رنوار (بيير اوغست)
RENOIR (PIERRE-) - RENOIR (PIERRE-)
رُنوار (بيير أوغست ـ)
(1841 ـ 1919)
بيير أوغست رُنوار Pierre Auguste Renoir مصور ونحات فرنسي، وأحد أبرز مصوري القرن التاسع عشر. ولد في كنف أسرة من الحرفيين في مدينة ليموج Limoges وتوفي في كانيو . سور . مير Cagnes-Sur-Mer. يحتل رُنوار ومونيه [ر] Monet المقام الأول في المدرسة الانطباعية، فإليهما يعود الفضل في تصوير اللوحات الأولى وفق تقانة دعيت فيما بعد بالانطباعية، وفيها يتوج الضوء الفراغات والمساحات المتموجة فتتولّد في الجو، نداوة من نوع جديد.
كان رُنوار ابناً لحجار أقام منذ عام 1844 في باريس حيث أمضى رُنوار سني طفولته في العديد من أحيائها، وفي مدارس ريفها أظهر استعداداته للرسم والغناء والموسيقى، فجذب انتباه المعلم شارل غونول Charles Gounol الذي نصح الأب بتشجيع ابنه على إكمال دراسته في الموسيقى، ولكن الأب ألحق الطفل ابن الثلاثة عشر ربيعاً بورشة للتدريب على رسم الزهور على الخزف، ونظراً لتقدمه في عمله ومهارته وإلمامه بالمهنة، كان المعلم يعهد إليه بأصعب الرسوم وأكثرها دقة، ولكن قلة الطلبات وندرتها اضطرت رنوار لمزاولة أعمال أخرى مثل تزيين جدران المقاهي الباريسية، ومحاكاة صور القرن الثامن عشر على المراوح اليدوية وما شابهها. وبعد أن ادخر كفايته المالية صار بوسعه العمل على تحقيق حلمه وأمانيه: متابعة دراسته في مدرسة الفنون الجميلة الوطنية التي التحق بها في مطلع عام 1862 بعد اجتيازه مسابقة القبول، وراح يتدرب بمرسم شارل غليير Charles Gleyre، وقد رأى فيه الأساتذة، مع كونه ماهراً ومجداً، تلميذاً مثيراً للشغب يلومون جسارته في استخدامه لأسلوب غريب بعيد عن المعتاد، حتى إن أستاذه غليير، الذي أزعجته ألوانه الحادة ورؤيته الواقعية للأشكال التي يرسمها، سأله ذات مرة: «لا ريب في أنك تصور بقصد التسلية واللهو؟!» فأجابه رُنوار: «نعم بالطبع، وإن لم يكن الأمر كذلك لكففت عن التصوير».
في خريف عام 1862 ارتبط بصداقة مع المصورين ألفرد سيسلي[ر] Alfred Sisley وكلود مونيه[ر] وفريدريك بازيل[ر] Bazille ، وكان الثلاثة معاً يجاهرون صراحة بإعجابهم بالمصورين المناهضين لتقاليد العصر في التصوير. ويعود الفضل إلى مونيه في الكشف لرنوار وزملائه الجدد عما يستجد في الفن: كان مونيه يلتقي الفنانين في مقهى مارتير Martyrs، ملتقى أتباع الواقعية [ر] تلاميذ كوربيه [ر] Courbet والفريق الذي سيؤلف، بعد عشر سنوات، نواة الانطباعية، ويلقي على مسامعهم آراءه الفنية وتطلعاته، ومن الإنصاف التذكير بأن رنوار لم يكن حينئذ في طليعة المناضلين في سبيل فن جديد، إذ كانت رغبته في الخروج من الدروب المطروقة أكثر جلاء في أحاديثه منها في لوحاته. إن موهبته وحدسه أتاحا له تجنب ما في التقليد الأكاديمي من ابتذال مع احتفاظه بشيء من القيم التقليدية التي اكتسبها من ارتياده متحف اللوفر والنسج على منوال كبار فناني القرن الثامن عشر الفرنسيين محط اهتمامه.
بعد أن أغلق غليير أبواب مشغله في شهر كانون الثاني عام 1864، وأجرى رنوار امتحانه الأخير في مدرسة الفنون الجميلة، رحل برفقة سيسلي وبازيل إلى شيلي آن بيير Chailly-en-Biere بالقرب من فونتينبلو Fontainebleau بناء على طلب من مونيه، والتقى هناك الكثير من الفنانين الذين رحبوا بمشاركته في معرض «الصالون» Salon بوصفه تلميذاً لغليير، وقد ظهرت في لوحاته، على الرغم من صلتها بالماضي، ظرافة مشربة بحسية وسمت لوحاته اللاحقة كلها، إذ تجلت في شخوصه خاصة لمسات حديثة مستمدة من واقعية كوربيه أكثر مما استعاره من أضواء المصورين في الهواء الطلق. ولم يتجاوز رنوار تقاليد الماضي إلا في عام 1896 عند التحاقه بمونيه في بوجيفال Bougival، وإنجازه للكثير من اللوحات في الهواء الطلق، مما دفعه لدراسة ظاهرة الضوء وتحليلها من منظور جديد، واستخدام وسائل جديدة مثل إلغاء التفاصيل وتجزئة لطخات الفرشاة، وقد أدت طريقتهما في تفسير الطبيعة، وفي تخليهما، دونما قصد، عن تحديد الأشكال بالخطوط، إلى ظهور حركة عظيمة أدت إلى ثورة في التصوير ألا وهي الانطباعية [ر] Impressionisme. ومع ذلك لم يكن رنوار شديد الولع بالمناظر الطبيعية، إذ تشهد كثرة أعماله الجميلة عن ابتهاجه بحياة الناس، وشغفه بالنموذج الأنثوي على وجه الخصوص مثل لوحة «الشرفة» Loge (معهد كورتولد للفنون بلندن) التي صورها بالمرسم، ولوحة «الرقص في مولان دو لا غاليت» (اللوفر)، ولوحة «مدام شاربنتييه وبناتها» (متحف متروبوليتان)، ولوحة «الأرجوحة». إن وجوهاً كثيرة ألهمته تلك اللوحات المضيئة التي لامس فيها سر سحر المرأة وفتنتها: لوحة «القارئة» (متحف أورساي)، و«المجذفون في شاتو» (متحف واشنطن).
كان رنوار، على النقيض من سيزان، لا يستخدم في إعداد لوحاته إلا القليل من فطنته ورويته، وكان غريزياً ولا يدّعي الثقافة، ولا يتبع برنامجاً محدداً، ولا يرغب إلا في التعبير عن متعة الحياة وترجمتها في أعماله. وانصب اهتمامه على الشكل الإنساني على النقيض من مصوري المناظر الطبيعية، مثل بيسارو وسيسلي، فهو لم يكف يوماً عن رسم المرأة، إذ كان يؤثر التماع البشرة على كل ألعاب الضوء التي تزخر بها الطبيعة.
سرعان ما وضع رنوار حداً لمرحلته الانطباعية، إذ أحس بأنه لن يستطيع المضي أكثر في هذا النهج، وقد جاءت عودته إلى التقليد الاتباعي إبان سفره إلى إيطاليا بين عامي 1881 و1882، عندما اكتشف في روما جداريات رافايلو وفي نابولي تصوير بومبيي، مما دفعه إلى أن يقول عن نفسه بأنه لا يعرف الرسم والتفاصيل، ولا تحديد الأشكال بدقة والحجوم بوضوح، مما أفقد لوحاته بعضاً من أسباب سحرها، فتميزت هذه المرحلة التي دعاها النقاد بالأنغرية ـ نسبة إلى الفنان الفرنسي المعروف أنغر[ر] Ingres، لوحة «المظلات» (المتحف الوطني، لندن)، ولوحة «الرقص في بوجيفال» (متحف بوسطن).
يميل رنوار بطبعه إلى الديونيسية (رمز اندفاع الأهواء والعواطف, ورمز للمضمون) أكثر من ميله إلى الأبولونية (رمز السيطرة على الذات والروحانية والارتقاء الإنساني ـ ورمز للشكل)، فها هو بعد أن ملّ قيود التصوير التقليدي وإكراهاته، وبعد سنوات الانضباط الطوال، يعود، نحو عام 1889، إلى ميوله القديمة لتتولد من الألق المستعاد لوحات تنبض بالحياة، وتتجلى فيها رهافة الأضواء القزحية، ومع تآلف الأشعة مع الأشكال ازداد امتلاء البشرة ونضارتها، فتشوشت بعض البنى بعد أن شحنت بقوة موحية شبه سحرية ومثال ذلك: لوحة «النائمة».
أصيب رنوار في مطلع عام 1879، بروماتيزم المفاصل الذي حال دون غزارة إنتاجه المعتادة، فسافر إلى كانيو Cagnes في الجنوب حيث اشترى منـزلاً. وأقيم له في صالون خريف عام 1904 معرضاً استعادياً. وساءت صحته فلم يعد يستطيع الرسم إلا بمشقة بالغة، إلى درجة بات فيها عاجزاً عن الإمساك بالفرشاة من دون مساعدة، ومع ذلك واظب على إنتاجه.
توجه رنوار في أخريات أيامه نحو النحت، وأنجز قطعاً جميلة بمساعدة تلاميذه باستثناء عملين أنجزهما دون عون من الآخرين. وعاد إلى باريس في عام 1919 ليزور متحف اللوفر على مقعد متحرك، ويرى بعض أعماله في إحدى قاعاته، وفي الشتاء من العام نفسه لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يردد: «ألوان... ألوان... أعطني مرسمتي بسرعة».
نهيل نزال
RENOIR (PIERRE-) - RENOIR (PIERRE-)
رُنوار (بيير أوغست ـ)
(1841 ـ 1919)
بيير أوغست رُنوار Pierre Auguste Renoir مصور ونحات فرنسي، وأحد أبرز مصوري القرن التاسع عشر. ولد في كنف أسرة من الحرفيين في مدينة ليموج Limoges وتوفي في كانيو . سور . مير Cagnes-Sur-Mer. يحتل رُنوار ومونيه [ر] Monet المقام الأول في المدرسة الانطباعية، فإليهما يعود الفضل في تصوير اللوحات الأولى وفق تقانة دعيت فيما بعد بالانطباعية، وفيها يتوج الضوء الفراغات والمساحات المتموجة فتتولّد في الجو، نداوة من نوع جديد.
كان رُنوار ابناً لحجار أقام منذ عام 1844 في باريس حيث أمضى رُنوار سني طفولته في العديد من أحيائها، وفي مدارس ريفها أظهر استعداداته للرسم والغناء والموسيقى، فجذب انتباه المعلم شارل غونول Charles Gounol الذي نصح الأب بتشجيع ابنه على إكمال دراسته في الموسيقى، ولكن الأب ألحق الطفل ابن الثلاثة عشر ربيعاً بورشة للتدريب على رسم الزهور على الخزف، ونظراً لتقدمه في عمله ومهارته وإلمامه بالمهنة، كان المعلم يعهد إليه بأصعب الرسوم وأكثرها دقة، ولكن قلة الطلبات وندرتها اضطرت رنوار لمزاولة أعمال أخرى مثل تزيين جدران المقاهي الباريسية، ومحاكاة صور القرن الثامن عشر على المراوح اليدوية وما شابهها. وبعد أن ادخر كفايته المالية صار بوسعه العمل على تحقيق حلمه وأمانيه: متابعة دراسته في مدرسة الفنون الجميلة الوطنية التي التحق بها في مطلع عام 1862 بعد اجتيازه مسابقة القبول، وراح يتدرب بمرسم شارل غليير Charles Gleyre، وقد رأى فيه الأساتذة، مع كونه ماهراً ومجداً، تلميذاً مثيراً للشغب يلومون جسارته في استخدامه لأسلوب غريب بعيد عن المعتاد، حتى إن أستاذه غليير، الذي أزعجته ألوانه الحادة ورؤيته الواقعية للأشكال التي يرسمها، سأله ذات مرة: «لا ريب في أنك تصور بقصد التسلية واللهو؟!» فأجابه رُنوار: «نعم بالطبع، وإن لم يكن الأمر كذلك لكففت عن التصوير».
رنوار:«الشرفة» |
بعد أن أغلق غليير أبواب مشغله في شهر كانون الثاني عام 1864، وأجرى رنوار امتحانه الأخير في مدرسة الفنون الجميلة، رحل برفقة سيسلي وبازيل إلى شيلي آن بيير Chailly-en-Biere بالقرب من فونتينبلو Fontainebleau بناء على طلب من مونيه، والتقى هناك الكثير من الفنانين الذين رحبوا بمشاركته في معرض «الصالون» Salon بوصفه تلميذاً لغليير، وقد ظهرت في لوحاته، على الرغم من صلتها بالماضي، ظرافة مشربة بحسية وسمت لوحاته اللاحقة كلها، إذ تجلت في شخوصه خاصة لمسات حديثة مستمدة من واقعية كوربيه أكثر مما استعاره من أضواء المصورين في الهواء الطلق. ولم يتجاوز رنوار تقاليد الماضي إلا في عام 1896 عند التحاقه بمونيه في بوجيفال Bougival، وإنجازه للكثير من اللوحات في الهواء الطلق، مما دفعه لدراسة ظاهرة الضوء وتحليلها من منظور جديد، واستخدام وسائل جديدة مثل إلغاء التفاصيل وتجزئة لطخات الفرشاة، وقد أدت طريقتهما في تفسير الطبيعة، وفي تخليهما، دونما قصد، عن تحديد الأشكال بالخطوط، إلى ظهور حركة عظيمة أدت إلى ثورة في التصوير ألا وهي الانطباعية [ر] Impressionisme. ومع ذلك لم يكن رنوار شديد الولع بالمناظر الطبيعية، إذ تشهد كثرة أعماله الجميلة عن ابتهاجه بحياة الناس، وشغفه بالنموذج الأنثوي على وجه الخصوص مثل لوحة «الشرفة» Loge (معهد كورتولد للفنون بلندن) التي صورها بالمرسم، ولوحة «الرقص في مولان دو لا غاليت» (اللوفر)، ولوحة «مدام شاربنتييه وبناتها» (متحف متروبوليتان)، ولوحة «الأرجوحة». إن وجوهاً كثيرة ألهمته تلك اللوحات المضيئة التي لامس فيها سر سحر المرأة وفتنتها: لوحة «القارئة» (متحف أورساي)، و«المجذفون في شاتو» (متحف واشنطن).
كان رنوار، على النقيض من سيزان، لا يستخدم في إعداد لوحاته إلا القليل من فطنته ورويته، وكان غريزياً ولا يدّعي الثقافة، ولا يتبع برنامجاً محدداً، ولا يرغب إلا في التعبير عن متعة الحياة وترجمتها في أعماله. وانصب اهتمامه على الشكل الإنساني على النقيض من مصوري المناظر الطبيعية، مثل بيسارو وسيسلي، فهو لم يكف يوماً عن رسم المرأة، إذ كان يؤثر التماع البشرة على كل ألعاب الضوء التي تزخر بها الطبيعة.
رنوار: «الرقص في مولان دولاغاليت»(1876) |
يميل رنوار بطبعه إلى الديونيسية (رمز اندفاع الأهواء والعواطف, ورمز للمضمون) أكثر من ميله إلى الأبولونية (رمز السيطرة على الذات والروحانية والارتقاء الإنساني ـ ورمز للشكل)، فها هو بعد أن ملّ قيود التصوير التقليدي وإكراهاته، وبعد سنوات الانضباط الطوال، يعود، نحو عام 1889، إلى ميوله القديمة لتتولد من الألق المستعاد لوحات تنبض بالحياة، وتتجلى فيها رهافة الأضواء القزحية، ومع تآلف الأشعة مع الأشكال ازداد امتلاء البشرة ونضارتها، فتشوشت بعض البنى بعد أن شحنت بقوة موحية شبه سحرية ومثال ذلك: لوحة «النائمة».
أصيب رنوار في مطلع عام 1879، بروماتيزم المفاصل الذي حال دون غزارة إنتاجه المعتادة، فسافر إلى كانيو Cagnes في الجنوب حيث اشترى منـزلاً. وأقيم له في صالون خريف عام 1904 معرضاً استعادياً. وساءت صحته فلم يعد يستطيع الرسم إلا بمشقة بالغة، إلى درجة بات فيها عاجزاً عن الإمساك بالفرشاة من دون مساعدة، ومع ذلك واظب على إنتاجه.
توجه رنوار في أخريات أيامه نحو النحت، وأنجز قطعاً جميلة بمساعدة تلاميذه باستثناء عملين أنجزهما دون عون من الآخرين. وعاد إلى باريس في عام 1919 ليزور متحف اللوفر على مقعد متحرك، ويرى بعض أعماله في إحدى قاعاته، وفي الشتاء من العام نفسه لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يردد: «ألوان... ألوان... أعطني مرسمتي بسرعة».
نهيل نزال