ملامح الحركة التشكيلية في "حلب".. قرون من الإبداع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ملامح الحركة التشكيلية في "حلب".. قرون من الإبداع


    ملامح الحركة التشكيلية في "حلب".. قرون من الإبداع
    • فراس قدسي


    حلب
    تقوم آلية التأثر والتأثير في الفنون التشكيلية وفقاً لتداخل وتشابك جملة من الظروف الخاصة والموضوعية مع بعضها بعضاً، وهو ما نلحظه بشكل واضح في الساحة التشكيلية الحلبية التي انطلقت في الفترة ما بين القرن السابع والثامن عشر. وعرفت في مسيرتها الفنية دخول الكثير من المدارس التي أعطت الفنان الحلبي مساحة واسعة لإقامة تفاعل جدي معها ما انعكس بطبيعة الحال على نمو الحركة التشكيلية في كل مفاصلها من تعدد الرؤى والتقنيات، بالإضافة الى تأسيس النشاط التشكيلي من خلال الهيئات الثقافية في المحافظة.

    كما لوحظ في السنوات الأخيرة توسع رقعة النشاط التشكيلي إلى كافة مدن المحافظة، خاصة مع إيلاء الفنانين الشباب اهتماماً خاصاً، ناهيك عن ترسيخ جملة من الفعاليات السنوية التي أخذت طابعاً عربياً وعالمياً.
    إلى الحاجة لوجود جيل يتذوق العمل التشكيلي لاقتناء اللوحات ومنها يتطور الفنان ويتقدم حينما يرى أن أعماله تمثل قيمة فنية للمقتني بحد ذاته وتلاقي رواجاً ما يدفعه إلى المزيد من التصميم

    موقع eAleppo التقى الفنان والناقد التشكيلي "محمود مكي" الذي تحدث عن بوادر الحركة التشكيلية الحلبية بالقول: «بدأ الفن التشكيلي "بحلب" ما بين القرن السابع والثامن عشر وكانت من أولى المدن السورية بذلك العهد حينما انتشر فيها الفن "الأيقوني" والتي هي عبارة عن لوحة دينية مسيحية.


    صورة فنية تشكيلية

    وفي القرن التاسع عشر صار له مفهوم خاص وجديد من خلال حركة المستشرقين حينما رسموا المواقع الأثرية، وراح فنانو "حلب" يراقبون أولئك الرسامين، وبفضل عدد من فنانيها التشكيليين ومنهم "منيب النقشبندي" وهو من مؤسسي الحركة التشكيلية في "حلب" الذي درس الفن بشكل حر فكان له الريادة حينما خرّج جيلا من الشباب ومنهم "محمد غالب سالم" و"وهبي الحريري" وهؤلاء أصبح لهم الدور الكبير في تأسيس الحركة التشكيلية "بحلب"، ناهيك عن دخول المطبعة حيث أصبحت "حلب" مركزاً للثقافة العربية من خلال طباعة العديد من كتب الفنانين وبفضل "فتحي محمد"، و"فاتح مدرس" و"لؤي كيالي" و"وحيد استانبولي" وغيرهم دخل مفهوم الفن التشكيلي إلى "حلب" عام /1936/، وأقيم أول معرض في سورية عام /1950/ في مدينة "دمشق" بالتحديد، فكانت معظم لوحاته من فناني "حلب". وفي تلك الفترة ازدهر الفن التشكيلي واستمر إلى أوائل التسعينيات ومنه بدأت فكرة تقبل وضع اللوحة الفنية على الجدار مكان "السجادة العجمية" في ذلك الوقت، ثم تلا ذلك جموداً في الحركة التشكيلية واستمر حتى السنوات الأخيرة الماضية فكانت ظروف الفنّان المادية قد أجبرته على ظرف نتج عنه جمود في الحركة التشكيلية».
    • الحركة التشكيلية الأكاديمية مع الجيل الثاني


    الفنان "ابراهيم داوود"

    يُذكر أن الحركة التشكيلية الأكاديمية في محافظة "حلب" بدأت في الخمسينيات من القرن المنصرم ومنها نبتت أول بذرة للحركة التشكيلية المنظمة. عن هذه الفترة يتحدث الفنان التشكيلي "إبراهيم داوود" رئيس لجنة المعارض باتحاد الفنانين التشكيليين بحلب قائلاً: «وتم هذا من خلال د. "حيدر يازجي"، "وحيد مغاربة"، "أسعد المدرّس"، "غياث ناصر" ومنهم من سافر إلى الخارج مثل "لؤي كيالي"، "فاتح المدرس"، "الفريد بخاش"، سامي برهان"، "إسماعيل حسني"، "غالب سالم"، وفي عام /1961/ أصبح للفن أكاديميته الخاصة به من خلال تأسيس مركز للفنون التشكيلية تدرس الطلاب بمنهج علمي أكاديمي مدروس.

    في السبعينيات من القرن المنصرم تأسست نقابة للفنون الجميلة والتي بدورها أعطت الفنانين حرية العمل فضلاً عن كونها قدمت كل أشكال الدعم لهم، عن تلك الفترة يتحدث الفنان "صلاح الخالدي" بالقول: «إن نتاجات معرض "الربيع" كانت تضم فنانين من سورية ثم اختصت بعد ذلك بفنانين من "حلب" ومعرض "الخريف" في "دمشق"، حيث كان يعرض في كل سنة لوحات تشكيلية تمثل واجهة الفن التشكيلي في سورية.


    الفنان "صلاح الخالدي"

    في عهد السبعينيات قدم الفنانون للحركة التشكيلية مجموعة مواضيع منها حب "المدينة القديمة"، و"رسم التراث"، و"رسم الحارات"، و"رسم الإنسان" وتابعت الحركة التشكيلية مسيرتها حتى أتت على الجيل الثالث ومنهم "سعد يكن"، "سعيد طه"، "ناصر نعسان آغا" "يوسف عقيل"، وهؤلاء لهم الفضل في تفعيل الحركة التشكيلية في الآونة الأخيرة».
    * صالات العرض وانتشارها


    كما هو معروف فإن صالات الفن التشكيلي هي مركز الفنان لرؤية نفسه في لوحاته وعكس صدى روحه حينما يقدمها للجمهور فهي تسهم بحسب ما ذكر "داوود مكي" أنها تعمل على تحفيز عمل الفنان وتطوره للتعرف على آراء الحضور والنقّاد والاطلاع على تجارب الآخرين، وبالتالي يساعد على تطور الحركة بشكل عام من خلال معرفة سلبياته والعمل على إزالتها من أعماله.

    ولكن "داوود" كان له رأي حول صالات عرض الفنون التشكيلية في سورية عموماً حيث قال: «تشابه كثيراً صالات العرض في اسبانيا وفرنسا فهي تعاني من الحالة الاقتصادية العالمية ما يجعل من التاجر لا يشتري والمقتني لا يلتفت إليها، فحينما يعمل الفنان لوحة ويتوقف عندها فيتوقف اندفاعه للرسم، وعلى العكس تماماً حينما يكون هناك إقبال يعطي للفنان دفعاً قوياً للمثابرة، وخصوصاً في المعارض الجماعية والتي تشعر الفنان بنشاط يؤهله للمنافسة والمتابعة بين زملائه».
    • عوائق الفن التشكيلي وغموض مستقبله

    إن لكل شيء عوائقه الخاصة به وأولها يتمثل بالحالة المادية التي تواجه الفنان وتابع "مكي": «لأنه في النهاية هو إنسان له متطلبات مادية يقضيها في الحياة وحين يتوافر ذلك يستطيع التفرغ فيغدو الإبداع حاضرا في نفسه وهذا لا يتم إلا بالمتابعة الحثيثة من قبل الفنان نفسه، لأنه وبشكل عام هو فن تجريبي لا يكتشف أسراره إلا إذا مارسه بالتطبيق العملي، والفن بشكل عام هو ممارسة في اللوحة والحياة ومع الواقع الذي يعيش فيه، وهو يسير في اتجاهين سلبي والثاني ايجابي ومهما سار في الاتجاه السلبي فإنه لا يزال يسير في الاتجاه الإيجابي والتطور في هذا المجال مستمر على الرغم من الحركة البطيئة التي جرت عليه وخصوصاً في الفترة الأخيرة».

    ولكن "إبراهيم" يرى أن الفن في "حلب" ما يزال مستمراً لأن الفن هو حضارة إنسانية بحد ذاتها مضيفاً: «لا أرى أي جمود بالمعنى المطلق لأن هناك مجموعة من الطلاب سوف يتخرجون في "الجامعات" وبالتالي سيقدمون عطاءات كبيرة في الفن، وهذا ما شهدته صالة الفنون الجميلة حينما أقامت عدداً من المعارض يتراوح ما بين 60 ـ 70 معرضا وهذا كاف على تحريك الحركة التشكيلية في "حلب"، لكن الوضع الاقتصادي أثر عليه ولم يوقفه بشكل نهائي حتى وإن قلت معارض الفنانين فالوحات تُرسم ويزيد عددها وأرى أن زيادة هذه اللوحات ستشكل مرحلة إبداعية قادمة حينما يكثر إنتاج الفنانين».

    ولكن الفنان "الخالدي" عزا جمود الحركة التشكيلية «إلى الحاجة لوجود جيل يتذوق العمل التشكيلي لاقتناء اللوحات ومنها يتطور الفنان ويتقدم حينما يرى أن أعماله تمثل قيمة فنية للمقتني بحد ذاته وتلاقي رواجاً ما يدفعه إلى المزيد من التصميم».
يعمل...
X