"جبران" والحزن النبيل في اللوحة التشكيلية
حلب
"جبران هداية" فنان يبحث في عناصر لا يملكها الواقع متجاوزاً أخرى يرى أنها لا يجب أن تظهر في هذا الواقع، راكناً كل ذلك في ما يسميه "الحزن النبيل".
eSyria التقى الفنان "جبران هداية"وكان الحوار التالي:
** تمسكي بالواقعية يعود لقناعتي بأن "الواقع هو مصدر الإبداع"، فأنا بدون هذا الواقع لا أستطيع حتى أن أحلم، ولكن القول أن أعمالي واقعية محضة لا أراه صحيحا لأنني أؤمن بتداخل المدارس الفنية في اللوحة الواحدة، وفي أعمالي تجد هذا التداخل الذي تمتزج فيه عدة مدارس كالواقعية والسريالية، الرومانسية، وفي كثير من الحالات يكون المخطط الثاني حالة من التجريد.
أما بحثي في واقعيتي كما تقول فإنها تعمل على إعادة بناء هذا الواقع، فأنا أرى أن هذا الواقع بحاجة إلى حذف بعض العناصر التي لا ضرورة لها، وإضافة بعض العناصر لأهميتها في تشكيل اللوحة.
** الناقد والفنان والمربي "نبيه قطاية" بالرغم من مرور عدة سنوات على رحيله لازلت أراه في أحلامي حياً، علاقتي به امتدت لأكثر من ربع قرن، ويكاد يكون الصديق الوحيد في حياتي، وكانت أحاديثنا بعد السهرة تمتد حتى الصباح، اعتبرت رحيله اختفاء أهم عناصر الدهشة في حياتي.
معرفتي بـ "لؤي كيالي" كانت عن طريق "نبيه قطاية" وهي علاقة ودية ضمن لقاءات نادرة. أما "فاتح المدرس" تمت معرفتي به عن طريق أحد الأقارب وكان عمري حينها لا يتجاوز الثامنة، أعطاني طبقا من الكرتون المزيت وطلب مني أن أريه الأعمال بعد رسمها، وبذلك هو أول من وجهني في طفولتي الفنية، وشاء الله أن يكون أستاذي في كلية الفنون الجميلة بدمشق، وفيما بعد أستاذاً وصديقاً.
** وسائل التعبير ثلاث الكلمة، الموسيقا، الخط واللون (اللوحة). للحديث عن الفنان التشكيلي وعلاقته بلوحته يتطلب مني أن أعرف كلاً من الفنان ولوحته. عندما يتمكن الفنان من أدواته والسيطرة عليها يصبح رساما، ولكي يستحق لقب فنان يجب أن يمتلك الحساسية والرؤية الفنية من هنا قولي "الفن يبدأ بعد إتقان المهنة". أما اللوحة فهي المساحة البيضاء التي تسمح للفنان من خلال سيطرته على لغته التشكيلية أن يترجم الواقع المرئي كما يراه هو. بهذا المعنى يكون الفنان واللوحة شيئا واحد، لا بل أن اللوحة تكشف لنا رؤية الفنان للواقع المرئي وتخبرنا عن مشاعر وأحاسيس لا يبوح بها إلا لهذا الصديق.
** أريد أن أميز بين كلمة الضوء وكلمة النور، فالضوء يسقط عل الأجسام فنرى تدرجات لونية متعددة، والأجسام تسقط ظلالا تعبر عن حجمها فهناك الظل والظليل، وهذا ما يسمى بالعملية الفيزيائية لانتشار الضوء. أما النور فيقصد منه الجانب النفسي والروحي الذي ينشر جوا من الفراسة.
في أعمالي أعتمد قوانين الضوء، لكني في كثير من الحالات أبتعد عنها، أو لنقل أتجاوزها معتمدا على إضاءات لا تحصل في الواقع، وذلك من أجل تحقيق المناخ الذي يساعدني في التعرف على روح الأشياء من خلال جسدها.
** هنا أفضل استخدام كلمة النور بدل الضوء. هذا النور له علاقة بطفولتي.. بغرفتي، حينما كنت أتأمل "لمبة الكاز" وهي تسقط ضوئها الضعيف على سجادة شعبية عُلقت على الجدران، كنت أتأمل هذا المشهد حتى تغفوا عيناني وأنام. هذا الضوء له علاقة بضوء الشموع في الأماكن المقدسة. من هنا استخدامي للضوء لا يعتمد على الواقع، بل يعتمد على الذاكرة الواقعية التي يختلط فيها الواقع بالخيال وبالرغبات الكامنة في عالمي الداخلي، وهذا ما يظهر في أعمالي بشكل واضح.
** أعتقد أن تطور الإنسان الحقيقي بدأ عندما بدأ الإنسان يتأمل هذا الكون العجيب الغريب، وقد بدأ التأمل هنا مع النساك. أنا حين أرسم أتوقف عن الرسم لأتأمل، أستمر في التأمل حتى أجد حافزا لمتابعة الرسم من جديد، أضع أشخاصي أيضا في اللوحة في حالة تأمل، ولكن هذا التأمل ليس مجاني إنه يتخطى الجسد ليتحاور مع الروح.
** هناك مادة تدرس وهي "تقنية المواد" ولكن يبقى البحث مفتوح ولا ينتهي، ويخطئ من يعتقد أن التكنيك بذاته يستطيع أن يقدم عملا فنيا، من الضروري أن يتعرف ويبحث الفنان باستمرار لتجارب جديدة في مجال التقنية. ومن الضروري أن يدرك أن مهمة التكنيك هي إيجاد المناخ المناسب للوحة التي ينوي رسمها. وأنا بدوري أبحث باستمرار عن المناخ المناسب لأعمالي. ليس هناك تقنية واحدة لأتحدث عنها، هناك كم هائل من التجارب من أجل الوصول إلى المناخ المناسب.
** الهدوء والسكينة موجود في المخطط الثاني للوحة، أي في الخلفية، أما المخطط الأول فهناك التأمل والحزن النبيل، وأنا بدوري أشعر أن التأمل والحزن النبيل يحق لهما الارتياح على خلفية هادئة وساكنة.
** هذه المرحلة قريبة من قناعاتي في الفن، فهي تعتمد الخط أساسا في تشكيل اللوحة، وتأتي الألوان باردة وهادئة منسجمة مع التعبير في شخوص اللوحة.
عن تجربة الفنان "جبران هداية" يتحدث الفنان والناقد التشكيلي "طاهر البني" فيقول: «تكتسب تجربة الفنان "جبران هداية" أهميتها من كونها إحدى أبرز التجارب التصويرية ذات الطابع الواقعي الذي يجنح إلى الرومانسية بأدوات فنية معاصرة تتوزع فيها الأشكال ضمن أطر حديثة. تبرز مقدرة الفنان المزاوجة مابين الواقعية الهادئة والرومانسية الوادعة والتجريد المدروس بعناية.
لقد أستطاع "جبران" أن يوظف خبراته الأكاديمية في التصوير وتقنياته عبر خطوط صريحة وتشكيلات مبتكرة، ورغم اقتصاده اللوني إلا أنه أفلح في خلق مناخ جميل تبارت فيه الأنوار مع المساحات المعتمة في إحداث مناخ درامي، دفع باللوحة إلى تخوم التعبير الإنساني عن القيم الروحية والجمالية التي تبدت في وجوه الشخوص، وحركات الأيدي، واتخاذ الوضعيات الأنثوية التي تظهر قدرة الفنان على قراءة العلامات الإنسانية بمشاعر حميمية تبعث على التأمل والارتياح والإعجاب».
بقي أن نذكر أن الفنان "جبران هداية" من "رأس العين" عام 1946.
- محمد علو
حلب
"جبران هداية" فنان يبحث في عناصر لا يملكها الواقع متجاوزاً أخرى يرى أنها لا يجب أن تظهر في هذا الواقع، راكناً كل ذلك في ما يسميه "الحزن النبيل".
eSyria التقى الفنان "جبران هداية"وكان الحوار التالي:
تكتسب تجربة الفنان "جبران هداية" أهميتها من كونها إحدى أبرز التجارب التصويرية ذات الطابع الواقعي الذي يجنح إلى الرومانسية بأدوات فنية معاصرة تتوزع فيها الأشكال ضمن أطر حديثة. تبرز مقدرة الفنان المزاوجة مابين الواقعية الهادئة والرومانسية الوادعة والتجريد المدروس بعناية. لقد أستطاع "جبران" أن يوظف خبراته الأكاديمية في التصوير وتقنياته عبر خطوط صريحة وتشكيلات مبتكرة، ورغم اقتصاده اللوني إلا أنه أفلح في خلق مناخ جميل تبارت فيه الأنوار مع المساحات المعتمة في إحداث مناخ درامي، دفع باللوحة إلى تخوم التعبير الإنساني عن القيم الروحية والجمالية التي تبدت في وجوه الشخوص، وحركات الأيدي، واتخاذ الوضعيات الأنثوية التي تظهر قدرة الفنان على قراءة العلامات الإنسانية بمشاعر حميمية تبعث على التأمل والارتياح والإعجاب
- تشكل الواقعية العنوان الأوحد لمعظم لوحاتك، عن ماذا تبحث في تلك الواقعية؟
** تمسكي بالواقعية يعود لقناعتي بأن "الواقع هو مصدر الإبداع"، فأنا بدون هذا الواقع لا أستطيع حتى أن أحلم، ولكن القول أن أعمالي واقعية محضة لا أراه صحيحا لأنني أؤمن بتداخل المدارس الفنية في اللوحة الواحدة، وفي أعمالي تجد هذا التداخل الذي تمتزج فيه عدة مدارس كالواقعية والسريالية، الرومانسية، وفي كثير من الحالات يكون المخطط الثاني حالة من التجريد.
أما بحثي في واقعيتي كما تقول فإنها تعمل على إعادة بناء هذا الواقع، فأنا أرى أن هذا الواقع بحاجة إلى حذف بعض العناصر التي لا ضرورة لها، وإضافة بعض العناصر لأهميتها في تشكيل اللوحة.
- نتذكر أسماء من الساحة الفنية ربما كانت قريبة منك كـ "نبيه قطاية"، "لؤي كيالي"، "فاتح المدرس"، هل من ارتباط ما جمعك مع هذه الأسماء؟
** الناقد والفنان والمربي "نبيه قطاية" بالرغم من مرور عدة سنوات على رحيله لازلت أراه في أحلامي حياً، علاقتي به امتدت لأكثر من ربع قرن، ويكاد يكون الصديق الوحيد في حياتي، وكانت أحاديثنا بعد السهرة تمتد حتى الصباح، اعتبرت رحيله اختفاء أهم عناصر الدهشة في حياتي.
معرفتي بـ "لؤي كيالي" كانت عن طريق "نبيه قطاية" وهي علاقة ودية ضمن لقاءات نادرة. أما "فاتح المدرس" تمت معرفتي به عن طريق أحد الأقارب وكان عمري حينها لا يتجاوز الثامنة، أعطاني طبقا من الكرتون المزيت وطلب مني أن أريه الأعمال بعد رسمها، وبذلك هو أول من وجهني في طفولتي الفنية، وشاء الله أن يكون أستاذي في كلية الفنون الجميلة بدمشق، وفيما بعد أستاذاً وصديقاً.
- ثنائية "الفنان واللوحة" كيف تتجسد عند الفنان جبران هداية؟
** وسائل التعبير ثلاث الكلمة، الموسيقا، الخط واللون (اللوحة). للحديث عن الفنان التشكيلي وعلاقته بلوحته يتطلب مني أن أعرف كلاً من الفنان ولوحته. عندما يتمكن الفنان من أدواته والسيطرة عليها يصبح رساما، ولكي يستحق لقب فنان يجب أن يمتلك الحساسية والرؤية الفنية من هنا قولي "الفن يبدأ بعد إتقان المهنة". أما اللوحة فهي المساحة البيضاء التي تسمح للفنان من خلال سيطرته على لغته التشكيلية أن يترجم الواقع المرئي كما يراه هو. بهذا المعنى يكون الفنان واللوحة شيئا واحد، لا بل أن اللوحة تكشف لنا رؤية الفنان للواقع المرئي وتخبرنا عن مشاعر وأحاسيس لا يبوح بها إلا لهذا الصديق.
- التركيز على قيم النور وأهميته البصرية والنفسية في اللوحة من أين يستمدها الفنان "جبران هداية" وماذا يبتغي منها؟
** أريد أن أميز بين كلمة الضوء وكلمة النور، فالضوء يسقط عل الأجسام فنرى تدرجات لونية متعددة، والأجسام تسقط ظلالا تعبر عن حجمها فهناك الظل والظليل، وهذا ما يسمى بالعملية الفيزيائية لانتشار الضوء. أما النور فيقصد منه الجانب النفسي والروحي الذي ينشر جوا من الفراسة.
في أعمالي أعتمد قوانين الضوء، لكني في كثير من الحالات أبتعد عنها، أو لنقل أتجاوزها معتمدا على إضاءات لا تحصل في الواقع، وذلك من أجل تحقيق المناخ الذي يساعدني في التعرف على روح الأشياء من خلال جسدها.
- وماذا عن الضوء الداخلي الذي يختزنه وجدان "جبران هداية" كيف ترك تأثيره على العمل التشكيلي؟
** هنا أفضل استخدام كلمة النور بدل الضوء. هذا النور له علاقة بطفولتي.. بغرفتي، حينما كنت أتأمل "لمبة الكاز" وهي تسقط ضوئها الضعيف على سجادة شعبية عُلقت على الجدران، كنت أتأمل هذا المشهد حتى تغفوا عيناني وأنام. هذا الضوء له علاقة بضوء الشموع في الأماكن المقدسة. من هنا استخدامي للضوء لا يعتمد على الواقع، بل يعتمد على الذاكرة الواقعية التي يختلط فيها الواقع بالخيال وبالرغبات الكامنة في عالمي الداخلي، وهذا ما يظهر في أعمالي بشكل واضح.
- تبرز "الوجوه" في حالتها التأملية الهادئة عنصرا مميزا في لوحاتك، وهنا نسأل عن الحالة الإنسانية التي تركن خلف تلك الوجوه؟
** أعتقد أن تطور الإنسان الحقيقي بدأ عندما بدأ الإنسان يتأمل هذا الكون العجيب الغريب، وقد بدأ التأمل هنا مع النساك. أنا حين أرسم أتوقف عن الرسم لأتأمل، أستمر في التأمل حتى أجد حافزا لمتابعة الرسم من جديد، أضع أشخاصي أيضا في اللوحة في حالة تأمل، ولكن هذا التأمل ليس مجاني إنه يتخطى الجسد ليتحاور مع الروح.
- يرى الفنان "سعد يكن" أن ما يميز لوحاتك هو التكنيك المستخدم في رسم اللوحة، ماذا تحدثنا عن هذا التكنيك؟
** هناك مادة تدرس وهي "تقنية المواد" ولكن يبقى البحث مفتوح ولا ينتهي، ويخطئ من يعتقد أن التكنيك بذاته يستطيع أن يقدم عملا فنيا، من الضروري أن يتعرف ويبحث الفنان باستمرار لتجارب جديدة في مجال التقنية. ومن الضروري أن يدرك أن مهمة التكنيك هي إيجاد المناخ المناسب للوحة التي ينوي رسمها. وأنا بدوري أبحث باستمرار عن المناخ المناسب لأعمالي. ليس هناك تقنية واحدة لأتحدث عنها، هناك كم هائل من التجارب من أجل الوصول إلى المناخ المناسب.
- أيضا يتحدث الفنان "سعد يكن" عن وجود الهدوء والسكينة في لوحاتك. هل هذا يرتبط بشخصية "جبران هداية" أم برؤيته التشكيلية لقيم اللوحة؟
** الهدوء والسكينة موجود في المخطط الثاني للوحة، أي في الخلفية، أما المخطط الأول فهناك التأمل والحزن النبيل، وأنا بدوري أشعر أن التأمل والحزن النبيل يحق لهما الارتياح على خلفية هادئة وساكنة.
- المرحلة الزرقاء عند "بيكاسو" بماذا ارتبطت لديك؟
** هذه المرحلة قريبة من قناعاتي في الفن، فهي تعتمد الخط أساسا في تشكيل اللوحة، وتأتي الألوان باردة وهادئة منسجمة مع التعبير في شخوص اللوحة.
عن تجربة الفنان "جبران هداية" يتحدث الفنان والناقد التشكيلي "طاهر البني" فيقول: «تكتسب تجربة الفنان "جبران هداية" أهميتها من كونها إحدى أبرز التجارب التصويرية ذات الطابع الواقعي الذي يجنح إلى الرومانسية بأدوات فنية معاصرة تتوزع فيها الأشكال ضمن أطر حديثة. تبرز مقدرة الفنان المزاوجة مابين الواقعية الهادئة والرومانسية الوادعة والتجريد المدروس بعناية.
لقد أستطاع "جبران" أن يوظف خبراته الأكاديمية في التصوير وتقنياته عبر خطوط صريحة وتشكيلات مبتكرة، ورغم اقتصاده اللوني إلا أنه أفلح في خلق مناخ جميل تبارت فيه الأنوار مع المساحات المعتمة في إحداث مناخ درامي، دفع باللوحة إلى تخوم التعبير الإنساني عن القيم الروحية والجمالية التي تبدت في وجوه الشخوص، وحركات الأيدي، واتخاذ الوضعيات الأنثوية التي تظهر قدرة الفنان على قراءة العلامات الإنسانية بمشاعر حميمية تبعث على التأمل والارتياح والإعجاب».
بقي أن نذكر أن الفنان "جبران هداية" من "رأس العين" عام 1946.
- درس التصوير في كلية الفنون بدمشق و تخرج منها بدرجة امتياز شرف عام 1979.
- درس الفنون في مركز الفنون التشكيلية و أكاديمية صاريان بحلب.
- عمل مدرساً لمادة التصوير في معهد إعداد المدرسين بحلب.
- شارك في معظم المعارض الجماعية في سوريا و الدول الخارجية.
- متخصص في تصوير الأيقونات.
- افتتح صالة أكاد للفنون الجميلة بحلب.
- عضو نقابة الفنون الجميلة و اتحاد التشكيلين العرب.
- طبع له ملصق إعلاني كممثل للفن السوري.
- مدرس متقاعد ، ومتفرغ حاليا للعمل الفني.