ارهاب دولي
International terrorism - Terrorisme international
الإِرهاب الدولي
الإِرهاب الدولي International Terrorism ظاهرة أصبحت حديثاً محور اهتمام المنظمات الدولية والدول والأفراد. وحينما أشاعت القوى الاستعمارية والعنصرية والصهيونية وقوى أخرى هذا المصطلح «الإِرهاب الدولي», أو تحدثت عنه في سياساتها ومواقفها, خلطت فيه الإِرهاب الإِجرامي بنضال الشعوب في سبيل تقرير مصيرها, وكفاح الجماعات ضد الظلم الاجتماعي.
وقد أحدث هذا الخلط المقصود تشويشاً في منهجية معالجة شؤون الإِرهاب الدولي, بتعاريفه ومفاهيمه ومنظماته وعملياته والأسباب الكامنة وراءه والتدابير لمكافحته.
تعريف الإِرهاب الدولي ومفهومه
لا تعريف لـ «الإِرهاب الدولي» متفقاً عليه, سواء في القانون الدولي أو في تعامل المنظمات الدولية. وثمة أكثر من دولة أو جهة صاغت تعريفاً يعبّر عن وجهة نظرها. حتى إِن بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية تتبنى أكثر من تعريف واحد في الوقت نفسه خدمة لأغراضها السياسية. غير أن سمات وأوصافاً وُسِمت بها الأعمال الإِرهابية, وأفكاراً أحاطت بمفهوم الإِرهاب الدولي, يمكن, انطلاقاً منها, تلمس بعض الملامح المميّزة لمصطلح «الإِرهاب الدولي».
ولم تتفق الموسوعات والمعجمات الأجنبية أيضاً على تعريف «الإِرهاب الدولي» وإِن تحدثت عن بعض ملامحه. ويشير شميدت في آخر مؤلف له عن «الإِرهاب السياسي» إِلى أنه عثر حتى عام 1938 على 109 تعريفات تتفاوت تفاوتاً كبيراً فيما بينها.
وحينما بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحث موضوع الإِرهاب الدولي, بوساطة «اللجنة المخصصة المعنية بالإِرهاب الدولي», اصطدمت بخلافات عميقة بشأن تعريف «الإِرهاب الدولي», ثم اقتنعت بأنه لا يمكن الاتفاق على تعريف يوفّق بين مختلف وجهات النظر الكثيرة. والعلة في ذلك, أنه وراء هذه الظاهرة, ظاهرة الإِرهاب الدولي, تكمن مفاهيم سياسية واجتماعية وقانونية وأيديولوجية متضاربة.
وفي أثناء مناقشات اللجنة, عرضت بعض الدول تعريفاً للإِرهاب الدولي, فذكرت أنه مجموعة الأعمال التي تدينها جميع الدول, أيّا كانت مشاعرها تجاه القضية التي يدّعي مرتكبو هذه الأعمال أنّهم يناصرونها. واستناداً إِلى هذا التعريف, طلبت هذه الدول من حركات التحرير الوطني أن تعدّل سلوكها حتى لا تقرن بالجماعات الإِجرامية أو الإِرهابية التي تسعى إِلى ربط نفسها بهذه الحركات, بوجه ما, بغية تحسين صورتها.
وعرّفت دول أخرى الإِرهاب الدولي بأنه أي عمل من أعمال العنف يتهدد الأرواح البشرية البريئة بالخطر, أو يقضي عليها, أو يتهدد بالخطر حرياتها الأساسيّة, ويؤثر في غير دولة واحدة, ويهدف, بوصفه وسيلة من وسائل الضغط, إِلى تحقيق غاية محدّدة سياسية أو أيديولوجية أساساً.
وحينما عقدت دول أوربة الغربية الأعضاء في المجلس الأوربي «الاتفاقية الأوربية لمكافحة الإِرهاب - 1977», لم تعرّف الإِرهاب, واكتفت بسرد أعمال محدّدة, هي, في نظرها, أعمال من الإِرهاب الدولي واهتمت بموضوع تبادل مرتكبي هذه الأعمال. وفي عدد تشرين الأول 1984 من المجلة العسكرية الأمريكية تعريف للإِرهاب بأنه «الاستخدام غير القانوني للقوة أو العنف, أو التهديد بهما, من منظمة ثورية ضدّ الأفراد أو الممتلكات, مع نيّة إِكراه الحكومات أو المجتمعات, لتحقيق أغراض, هي, غالباً, أيديولوجية». وأسهمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تعريف «الإِرهاب الدولي», فقالت إِنه العمل العنفي الذي يرتكبه أجنبي في دولة ما, أو العمل العنفي الموجّه ضدّ شخص أجنبي في بلد المجرم وبذلك يُخرج هذا التعريف من إِطاره الأعمال العنفية التي يرتكبها مواطنو دولة ما في الدولة نفسها.
وثمة خلاف جوهري حول مفهوم الإِرهاب الدولي, يكمن في جانبه السياسي. فكثيراً ما يكون للعمل الواحد تفسيران على الأقل. فهو, بحسب أحد التفسيرين, حالة من حالات الإِرهاب تجب إِدانته ومكافحته على أنه جريمة, وهو, في الوقت نفسه, وبحسب التفسير الآخر, شكل من أشكال المعارضة السياسية والكفاح من أجل حقوق الإِنسان, أو الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعوب والأفراد, أو حق تقرير المصير, حتى أصبح دارجاً القول إِن من هو إِرهابي في نظر أحدهم هو مناضل من أجل الحرية في نظر الآخرين.
وعلى هذا فإِن التعاون الدولي لقمع الإِرهاب لا يمكن أن تترسخ أسسه, إِلا إِذا توافقت الدول على تعريف الإِرهاب الدولي, وتحديد مفهومه, ورصد الأسباب والدوافع إِليه, ومعالجتها, وإِزالتها. وهذا هو الجانب السياسي من الإِرهاب الدولي, وهو جانب يؤلف محور الخلاف الذي يصعب تجاوزه أو التغاضي عنه في إِطار النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي العالمي الراهن.
ويمكن تحديد سمات العمل الإِرهابي بأنه عمل عنيف, يعرّض الأرواح والممتلكات للخطر, أو يهدّد بتعريضها له, وهو موجه إِلى أفراد أو مؤسسات أو مصالح تابعة لدولة ما, ويقوم به أفراد (أو جماعات) مستقلون أو مدعومون من دولة ما, وقصده تحقيق أهداف سياسية.
وتؤلف السمة الأخيرة, أي الهدف, المشكلة المحورية لمفهوم العمل الإِرهابي. ذلك أن تحديد شرعية العمل الإِرهابي أو عدم شرعيته, أي كونه حقاً أو باطلاً, يرتبط بكون الهدف السياسي نفسه مشروعاً أو غير مشروع, فإِن كان مشروعاً, سقطت صفة «الإِرهاب» بمعناها الإِجرامي عن العمليات العنيفة التي تقوم بها الجماعات الممارسة لها, مثل حركات التحرير الوطني, أو الجماعات المناضلة ضدّ الاستعمار والاحتلال والسيطرة والعنصريّة والصهيونية والظلم الاجتماعي.
ومصطلح «الإِرهاب الدولي» يقبل تفسيرات متنوعة, تختلف باختلاف المفاهيم الفلسفية السياسية والاجتماعية. وهو مصطلح أوجدته واستعملته دول الاستعمار والاحتلال والعنصريّة والقهر في وصف المقاومين لسياساتها, كما استعملته أنظمة الحكم الدكتاتوريّة لتجريح خصومها والنيل من سمعتهم.
إِن حصيلة مجموعة القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة, بجمعيتها العامة ومنظماتها ولجانها المتخصصة, تحدد مفهوم الإِرهاب الدولي بتلك الأعمال التي «تعرض للخطر أرواحاً بشرية بريئة, أو تودي بها, أو تهدّد الحريات الأساسية, أو تنتهك كرامة الإِنسان», وتصف الإِرهاب بأنه «بلاء إِجرامي», وتشير بوضوح إِلى «الإِرهاب الرسمي» الذي تمارسه دول, حين حددت حالات معينة يولد فيها أو من جرائها, الإِرهاب الدولي. وهذه الحالات هي: «الاستعمار, والعنصرية, والحالات التي تنطوي على انتهاكات كثيرة وصارخة لحقوق الإِنسان والحريات الإِنسانية, والحالات التي يوجد فيها احتلال أجنبي». وهي حالات لا تنشئها أو تسبب نشوءها, أو توفر الظروف والعوامل لنشوئها, إِلا الدول, لهذا فإِنها تندرج في فئة «الإِرهاب الرسمي» أو «إِرهاب الدولة».
نشأته وأسبابه وتطوره
الإِرهاب, عامة, ظاهرة من ظواهر الاضطراب السياسي في العصر الحديث مع أنه عرف أكبر أشكاله قديماً في المدة بين عامي 66-74م على يد عصابة يهودية في فلسطين عُرفت باسم «السيكاري» Siccari. وهو, بوصفه تعبيراً وممارسة, قد ظهر بصورة أوضح من ذي قبل, منذ نحو قرنين, حين برز فكراً وواقعاً, في العام 1793.ففي العهد الذي يطلق عليه في فرنسة «عهد الرهبة» (من 10/3/1793 إِلى 27/7/1794) أي في أثناء الثورة الفرنسية, مارس زعماء ذلك العهد, وفي مقدمتهم روبسبيير, وسان جوست, ودانتون, العنف السياسي على أوسع نطاق. فقد قطع هؤلاء, بالمقصلة, رؤوس أربعين ألفاً من الفرنسيين الذين كانوا يعدّون, يومئذ, 27 مليون نسمة, أما المعتقلون فقد بلغ عددهم نحو 300 ألف إِنسان.
وكاد السناتور جوزيف مكارثي يصبح «روبسبيير القرن العشرين» (1950-1954) في الولايات المتحدة الأمريكية. إِلا أنه اتهاماته بالخيانة للألوف لم تصل إِلى حدّ قطع الرؤوس.
والإِرهاب المعاصر ظاهرة أوربية المنشأ, وقد دشنت الثورة الفرنسية (1789) الإِرهاب بمفهومه الحديث, ومارسته «باسم الشعب, ودفاعاً عن الشعب, وتولت أمره لجان منبثقة من الشعب».