في بنية الدولة والمجتمع، وقد أصدر في عام 1979 كتاباً بعنوان «من سالينا إلى لانغيت بيتانغ» From Salina till Langit Petang حول تجاربه في تقنيات الكتابة الروائية. وفي اتجاه مغاير لـ«جيل الخمسينيات» كتب أرينا واتي (1925- …) Arena Wati عدداً من الروايات المهمة تقع أحداثها في ولاية صباح وتتعلق بشخصيات تنتمي إلى مجموعات إثنية غير ملاوية، وهو أمر لافت ونادر. كما خطا واتي خطوة أوسع في ثلاثيته الروائية «زهور من القبر» (1987- 1988) Roses From the Grave بإجرائه مقارنات ناقدة بين عالم جنوب شرقي آسيا والعالم الأوربي والياباني والأمريكي في تمظهره الاستعماري.
يعد شاهنون أحمد (1933-...) Shahnon Ahmadمن أكثر كتاب ماليزيا انتشاراً وترجمة، وقد شُهر برواياته وقصصه ومقالاته بنأي عن «جيل الخمسينيات» أيضاً، وتعالج موضوعاته أناساً من الهامشيين والمنبوذين واللامنتمين الذين يقاومون ظلم الطبيعة وإهمال الدين، كما أثار كثيراً من الجدل بتجاربه على تقنيات السرد وتداخل الأزمان، وبنقده اللاذع للأعراف والمواضعات الاجتماعية والبدع الدينية التي صارت أشبه بالقوانين، وثمة في سيرته الذاتية «بضع لحظات من المهانة» Some Moments of Humiliation (1991) ملامح تجديد وتطوير في هذا الجنس الأدبي. وهناك من النقاد المهمين أيضاً بهاء زين (1939- …)، ومن الشعراء الحداثيين لطيف محيي الدين (1938- …) ومحمد حجي صالح (1942- …) الذي عُرف أيضاً بأبحاثه النظرية في الأدب خارج ماليزيا، ولاسيما أنه يكتب بالملاوية والإنكليزية.
ويُلاحظ في العقدين الأخيرين من القرن العشرين حركة بحث حثيث في الجذور الثقافية لمختلف الإثنيات التي تقطن الاتحاد الماليزي، ويتبدى هذا البحث على نحو خاص في الشعر ولاسيما منه الشعر الشعبي الذي ترافقه تقليدياً بعض الآلات الموسيقية المحلية في جلسات الإلقاء.
نبيل الحفار