"ناصر سابق".. والبحث عن اللون على جناح الموسيقا
السويداء
يسكنه همّ يؤرقه.. همّ لوحاته، تلك التي يغدق عليها الكثير.. الكثير من روحه، تشغله قضايا البيئة ويعمل على تجسيدها برؤيا فنية مميزة، له اهتمامات بالتراث وبتوثيقه فنياً.
سكنه الفن منذ الصغر، وكان يرسم قبل دخوله المدرسة على المفكرات الصغيرة التي كانت متداولة في ذلك الوقت، ومازال يذكر دهشة أستاذه وتعجبه عندما سأله وهو في الصف الأول الابتدائي: ماذا تحب أن تكون في المستقبل؟ فأجابه: فناناً.
الفنان التشكيلي "ناصر سابق" من مواليد قرية "الكفر" عام 1948 م، وقد تحدث لموقع eSuweda عن مسيرة عمل تجاوزت الثلاثين عاماً في مهنة لطالما عشقها ووهب حياته لها، حيث تحدث بداية عن سبب ابتعاده عن الجامعة ودراسة المعهد المتوسط الفني قائلاً: «لم أتابع دراستي في كلية الآداب قسم التاريخ لأني رغبت بامتهان الفن والعمل مدرساً لمادة الفنون، في ذلك الوقت الذي كان الفن مادة مهملة وكان همي الانتقال به إلى مستوى جيد، ثم إنني لم أجد نفسي في دراسة التاريخ، تقدمت إلى معهد اعداد التربية الفنية ودرست فيه ثلاث سنوات وتخرجت في عام 1972 م وبدأت العمل مدرساً وبقيت في مهنتي 32 عاماً».
الفنان "ناصر سابق" في مرسمه
التدريس كان أكبر حافز للفنان "سابق" على الإبداع، يقول: «التعامل اليومي مع الطلاب ومع لوحاتهم وأفكارهم وهمومهم وأحلامهم، كان له خصوصية شكلت بداخلي مخزوناً من الالهام لأعمال فنية كثيرة، اكتشفت العديد من المواهب وشجعت المبدعين، علـّمت الفن للطلاب بطريقة أكاديمية متبعاً بعض المفاهيم الدائمة في الثقافة البصرية.
منزلي مفتوح لطلابي وقد دربت وبالمجان العديد من الطلاب حتى استطاعوا الالتحاق بكليات الفنون الجميلة وكلية الهندسة المعمارية».
واحدة من لوحاته
أنجز الفنان "ناصر" لوحة جسد فيها معركة "الكفر"؛ وهي موجودة حالياً في متحف "السويداء"، ولكنه لم يكرر مثل هذه التجربة، يقول: «أحببت أن أوثق للأجيال القادمة تلك المعركة الهامة ليس لأني من قرية "الكفر" وحسب، بل لأني وجدت من يحدثني عنها ولدي خلفية وثقافة متعلقة بالمعركة كونتها من خلال أحاديث والدي وجدي، ورغم حبي الشديد لتكرار التجربة، إلا أنني لم أستطع المتابعة، لأني وجدت أننا مقصرون بحق ماضينا وتراثنا وهو الذي أعمل على توثيقه بلوحاتي، فلو أردت رسم معركة "المزرعة" مثلاً لاحتجت للكثير من المعلومات والمراجع التي تتحدث عن تلك الفترة من الزمن والتي قامت بها الحرب لأستطيع تكوين خلفية مناسبة للقيام بالعمل الذي يستطيع أن يقدم صورة واضحة عن تلك المرحلة بتفاصيلها الكثيرة، فأنا أعاني من صعوبة الحصول على التفاصيل».
وعن مدرسته الفنية وتأثير الموسيقا في فنه تابع: «أنتمي للمدرسة الواقعية الانطباعية وقد تأثرت بالانطباعيين فمدرسة الفن الحديث هي المدرسة الانطباعية، أما في الواقعية فأنا لا أعمد إلى تقليد الواقع في لوحاتي، بل أقوم بنقل الواقع ولكن بأسلوبي مع إخراج فني، رسمت الطبيعة وتأثرت بها كثيراً ورسمت مشاهد من الريف وحياة الرعي فيه، رسمت المرأة الريفية البسيطة والتي تمثل أمي وأختي بلباسها الشعبي، وهي تقوم بأعمالها من صنع القش والخبز وملء الجرار بالماء.
الفنان والناقد "جمال العباس"
ثم إني أعشق الموسيقا العالمية فهي تأخذ حيزاً من فكري وبشكل خاص "باخ" فأنا أرسم على أنغام موسيقاه، أشعر بأن الموسيقا تثير في داخلي الخيال، فاللحن متعة جمالية تساعدني على إضافة ذلك الصوت الدفين للوحة والشعور به، كصوت أقدام الصبايا في طريقهن لجلب الماء وصوت حفيف أوراق الأشجار وغيرها».
الفنان والناقد "جمال العباس" تحدث عن الفنان "سابق" بقوله: «أنا أعرف الفنان "ناصر" منذ ثلاثين عاماً تقريباً، يوم شاهدت بعض المفردات من أعماله والتي كانت تدور حول مخاطبة الطبيعة والتفاعل معها بقدرات خاصة يمتلكها هذا الفنان، فهو مثلاً يتناول الموجود في المنطقة من أشجار حراجية ونباتات زهرية ووردية إن صح التعبير، بترتيبات يستشعر هو بأنها تشكل لقطة من جماليات الطبيعة.
هو في هذه المرحلة وإن ادعى أنه يصور واقعياً إلا أن الحقيقة تقول أن لا واقعية حقيقية في الوجود، هنالك مشابهات.. ومقاربات، هو أحد الفنانين الذين توصلوا إلى مقاربات مع الطبيعة في ترتيب العناصر وتلوينها، في التعامل مع الألوان وتطعيمها بالشكل الذي يتجاوب مع ذاتيته الخاصة، وتطورت تجربة هذا الفنان عمقاً في الولوج إلى كنه الأشكال وعالمها الداخلي.. بآليات أو بتقنيات قد أتفق معه فيها أو أختلف.. لكننا أمام مشهد فني فيه اللوحة تفرض وجودها وجماليتها، واستمر هذا الفنان في عطاءاته بالمثابرة والاجتهاد والقناعة التي رافقته طوال مسيرته الفنية ليصبح واحداً من فناني القطر.
"ناصر سابق" لم يدرس التصوير في أكاديمية الفنون الجميلة "بدمشق"، ولكنه ربما لأسباب خاصة أو امكانيات خاصة اختار معهداً تربوياً لدراسة الفن وتدريسه، ويعتبر أحد أهم المدرسين في المحافظة والذين عملوا على توسيع دائرة التذوق الفني والانحياز إلى جماليات اللوحة والفن التشكيلي بشكل عام، وأعتقد أنه كان بإمكانه الوصول إلى مراحل تتعزز الثقة لديه أكثر ويستنفر الطاقات الكامنة فيه بحالة ترضيه أكثر، لو أنه أهمل أو خفف من اندفاعه وإخلاصه لعمله التربوي والتدريسي، إضافة إلى شعور غامض كان ينتابه عند سماعه من الآخرين عن التحصيل الأكاديمي العالي الذي يعتبر قمة التصعيد الفني برأيهم، وهذا برأيي رؤيا خاطئة.
على أي حال هو فنان يملك أدواته وعناصره وإن لم يأخذ حقه، فما زال المستقبل أمامه.. لأعماله جمالية خاصة بعيداً عن أي نقد، تمتاز بالاحتكاك المباشر مع الطبيعة في موسيقا هادئة تجمع بين هدوء الطبيعة وهدوء الفنان بحيث تصل للمتلقي بفعل وسطي يعطي له حرية الاستمتاع بما يشاهده سماعياً».
بقي أن نذكر أن الفنان "ناصر سابق" عضو نقابة الفنانين ونقابة الفنانين التشكيليين ومشارك بكافة معارض النقابة في "السويداء" و"دمشق"، وأقام العديد من المعارض الفردية، معرضين في مدينة "السويداء" وأربعة معارض في مدينة "صلخد" ومعرضين في "دمشق"، كما تلقى دعوة وأقام معرضاً في ألمانيا.
وقد تحدث في النهاية عن آماله وطموحاته قائلاً: «حلمي كان ومازال الفن.. مازلت أحلم بالوصول إلى تجربة فنية ناضجة في الحياة، وتقديم أعمال تتحدث عن تاريخ وواقع بلدنا».
- ولاء عربي
السويداء
يسكنه همّ يؤرقه.. همّ لوحاته، تلك التي يغدق عليها الكثير.. الكثير من روحه، تشغله قضايا البيئة ويعمل على تجسيدها برؤيا فنية مميزة، له اهتمامات بالتراث وبتوثيقه فنياً.
سكنه الفن منذ الصغر، وكان يرسم قبل دخوله المدرسة على المفكرات الصغيرة التي كانت متداولة في ذلك الوقت، ومازال يذكر دهشة أستاذه وتعجبه عندما سأله وهو في الصف الأول الابتدائي: ماذا تحب أن تكون في المستقبل؟ فأجابه: فناناً.
حلمي كان ومازال الفن.. مازلت أحلم بالوصول إلى تجربة فنية ناضجة في الحياة، وتقديم أعمال تتحدث عن تاريخ وواقع بلدنا
الفنان التشكيلي "ناصر سابق" من مواليد قرية "الكفر" عام 1948 م، وقد تحدث لموقع eSuweda عن مسيرة عمل تجاوزت الثلاثين عاماً في مهنة لطالما عشقها ووهب حياته لها، حيث تحدث بداية عن سبب ابتعاده عن الجامعة ودراسة المعهد المتوسط الفني قائلاً: «لم أتابع دراستي في كلية الآداب قسم التاريخ لأني رغبت بامتهان الفن والعمل مدرساً لمادة الفنون، في ذلك الوقت الذي كان الفن مادة مهملة وكان همي الانتقال به إلى مستوى جيد، ثم إنني لم أجد نفسي في دراسة التاريخ، تقدمت إلى معهد اعداد التربية الفنية ودرست فيه ثلاث سنوات وتخرجت في عام 1972 م وبدأت العمل مدرساً وبقيت في مهنتي 32 عاماً».
الفنان "ناصر سابق" في مرسمه
التدريس كان أكبر حافز للفنان "سابق" على الإبداع، يقول: «التعامل اليومي مع الطلاب ومع لوحاتهم وأفكارهم وهمومهم وأحلامهم، كان له خصوصية شكلت بداخلي مخزوناً من الالهام لأعمال فنية كثيرة، اكتشفت العديد من المواهب وشجعت المبدعين، علـّمت الفن للطلاب بطريقة أكاديمية متبعاً بعض المفاهيم الدائمة في الثقافة البصرية.
منزلي مفتوح لطلابي وقد دربت وبالمجان العديد من الطلاب حتى استطاعوا الالتحاق بكليات الفنون الجميلة وكلية الهندسة المعمارية».
واحدة من لوحاته
أنجز الفنان "ناصر" لوحة جسد فيها معركة "الكفر"؛ وهي موجودة حالياً في متحف "السويداء"، ولكنه لم يكرر مثل هذه التجربة، يقول: «أحببت أن أوثق للأجيال القادمة تلك المعركة الهامة ليس لأني من قرية "الكفر" وحسب، بل لأني وجدت من يحدثني عنها ولدي خلفية وثقافة متعلقة بالمعركة كونتها من خلال أحاديث والدي وجدي، ورغم حبي الشديد لتكرار التجربة، إلا أنني لم أستطع المتابعة، لأني وجدت أننا مقصرون بحق ماضينا وتراثنا وهو الذي أعمل على توثيقه بلوحاتي، فلو أردت رسم معركة "المزرعة" مثلاً لاحتجت للكثير من المعلومات والمراجع التي تتحدث عن تلك الفترة من الزمن والتي قامت بها الحرب لأستطيع تكوين خلفية مناسبة للقيام بالعمل الذي يستطيع أن يقدم صورة واضحة عن تلك المرحلة بتفاصيلها الكثيرة، فأنا أعاني من صعوبة الحصول على التفاصيل».
وعن مدرسته الفنية وتأثير الموسيقا في فنه تابع: «أنتمي للمدرسة الواقعية الانطباعية وقد تأثرت بالانطباعيين فمدرسة الفن الحديث هي المدرسة الانطباعية، أما في الواقعية فأنا لا أعمد إلى تقليد الواقع في لوحاتي، بل أقوم بنقل الواقع ولكن بأسلوبي مع إخراج فني، رسمت الطبيعة وتأثرت بها كثيراً ورسمت مشاهد من الريف وحياة الرعي فيه، رسمت المرأة الريفية البسيطة والتي تمثل أمي وأختي بلباسها الشعبي، وهي تقوم بأعمالها من صنع القش والخبز وملء الجرار بالماء.
الفنان والناقد "جمال العباس"
ثم إني أعشق الموسيقا العالمية فهي تأخذ حيزاً من فكري وبشكل خاص "باخ" فأنا أرسم على أنغام موسيقاه، أشعر بأن الموسيقا تثير في داخلي الخيال، فاللحن متعة جمالية تساعدني على إضافة ذلك الصوت الدفين للوحة والشعور به، كصوت أقدام الصبايا في طريقهن لجلب الماء وصوت حفيف أوراق الأشجار وغيرها».
الفنان والناقد "جمال العباس" تحدث عن الفنان "سابق" بقوله: «أنا أعرف الفنان "ناصر" منذ ثلاثين عاماً تقريباً، يوم شاهدت بعض المفردات من أعماله والتي كانت تدور حول مخاطبة الطبيعة والتفاعل معها بقدرات خاصة يمتلكها هذا الفنان، فهو مثلاً يتناول الموجود في المنطقة من أشجار حراجية ونباتات زهرية ووردية إن صح التعبير، بترتيبات يستشعر هو بأنها تشكل لقطة من جماليات الطبيعة.
هو في هذه المرحلة وإن ادعى أنه يصور واقعياً إلا أن الحقيقة تقول أن لا واقعية حقيقية في الوجود، هنالك مشابهات.. ومقاربات، هو أحد الفنانين الذين توصلوا إلى مقاربات مع الطبيعة في ترتيب العناصر وتلوينها، في التعامل مع الألوان وتطعيمها بالشكل الذي يتجاوب مع ذاتيته الخاصة، وتطورت تجربة هذا الفنان عمقاً في الولوج إلى كنه الأشكال وعالمها الداخلي.. بآليات أو بتقنيات قد أتفق معه فيها أو أختلف.. لكننا أمام مشهد فني فيه اللوحة تفرض وجودها وجماليتها، واستمر هذا الفنان في عطاءاته بالمثابرة والاجتهاد والقناعة التي رافقته طوال مسيرته الفنية ليصبح واحداً من فناني القطر.
"ناصر سابق" لم يدرس التصوير في أكاديمية الفنون الجميلة "بدمشق"، ولكنه ربما لأسباب خاصة أو امكانيات خاصة اختار معهداً تربوياً لدراسة الفن وتدريسه، ويعتبر أحد أهم المدرسين في المحافظة والذين عملوا على توسيع دائرة التذوق الفني والانحياز إلى جماليات اللوحة والفن التشكيلي بشكل عام، وأعتقد أنه كان بإمكانه الوصول إلى مراحل تتعزز الثقة لديه أكثر ويستنفر الطاقات الكامنة فيه بحالة ترضيه أكثر، لو أنه أهمل أو خفف من اندفاعه وإخلاصه لعمله التربوي والتدريسي، إضافة إلى شعور غامض كان ينتابه عند سماعه من الآخرين عن التحصيل الأكاديمي العالي الذي يعتبر قمة التصعيد الفني برأيهم، وهذا برأيي رؤيا خاطئة.
على أي حال هو فنان يملك أدواته وعناصره وإن لم يأخذ حقه، فما زال المستقبل أمامه.. لأعماله جمالية خاصة بعيداً عن أي نقد، تمتاز بالاحتكاك المباشر مع الطبيعة في موسيقا هادئة تجمع بين هدوء الطبيعة وهدوء الفنان بحيث تصل للمتلقي بفعل وسطي يعطي له حرية الاستمتاع بما يشاهده سماعياً».
بقي أن نذكر أن الفنان "ناصر سابق" عضو نقابة الفنانين ونقابة الفنانين التشكيليين ومشارك بكافة معارض النقابة في "السويداء" و"دمشق"، وأقام العديد من المعارض الفردية، معرضين في مدينة "السويداء" وأربعة معارض في مدينة "صلخد" ومعرضين في "دمشق"، كما تلقى دعوة وأقام معرضاً في ألمانيا.
وقد تحدث في النهاية عن آماله وطموحاته قائلاً: «حلمي كان ومازال الفن.. مازلت أحلم بالوصول إلى تجربة فنية ناضجة في الحياة، وتقديم أعمال تتحدث عن تاريخ وواقع بلدنا».