حمزه اصفهاني
Hamzah al-Isfahani - Hamzah al-Isfahani
حمزة الأصفهاني
(نحو 280-351هـ/893-962م)
أبو عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني، لغوي وأديب ومؤرخ، فارسي النسب، لم يأت كتّاب السير الذين كتبوا عنه بالعربية أو الفارسية، بتفصيل واف عن حياته، وما نعرفه عنه مستمد من النبذ البالغة الإيجاز التي أوردها هؤلاء، ومن الإشارات العارضة المقتضبة التي جاءت في مؤلفاته، وكل ما نعلمه أنه ولد في أصفهان التي ينتسب إليها في تاريخ غير متفق عليه.
قضى حمزة معظم حياته في أصفهان ومات فيها، وامتهن مهنة أبيه في تعليم النشئ، فاشتهر بلقب المؤدب، ودعي أحياناً بالفقيه وحقق شهرة عند أبناء عصره فراسله العلماء والأدباء، ونعته الجهلة الحسدة من أبناء بلده «بائع الهذيان» لنشاطه الجم في التأليف.
زار حمزة بغداد مرات عدة، فكان غالب من درس حمزة عليهم من العلماء من سكان بغداد، وكان بعضهم من أبناء بلده، وكان هؤلاء من ذوي الاختصاص باللغة والحديث والأنساب والتاريخ، كما كانت له قراءات في الفلسفة والعلوم والفنون والطب.
ترك حمزة تراثاً غزيراً، وغنياً ومتنوعاً في اللغة والتاريخ، وأهم آثاره في التاريخ «تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء عليهم الصلاة والسلام» تحدث حمزة فيه عن ملوك الفرس والروم واليونان، والقبط والإسرائيليين ولخم (المناذرة) وغسان وحمير وكندة وفي آخر الأبواب عن ملوك عرب قريش (الراشدين، والأمويين، والعباسيين حتى أيامه)، وجعل من أبرز أهدافه في الكتاب تحديد تاريخ بدء حكم هؤلاء الملوك ونهايته، طبع الكتاب طبعات عديدة في أوربة والهند وأخيراً في بيروت، وترجم إلى الألمانية والإنكليزية كما ترجم الباب العاشر منه إلى اللاتينية. وله أيضاً كتاب آخر في التاريخ تحدث فيه عن تاريخ مدينته « تاريخ أصفهان وأخبارها»، والكتاب مفقود وقد نقل عنه كثيرون، ولحمزة باع طويل في التصنيف في مجال اللغة، وله في ميدان الأدب كتاب «ديوان أبي نواس» جمع مادته في رحلته إلى بغداد عام 326هـ/937م. ويفهم من مقدمة الكتاب أنه ألف ليقدم إلى عماد الدولة بن بويه حاكم أصفهان، ويضم الديوان ما يزيد على ثلاثة عشر ألف بيت، ويرى بروكلمان أن ديوان أبي نواس برواية حمزة الأصفهاني،على غزارة مادته يحتوي على كثير من الشعر المنحول أو المشكوك فيه، وللديوان عدة طبعات.
ومن كتب حمزة الأدبية كتاب «الأمثال على وزن أفعل» وللكتاب مقدمة طويلة بيَّن فيها حمزة أنه زاد على من سبقه في هذا الباب حتى بلغ ما يزيد على ألف وثمانمئة مَثَل.
ومن أهم ما صنف حمزة في مجال اللغة كتاب «التنبيه على حدوث التصحيف» الذي أراد به، كما جاء في مقدمة الكتاب، الحديث عن ظاهرة مهمة في الكتابة العربية، تبدو فيما يقع في الكتاب من أخطاء بسبب قراءة كلمة وردت في صحيفة، ويكون الخطأ ناجماً عن تبديل حرف بآخر في هذه الكلمة لتشابه الحرفين في الرسم واختلافهما بعدد النقط، وبمواضع هذه النقط فوق الحرف أو تحته، ودعي هذا الخطأ تصحيفاً، وبعد أن أورد نماذج من التصحيف بين خطورة هذه الظاهرة لما ينجم عنها من تغيير للمعنى المقصود، وتبدو المسألة في نظره أكثر خطورة عندما يقع التصحيف في قراءة بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، واتبع حمزة بعد ذلك الحديث عن بعض خصائص اللغة العربية التي تعين على كشف التصحيف والعدول عنه إلى الصواب، وقاده خوضه في موضوعات التصحيف إلى أبحاث مزج فيها بين الأدب وعلوم اللغة صرفاً ونحواً.
ولحمزة كتاب آخر دعاه «الموازنة بين العربية والفارسية» تتبع فيه الكلمات الفارسية التي دخلت إلى العربية، وقد أخذ على الكتاب أن فيه تعصباً على العرب، إذ رد ،من دون حق غالباً، كثيراً من الألفاظ العربية إلى أصول فارسية. ويظن أن غالب الكتاب مفقود إلا قطعة منه لا تزال مخطوطة في دار الكتب المصرية، ولحمزة كتب أخرى في موضوعات الأدب والبلاغة والدين، ربما تأتي في المرتبة الثانية بالقياس إلى ما سبق.
يعد حمزة الأصفهاني من أبرز مؤلفي القرن الرابع الهجري، وقد أفاد من مصنفاته التاريخية ابن الأثير وأبو الفداء والمؤرخ الفارسي حمد الله مستوفي قزويني في كتابه «تاريخ كُزيدَه» («التاريخ المنتخب») وعدّه دولتشاه في تذكرة الشعراء في مستوى الطبري، ولا شك أن ترجمة كتابه «تاريخ سني ملوك الأرض» إلى اللغات الأوربية، دليل على اهتمام الباحثين هناك بحمزة المؤرخ.
أما في مجال اللغة والأدب، فقد نعته الصاحب بن عباد بأنه «شيخ مقدم» وعده الثعالبي «من ظرفاء الأدباء»، وقرنه بالصاحب بن عباد نفسه، ووجده ياقوت «صاحب لغة ومعنياً بها»، وأفاد من أعماله في معجمه، كما أخذ منه السيوطي في «بغية الوعاة».
عد حمزة عند بعض من اطلع على أعماله شعوبياً، وحجتهم في ذلك نسبه الفارسي، واهتمامه بالكشف عن تاريخ الفرس وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وشعرائهم، ثم ميله الواضح لرد الألفاظ العربية إلى أصل فارسي، وأخيراً لآرائه الجريئة في الكتابة العربية، ولكن المدقق في أعماله يجد كثيراً من الشواهد التي تنفي عنه هذه الفرية، من ذلك أنه لما عرض تاريخ الساسانيين وعلاقتهم بالمناذرة، فإنه لم يعل من مقام أولئك، ولم يضع من مكانة هؤلاء، ورأى أن التأريخ الهجري أفضل بكثير من التأريخ الفارسي، لأن للأول مبدأ ثابت بينما كان لكل ملك فارسي تاريخ خاص به يبدأ من مبدأ حكمه، ولذلك وجد أن تاريخ الراشدين والأمويين والعباسيين يمتاز من غيره بالصحة والدقة ،وحمزة في مقام آخر يجل علماء اللغة العربية وأدباءها، كالفراهيدي والجاحظ، وينتصر لهم عند من يسعى للحط من أقدارهم، وأبدى كثيراً من الإجلال للرسول العربي محمد بن عبد الله r عندما كان يقلب الرأي في مسألة تحديد تاريخ مولده، وأعلن أنه كان من جملة دوافعه للإقدام على الكتابة في التصحيف، استعظامه لما يمكن أن يقع من الخطأ عند قراءة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ويعلل اهتمام حمزة بالتأليف في تاريخ الفرس وعاداتهم بأنه ذو أصل فارسي ولأنه كان يتقن اللغة الفارسية، وجماع القول في حمزة، كما أفاد بروكلمان، أنه على فارسيته، لم يعاد العرب بل أنصفهم وأعلى من قدرهم فلا يجوز أن يعد من الشعوبية.
مظهر شهاب
Hamzah al-Isfahani - Hamzah al-Isfahani
حمزة الأصفهاني
(نحو 280-351هـ/893-962م)
أبو عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني، لغوي وأديب ومؤرخ، فارسي النسب، لم يأت كتّاب السير الذين كتبوا عنه بالعربية أو الفارسية، بتفصيل واف عن حياته، وما نعرفه عنه مستمد من النبذ البالغة الإيجاز التي أوردها هؤلاء، ومن الإشارات العارضة المقتضبة التي جاءت في مؤلفاته، وكل ما نعلمه أنه ولد في أصفهان التي ينتسب إليها في تاريخ غير متفق عليه.
قضى حمزة معظم حياته في أصفهان ومات فيها، وامتهن مهنة أبيه في تعليم النشئ، فاشتهر بلقب المؤدب، ودعي أحياناً بالفقيه وحقق شهرة عند أبناء عصره فراسله العلماء والأدباء، ونعته الجهلة الحسدة من أبناء بلده «بائع الهذيان» لنشاطه الجم في التأليف.
زار حمزة بغداد مرات عدة، فكان غالب من درس حمزة عليهم من العلماء من سكان بغداد، وكان بعضهم من أبناء بلده، وكان هؤلاء من ذوي الاختصاص باللغة والحديث والأنساب والتاريخ، كما كانت له قراءات في الفلسفة والعلوم والفنون والطب.
ترك حمزة تراثاً غزيراً، وغنياً ومتنوعاً في اللغة والتاريخ، وأهم آثاره في التاريخ «تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء عليهم الصلاة والسلام» تحدث حمزة فيه عن ملوك الفرس والروم واليونان، والقبط والإسرائيليين ولخم (المناذرة) وغسان وحمير وكندة وفي آخر الأبواب عن ملوك عرب قريش (الراشدين، والأمويين، والعباسيين حتى أيامه)، وجعل من أبرز أهدافه في الكتاب تحديد تاريخ بدء حكم هؤلاء الملوك ونهايته، طبع الكتاب طبعات عديدة في أوربة والهند وأخيراً في بيروت، وترجم إلى الألمانية والإنكليزية كما ترجم الباب العاشر منه إلى اللاتينية. وله أيضاً كتاب آخر في التاريخ تحدث فيه عن تاريخ مدينته « تاريخ أصفهان وأخبارها»، والكتاب مفقود وقد نقل عنه كثيرون، ولحمزة باع طويل في التصنيف في مجال اللغة، وله في ميدان الأدب كتاب «ديوان أبي نواس» جمع مادته في رحلته إلى بغداد عام 326هـ/937م. ويفهم من مقدمة الكتاب أنه ألف ليقدم إلى عماد الدولة بن بويه حاكم أصفهان، ويضم الديوان ما يزيد على ثلاثة عشر ألف بيت، ويرى بروكلمان أن ديوان أبي نواس برواية حمزة الأصفهاني،على غزارة مادته يحتوي على كثير من الشعر المنحول أو المشكوك فيه، وللديوان عدة طبعات.
ومن كتب حمزة الأدبية كتاب «الأمثال على وزن أفعل» وللكتاب مقدمة طويلة بيَّن فيها حمزة أنه زاد على من سبقه في هذا الباب حتى بلغ ما يزيد على ألف وثمانمئة مَثَل.
ومن أهم ما صنف حمزة في مجال اللغة كتاب «التنبيه على حدوث التصحيف» الذي أراد به، كما جاء في مقدمة الكتاب، الحديث عن ظاهرة مهمة في الكتابة العربية، تبدو فيما يقع في الكتاب من أخطاء بسبب قراءة كلمة وردت في صحيفة، ويكون الخطأ ناجماً عن تبديل حرف بآخر في هذه الكلمة لتشابه الحرفين في الرسم واختلافهما بعدد النقط، وبمواضع هذه النقط فوق الحرف أو تحته، ودعي هذا الخطأ تصحيفاً، وبعد أن أورد نماذج من التصحيف بين خطورة هذه الظاهرة لما ينجم عنها من تغيير للمعنى المقصود، وتبدو المسألة في نظره أكثر خطورة عندما يقع التصحيف في قراءة بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، واتبع حمزة بعد ذلك الحديث عن بعض خصائص اللغة العربية التي تعين على كشف التصحيف والعدول عنه إلى الصواب، وقاده خوضه في موضوعات التصحيف إلى أبحاث مزج فيها بين الأدب وعلوم اللغة صرفاً ونحواً.
ولحمزة كتاب آخر دعاه «الموازنة بين العربية والفارسية» تتبع فيه الكلمات الفارسية التي دخلت إلى العربية، وقد أخذ على الكتاب أن فيه تعصباً على العرب، إذ رد ،من دون حق غالباً، كثيراً من الألفاظ العربية إلى أصول فارسية. ويظن أن غالب الكتاب مفقود إلا قطعة منه لا تزال مخطوطة في دار الكتب المصرية، ولحمزة كتب أخرى في موضوعات الأدب والبلاغة والدين، ربما تأتي في المرتبة الثانية بالقياس إلى ما سبق.
يعد حمزة الأصفهاني من أبرز مؤلفي القرن الرابع الهجري، وقد أفاد من مصنفاته التاريخية ابن الأثير وأبو الفداء والمؤرخ الفارسي حمد الله مستوفي قزويني في كتابه «تاريخ كُزيدَه» («التاريخ المنتخب») وعدّه دولتشاه في تذكرة الشعراء في مستوى الطبري، ولا شك أن ترجمة كتابه «تاريخ سني ملوك الأرض» إلى اللغات الأوربية، دليل على اهتمام الباحثين هناك بحمزة المؤرخ.
أما في مجال اللغة والأدب، فقد نعته الصاحب بن عباد بأنه «شيخ مقدم» وعده الثعالبي «من ظرفاء الأدباء»، وقرنه بالصاحب بن عباد نفسه، ووجده ياقوت «صاحب لغة ومعنياً بها»، وأفاد من أعماله في معجمه، كما أخذ منه السيوطي في «بغية الوعاة».
عد حمزة عند بعض من اطلع على أعماله شعوبياً، وحجتهم في ذلك نسبه الفارسي، واهتمامه بالكشف عن تاريخ الفرس وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وشعرائهم، ثم ميله الواضح لرد الألفاظ العربية إلى أصل فارسي، وأخيراً لآرائه الجريئة في الكتابة العربية، ولكن المدقق في أعماله يجد كثيراً من الشواهد التي تنفي عنه هذه الفرية، من ذلك أنه لما عرض تاريخ الساسانيين وعلاقتهم بالمناذرة، فإنه لم يعل من مقام أولئك، ولم يضع من مكانة هؤلاء، ورأى أن التأريخ الهجري أفضل بكثير من التأريخ الفارسي، لأن للأول مبدأ ثابت بينما كان لكل ملك فارسي تاريخ خاص به يبدأ من مبدأ حكمه، ولذلك وجد أن تاريخ الراشدين والأمويين والعباسيين يمتاز من غيره بالصحة والدقة ،وحمزة في مقام آخر يجل علماء اللغة العربية وأدباءها، كالفراهيدي والجاحظ، وينتصر لهم عند من يسعى للحط من أقدارهم، وأبدى كثيراً من الإجلال للرسول العربي محمد بن عبد الله r عندما كان يقلب الرأي في مسألة تحديد تاريخ مولده، وأعلن أنه كان من جملة دوافعه للإقدام على الكتابة في التصحيف، استعظامه لما يمكن أن يقع من الخطأ عند قراءة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ويعلل اهتمام حمزة بالتأليف في تاريخ الفرس وعاداتهم بأنه ذو أصل فارسي ولأنه كان يتقن اللغة الفارسية، وجماع القول في حمزة، كما أفاد بروكلمان، أنه على فارسيته، لم يعاد العرب بل أنصفهم وأعلى من قدرهم فلا يجوز أن يعد من الشعوبية.
مظهر شهاب