التكافل.. ملحمة نسائية تكافح عذابات اللجوء السوري
معرض ملابس داخل مقر «رابطة سوريات» | البيان
المصدر:
- القاهرة - محمد خالد
المرأة في نظر أديب نوبل نجيب محفوظ «أهم رابطة تربطنا بالحياة»، تلك المقولة التي لازمتني طيلة الطريق إلى حي المعادي (جنوب القاهرة) حيث مقر «رابطة سوريات» الذي يقع في الطابق الأخير في بناية من خمسة طوابق، على أرض لا تتجاوز مساحتها 150 متراً تقريباً، لكنّه يفيض بعطاءٍ يتجاوز حدوده، ويستفيد منه المئات، وربما الآلاف.
كنت مُحملاً بتصوّرات مُسبقة أن السوريات وحدهن هن من يستفدن من ذلك الجهد، على أساس أن الرابطة المتخصصة بتأهيل اللاجئات وأبنائهن في كثير من المجالات التعليمية والمهنية، هي واحدة من منظمات المجتمع المدني الأهليّة الداعمة للاجئين بصفة عامة، لكن من الوهلة الأولى وعلى خلاف اسم الرابطة «سوريات» يُفاجأ الزائر بأنه أمام تَجمع نسوي عربي، ظروفهن متشابهة تقريباً تحت وطأة أوضاع وتحديات مُعينة في مجتمعاتهن وبلادهن، ينشدن هدفاً واحداً، هو العيش في أمان وكسب الرزق في مصر.
سوريات ويمنيّات وسودانيّات وأيضاً مصريات من البلد المضيف، جمعتهن راية «رابطة سوريات»، لربما في رسالة ضمنيّة مؤكدة أن المرأة السورية وإن ضربت أنموذجاً فريداً في تحمل أعباء الأسرة ومواجهة الصعوبات كافة في سنوات الحرب، فإنها قادرة أيضاً على القيام بدورٍ مجتمعي يتجاوز حدود خدمة بنات جلدتها من السوريات، لكنه يخدم كذلك نظرائها من السيدات في عددٍ من البلدان العربية، اللاتي التقين في مصر ويعانين من ظروفٍ متشابهة تقريباً.
في مشهدٍ واحد تجمّعن بملتقى توظيفي نظّمته الرابطة بالتعاون مع إحدى الجهات الداعمة لتوظيف اللاجئين، يساعدن بعضهن البعض في ملء الاستمارات المطلوبة.. سودانية تحمل ابنة سوريّة رضيعة حتى تنتهي الثانية من ملء الاستمارة، وسودانية تجمع بطاقات الإقامة الصفراء من سوريّات وسودانيات من أجل المساعدة في تصوير نسخة منها لإرفاقها ضمن الطلبات، وسورية تجوب المقر لخدمة هذه وتلك ومساعدتهن.
فريق واحد
المشهد الذي جمع في فريق واحد سيدات عربيات يعانين من وطأة الظروف الخانقة، أسقط بالتبعية على المعاناة التي تلاقيها المرأة في عددٍ من البلدان. لم يكن ذلك المشهد لظرفِ انعقاد ملتقى توظيفي بالرابطة المختصّة بدعم السوريّات، لكنه بحسب مديرة الرابطة فإن الرابطة «تضم سوريات ويمنيات وسودانيات بشكل دائم، إضافة إلى الكثير من السيدات من المجتمع المحلي المضيف من المصريات».
تقول السيدة السورية لطيفة دغمان (مديرة الرابطة)، إن الرابطة تدعم اللاجئات وتساعدهن، وتختص بتدريبهن، إضافة إلى سيدات من المجتمع المحلي المضيف (مصر)، تتوزع تلك التدريبات بين الحرفية (الطبخ، الحياكة، الكروشيه، التريكو، الكوافير والتجميل، تصنيع العطور.. إلخ)، وتعليمية (دورات كمبيوتر، تعليم لغة إنجليزية، وإدارة أعمال.. إلخ)، إضافة إلى برامج خاصة لتعليم أبناء اللاجئات. ويستفيد من الرابطة أكثر من 500 لاجئة بصورة مباشرة بخلاف المصريات، وذلك أيضاً بخلاف أسرهن التي تستفيد بصورة غير مباشرة، مع تنظيم ملتقيات توظيفية في إطار التدريب من أجل التشعيل، كان آخرها في أكتوبر الماضي. بحماسٍ يغلب على لهجتها المصريّة التي اكتسبتها من التعامل مع المصريين، تتحدث دغمان عن جوانب أخرى من ضمن البرامج المخصصة لدعم المرأة في الرابطة، وتقول: كما يتم تدريب المرأة ضمن مبادرة «مجتمع واعٍ وأكثر حماية» التي أطلقتها الرابطة في وقت سابق، على اللياقة البدنية والدفاع عن النفس والإسعافات الأولية، فضلاً عن التوعية القانونية بأهم قوانين البلد، فضلاً عن تقديم الدعم النفسي للاجئات، من أجل مساعدتهن في الانخراط بسوق العمل، والانخراط مع ذويهم، والتغلب على مخاوفهن.
اللافت أنه في أوضاعٍ صعبة كتلك التي يعشنها أولئك اللاتي تجمعن في كادر واحد داخل الرابطة من الطبيعي أن يكنّ متجهمات خائفات لا يستطعن إخفاء قلقهن من الغد في ظل ما يعشنه من ظروفٍ خانقة، لكنَّ شيئاً من ذلك لم يكن حاضراً، ذلك أن البسمة تعلو وجوههن، لربما كانت من منطلق الشعور بالقوة، الذي يحصلن عليه لدى تجمعهن ومشاركة ظروفهن، ذلك أن «المرء عندما يجد من يشاركه مخاوفه ومعاناته يشعر بأنه أكثر قوة في مواجهتها، ولا يبالي بالكثير من تفاصيلها الدقيقة».
استفادة واسعة
ولعل هذا ما تُعبر عنه دلال حسين فهد (سوريّة) التي تُشير إلى أن «الاشتراك مع سيدات من دول مختلفة وثقافات مختلفة، يجعلنا نستفيد من بعضنا البعض.. كل واحد عم يحاول يعطينا معلومات عن بلده وثقافته وظروفه، وصارت عندنا مجموعة معلومات كبيرة نستفيد منها في حياتنا اليومية، زادت خبرتنا وقوّتنا أكتر.. بتعاوننا وحضورنا هون كل واحد فينا عم يستفيد وخبراته تزيد».
دورات في مجال حقوق المرأة ومناهضة العنف ضد المرأة، وبرامج عن حقوق الطفل واللاجئين بصفة عامة، فضلاً عن برامج تعليمية للأطفال (رسم ولغة إنجليزية وعربية وغير ذلك)، فضلاً عن الأنشطة الترفيهية.. جانب من الدورات التي حصلت عليها دلال رفقة نظرائها من اليمن والسودان وعدد من المصريات، إضافة إلى دورات مهنية في الحياكة والكروشيه، التي «زادت من خبراتنا، وإذا سويتها المرأة في البيت بتفيدها وتفيد أولادها».
وكنموذج لتلك الاستفادة المتبادلة التي هي نتاج تَجمع «صاحبات الهم والهدف الواحد تقريباً» تقول السيدة هنادي (سوريّة) إنها تقوم بتصنيع العطور في منزلها، ثم تعرضها في معرضٍ خاص داخل الرابطة وفي تجمّعات أخرى، وقد اكتسبت الكثير من الزبائن الذين يحرصون على زيارتها في تلك المعارض أو في منزلها، حيث تقوم بتصنيع العطور فيه. وتقول: «السوريات في مصر كانوا يواجهون صعوبة ببداية الأمر، لكن الوضع تغير الآن بسبب إن هن عم يحسنوا يتشغلوا بمشاريع خاصة».
ما يحمله ذلك المشهد من دلالات مُعبّرة عن حال سيدات عربيات لم يستسلمن لظروفهن الخانقة ورحن يتعاونّ معاً من أجل مواجهة تلك الظروف والتغلب عليها، ربما تُكمله مشاهد تفصيلية دقيقة أخرى تمّ رصدها لدى زيارة مقر رابطة سوريّات، فتلك سودانية تشتري ملابس جاهزة من معرض أقامته سوريّة داخل مقر الرابطة، وأخرى يمنية تعاون مُسنة سورية حرصت على زيارة الرابطة، وثالثة مصرية تعاون سورية في حمل ابنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها من التفصيلات التي تحمل دلالات إنسانية بليغة بما تفيض به من معاني التكافل والتعاون سبيلاً لمواجهة الأزمات والظروف.
تقول السيدة (ع) وهي يمنيّة من ضمن الناشطات في هذا التجمع، إنها جاءت إلى مصر بعد ظروف خانقة واجهتها في اليمن، عملت في البداية في التدريس للأطفال بمقابل مادي متوسط يمكّنها من مسايرة ظروف وأوضاع الحياة، ثم ما لبث أن انتهى عملها لظروف خاصة بالمؤسسة التي تعمل بها، فلجأت لهذا التجمع للتدريب من أجل التشغيل.