سيناء.. أرض الفيروز تواجه الإرهاب بالتنمية
عمليات تطهير أمني في سيناء | أرشيفية
المصدر:
- القاهرة - محمد خالد
«سيناء» تلك البقعة التاريخية من أرض مصر، ما إن يُسمع اسمها حتى تتداعى إلى الأذهان عراقة الماضي والحاضر وبطولات وتضحيات المصريين على مر التاريخ، ليس أولها ولا آخرها حرب أكتوبر 1973.
كُتِبَ عنها وأرض الفيروز و«أرض البطولات» باعتبارها بوابة مصر الشرقية وكتب لها أن تكون في خطِ المواجهةِ الأول. تصدت لحملات صليبية ودوّن أهلها بطولات وانتصارات هائلة مروراً بإفشال خطط «رينالد» للسيطرة على البحر الأحمر وتدمير أسطول الصليبيين، وكذا دور المقاومة الشعبية في التصدي للعدوان الثلاثي سنة 1956، وبعده حرب الاستنزاف بعد نكسة 1967.
الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي طرحت العديد من المشروعات التنموية في مختلف المجالات من أجل تنمية شبه الجزيرة.
وقدّر السيسي ما ينفق على تنمية سيناء بقيمة 250 مليار جنيه، ذلك في إطار إيلاء الدولة المصرية أولوية لملف تنمية سيناء في الفترة الراهنة، عقب عقود من التجاهل والتهميش عانى منها «السيناوية» وأثرت على مختلف الخدمات وعلى واقعهم المعيشي الصعب رغم الدور الكبير الذي تلعبه قبائل وأهالي سيناء في دعم القوات المسلحة المصرية في مواجهة الإرهاب على الحدود الشرقية المصرية.
خلال السنوات القليلة الماضية (الفترة الرئاسية الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسي) اعتمدت الحكومة المصرية خطة لتنمية سيناء، تضمنت تنفيذ العديد من المشروعات التنموية المُهمة، من بينها شبكة الطرق التي كان لجنوب سيناء نصيب منها، إذ تحظى بنصيب وافر من خطط التنمية في مختلف المجالات سواء المشروعات العمرانية والزراعية والصناعية والخدمية والسياحية مع ربطها بالوادي ارتباطاً مباشراً من خلال إنشاء 6 أنفاق أسفل قناة السويس، وكوبري السلام أعلى القناة.
أمن قومي
ويأتي هذا الاهتمام بسيناء على اعتبار أنها «مسألة أمن قومي» في المقام الأول. وتعمل الحكومة المصرية على عدد من المشروعات الخدمية وتطوير الأداء، أهمها مشروعات البنية الأساسية من (المدن السكنية ومشروعات الطرق) من بينها مشروع محور 30 يونيو، فضلاً عن المشروعات في مجال مشروعات المياه مثل إنشاء محطتي مياه طاقة الواحدة 70 ألف متر مكعب بخطوط عملاقة تصل لسانت كاترين وشرم الشيخ.
وفي مجال الإسكان تعمل القوات المسلحة بالشراكة مع العديد من الشركات الوطنية على إنشاء 77 ألفاً و237 وحدة سكنية في سيناء ومحور تنمية القناة وسلسلة المدن الجديدة. بالإضافة إلى المشروعات الجاري تنفيذها في مجال الخدمات الصحية وأيضاً الخدمات التعليمية والثقافية، ومشروعات لمواجهة السيول في سيناء.
وتبزغ كذلك في هذا الإطار مشروعات التنمية الزراعية، وعلى رأسها المشروع القومى لتنمية شمال سيناء الذي يهدف إلى استصلاح وزراعة 400 ألف فدان شرق القناة، موزعة على خمس مناطق.
بالإضافة إلى المشروعات القائمة في مجال التنمية الصناعية ودعم الاستثمار. ومشروعات المدن الجديدة مثل (مدينة الإسماعيلية الجديدة، ومدينة السويس الجديدة، ومدينة شرق بورسعيد الجديدة، ومدينة رفح الجديدة).
إضافة إلى مشروعات مثل مشروع إنشاء مدينة الجلالة، التي تضم مجمعات سكنية متميزة وأخرى سياحية واستشفائية وجامعة ومركزاً ثقافياً ومارينا لليخوت، وهي تشكل مركزاً عالمياً فريداً ذا إطلالة رائعة على خليج السويس.
ومشروع شرق بورسعيد وتطوير وتحسين قدرات ميناء العريش وميناء الطور ضمن إعداد البنى التحتية للمنطقة الاقتصادية لتنمية محور قناة السويس.
مشاريع تطوير
كما يتم حالياً تطوير مطاري «العريش» و«تمادا» وجعلهما مطارين دوليين، وتطوير المجتمعات البدوية وتحويلها لتجمعات حضارية والاستفادة من طبيعة الصخور والرمال الملونة التي تتميز بها جبال ووديان سيناء بإنشاء عشرة مصانع لإنتاج الرخام، وإنشاء مصنع جديد للاسمنت، كما تدخل سيناء في خطة تطوير شبكة الطرق القومية بإنشاء طرق طولية وعرضية جديدة يصل طولها 2000 كم. كما يتم تنفيذ مشروع كبير لتنمية الثروة السمكية في سيناء، عبر تطوير بحيرة البردويل، وإقامة منطقه للاستزراع السمكي بمنطقة بالوظة، وأحواض سمكية شرق القناة، لتحسين الإنتاج السمكي في مصر كماً ونوعاً.
مطالب مُلحة وآمال عريضة
آمال عريضة يعلّقها أهالي سيناء على عاتق الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسي في المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل إحراز تقدم كبير على صعيد مكافحة الإرهاب، فضلاً عن اهتمام الحكومة بتنمية سيناء، وجميعها مؤشرات تنذر بانفراج الأزمة في أرض الفيروز وتحقيق مطالب السيناوية الذين عانوا لسنوات طويلة من التهميش.
ويقول عضو مجلس النواب المصري عن دائرة العريش بشمال سيناء حسام الرفاعي إن مطالب أبناء سيناء تتلخص في عدد من المحاور، أبرزهما المطالب الخدمية التي تفتقر إليها سيناء وبعض الإجراءات الأمنية التي يجب معالجتها وينادي أبناء سيناء بأهمية معالجتها بطريقة مناسبة، موضحاً في السياق ذاته أن الوضع داخل سيناء لن يستقر إلا إذا استقرت الأوضاع الأمنية بصفة عامة في شبه جزيرة سيناء.
ويذكر عضو مجلس النواب عن شمال سيناء النائب رحمي بكير أن نواب سيناء في البرلمان وأهالي شمال سيناء تقدموا في وقت سابق بطلبات عديدة ومختلفة بأبرز المطالب والاحتياجات الملحة والعاجلة لأهالي سيناء وقدموها للرئيس السيسي ولرئيس الوزراء شريف إسماعيل، وهي المطالب التي تمت الاستجابة لعدد منها وتم إرجاء باقي المطالب لدواعٍ أمنية، مشدداً على أن أهالي سيناء يدركون تلك الأعذار والدواعي الأمنية، لا سيما أن شمال سيناء ذات طبيعة خاصة ومختلفة عن باقي محافظات مصر، انطلاقاً مما تشهده من ظروف خاصة.
وأفاد بأن هناك بعض المطالب الملحة في الوقت الحالي من بينها الخدمات، وبعض المطالب الخاصة بالإفراج عن المحتجزين ممن لم يثبت تورطهم في أية قضايا وفتح بعض الطرق المغلقة لدواعٍ أمنية وتعويض بعض الأهالي والمزارعين المتضررين من بعض العمليات، كما طالب بضرورة تسليط الإعلام الضوء على طبيعة سيناء السياحية، حيث شواطئها المميزة. وجميعها مطالب عاجلة وملحة يمكن تنفيذها.
دعم الدولة
ويقوم أبناء سيناء بدور مهم وواسع في المرحلة الراهنة في التعاون مع القوات المسلحة المصرية ومدها بالعديد من المعلومات في إطار الحرب على الإرهاب.
وفي هذا الإطار، أشاد مدير مركز القوات المسلحة للدراسة الاستراتيجية سابقاً اللواء علاء عز الدين بجهود أهالي سيناء المبذولة في دعم ومساندة القوات المسلحة في القيام بدورها، مشيراً إلى أن أهالي سيناء كان لهم دور كبير جداً على مدار التاريخ، على سبيل المثال دورهم في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973 في مساعدة الفدائيين وأجهزة الاستعلامات والمخابرات في التصدي للعدو الإسرائيلي، كما أن الكثير من الأهالي في سيناء ضحوا بأرواحهم من أجل مصر.
وامتداداً لذلك الدور يتعاون أهالي سيناء الآن مع القوات المسلحة المصرية في مكافحة الإرهاب في أراضي سيناء في مجال المعلومات؛ وذلك بالإبلاغ عن أماكن وتمركزات الجماعات الإرهابية المشبوهة. ولفت عز الدين في السياق ذاته إلى أن المجتمع السيناوي بطبيعته الصحراوية قائم على نظام القبائل، وبالتالي يعرفون بعضهم جيداً ولدى دخول شخص غريب يقومون بالإبلاغ على الفور.
حرب الإرهاب
رغم ما يشهده أهالي سيناء من مشكلات خاصة، بعضها نتيجة التهميش وغياب التنمية لعقود مديدة، إلا أنهم أبوا إلا أن يواصلوا تضحياتهم ودورهم الوطني، وتجسد ذلك الدور بجلاء في دعم أجهزة الدولة في حرب لا تقل أهمية عن الحروب التي خاضتها مصر في بوابتها الشرقية، ذلك من أجل تطهيرها من الإرهاب.
حلقة وصل بين قارتين مهما تغيّر اسمها
جعل موقع سيناء شمال شرقي مصر، شبه جزيرة، بمثابة حلقة الوصل بين قارتي آسيا وأفريقيا. وتبلغ مساحتها حوالي 60 ألف كيلو متر مربع (6 % من مساحة مصر الإجمالية). يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب خليج السويس وقناة السويس، ومن الشرق فلسطين المحتلة، وجنوباً البحر الأحمر.
جعلها موقعها والثروات التي تزخر بها، مطمعاً للمستعمرين على مدار التاريخ، ما ولّد لدى شعبها روح البطولة والتضحية والفداء، للذود عن أرضهم في مواجهة المستعمرين وأصحاب المطامع من الشرق والغرب.
ويُقّدر عدد سكان شبه جزيرة سيناء بنحو مليون و400 ألف نسمة، وفق إحصاءات صادرة في عام 2013. ويقوم أبناء سيناء بأدوار بطولية في دعم الدولة المصرية، بخاصة في مواجهة الإرهاب، بينما يعانون في الوقت ذاته من العديد من المشكلات الناتجة عن سنوات التهميش السابقة.
تزخر «سيناء» بالعديد من المناطق السياحية المُهمة والشهيرة، سواء المزارات السياحية القديمة أو المنتجعات، ومن بين تلك المزارات (نويبع ودهب ورأس سدر وطابا ومحمية رأس محمد ونبق وحمام موسى وسانت كاترين وحمام فرعون)، إضافة إلى جبل موسى (الذي يبلغ ارتفاعه 2285 متراً فوق سطح البحر، الذي كلم نبي الله موسى عليه السلام، ربه عليه).
شبه جزيرة.. وتاريخ حافل بالبطولات
شهدت سيناء العديد من المعارك والمواقع التاريخية، من بينها الحملة الصليبية الأولى (1096ـ1099)، فضلاً عن العدوان الثلاثي على مصر وحرب يونيو 1967 وكذلك حرب السادس من أكتوبر 1973، وتخوض فيها القوات المسلحة المصرية حرباً ضروساً ضد الإرهاب والتطرف خاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013.
تاريخ سيناء ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، في العصور القديمة كانت هناك الحضارة الكنعانية القديمة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. كما تكشف آثار سيناء القديمة عن طريق حربي قديم كان يدعى «طريق حورس».
وقد قاد أحد ملوك الأسرة الأولى (الملك سمرخت) حملة إلى وادي المغارة (موطن مناجم الفيروز في سيناء) ضد البدو الرحل، وكان ذلك في عام 3200 قبل الميلاد، وهو ما تم اكتشافه من خلال نقوش على الحجر تم تسجيلها عن أخبار تلك الحملة. وعلى نهجه سار العديد من ملوك أسرته في معارك مماثلة.
فيما يلقب الملك زوسر (الفرعون الثاني في الأسرة الفرعونية الثالثة في بداية الدولة القديمة) بـ«فاتح شبه جزيرة سيناء»، على اعتبار أنه كان قد قاد حملة في عام 2700 قبل الميلاد في سيناء، وسجل انتصارات عديدة فيها.
علاقات تجارية
وفي العصور الوسطى، تميزت سيناء في العصور الوسطى بصفة خاصة بكونها مركزاً لعلاقات تجارية مختلفة خلال العصرين اليوناني والروماني. وبعد الفتح الإسلامي المصري نزح العديد من العناصر البدوية في شبه جزيرة العرب آنذاك إلى سيناء واستقروا بها.
وعبرت بسيناء العديد من الهجرات، باعتبارها كانت تمثل أحد معابر الهجرة بعد الفتح الإسلامي، وارتفعت وتيرة تلك الهجرات خلال العصرين الأموي والعباسي، وبدأت تقل تدريجياً خلال العصر الطولوني.
وخلال فترة الحروب الصليبية تعرّضت سيناء لمحاولات الغزو الصليبي. وأفشل المصريون خطة رينالد من شاتيون (الذين كان حاكماً لحصن الكرك الصليبي)، وهي الخطة التي كان يستهدف من خلالها السيطرة علي البحر الأحمر.
ونجح الأيوبيون بقيادة صلاح الدين في وقف حملات رينالد، وتم تدمير الأسطول الصليبي. في العصر الأيوبي تم الاهتمام بتنمية وتعمير سيناء في ظل الحملات الصليبية التي كان يتحتم في إطار مواجهتها تطوير وتعمير سيناء بخاصة القلاع والموانئ.
وفي العصر الحديث، أنشأ محمد علي باشا «محافظة العريش» في عام 1810 كأول إطار إداري منظم في سيناء، وذلك في إطار التطوير الإداري الذي اعتمده محمد علي عقب توليه حكم مصر في عام 1805. وقد تم وضع قوة عسكرية تحت تصرف محافظة العريش آنذاك من أجل حماية الحدود المصرية الشرقية.
أحداث بارزة
وشهدت سيناء في حكم الخديوي إسماعيل العديد من المحطات والأحداث البارزة، فقد كانت قبلة للكثير من الرحالة، كما كان الحدث الأبرز وهو افتتاح قناة السويس للملاحة في عام 1869. وقد أسهم ذلك الحدث في إضفاء أهمية خاصة على سيناء بعد ذلك، كما شجع على إنشاء العديد من المدن على ضفتي القناة من بينها الإسماعيلية والقنيطرة.
وشهدت سيناء العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 من كل من (فرنسا وإنجلترا وإسرائيل) وأظهرت المقاومة الشعبية في سيناء بطولات هائلة للتصدي لذلك العدوان.
واحتلت إسرائيل شبه الجزيرة، لتسطّر سيناء بعد ذلك واحدة من أروع قصص البطولة والتضحية في حرب الاستنزاف بعد نكسة 1967. ثم جاءت حرب أكتوبر 1973 كملحمة تاريخية شاهدة على عظمة المقاتل المصري وبطولاته وتضحياته من أجل استرداد أرض الفيروز.
وظلت «سيناء» عقب ذلك تعاني ويلات التهميش والتجاهل طيلة عقود تالية، حتى جاءت التطورات السياسية الحاسمة في مصر وأعادت لأهل سيناء بعد ثورة 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013 الأمل في التنمية والخروج من تحت وطأة التهميش الذي عاناه أبناء سيناء.