حلب (جغرافيه)
Aleppo - Alep
حلب
تقع أراضي محافظة حلب شمالي سورية، بمواجهة الأراضي التركية، بين أطراف سفوح جبال طوروس شمالاً، وتخوم البادية عند هضبتي حمص وشبيت جنوباً. وبين سهول وادي الفرات شرقاً، وسهول غور الانهدام غرباً. شاغلة بذلك مساحة 15856كم2.
وتتنوع بنية وأشكال هذه الأراضي مابين جبال التوائية وانكسارية، وهضاب وسهول حتية متموجة، وما يرافق ذلك من نجود وصدوع ووهدات انهدامية وبعض الغطاءات البازلتية.
ففي الزاوية الشمالية الغربية يرتفع جبل الكرد، وهو امتداد لجبال طوروس التركية، ليصل في قمة دامر البازلتية قرب بلدة بلبل إلى أعلى نقاطه (1200م). وتغطي أحراج السنديان والصنوبر والبلوط معظم سفوحه العالية، بينما تنتشر مزارع الزيتون والعنب والكرز واللوز والرمان في سفوحه المنخفضة وفي وهداته.
ومقابل جبل الكرد شرقاً، تمتد كتلة جبل سمعان التي يبلغ أعلى ارتفاع لها في قمة الشيخ بركات (870م) ذات النواة البازلتية. وتطل هذه الكتلة بانحدارات شديدة على وهدة العمق غرباً، بينما تنحدر بلطف باتجاه الداخل جنوباً وشرقاً لتندمج مع منطقة الهضاب الداخلية الممتدة حتى تخوم البادية وأطراف سهول الفرات عند بلدة مسكنة، والتي تضم كلاً من هضبة حلب الكلسية وهضبتي الحص وشبيت البازلتية، والوهدات المنخفضة السهبية التي تلامس أطراف البادية، فتتوسطها سباخ المطخ والحرايج ومراغة ومملحة الجبول، وقد تقلصت مساحاتها فهبط إنتاج المملحة إلى الربع تقريباً، وجف بعض السباخ وتحول إلى أراضٍ زراعية ورعوية.
وتُعرف منطقة الهضاب هذه، لصلاح تربتها لزراعة الحبوب، بسهول القمح، ونتيجة لسيادة المناخ المتوسطي المعتدل الدافئ على معظم أجزائه، ولما يفرضه من فروق في كميات الأمطار ودرجات الحرارة الفصلية بين أطرافها الشمالية والجنوبية، ثم لتنوع التربة واختلاف غناها، وتأثير كل ذلك على شكل استثمار الأرض وزراعتها، تقسم إلى قسمين: الأول شبه رطب وأمطاره أكثر من 350مم في السنة، وتزداد حتى 800مم، ويمتد إلى الشمال من حلب بشكل هلال حول عفرين وأعزاز وجرابلس وعين العرب، وتسود فيه التربة الحمراء الغنية فينعدم فيه البور، وتنجح زراعة أشجار البحر المتوسط. أما الثاني ويقع إلى الشرق والجنوب من الأول حول حلب ومنبج والباب، ويمتد حتى أطراف البادية. فهو شبه جاف وأمطاره دون 350مم في السنة، وتنخفض حتى 200مم، والتربة فيه صفراء فقيرة، فيفرض البور نفسه كل عامين تقريباً، ويصبح السقي ضرورياً لنجاح المزروعات الصيفية كالقطن والأشجار المثمرة والخضار، وتلبي مياه سد الفرات حالياً حاجة مساحات واسعة من هذا الجزء لمياه السقي.
أخيراً يخترق وادي الفرات الأطراف الشمالية من أراضي المحافظة، بدءاً من جرابلس حتى مسكنة بمسافة 65كم. ويختلف عرض هذا الوادي وما يحويه من سهول لحقية، فبينما يكون على شكل خانق كما في موقع يوسف باشا، يعرض في أماكن أخرى، وتتسع سهوله الجانبية الصالحة لزراعة الحبوب بشكل عام والأشجار المثمرة والخضار عندما تتوافر مياه السقي للعالي منها، كما حصل في حوض غربي مسكنة الذي وصل استجرار مياه الفرات للسقي فيه حتى أطراف مملحة الجبول.
تعاني المحافظة من قلة المياه الجارية والينابيع الدائمة. وقد كانت مياه نهر قويق مع بعض روافد الفرات والعاصي تؤمن كل ما تحتاج إليه من مياه لمختلف الاستعمالات، إلا أن حبس الأتراك لمياه قويق بالكامل وللقسم الأكبر من المياه الأخرى، جعل من مسألة توافر الماء الذي يزداد الطلب عليه عاماً بعد آخر من أهم المشكلات. وقد جاءت مشروعات إيصال مياه الفرات للشرب والري مع بعض مشروعات السدود المحلية الصغيرة، كسد الشهباء على مجرى قويق السيلي، وسد راجو على نهر عفرين، لتعالج جوانب هذه المشكلة وتحد من آثارها السلبية.
بحسب تقديرات منتصف عام 2002 بلغ عدد سكان محافظة حلب إلى ما يقرب من 3.861 مليون نسمة، يقطن منهم أكثر من مليوني نسمة في مدينة حلب، ويتوزع الباقي على مدن وأرياف مناطقها الإدارية الثماني: جبل سمعان وأعزاز والباب وجرابلس والسفيرة وعفرين وعين العرب ومنبج.
ويعمل غالبية سكان هذه المناطق بالزراعة، وهم إلى جانب ارتباطهم بمدينة حلب التي يصرفون فيها الفائض من إنتاجهم، يؤمنون منها احتياجاتهم مرتبطون بأرضهم. ويحسنون التعامل معها بأحدث الطرق، مستخدمين أحدث الوسائل لزراعة الحبوب وخاصة القمح، ثم البقول والخضراوات والبطيخ والقطن الذي بقوا متصدرين كل المحافظات بزراعته قبل أن تنتقل إلى مناطقها الجديدة. إضافة للزراعة الواسعة والقديمة لأشجار الزيتون والمشمش والكرز والفستق الحلبي والجوز واللوز والعنب والتين، التي تعد من الزراعات الأساسية وذات إنتاج متميز كماً ونوعاً.
وإلى جانب العمل الزراعي يقوم السكان بتربية الحيوانات بشكل واسع ومتطور. فإلى جانب ما أقامته الدولة من مداجن ومحطات ضخمة لتربية الأبقار المستوردة، أسهم القطاع الخاص بإقامة كثير من المداجن وحظائر الأبقار الخاصة.
وتعمل قلة من أبناء هذه المناطق في بعض الصناعات اليدوية التقليدية، وخاصة صناعة مشتقات الألبان ودبس العنب وتجفيف التبغ وعصر الزيتون وصناعة الفحم النباتي، إلى جانب مهنة استقبال المصطافين والسواح في مصايف ومتنزهات كفر جنة وشلالات ميدانكي، وفي الأماكن الأثرية المنتشرة في كل أنحاء المحافظة.
أما مدينة حلب، المركز الإداري للمحافظة، فهي من أقدم مدن العالم، وقد عُرفت بهذا الاسم منذ نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد، تاريخها حافل، يشهد عليه كثرة ما فيها من المباني والمواقع الأثرية التي تمثل أوجه تاريخها الحقيقي، وفي مقدمتها القلعة الشهيرة بواجهتها وبأبراج مداخلها المطلة على كل أطراف المدينة.
وتحتل حلب حالياً، بعدد سكانها، وبالدور الاقتصادي والاجتماعي المميز الذي تشغله بواقعها الصناعي والتجاري والعلمي والعمراني، ضمن مجموعة المدن الكبرى في سورية، المركز الثاني بعد دمشق. مما دعا البعض لتسميتها بعاصمة الشمال إشارة إلى دورها القيادي المتواصل بالنسبة للأجزاء الشمالية من البلاد.
وعلى ارتفاع 380م عن سطح البحر، تتوسط مدينة حلب السهول الهضبية المتموجة المسماة باسمها. مناخها جاف ولكنه صحي، وكمية أمطارها متوسطة لا تزيد على 320مم في السنة، ومياهها الطبيعية التي كانت على الرغم من كمياتها المحدودة تغطي احتياجاتها، أصبحت بعد حجب الأتراك لمياه نهر قويق المار بها عاجزة عن ذلك، إلا أن إيصال مياه الفرات إليها مكّنها من تدارك هذا العجز، ومن استعادة الكثير مما فقدته في مجال المساحة الخضراء والأنشطة الزراعية فيها.
تدين حلب لموقعها الجغرافي بجزء كبير مما مرت به على مر العصور من فترات ازدهار، كالفترة الأموية والفترة الحمدانية التاريخية والفترة الوطنية الحالية، من مراتب اقتصادية وعمرانية هامة بين المدن السورية لموقعها الجغرافي عند ملتقى الطرق التجارية العالمية التي تربط أطراف قارات العالم القديم آسيا وإفريقيا وأوربا ببعضها، براً عبر القسطنطينية وبحراً عبر موانئ البحر المتوسط. ففي هذا الموقع المتوسط كانت تلتقي قوافل التجارة بين العراق وإيران والهند شرقاً، وآسيا الصغرى شمالاً، وأوربا غرباً، ومصر والجزيرة العربية جنوباً. لذلك تراجعت أهمية حلب التجارية المستمدة من هذا الموقع عندما رُسمت الحدود السياسية للمنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، وفُصلت المدينة عن مجالاتها في الأناضول والعراق، ثم عندما اقتطع لواء إسكندرونة بوابتها الأساسية على المتوسط، فخيم عليها ركود اقتصادي لم تتخطاه إلا مع بداية المرحلة الوطنية بعد الاستقلال، حين استطاعت أن تعوض ما نتج عن تقلص دور موقعها، والتوجه نحو مناطق البادية والجزيرة لتصبح سوقاً تجارية لمنتجاتهما الزراعية والحيوانية، وممولاً لزراعة القمح والقطن الحديثة والواسعة في الجزيرة. وتعزز ذلك بإنشاء مرفأ اللاذقية وربطه بها بخط حديدي وبطريق دولي للسيارات، ليكون البديل لمنفذها التجاري الذي فقدته. وهكذا عادت حلب لتصبح أهم مركز لتجارة الحبوب والقطن في سورية بل في منطقة شرق المتوسط، ولتستأنف تقدمها في الميادين الاقتصادية الأخرى، وخاصة الصناعي منها، والتي كانت بالأساس من أهم دعائم اقتصادها إذ تركزت فيها مصانع عديدة للغزل والنسيج الحريري والقطني، كما نشأت فيها معامل كثيرة للإسمنت والزيوت والصابون إضافة للمحالج والمطاحن والمدابغ للجلود ومصانع المضخات ومحركاتها، والكابلات المعدنية وتركيب هياكل السيارات وسكب الأدوات المعدنية ومصانع السجاد الآلي والملابس الجاهزة.
وإلى جانب هذه الصناعات الحديثة، احتفظت حلب ببعض صناعاتها الحرفية التي اشتهرت بها، وبلغت اليد العاملة فيها درجة كبيرة من المهارة كصناعة صياغة الذهب والفضة والصناعات النحاسية التي استمرت في أسواقها الخاصة القديمة، سوق الصاغة وسوق النحاسين. كذلك صناعة البسط وخيام الشعر والألبسة العربية، وخاصة العباءات المقصبة المرغوبة في كثير من البلدان العربية.
ومع التوسع الكبير الذي شهدته المدينة، وتطور نمط البناء فيها، فقد انقسمت من الناحية العمرانية إلى قسمين، القديم والحديث، والاختلاف بينهما واضح في الشكل والمضمون، فالقديم يحتل الجزء المنخفض الذي يتوسط المدينة، ويعكس بما يضم من معالم الطابع التاريخي لها، أكثر الأبنية فيه مبنية بالحجارة الحلبية المشهورة بلونها الأشهب، الذي يُنسب إليه، كما يروى اسم حلب الشهباء.
وإضافة إلى الأسواق المغطاة الشبيهة بأسواق دمشق القديمة، التي تعطي فكرة كاملة عن واقع الحياة الاقتصادية وأسواقها في القرون الوسطى، يضم هذا القسم القديم كلاً من الأحياء التالية: الكلاسة وباب النيرب والمشارقة وقسطل الحجارين والسويقة. وجميعها تشترك بشكل أزقتها الضيقة وبيوتها المتلاصقة ذات الشرفات المستورة والواجهات الخشبية التي تتم الإطلالة منها على الخارج عبر نوافذ صغيرة.
أما القسم الحديث فيضم الأحياء الجديدة التي انتشرت خارج ما تبقى من أسوار القسم القديم في الأطراف المرتفعة من الهضبة الحلبية، وعلى جوانب الطرق الرئيسية التي تربط حلب بالمحافظات الأخرى. وتتميز هذه الأحياء بشوارعها العريضة المتقاطعة وبحدائقها الجميلة الواسعة كحديقة السبيل وحديقة المنشية، ثم الحديقة العامة التي تعد من أوسع وأجمل حدائق المدن في سورية، وبصروحها ومبانيها العلمية الحديثة الضخمة التي تضم فروع جامعة حلب العديدة والمكتبة الوطنية والمتحف. ويرد في مقدمة هذه الأحياء الجديدة كل من العزيزية والسليمانية والجميلية والسبيل وقصر المحافظة والشهباء وحلب الجديدة.
محمود رمزي
Aleppo - Alep
حلب
وتتنوع بنية وأشكال هذه الأراضي مابين جبال التوائية وانكسارية، وهضاب وسهول حتية متموجة، وما يرافق ذلك من نجود وصدوع ووهدات انهدامية وبعض الغطاءات البازلتية.
ففي الزاوية الشمالية الغربية يرتفع جبل الكرد، وهو امتداد لجبال طوروس التركية، ليصل في قمة دامر البازلتية قرب بلدة بلبل إلى أعلى نقاطه (1200م). وتغطي أحراج السنديان والصنوبر والبلوط معظم سفوحه العالية، بينما تنتشر مزارع الزيتون والعنب والكرز واللوز والرمان في سفوحه المنخفضة وفي وهداته.
ومقابل جبل الكرد شرقاً، تمتد كتلة جبل سمعان التي يبلغ أعلى ارتفاع لها في قمة الشيخ بركات (870م) ذات النواة البازلتية. وتطل هذه الكتلة بانحدارات شديدة على وهدة العمق غرباً، بينما تنحدر بلطف باتجاه الداخل جنوباً وشرقاً لتندمج مع منطقة الهضاب الداخلية الممتدة حتى تخوم البادية وأطراف سهول الفرات عند بلدة مسكنة، والتي تضم كلاً من هضبة حلب الكلسية وهضبتي الحص وشبيت البازلتية، والوهدات المنخفضة السهبية التي تلامس أطراف البادية، فتتوسطها سباخ المطخ والحرايج ومراغة ومملحة الجبول، وقد تقلصت مساحاتها فهبط إنتاج المملحة إلى الربع تقريباً، وجف بعض السباخ وتحول إلى أراضٍ زراعية ورعوية.
وتُعرف منطقة الهضاب هذه، لصلاح تربتها لزراعة الحبوب، بسهول القمح، ونتيجة لسيادة المناخ المتوسطي المعتدل الدافئ على معظم أجزائه، ولما يفرضه من فروق في كميات الأمطار ودرجات الحرارة الفصلية بين أطرافها الشمالية والجنوبية، ثم لتنوع التربة واختلاف غناها، وتأثير كل ذلك على شكل استثمار الأرض وزراعتها، تقسم إلى قسمين: الأول شبه رطب وأمطاره أكثر من 350مم في السنة، وتزداد حتى 800مم، ويمتد إلى الشمال من حلب بشكل هلال حول عفرين وأعزاز وجرابلس وعين العرب، وتسود فيه التربة الحمراء الغنية فينعدم فيه البور، وتنجح زراعة أشجار البحر المتوسط. أما الثاني ويقع إلى الشرق والجنوب من الأول حول حلب ومنبج والباب، ويمتد حتى أطراف البادية. فهو شبه جاف وأمطاره دون 350مم في السنة، وتنخفض حتى 200مم، والتربة فيه صفراء فقيرة، فيفرض البور نفسه كل عامين تقريباً، ويصبح السقي ضرورياً لنجاح المزروعات الصيفية كالقطن والأشجار المثمرة والخضار، وتلبي مياه سد الفرات حالياً حاجة مساحات واسعة من هذا الجزء لمياه السقي.
أخيراً يخترق وادي الفرات الأطراف الشمالية من أراضي المحافظة، بدءاً من جرابلس حتى مسكنة بمسافة 65كم. ويختلف عرض هذا الوادي وما يحويه من سهول لحقية، فبينما يكون على شكل خانق كما في موقع يوسف باشا، يعرض في أماكن أخرى، وتتسع سهوله الجانبية الصالحة لزراعة الحبوب بشكل عام والأشجار المثمرة والخضار عندما تتوافر مياه السقي للعالي منها، كما حصل في حوض غربي مسكنة الذي وصل استجرار مياه الفرات للسقي فيه حتى أطراف مملحة الجبول.
تعاني المحافظة من قلة المياه الجارية والينابيع الدائمة. وقد كانت مياه نهر قويق مع بعض روافد الفرات والعاصي تؤمن كل ما تحتاج إليه من مياه لمختلف الاستعمالات، إلا أن حبس الأتراك لمياه قويق بالكامل وللقسم الأكبر من المياه الأخرى، جعل من مسألة توافر الماء الذي يزداد الطلب عليه عاماً بعد آخر من أهم المشكلات. وقد جاءت مشروعات إيصال مياه الفرات للشرب والري مع بعض مشروعات السدود المحلية الصغيرة، كسد الشهباء على مجرى قويق السيلي، وسد راجو على نهر عفرين، لتعالج جوانب هذه المشكلة وتحد من آثارها السلبية.
بحسب تقديرات منتصف عام 2002 بلغ عدد سكان محافظة حلب إلى ما يقرب من 3.861 مليون نسمة، يقطن منهم أكثر من مليوني نسمة في مدينة حلب، ويتوزع الباقي على مدن وأرياف مناطقها الإدارية الثماني: جبل سمعان وأعزاز والباب وجرابلس والسفيرة وعفرين وعين العرب ومنبج.
ويعمل غالبية سكان هذه المناطق بالزراعة، وهم إلى جانب ارتباطهم بمدينة حلب التي يصرفون فيها الفائض من إنتاجهم، يؤمنون منها احتياجاتهم مرتبطون بأرضهم. ويحسنون التعامل معها بأحدث الطرق، مستخدمين أحدث الوسائل لزراعة الحبوب وخاصة القمح، ثم البقول والخضراوات والبطيخ والقطن الذي بقوا متصدرين كل المحافظات بزراعته قبل أن تنتقل إلى مناطقها الجديدة. إضافة للزراعة الواسعة والقديمة لأشجار الزيتون والمشمش والكرز والفستق الحلبي والجوز واللوز والعنب والتين، التي تعد من الزراعات الأساسية وذات إنتاج متميز كماً ونوعاً.
وإلى جانب العمل الزراعي يقوم السكان بتربية الحيوانات بشكل واسع ومتطور. فإلى جانب ما أقامته الدولة من مداجن ومحطات ضخمة لتربية الأبقار المستوردة، أسهم القطاع الخاص بإقامة كثير من المداجن وحظائر الأبقار الخاصة.
وتعمل قلة من أبناء هذه المناطق في بعض الصناعات اليدوية التقليدية، وخاصة صناعة مشتقات الألبان ودبس العنب وتجفيف التبغ وعصر الزيتون وصناعة الفحم النباتي، إلى جانب مهنة استقبال المصطافين والسواح في مصايف ومتنزهات كفر جنة وشلالات ميدانكي، وفي الأماكن الأثرية المنتشرة في كل أنحاء المحافظة.
وتحتل حلب حالياً، بعدد سكانها، وبالدور الاقتصادي والاجتماعي المميز الذي تشغله بواقعها الصناعي والتجاري والعلمي والعمراني، ضمن مجموعة المدن الكبرى في سورية، المركز الثاني بعد دمشق. مما دعا البعض لتسميتها بعاصمة الشمال إشارة إلى دورها القيادي المتواصل بالنسبة للأجزاء الشمالية من البلاد.
وعلى ارتفاع 380م عن سطح البحر، تتوسط مدينة حلب السهول الهضبية المتموجة المسماة باسمها. مناخها جاف ولكنه صحي، وكمية أمطارها متوسطة لا تزيد على 320مم في السنة، ومياهها الطبيعية التي كانت على الرغم من كمياتها المحدودة تغطي احتياجاتها، أصبحت بعد حجب الأتراك لمياه نهر قويق المار بها عاجزة عن ذلك، إلا أن إيصال مياه الفرات إليها مكّنها من تدارك هذا العجز، ومن استعادة الكثير مما فقدته في مجال المساحة الخضراء والأنشطة الزراعية فيها.
تدين حلب لموقعها الجغرافي بجزء كبير مما مرت به على مر العصور من فترات ازدهار، كالفترة الأموية والفترة الحمدانية التاريخية والفترة الوطنية الحالية، من مراتب اقتصادية وعمرانية هامة بين المدن السورية لموقعها الجغرافي عند ملتقى الطرق التجارية العالمية التي تربط أطراف قارات العالم القديم آسيا وإفريقيا وأوربا ببعضها، براً عبر القسطنطينية وبحراً عبر موانئ البحر المتوسط. ففي هذا الموقع المتوسط كانت تلتقي قوافل التجارة بين العراق وإيران والهند شرقاً، وآسيا الصغرى شمالاً، وأوربا غرباً، ومصر والجزيرة العربية جنوباً. لذلك تراجعت أهمية حلب التجارية المستمدة من هذا الموقع عندما رُسمت الحدود السياسية للمنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، وفُصلت المدينة عن مجالاتها في الأناضول والعراق، ثم عندما اقتطع لواء إسكندرونة بوابتها الأساسية على المتوسط، فخيم عليها ركود اقتصادي لم تتخطاه إلا مع بداية المرحلة الوطنية بعد الاستقلال، حين استطاعت أن تعوض ما نتج عن تقلص دور موقعها، والتوجه نحو مناطق البادية والجزيرة لتصبح سوقاً تجارية لمنتجاتهما الزراعية والحيوانية، وممولاً لزراعة القمح والقطن الحديثة والواسعة في الجزيرة. وتعزز ذلك بإنشاء مرفأ اللاذقية وربطه بها بخط حديدي وبطريق دولي للسيارات، ليكون البديل لمنفذها التجاري الذي فقدته. وهكذا عادت حلب لتصبح أهم مركز لتجارة الحبوب والقطن في سورية بل في منطقة شرق المتوسط، ولتستأنف تقدمها في الميادين الاقتصادية الأخرى، وخاصة الصناعي منها، والتي كانت بالأساس من أهم دعائم اقتصادها إذ تركزت فيها مصانع عديدة للغزل والنسيج الحريري والقطني، كما نشأت فيها معامل كثيرة للإسمنت والزيوت والصابون إضافة للمحالج والمطاحن والمدابغ للجلود ومصانع المضخات ومحركاتها، والكابلات المعدنية وتركيب هياكل السيارات وسكب الأدوات المعدنية ومصانع السجاد الآلي والملابس الجاهزة.
المسجد الأموي في حلب |
ومع التوسع الكبير الذي شهدته المدينة، وتطور نمط البناء فيها، فقد انقسمت من الناحية العمرانية إلى قسمين، القديم والحديث، والاختلاف بينهما واضح في الشكل والمضمون، فالقديم يحتل الجزء المنخفض الذي يتوسط المدينة، ويعكس بما يضم من معالم الطابع التاريخي لها، أكثر الأبنية فيه مبنية بالحجارة الحلبية المشهورة بلونها الأشهب، الذي يُنسب إليه، كما يروى اسم حلب الشهباء.
وإضافة إلى الأسواق المغطاة الشبيهة بأسواق دمشق القديمة، التي تعطي فكرة كاملة عن واقع الحياة الاقتصادية وأسواقها في القرون الوسطى، يضم هذا القسم القديم كلاً من الأحياء التالية: الكلاسة وباب النيرب والمشارقة وقسطل الحجارين والسويقة. وجميعها تشترك بشكل أزقتها الضيقة وبيوتها المتلاصقة ذات الشرفات المستورة والواجهات الخشبية التي تتم الإطلالة منها على الخارج عبر نوافذ صغيرة.
الحديقة العامة في حلب |
محمود رمزي